المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (391-458):
يعتبر معجم " المحكم والمحيط الأعظم" لصاحبه أبي الحسن علي ابن اسماعيل الأندلسي المعروف بابن سيده المعجم الثاني الذي عرفته الأندلس بعد البارع لأبي علي القالي ، والمعجم سار فيه صاحبه على نهج الخليل بن احمد في العين معتمدا في ذلك المختصر الذي ألفه أبو بكر الزبيدي على العين محاولا تصحيح بعض التصحيفات التي وردت فيه، وقصد ابن سيده في محكمه إلى هدف يختلف عن هدف الخليل والأزهري ، إذ رمى إلى جمع المشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل في كتاب واحد يغني عنها جميعها، إلى دقة التعبير عن معانيها، وتصحيح ما فيها من آراء نحوية خاطئة ولكنه يبدو أنه اتفق مع الأزهري في ربطه اللغة بالقرآن والحديث، يقول عن معجمه: إن كتابنا هذا مشفوع المثل بالمثل مقترن الشكل بالشكل، لا يفصل بينهما غريب، ولا أجنبي بعيد ولا قريب، مهذب الفصول، مرتب الفروع بعد الأصول، هذا إلى ما تحلى به من التهذيب، والتقريب، والإشباع، والاتساع، والإيجاز والاختصار مع السلامة من التكرار، والمحافظة على جميع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة". وقد قسم ابن سيده كتابه إلى الأبواب التالية:
1- الثنائي المضاعف الصحيح
2- الثلاثي الصحيح
3- الثنائي المضاعف المعتل
4- الثلاثي المعتل
5- الثلاثي اللفيف6- الرباعي
7- الخماسي
وقد أخذ ابن سيده هذا التقسيم كلّه من الزبيدي في مختصره ثم زاد عليه بابا ذكره في مواضع قليلة، نادرة ودعاه مرة السداسي وأخرى الملحق بالخماسي، ووضع فيه ألفاظا أعجمية وأسماء أصوات، ثم رتب المؤلف المواد في داخل الأبواب وفقا لما تتألف منه من حروف، وفقا لما تتصرف إليه وتتقلب فيه من وجوه وتقاليب، فبدأ كتاب العين مثلا بباب الثنائي المضاعف، وبدأ هذا الباب بالعين حين تتصل بالحاء، فوجدهما لا يأتيان في كلمة عربية ثنائية مضاعفة فانتقل إلى العين مع الهاء، فوجده " عه"، ومقلوبها " هع" ثم انتقل إلى العين مع الخاء، فوجده " خع" ولم يجد مقلوبها " عخ" ثم انتقل إلى العين مع القاف فوجد " عق"، ومقلوبها "قع".
ونشير هنا إلى أن أبواب الثنائي المضاعف : الصحيح والمعتل
تختلف عن بقية الأبواب قليلا، إذ لم يملأها بالمقلوبات وحدها بل جعل فيها أقساما خاصة بالثنائي المخفف مثل " من"، "صه" وبالمضاعف الفاء واللام مثل كعك، و"هيه"، وبالمضاعف الفاء والعين.. إلى جانب نثره للمضاعف الرباعي فيها، وهي الطريقة نفسها التي انتهجها الزبيدي.
وبحكم إلمامه بعدة علوم، ومنها العلوم الإسلامية رجع في معجمه إلى أصناف مختلفة من المعرفة مثل النحو والتفسير، الحديث واعتمد على مصنفات عديدة لكبار العلماء مثل كتاب سيبويه، وكتب أبي علي الفارسي، وأبي الحسن الرماني وابن جني.
مميزات المعجم:وأهم ظاهرة انفرد بها المحكم من غيره من المعاجم اللغوية ، ميل المواد إلى الانتظام في داخلها وفقا للمنهج الذي وضعه لنفسه فالأفعال بين ماضيها، ومضارعها ومصدرها، والصفة ، ومنها كقوله قبع، يقبع، قبعا، وقبوعا: نخر
ولا يهمل من كلّ ذلك إلا القياسي، والأسماء يذكر مفردها، وجموعها القلة منها والكثرة؛ الشاذة، وكلا النوعين يقدم منها المجرد ويؤخر المزيد، ويمكن أن نضرب مثالا عن حذفه للمشتقات القياسية – المطردة – بقوله : " إذا ذكرت مفعلا لم اذكر "مفعالا" لعلمي أن كلّ مفعل مقصور عن مفعال، مخيط مخياط، ومنه لا أذكر إفعالّ إذ ذكرت إفعلّ من الألوان، لأن كل إفعلّ عند سيبويه من الألوان محذوفة من أفعالّ إيثارا للتخفيف.
