مدخل إلى الأدب الجاهلي
التعريف بمصطلح الأدب الجاهلي : إذا بحثنا في فترة العصر الجاهلي فإننا لا نجد ما يدل على استخدام العرب للفظة الأدب ، وإنما نجد اسم الفاعل منها " أدب" أي الداعي إلى الطعام أو صانع المأدبة ، و هّذا واضح في قول طرفة ابن العبد :
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
لا ترى الآدب فينا ينتقر
ولم تتجاوز هذه اللفظة في نطاق العصر الجاهلي المعنى الحسي .
وقد جاء في لسان العرب لابن المنظور: إن الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس ، سمي أدبا لأنه يأدب الناس إلى المحامد، و ينهاهم عن المقابح، و أصل الأدب الدعاء و منه قيل للصنيع يدعى إليه الناس مدعاة و مأدبة.
إنّ استخدام كلمة " أدب " التي أصبحت تعني اليوم التعبير القولي المتفنن عن الذات الإنسانية ، هو استخدام مستحدث في اللغة العربية ، إذ لم يكن العربي ، إذ لم يكن العربي في الجاهلية حين يقول ما نسمّيه اليوم أدبا – شعرا كان أو نثرا – يسمّيه كذلك ، و إنما يبدو أنّ هذه الكلمة كانت تستعمل في العصر الجاهلي و العصور الإسلامية الأولى للدلالة على الخلق النبيل الكريم ، وما يتركه هذا الخلق من أثر في الحياة العامة و الخاصة ، و من المرجح أنه بتطور الحياة وطموح الناس إلى الثقافة ، واتصالهم بالحضارة الفارسية و غيرها من الحضارات ، و ازدهار حركة التأليف الأولى في القرنين الثاني و الثالث نشأ إلى جانب هذا المعنى العملي المتصل بالسلوك اليومي معان مجازية أخرى ، منها أنّ هذه الكلمة أصبحت تدل على جملة المعارف التي تسمو بالذهن و التي تتصل بوسائل التخاطب الإجتماعي مثل النثر الفني و الشعر و ما إلى ذلك، حتى كان عصر الجاحظ الذي أسّس مفهوما ثقافيا للكلمة فمهد للتطور الدلالي الذي عرفته الكلمة في العصر الحديث
_________________________________
هذا فيما يخص كلمة " أدب " أما عن كلمة " الجاهلي" و التي يراد بها العصر أو الفترة العربية الممتدة من قبيل ظهور الإسلام ، و يعد تاريخ الجاهلية أضعف قسم كتبه المؤرخون في تاريخ العرب ، إذ يعوزه التحقيق و التدقيق ، ويبدو أنّ كل المصادر تقسم عصر الجاهلية إلى قسمين : العصر القديم أو الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية قبيل الإسلام ويميل بعضهم إلى القول بأن الفترة الأولى تمتد من فجر التاريخ إلى القرن الخامس الميلادي ، و الفترة الثانية تمتد من القرن الخامس الميلادي إلى ظهور الإسلام ، و هذه الفترة الثانية هي التي جاءنا عنها الشعر و هي التي تمتد إلى أكثر من قرنين قبل الإسلام
إنّ الصفات الثقافية لهذه المرحلة الجاهلية من تاريخ العرب تقتضي القول بأنّ وراءها تاريخا طويلا استغرق قرونا عدّة سبقت فترة ما قبل الإسلام على الرغم ممّا يبدو لنا من أنّ العصر العربي عشية ظهور الإسلام كان بالقياس إلى ما قبله من العصور القديمة يتسم بالانحطاط الاجتماعي الشديد ، مما حمل أكثر الباحثين على القول بأن الجاهلية التي وصف بها هذا العصر تعني الجاهلية و الهمجية .
والجاهلية في المعاجم هي زمن الفترة و لا إسلام و قالوا : الجاهلية الجهلاء فبالغوا ، وفي تفسير حديث الرسول ( صلى الله عليه و سلّم) : إنك امرؤ فيك جاهلية ، يقول صاحب اللسان: و هو الحال التي كان عليها العرب الإسلام من الجهل بالله سبحانه و رسوله و شرائع الدين و المفاخرة بالأنساب و الكبر و التجبر و غير ذلك و كثيرا ما ارتبطت كلمة الجهل في الاستخدام القرآني بمعاني العدوان بصورة أو بأخرى على الحقائق الكونية العليا و ذلك في مثل قوله تعالى :
" قالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنّكم قوم تجهلون" 138 الأعراف
"قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون " 64 الزمر
_________________________
كذلك تستخدم الكلمة مرتبطة بانتهاك المقدسات و التجرؤ على الحرمات و ما يتصل بها من القيم و المثل العليا ، يقول تعالى :
" قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون " 89 يوسف
" خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين" 199 الأعراف
وهكذا يتضح لنا أن الجاهلية في جوهرها عدوان أو ميل إلى العدوان أو استرسال في الغضب و الضلم بصوره المادية و المعنوية المختلفة و لقد وصف القرآن الكريم المجتمع العبي قبل الإسلام بالجاهلية فقال تعالى:
" يظنّون بالله غير الحق ظنّ الجاهلية " 154 آل عمران
وقال : " أفحكم الجاهلية يبغون" 50 المائدة
وقال : " وقرن في بيوتكنّ و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى " 33 الأحزاب
فهذه الجاهلية تعبير عن حياة العرب قبل الإسلام التي كانت تقوم على العدوان وسفك الدماء – و كأنّ الحرب شريعتهم المقدسة – أكثر من أن تكون تعبيرا عن أمية دينية أو علمية
ـــــــــــــــــــــــ
إعداد : د . تيحال نادية