الأدب المغربي
التفاعل الحضاري بين المشرق و المغرب
لقد فتح العرب المغرب، و استغرق هذا الفتح حوالي سبعين سنة، بدأ ببحث استطلاعي قام به عقبة بن نافع الفهري في ذي القعدة سنة 642م، و انتهت بحملة موسى بن نصير التي أخضع فيها المغرب الأقصى سنة 708م، و كان من نتائج هذا الفتح العظيم أن عرب المغرب إلى حد كبير ، و تحول إلى الإسلام تحولا عميقا.
و لا ريب أن هذا الفتح العربي الذي تمّ خلال القرن الأوّل الهجري و السابع الميلادي، قد أحدث ثورة كبرى، تمثلت في انهيار الحاجز المغلق الذي كان يفضل الشرق عن الغرب ، و في امتداد رواق الإسلام على مسافات شاسعة أمام الأرض ، تمتد من حدود مصر غربا إلى المحيط الأطلسي ، ثم فتح الطريق أمام المسلمين.
و لقد حظيت العربية باحترام أهل المغرب على وجه العموم، و قد اعتبروها لسان الأدب و لغة العلم و عنوان الثقافة، فانبلج بالتالي في القرنين الخامس و السادس الهجريين " عصر جديد أصبحت فيه اللغة العربية ربة المنزل، و صاحبة الأمر و النهي على القرائح و العقول.
و عند منتصف القرن الخامس الهجري حدث ما هو معروف من زحف القبائل العربية على المغرب العربي ، و قد كان لهذا الزحف من الأثر الكبير على الناحية الثقافية، و كان من أكبر العوامل المؤثرة في تعريب الثقافة المغربية.
و من عناصر التكوين الثقافي التي لا يمكن تجاهل تأثيرها في هذا الطور، زحف مذهب مالك بن أنس من التأثير الذي أحدثته مدرسة القيروان التونسية و مرورا بالقسم الغربي في العالم الإسلامي كله، و هو القسم الذي انتظم فيه الأندلس و بلدان المغرب العربي ، و عبورا إلى القارة الإفريقية حيث لا يزال مذهب مذهب مالك هو المذهب الغالب في هذه البلاد.
و قد انتشرت في هذا العصر ظاهرة التنافس الثقافي، و كان لسباق قائما بين بلدان لمشرق و المغرب و الأندلس و عواصمها المختلفة: المهدية و بجاية و فاس و تلمسان، و سبتة و بغداد و القاهرة و المدينة المنورة و مكة و غيرها.
و قد برزت كل مدينة من هذه المدن بلون خاص من العلوم و الآداب غلب عليها ، و اشتهرت به.
و كانت حركة الانتقال المتاحة بين العواصم الإسلامية( دون جوازات سفر أو تأثيرات دخول و خروج) كانت هذه الحركة الانتقالية التي غلب عليها طابع البعثات و الرحلات العلمية من أبرز العوامل في إذكاء روح النشاط الثقافي.
و هي ظاهرة عامة في العالم الإسلامي كله خلال هذه العصور بدرجات متفاوتة بين شعوب و حكومات هذا العالم لقد كانت حدود الأقاليم غير ذات أهمية ، و هي لم تمثل حاجزا أو فاصلا بين العلماء و الأدباء و الكتاب و الشعراء، بل كانت الأفكار في العالم الإسلامي متصلة كما تعكس تقاربا ثقافيا يعتبر خصية كبرى من خصائص الحضارة الإسلامية في عصور الازدهار.
و في الموسوعات العلمية الكبرى لهذه القرن تأكيد واضح لبروز هذه الظاهرة و دورها الإيجابي في خلق وحدة فكرية في العالم الإسلامي كله، فابن بسام يفرد القسم الرابع من موسوعته " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " لمن هاجر إلى الجزيرة أي " الأندلس " من الأفاق و طرأ عليها من شعراء الشام و العراق و يشتمل هذا القسم على تراجم هؤلاء الرحالة الشعراء في القرن الخامس الهجري ، و حتى وفاة ابن بسام سنة 542هـ قريبا من منتصف القرن السادس الهجري.
و المقري صاحب موسوعة نفح الطيب يورد لنا نحوا من مائتين و خمسين ترجمة لمن رحلوا عن الأندلس إلى المشرق من العلماء و الأدباء و الفقهاء، و يورد لنا أيضا من قريبا من خمس و سبعين ترجمة لمن رحلوا من المشرق إلى الأندلس.