والظاهرة الثانية الهامة في المحكم ، جمعه الأقوال في تفسير اللفظ الواحد ، فهو شبيه من هذه الناحية بالأزهري، إلى حدّ ما، ولكن لا يتعارض هذا الاستقصاء مع تحريه الاختصار، من إيجاز لعبارة التفسير، وتجنب للتكرار، وحذف للصيغ القياسية، والشواهد ومثال الاختصار:" كقول أبي عبيد سمعت الشيباني يقول : الأنوف يقال لها المخاطم واحدها مخطم وقلت أنا في تعبيره المخطم: الأنف، وغنيت عما سوى ذلك لأنه إذا كانت الكلمة مفعلا فجمعها مفاعل .
ومن غريب ما تضمنه هذا الكتاب تمييزه أسماء الجموع من الجموع، والتنبيه على الجمع المركب، وهو الذي يسميه النحويون جمع الجمع، ومن طريف ما اشتمل عليه هذا الكتاب أيضا التفريق بين التخفيف البدلي، والتخفيف القياسي وهما نوعا تخفيف الهمز كقولي [ ابن سيده ] إن قول العرب أخطيت ليس بتخفيف قياسي وإنما هو تخفيف بدلي محض لأن همزة أخطأت ** همزة ساكنة قبلها فتحة، وصورة تخفيف الهمزة التي هذه نصبتها * أن تخلص ألفّا محضة فيقال أخطات كقولهم في تخفيف كأس كاس لان طأت من أخطأت بمنزلة كأس ".
* ويمكن القول بأن اهتمام ابن سيده الكبير بالمسائل النحوية والصرفية في معجمه – يرجع كما قلنا إلى طول باعه في النحو بالمقارنة مع اهتمامه باللغة، وعلى حدّ قوله: وذلك أني أجد علم اللغة أقل بضائعي وأيسر صنائعي، إذا أضفته إلى ما أنا به من علم حقيق النحو، وحوشي العروض، وخفيّ القافية، وتصوير الاشياء المنطقية، والنظر في سائر العلوم الجدلية".
وأما الظواهر الأخرى في المحكم فهي التفاته إلى اللغات والأعلام والروايات والإتباع، والتعبيرات المجازية، ولكن ذلك كلّه ضئيل لا يرتفع إلى درجة الظواهر المميزة، بل الأعلام التي ينقلها عن غيره من المعاجم يقتضبها ويقتصر فيها على أنها اسم، واختصارا يمكن القول إن عيوب المحكم هي تقريبا العيوب نفسها التي وجدناها عند الخليل والأزهري إضافة إلى التصحيف لأنه لم يكن يعتمد كثيرا على السماع، ولكن مع هذا يبقى المحكم خطوة عملاقة في مسير المعاجم العربية، ولو أنه اكتفى بمحاولة التنظيم داخل المواد.
نص تطبيقي من معجم المحكم والمحيط
الأعظم في اللغة لابن سيده
- العين والقاف والباء –عقب كل شيء وعاقبه وعاقبته وعاقبه وعقبته وعقباه وعقبانه: آخره قال خالد بن زهير الهذلي:
فإن كنت تشكو من خليل مجانة
فتلك الجوازي عقبها ونصورها
يقول: جزيتك بما فعلت بابن عويمر، وفي التنزيل " ولا يخاف عقباها ".
[ الشمس ] قال ثعلب : معناه: لا يخاف الله عز وجل عاقبة ما عمل أن يرجع عليه في العاقبة كما نخاف نحن، وقالوا: العقبى لك في الخير: أي العاقبة، وجمع العقب والعقب: أعقاب ولا يكسر على غير ذلك وعقب القدم وعقبها: مؤخرها، مؤنثة منه؛ وفي الحديث : " نهى عن عقب الشيطان في الصلاة" وهو أن يضع إليته على عقبيه بين السجدتين، وجمعها أعقاب، وأعقب ، أنشد ابن الأعرابي:
فرق المقاديم قصار الأعقبوعقبه يعقبه عقبا: ضرب عقبه، وعقب عقبا: شكا عقبه
وعقب النعل: مؤخرها، أنثى، ووطئوا عقب فلان: مشوا في أثره وولى على عقبه وعقبيه: إذا أخذ في وجه ثم انثنى ...
وفرس ذو عقب وعقب: أي له جري بعد جري: قال أمرؤ القيس:
على العقب جيّاش كأن اهتزا مه إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
والعقب والعقب والعاقبة: ولد الرّجل وولد ولده
وقوله تعالى "
وجعلها كلمة باقية في عقبه [ الزخرف 28] أراد عقب إبراهيم عليه السلام يعني لا يزال من ولده من يوحّد الله تعالى ، والجمع أيضا أعقاب
المصادر:
1- معجم المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده
2- المعجم العربي حسين نصار
3- المصادر اللغوية في المكتبة العربية عبد اللطيف الصوفي.