طبقات فحول الشعراء لابن سلاّم الجمحي
من هو مؤلف الكتاب فحول الشعراء : هو أبو عبد الله محمد بن سلاّم بن عبيد الله بن سالم الجمحي البصري مولده بالبصرة في سنة 139هـ ووفاته سنة 231هـ أو سنة 232هـ ببغداد
وكتابه هذا يعد أول كتاب في النقد وصل إلينا كاملا وقد حاول فيه صاحبه أن يصنف الشعراء ويضعهم في مراتب أو طبقات؛ إنه نمط جديد من التأليف، فقد رأينا أن الكتب التي ألفت في عصره أو كانت سابقة عليه كان مؤلفوها يسعون إلى جمع الروايات المختلفة من الشعر والقصص والأخبار والأنساب والحكم والأمثال، وإن اهتمت بعض هذه الكتب بموضوع بعينه مثل كتاب الأغاني وكتاب الكامل وكتاب البيان والتبيين، أما ابن سلاّم فكان يهدف إلى تقدير الشعراء وفقا لمقاييس معينة تفتق عنها ذهنه وعلمه وذوقه الشخصي ومن ثم سمى كتابه طبقات فحول الشعراء، وهنا نشير إلى إن المحقق محمود محمد شاكر قطع بأن ابن سلاّم لم يرد بقوله:" طبقة" ما يهجم على الخاطر من معنى المرتبة أو المنزلة، ولم يرد ما أراده غيره في زمانه وبعد زمانه في كتب ألّفوها وسمّوها " الطبقات" – ولهذا فإن طبقة يقصد بها أن شعراءها نظراء وتجمع بينهم صفة مشتركة وقدر واحد من الموهبة وسلامة الفطرة، وليس معنى الطبقة المعاصرة التاريخية، ولكنها تشابه الشاعرية وتشاكل الموهبة الفنية.
ولهذا نجد ابن سلاّم يقول " وليس تبدئتنا أحدهم في الكتاب نحكم له ولا بد من مبتدأ " فاحترس ونبّه القارئ كتابه على أن تقديم شاعر من الأربعة على صاحبه المشابه مذهبه لمذهبه ليس حكما منه على تقديمه بل الأربعة جميعا عنده متكافئون معتدلون لأن كل واحد منهم رأس في مذهبه ومنهجه وإنما جمعهم فيما سمّاه " طبقة " لما انتهى هو إليه بعد الفحص والنظر من تشابه مناهج هؤلاء الأربعة النظراء، والتشابه هنا عند ابن سلام لا يعني التطابق، فهذا باطل لا يقبله العقل، وإنما يعني وجوها من الشبه بعينها في المناهج مع اختلاف ظاهر يتميز به كل واحد منهم عن صاحبه، وبهذا الاختلاف يكون كل منهم رأسا في هذا المذهب من مذاهب الشعر.
وقد إمتاز هذا الكتاب بمنهجه الدقيق المحكم برغم تقدّمه في عصره كما عرف بوضوح الخطة وحسن التقسيم، فهو في قسمين كبيرين: مشاهير الشعراء الجاهليين ومشاهير الشعراء الإسلاميين أي أن ابن سلاّم جعل ظهور الإسلام حدّا فاصلا بين عهدين أو نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى ولم يفرد المؤلف للمخضرمين قسما في كتابه لأنهم لا يستقلون بمرحلة خاصة، بل جعل بعضهم في عداد الجاهليين وبعضهم الآخر في عداد الإسلاميين، وقد قسم الشعراء الجاهليين إلى عشر طبقات وكذلك فعل مع الشعراء الإسلاميين وجعل في كل طبقة أربعة شعراء ونجد ابن سلاّم أضاف إلى المجموعتين – طبقات أخرى حسب الأغراض تارة وحسب الأماكن تارة أخرى، مثل طبقة شعراء المراثي وطبقة شعراء المدينة، وطبقة شعراء مكة، وطبقة شعراء البحرين وحتى طبقة شعراء اليهود.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن ابن سلاّم قدّم لكتابه بمقدمة مهمة جدّا في قواعد النقد الأدبي لعلها أقدم ما كتبه باحث عربي في هذا المجال متجلية في قضايا نقدية خطيرة تكشف عن مفهوم الشعر في ذلك العصر كما ناقش قضية أدبية شغلت الأدباء زمنا، وهي قضية الانتحال في الشعر، ويمكن إن نشير هنا بتلخيص إلى القضايا النقدية التي ناقشها ابن سلاّم وهي أولا ضرورة التحقق من صحة نسبة الشعر إلى صاحبه قبل إبداء الرأي فيه ذلك أن الانتحال كان قد كثر في الشعر العربي لسببين هما الفتح الإسلامي واشتغال المسلمين به، والثاني تعصب القبائل والبحث عن المفاخرة، والتحدث عن الوقائع والمآثر، والقضية الثانية التي ناقشها هي أن الذوق الشخصي أساس الحكم على الشعر، ولهذا شروط لا يمكن ذكرها في هذا المجال، ولكن يمكن تلخيصها في الأسس الثلاثة هي : الجودة والكم وتنوع الأغراض التي قال فيها الشاعر
عيوب طبقات فحول الشعراء :1- ألزم ابن سلام نفسه بتصنيف الشعراء الجاهلين والإسلاميين في عشر طبقات في كل طبقة أربعة شعراء، وليس هناك ما يبرر التزامه بهذه الأرقام، كما انه لم يقدم سببا لذلك، بل إنه قد يعترف بأن شاعرا كان يستحق إن يوضع في مرتبة أعلى من المرتبة التي وضعه فيها ومنعه من ذلك تقيده باختيار أربعة من الشعراء في كل طبقة.
2- صنّف ابن سلام الشعراء في طبقات وقد خضع في المفاضلة بينهم لمعايير فنية ولكنه لم يلتزم بذلك حيث نجده في مواضع مختلفة يضع شعراء الرثاء في طبقة مستقلة، ومرة أخرى يضع شعراء اليهود في طبقة أخرى وهكذا ...
3- اختار ابن سلام معيار الكثرة في الإنتاج أساسا للمفاضلة بين الشعراء إلى جانب الجودة ولم يحتكم إلى معيار الجودة وحده وهذا ما أدى به إلى تأخير شعراء لهم نصيب كبير من الجودة، خصوصا إذا علمنا أن ابن سلام ممن يقول بان الكثير من الشعر لم يصلنا ولو وصلنا لتغيرت رؤيتنا إلى الكثير من الشعراء ..
وقصارى القول إن ابن سلام هذّب النقد الساذج من موروث الجاهلية وإن لن يضف إليه كثيرا، وحاول أن يدخل في تاريخ الأدب اتجاها نحو التفسير والتعليل ومحاولة للتبويب والتنظيم تخضع لأسس ، وتنهض على قواعد، واهتماما بسير الشعراء وحياتهم ليفسر في ضوئها إنتاجهم وإن لم يكن بلغ الغاية في كتابه فحسبه انه وضع اللبنة الأولى
المصادر:1- طبقات نحو فحول الشعراء ابن سلاّم الجمحي تحقيق محمود محمد شاكر.
2- دراسة في مصادر الأدب الطاهر أحمد المكي
3- المصادر اللغوية والأدبية في التراث العربي عز الدين إسماعيل
4- مصادر التراث العربي عمر الدقاق