و في كتاب الصلة لأبي القاسم خلف بن عبد الملك الشهير ب " ابن بشكوال" المتوفى سنة 578هـ، نلحظ الظاهرة نفسها ، فأغلبية المترجم لهم رحلوا إلى المشرق ، و كثير من المشارقة زاروا الأندلس ، و قد ألحقهم ابن بشكوال بقائمته التي أطلق عليها اسم " الغرباء ".
و في التكملة لابن الأبار، و في وفيت الأعيان لابن خلكان فوات الوفيات للصفدي ، و في جذوة المقتبس للحميدي و في غيرها من المصادر ، نستطيع التأكد من هذه الظاهرة على نحو واضح.
و حين يورد لنا " المقري التلمساني " حياة الأزدي الحميدي صاحب " جذوة المقتبس " المذكور آنفا ، يخيل إلينا أننا أمام مواطن عالمي فقد عاش و طلب العلم في كل من الأندلس و مصر و دمشق و مكة المكرمة و واسط و بغداد و غيرها.
و مما ذكر آنفا يتأكد لدينا أن التفاعل الحضاري و الثقافي بين المشرق و المغرب كان على مستو عالي و إن وجد في الوقت نفسه تفكك سياسي.
و هكذا وجدت وحدة حضارية صهرت المغرب العربي في بوتقتها، فجعلت انتماءه للحضارة الإسلامية انتماء وجود و كيان و مصير.
الدولة الرستمية بتيهرت
لقد خدمت الدولة الرستمية الأمة في الكثير من الجوانب سواء في جانب التأليف و نشر العلم أو في الجانب الاقتصادي و الاجتماعي أو في الجانب المعماري و حتى في الجانب السياسي ، و هي دولة إسلامية عريقة نشأـ سنة 160هـ و استمرت إلى سنة 296هـ أي أنها بقيت مدة 136 سنة(1).
نشأت هذه الدولة في المغرب الأوسط – الجزائر – حاليا على يد الإمام عبد الرحمن بن رستم(2).
و لد عبد الرحمن في العراق في العقد الأول من القرن الثاني الهجري على أكبر تقدير، و يرجع في نسبه إلى الأكاسرة ملوك الفرس ، فهم أجداده ، إلاّ أ،ّ بعض المؤرخين يعيدون نسبه إلى اللاذارقة ملوك الأندلس قبل الإسلام، و المهم في هذا أنه سليل بيت الملوك قبل الإسلام، سواء كانوا من الفرس أم من اللاذارقة(3).
سافر أبوه به و أمه من العراق إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، إلاّ أنّ الأب وافاه أجله، و ترك يتيما و أرملة ، فتزوجت أمه برجل من أهل المغرب ، فأخذها و ابنها عبد الرحمن إلى القيروان، نشأ عبد الرحمن في القيروان ، و صادف هناك نشر الدعوة الإباضية في تلك الربوع فتعلق بها، و نصحه أحد الدعاة بالسفر إلىالمشرق لتلقي المزيد من العلم علي يد الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة إمام الإباضية في ذلك الوقت ، توجه إلى البصرة و ظل مع الإمام أبي عبيدة لمدة خمس سنوات يدرس في سرداب أبي عبيدة الذي أ‘ه هذا الأخير تحت الأرض خوفا من عيون الأمويين(4)
و عاد عبد الرحمن مع أصحابه حملة العلم إلى المغرب ، و كان من ضمنهم أول إمام بويع في المغرب و هو الإمام أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري اليمني.
ــــــــــــــــــــــ
1- الدولة الرستمية ، ابراهيم بحاز، جمعية التراث ، القرارة ، ص: 110
2- منهج الدعوة عند الإباضية ، د/ محمد صالح ناصر، مكتبة الاستقامة، مسقط، سلطنة عمان ص:155.
3- معجم أعلام الإباضية ، بحاز و آخرون ج:2، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ،ط:2 1421هـ/ 2000م، ص. 246.
4- نشأة الحركة الإباضية ، عوض خليفات، مطابع دار الشعب، الأردن ، عمان 1978، ص: 108- 137 ، و منهج الدعوة عند الإباضية ، د/ محمد صالح ناصر ص: 119- 149.
