كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة
من هو مؤلف كتاب الشعر والشعراء : ه
و أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة ولد في بغداد أو الكوفة على خلاف في ذلك عام 213=828م لأب إيراني أصله من مرو، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يشبه في مادته كتاب " طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي وهذا الكتاب من أقدم الكتب في تراجم الشعراء، وهو مثل كتاب ابن سلام في أنه لم يحرص على استيفاء الشعراء وتقصيهم وحصرهم بل اقتصر على مشاهيرهم، كما يشبه كتاب ابن سلام في انه يمتاز بمقدمة نقدية قيّمة تعد من بواكير النقد الأدبي المعلل، ويختلف بن قتيبة عن ابن سلام في أن كتابه هذا ليس في الطبقات وإنما في التراجم كما أنه يترجم لبعض المحدثين مثل أبي العتاهية ومسلم بن الوليد ودعبل الخزاعي والعباس بن الأحنف ، مراعيا في الأغلب مبدأ الترتيب الزمني في تناوله الشعراء، ومعظمهم كان من القدماء، وقد فصل ابن قتيبة منهجه في مقدمته، وهو أول منهج يصلنا في العربية على هذا القدر من الوضوح ففيه حديث عن مادة الكتاب وغاية المؤلف ووسيلته إلى هذا الهدف يقول في مقدمته تلك: " هذا كتاب ألفته في الشعراء أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم في أشعارهم وقبائلهم وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو بالكنية منهم وعمّا يستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره، وما أخذته العلماء عليهم من الغلط والخطأ في ألفاظهم أو معانيهم، وما يسبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون، وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها ويستحسن لها"، وقد أشار ابن قتيبة في مقدمته تلك إلى انه قصد في كتابه الشعراء المشهورين الذين يعرفهم جلّ أهل الأدب والذين يقع الاحتجاج بشعرهم في الغريب والنحو وفي كتاب الله عزوجل وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يعرض في كتابه " لمن كان غلب عليه غير الشعر، فقد رأينا بعض من ألف في هذا الفن كتابا يذكر فيه من الشعراء من لا يعرف بالشعر ولم يقل منه إلا النبذ اليسير...".
وقد أشار ابن قتيبة إلى قضية مهمة وهي الوقوف بين إجلال القديم والتهوين من شأن كل معاصر، فكان في اختياره لمادته متحررا من التبعية والتقليد:" ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارا له سبيل من قلّد أو استحسن باستحسان غيره ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، وإلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين وأعطيت كلاّّ حظه، ووفرت عليه حقه."، وفي الوقت نفسه نجده يعيب على أهل زمانه من النقاد استجدتهم لشعر شاعر لتقدمه حسب ، وإن كان سخيفا ويسترذلون شعر شاعر أخر لا لعيب إلا أنه ابن زمانه أو رأى قائله، ولا يكتفي ابن قتيبة برأيه في هذه القضية وإنما يحتج له بأسباب عمادها الملاحظة والمنطق والعقل فلم:" يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن ولا خصّ به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثا في عصره..."، وبعد المقدمة المقتضبة قسّم ابن قتيبة مادة الكتاب إلى قسمين " الشعر" والشعراء تحدث في الأول عن الشعر لفظه ومعناه، ما حسن منه وما رذل، وتحدث عن شكل القصيدة العربية وعمودها إضافة إلى عيوب الشعر المختلفة كالإكفاء والإقواء والإيطاء وغيرها، وأما القسم الثاني من الكتاب وهو الأهم فأفرده للشعراء وللحديث عن أنسابهم وأشعارهم وما اتصل بهم من تاريخ وحكايات مبتدئا بالجاهليين.
ثم الإسلاميين وتناثر المخضرمون بين القسمين ، بدأ بامرئ القيس ثم بزهير بن أبي سلمى وأتبعه بابنه كعب ، وليس هناك مبرر لتقديمه غير الرابطة الأسرية لان هناك شعراء تقدموا هذا الشاعر وفي بعض الأحيان تكون القرابة الفنية هي المقياس كما فعل مع الشعراء النقائض حين أوردهم متتابعين: جرير الفرزدق الأخطل، وكذلك فعل مع الشعراء الرجّاز كالعجاج وابنه رؤبة ومن على شاكلتهم.
وابن قتيبة لا يهتم عادة بتفسير لغويات النصوص التي يوردها ولا يشرحها، وقد يعلق عليها أحيانا ولكن تعليقه يكون تذوقيا غير معلل في الكثير من الأحيان
المراجع :- الشعر والشعراء ابن قتيبة مطبعة بريل ليدن 1902
- دراسة في مصادر الأدب الطاهر احمد المكي
- مصادر التراث العربي...عمر الدقاقأقسام الشعر : قال أبو محّمد : تدبرت الشعر فوجدته أربعة أضرب :
ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه ، كقول
القائل في بعض بني امية :
في كفه خيزران ريحه عبق
من كف أروع في عر نينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته
فما يكلّم إلا حين يبتسم
لم يقل في الهيبة شيء أحسن منه
وكقول
أوس ابن حجر :
أيتها النفس اجملي جزعا
إن الذي تحذرين قد وقعا
لم يبتد أحد مرثية بأحسن من هذا
وكقول
أبي ذؤيب :
والنفس راغبة إذا ورغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
حدثني الرياشي عن الأصمعي ، قال هذا أبدع بيت قالته العرب
وكقول
حميد بن ثور :
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصحّ وتسلما
ولم يقل في الكبر شيء احسن منه
وكقول
النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
لم يبتد أحد من المتقدمين باحسن منه ولا أغرب
ومثل هذا في الشعر
كثـيّروضرب منه حسن لفظه وحلا ، فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى ، كقول القائل:
ولما قضينا من منى كل حاجة
ومسّح بالأركان من هو ماسح
وشدت على حدب المهاري رحالنا
ولا ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالت بأعناق المطي الأباطح
هذه الألفاظ كما ترى أحسن شيء مخارج ومطالع ومقاطع ، وإن نظرت إلى ما تحتها من المعنى وجدته : ولما قطعنا أيام منى واستلمنا الأركان، وعالينا إبلنا الانضاء ومضى الناس لا ينتظر الغادي الرائح ، ابتدأنا في الحديث وسارت المطي في الأبطح
--------------------------------------------------------------
الانضاء : جمع نضو وهو الدّابة التي اهزلتها الاسفار وأذهبت لحمها ، وعالينا إبلنا الأنضاء أي اعتلينا الإبل الهزيلة من مشاق الرحلة