و قد كان للرستميين اهتمام كبير بالصناعة و التجارة اهتمام كبير بالصناعة و التجارة كما أنشأوا بيوتا للأموال في مدن الدولة الرستمية ، كما كان لهم إلى جانب ذلك كله اهتمام بالجانب العلمي و الفكري، فاهتمت الدولة بإنشاء المؤسسات التعليمية كالكتاب- أماكن للتعليم – و كذلك إقامة حلقات علم في المساجد سواء في التفسير او الحديث أو الفقه أو اللغة و غيرها من العلوم حتى أن أئمة الدولة الرستمية كانوا يساهمون في التعليم بأنفسهم و لا يأنفون من ذلك أو يتكبرون كالإمام عبد الوهاب الذي قضى سبع سنوات يعلم الناس أمور الصلاة في جبل نفوسة أو الإمام أفلح الذي دارت عليه أربع حلقات للعلم قبل أن يبلغ الحلم(1)
و كذلك اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم و الأثر ، و من مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلاف من المجلدات و الكتب، فكانت تضم بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير و حديث و فقه و توحيد ، و كتبا في الطب و الرياضيات و الهندسة و الفلك و التاريخ و اللغة و غيرها من العلوم المختلفة ، و ن المكتبات المشهورة الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب ، و كذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة.
و هذه النهضة العلمية لا بد و أن يواكبها نهضة في مجال التأليف فحازت الدولة الرستمية قصب السبق في ذلك، فقدم أئمتها و علماؤها للأمة الكثير من المؤلفات في مختلف فنون العلم سواء الدينية أو الدنيوية(2)
كذلك نجد أن الدولة الرستمية كان لها اهتمام بالأدب العربي من شعر و نثر ، فأما النثر فيظهر ذلك جليا من خطب أئمة الدولة الرستمية و مراسلاتهم و أما الشعر فكان لهم نصيب فيه و لكن ليس كالنثر، و من شعراء الدولة الرستمية الإمام أفلح بن عبد الوهاب ، و من قصائده العصماء تلكم القصيدة في فضل العلم التي يقول في مطلعها:
العلم أبقى لأهل العلم آثــــارا و ليلهم بشموس العلم قد نــارا
يحي به ذكرهم طول الزمان و قد يريك أشخاصهم روحا و أبكارا
و قد كانت للدولة الرستمية علاقات ثقافية مع بلدان المغرب و الأندلس ، و مع بلاد السودان و بلدان المشرق العربي فكانت بينهم مراسلات و لقاءات(3)
و من أشهر مدن الدولة الرستمية : مدينة تيهرت العاصمة ، و مدينة وهران و مدينة شلف و مدينة الغدير و المدينة الخضراء و غيرها من المدن (4)
ــــــــــــــــــــ
1- الدولة الرستمية، بحاز إبراهيم ص: 281، و معجم أعلام الإباضية ، بحاز و آخرون2/ 61.
2- الدولة الرستمية ، بحاز ابراهيم ص: 288- 290.
3- أنظر معجم أعلام الإباضية، بحاز و آخرون 2/61
4- الدولة الرستمية ، بحاز، ص: 282- 398
و قد امتدت حدود الدولة الرستمية في فترة من فتراتها الزاهرة من حدود مصر شرقا إلى مدينة تلمسان في أقاصي المغرب الأوسط غربا(1)
بكر بن حماد التيهرتي
أبرز أعلام الدولة الرستمية
لقد أنجبت الدولة الرستمية العديد من الأعلام الذين نبغوا في مختلف الجوانب و من هذه الجوانب الساحة الشعرية و الأدبية ، و من أشهر فحول شعراء الدولة الرستمية بكر بن حماد التيهرتي.
هو أبو عبد الرحمن بكر بن حماد بن سمك( قيل ابن سهر) بن اسماعيل الزناتي التيهرتي، ولد بتيهرت سنة 200هـ و بها توفي سنة 296هـ ، له رحلة إلى الشرق بدأها سنة 217هـ سمع فيها الفقهاء و العلماء.
كان عالما بالحديث و تميز الرجال ثقة مأثورا ثبتا صدوقا إماما حافظا، سمع بالقيروان قبل رحلته إلى المشرق سحنون بن سعد التنوخي قاضي افريقية سنة 234هـ و في البصرة لقي عمرو بن مرزوق ، و مسدد بن مسرهند الأسدي و غيرهما من العلماء و كتب عن مسدد مسنده و رواه عنه بتيهرت .
و ما يحكى عن بكر بن حماد في الحديث ما رواه القرطبي في تفسيره ( الجامع 1/ 287 دار إحياء التراث العربي 1372هـ/ 1952م) و اقتبسه منه المقري في نفحه ( نفح الطيب 2/48-49).
هذا و قد أخذ الحديث عنه عدد من العلماء منهم القاسم بن أصبع الذي كتب مسند مسدد بن مسرهند، و منهم أبو عبد الله محمد بن صالح القحطاني المعافري الأندلسي، و منهم ابنه عبد الرحمن بن بكر بن حماد، و قاسم بن عبد الرحمن التميمي التيهرتي.
و قد نبغ بكر بن حماد في الشعر أيما نبوغ ، و نظم قصائد جيدة في أغراض مختلفة كالوصف و المديح و الهجاء و الرثاء و الاعتذار و الزهد و الوعظ.
و شعر بن حماد مبعثر بين صفحات الكتب و ثنايا المخطوطات ،و قد بذل الأستاذ محمد شاوش جهد في جمع ما استطاع من شعره من مختلف المصادر التي تمكن من الحصول عليها ، فعثر بعد البحث الطويل المستمر حسبما يذكر على نحو المائة و عشر أبيات من شعره لا غير، هذا و لم يقطع الأمل في
ــــــــــــــــ
1- الأزهار الرياضية، الباروني 2/ 45-66
اكتشاف غيرها في المستقبل.
و جودة شعر بن حماد تعود إلى ترحاله المستمر حيث رحل إلى المشرق و هو شاب فالتقى بفطاحل شعراء القرن الثالث الهجري مثل دعبل الخزاعي، و علي بن الجهم ...فكان لهذه الرحلة التأثير الأكبر على فكره و استعرابه.
و يصف الأستاذ بونار بن حماد في الشعراء المطبوعين ، و هم قلة فيقول: " إن هذه الشخصية هي أنبغ شخصية في الشعر الغنائي بالمغرب العربي عامة و لا نجد نظيرها في عمق تفكيرها و أصالتها البيانية و امتلاكها لموهبة شعرية محترمة إلا في الأندلس ... و يحق لمؤرخ الأدب في هذا العصر أن يصرح بأن ظهور بكر بن حماد في القرن الثالث ... هو أكبر مفخرة للأدب المغربي "(1)
و هذه بعض الأبيات للشاعر في الاعتذار من الإمام أبي حاتم يوسف بن أبي اليقظان ( حكم الدولة الرستمية سنة 281- 249 هـ) عن خطئ ارتكبه:
و مؤنسة لي بالعراق تركتها و غصن شبابي في الغصون نضير
فقالت كما قال النواسي قبلها عزيز علين أن نراك تســـير
فأكرهني قوم خشيت عقابهم فداريتهم و الدائرات تــــدور
و أكرم عفو يؤثر الناس أمره إذا ما عفا الإنسان و هو قديــــــر
و قد اشتهر بن حماد بشعر الزهد و التصوف حتى شبه بأبي العتاهية اعتقادا منهم أنه تأثر به أثناء رحلته إلى المشرق فمن شعره في لزهد(2)
قف بالقبور فناد الهامدين بها من أعظم بليت فيها و أجساد
قوم تقطعت الأسباب بينهـــم من الوصال و صاروا تحت أطواد
و الله و الله لو ردّوا و لو نطقوا إذا لقالوا التّقى من أفضل الزاد
فهي أبيات كما نرى من أجمل و أروع ما قيل في مجال الزهد تحدث من التأثير الشيء العظيم على كلّ من يقرؤِها.
و قد اختلف في سنة وفاته، فذهب ابراهيم طلاي محقق الطبقات إلى أنه توفي سنة 292هـ و لم يذكر المصادر التي اعتمد عليها (3) و يذكر الدكتور بحاز أنه توفي في 296 هـ(4) و لعله الأصح.
ــــــــــــــــــ
1-الدولة الرستمية، بحاز ابراهيم ، جمعية التراث ، القرارة الجزائر 1993 ص: 308- 363
2- الأزهار ، للباروني 2/95، و الدولة الرستمية ل بحاز ص:364
3- الطبقات، الدرجيني 2/1 نقلا عن الأزهار للباروني 2/97
4- انظر الدولة الرستمية، بحاز ابراهيم
ابن رشيق القيرواني
كان رشيق مملوكا روميا من موالي الأزد و من أهل مدينة المسيلة ( المحمدية) في المغرب الأوسط ( الجزائر) و كانت صنعته الصياغة، و في المحمدية ولد ابنه الحسن سنة 390هـ ( 1000م) أو قبل ذلك بقليل ، فتعلم صنعة أبيه و تأدب قليلا.
و في سنة 406 هـ ( 1016م) انتقل الحسن بن يوسف بن رشيق إلى القيروان و درس على جماعة من أدبائها و علمائها ، و كان منهم أبو محمد عبد الكريم بن ابراهيم النهشلي ( و ابن رشيق كثير الاستشهاد بآرائه في كتاب العمدة) و منهم أيضا أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز القيرواني ( ت 412 هـ) اشتهر ابن رشيق في القيروان و اتصل بصاحبها الأمير معز بن باديس منذ سنة 410هـ فلقي عنده حظوة، و أصبح من بطانته و أهل دولته.
انتقل ابن رشيق إلى جزيرة صقلية و نزل في مازر ( على الساحل الجنوبي الغربي ) و بقي فيها إلى أن أدركته الوفاة في غرة ذي الحجة من سنة 456 هـ ( 14/ 11/1064م).
ابن رشيق عالم باللغة و النحو و بارع في الأدب و النقد و شاعر و مؤلف حسن التأليف ، و لقد غلب نقد الشعر عليه فعرف به دون سائر فنون العلم و الأدب ، و ابن رشيق شاعر مقتدر ، صحيح المعاني ، متين الأسلوب غير أن العقل يغلب في شعره على العاطفة ، و معظم معانيه مستعارة، و إن كان أحيانا يصيب الصورة الشعرية.
تقوم شهرة ابن رشيق و مكانته على كتاب " العمدة " و هو يتألف من قسمين في أولها نقد تاريخي للشعر ، و في الثاني منهما بلاغة و نقد ( و إن كنت تجد أبوابا في القسم الأول هي أخلق بالقسم الثاني ، كما نجد في القسم الثاني أبوابا أقل عددا يجب أن تكون في القسم الأول) فمن أبواب القسم الأول: فضل الشعر – الرد على من يكره الشعر – شعر الخلفاء و الصحابة- باب من رفعه الشعر ( كامرئ القيس) و من وضعه أي حطّ قدره الشعر ( كالنابغة) – باب التكسب بالشعر و الأنفة من التكسب به- القدماء و المحدثون المقلون من الشعر و المكثرون – مشاهير الشعراء- باب الشعراء و الشعر: حد الشعر اللفظ و المعنى – المطبوع و المصنوع – الأوزان- القوافي – القطع و الطوال- المبدأ و الخروج و النهاية- الإيجاز- الفرق بين الاختراع و الإبداع- المجاز- الاستعارة – التجنيس – الفرق بين الترديد و التكرار- الاستثناء- توكيد المدح بما يشبه الذم – السرقات – النسيب – المديح – الرثاء...الخ – سيرورة الشعر و الحظوة عند الممدوحين – باب في أصول النسب و بيوتات العرب – باب معرفة الأماكن و البلدان – باب الوصف...الخ
يقول ابن خلدون في تقريظ كتاب العمدة لابن الرشيق مايلي: " و هو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة ( صناعة الشعر ) و إعطاء حقها ، و لم يكتب فيها قبله و لا بعده مثله ".
و لابن رشيق من التصنيف أيضا :
- كتاب الأنموذج ( في شعراء القيروان المعاصرين له )
- قراضة الذهب في نقد أشعر العرب.
- كتاب الغرائب و الشواذ في اللغة.
و له عدد من الرسائل يرد فيها على معاصره و منافسه ابن شرف القيرواني منها :
- فوات الوفيات
- رسالة ساجور الكلب
- رسالة قطع الأنفاس
- رسالة نجح الطلب
- رسالة رفع الإشكال و دفع المحال
- فسخ اللمح و نسخ الملح
- ميزان العمل في أيام الدول.
مختارات من آثاره:
قال ابن رشيق في وصف حال المسلمين حينما بدأ الأسبان النصارى يستولون على المدن الأندلسية و يخرجون منها أهلها تقتيلا و تشريدا:
المسلمون مقسمون تنالهم أيدي العصاة بذلة و هوان
بادوا نفوسهم فلما أنفدوا ما جمعوا من صامت و صوان(1)
خرجوا حفاة عائذين بربهم من خوفهم و مصائب الألوان
هربوا بكل وليدة و فطيمة و بكل أرملة و كل حصان(2)
فتفرقوا أيدي سبا و تشتتوا بعد اجتماعهم على الأوطان(3)
ـــــــــــــــــــــــــ
1- بادوا نفوسهم فما انفدوا: أنفقوا ما كانوا خزنوه. الصامت: المال الجامد( كالعملة و الأبنية ..إلخ). الصوان: الصندوق توضع فيه الثياب الثمينة( لصونها).
2- الحصان: المرأة الشريفة النبيلة( التي لا يمسها أجنبي)
3- تفرق القوم أيدي سبا: تشتتوا( تفرقوا تفرقا لا اجتماع بعده)
للامانة العلمية الموضوع منقول لتعميم الفائدة. فريد قر ميش