الاتجاه الأخلاقي والتربوي في الأدب الجاهلي
د/محمد أبو الفتوح عفيفي
حين نطالع تعريفات الدارسين والباحثين في أدب العصر الجاهلي تأخذنا المفاجأة , وذلك لأن أغلبهم ذهب في تعريف كلمة الجاهلي إلى أن المقصود بهذه الكلمة وهذا العصر (( أن كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه, إنما هي مشتقة من الجهل الذي بمعنى السفه والغضب والنزق, فهي تقابل كلمة الإسلام التي تدل على الخضوع والطاعة لله عز وجل )) .
وقد ذهب الألوسي ـ من قبل ـ إلى (( أنها لفظ حدث في الإسلام للزمن الذي كان قبل البعثة )) وهذا مذهب محايد.
ووردت اللفظة في القرآن الكريم أربع مرات , وفي الحديث الشريف أكثر من سبع مرات . وجاءت أغلب التفسيرات لتدير الكلمة في إطارين دلاليين الأول زماني يشير إلى الفترة التي سبقت الإسلام والثاني يرتبط ( بالسفه والطيش والحمق ) , (والمفاهيم والعادات المرذولة التي نسخها الإسلام ) بل أكثر من ذلك إذ استمرأ كثير من الباحثين ـ عرب وغير عرب ـ تجهيل الجاهلية, وتجريدها من كل فضل. يقول د. ناصر الدين الأسد : ( ... وكان من أثر هذا ... أن أخبار حضارة الجاهلية جاءت في هذه الكتب ( التفسيرات ) ناقصة شائهة , ثم متناقضة متنافرة في الكتاب الواحد للمؤلف الواحد. ولكن الصفة الغالبة والسمة الظاهرة التي لايكاد يشذ عنها كتاب قديم , هي وصف تلك الجاهلية بأنها كانت قليلة الحظ من كل عمران ورقي , بعيدة عن كل مظهر من مظاهر الحضارة والمدنية, وأن العرب كانوا أمة أميّة جاهلة لاحظ لها من علم أو معرفة أو كتابة )) ويضرب أمثلة من كلام الجاحظ وابن سعد وابن عبد ربه والبغدادي.... وغيرهم .
من هنا تأتي المفاجأة ويدهشنا , بل يبهتنا الاستغراب القوي لأن معنى هذا وبناءً على ظاهر هذه الأحكام والتفسيرات ـ أن أولئك العرب كانوا متخلفين جهلاء ليس لديهم أي جانب إيجابي في أخلاقهم وتربيتهم, ليس فيهم إلا المثالب والسلبيات.
ومما لاشك فيه أن هذا طبيعة الأشياء, لأن أي عصر أو أية أمة في هذا الكون لاتتصف دائما بالكمال المطلق أو النقصان المطلق , فليس هناك بشرية ملائكية , وجماعة أخرى شيطانية . ومنذ أن خلق الله آدم والبشر بشر فيهم من خصائص الأرض ونفحات السماء.
وقد كان جورجي زيدان محقاً حين قال : (( لم يتصد أحد للبحث في آداب اللغة العربية قبل زمن التاريخ لقلة المواد المساعدة على ذلك , ولاعتقادهم أن العرب ـ حتى في الجاهلية الثانية ـ قبل الإسلام , كانوا غارقين في الفوضى والجهالة , لاعمل لهم إلا الغزو والنهب والحرب في بادية الحجاز والشام وفي نجد وغيرها من بلاد العرب . على أننا, إذا نظرنا إلى لغتهم كما كانت في عصر الجاهلية نستدل على أن هذه الأمة كانت من أعرق الأمم في المدنية, لأنها من أرقى لغات العالم في أساليبها ومعانيها وتراكيبها.. واللغة مرآة عقول أصحابها ومستودع آدابهم )) .
وأمة العرب شأنها شان غيرها من الأمم لأنك (( ... تجد لكل أمة خصائص في مشاعرها ومداركها تمتاز بها عن سواها... فاليونان يظهر من تاريخ آداب لسانهم أنهم يمتازون عن سواهم بسعة التصور وقوة العارضة, والجنوح إلى الفلسفة, ويمتاز الرومان في السياسة والنظام والتشريع, ويمتاز العرب بدقة الإحساس في نفوسهم وسرعة الخاطر وسعة الخيال . ويمتاز الهنود باستغراقهم في الخيالات والأوهام , وقس على ذلك )).
ويعدد أحمد حسن الزيات مجالات امتياز وتفوق العرب الذين (( أكسبتهم قوة الملاحظة, وكثرة التجارب, واضطرار الحاجة, طائفة من العلم المبني على التجربة والاستقراء والوهم, فعرفوا الطب والبيطرة والخيل لاتصالها بالحرب , ولاحظوا الأنواء والنجوم والرياح لعلاقتها بالكلأ والغيث , وليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر , وبرعوا في الأنساب والأخبار والأشعار , محافظة على عصبيتهم , وتحدثا بمفاخرهم , وتخليدا لمآثرهم , ومهروا في الفراسة والقيافة ووصف الأرض,لكشف الدعي فيهم وطلب الهارب منهم , ثم قادهم الجانب الروحي إلى الاعتقاد بالكهانة ) .
إذن لم يكن العرب بتلك السلبية , وتلك العيوب التي تستدعي إلى الذهن بمجرد التلفظ بكلمة( جاهلية).
وحين نطالع آداب تلك الأمة العريقة لوجدناهم قد خطوا خطوات واسعة في الجانب الخلقي والتربوي. يقول الزيات (( ولو ساغ لنا أن نحكم على العرب بمقتضى لغتهم وأدبهم لوجدنا لهم نفوسا كبيرة وأذهانا بصيرة وحنكة خبيرة ومعارف واسعة كونوا أكثرها من نتائج قرائحهم وثمار تجاربهم , فإن لغتهم وهي صورة اجتماعهم لم تدع معنى من المعاني التي تتصل بالروح والفكر والجسم والجماعة والأرض والسماء وما بينهما إلا استوعبت أسماءه ورتبت أجزاءه..... ولعمري مايكون التمدن اللغوي إلا بعد تمدن اجتماعي راق في حقيقته )) .
والجانب الأخلاقي شق مهم ـ بل في غاية الأهمية ـ في البنية الاجتماعية والتمدن والرقي الاجتماعي .
ومصطلح الأخلاق يعني في أبسط تعريفاته (( السلوك و الصفات سواء أخلاقية أو لا أخلاقية, أي السلوك المقبول أوغير المقبول ، وهذا يعتمد على فكرة المعيار الاجتماعي )). ويحدد المجتمع أشكالا وأطرا بها تقاس اتجاهات السلوك, وتحدد على أساسها, كون السلوك مقبولا أو غير مقبول.
وهذه القيم الأخلاقية يعتنقها المجتمع وعلى ضوئها يصدر أحكاماً ينتج عنها تكوين القواعد الأخلاقية, أو ما يسمى بالنظام الأخلاقي . وهذا النظام لابد أن يكون ملزما لأفراد المجتمع في سلوكهم, وأي خروج عليه له تبعاته على الفرد.
ولننظر إلى أقوال (( زهير بن أبي سلمى )) وهو يحدد مجموعة من القيم والأخلاق التي يجب الالتزام بها , ويحدد العواقب التي يمكن أن تنتج عن التخلي عنها :
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه *** يطيع العوالي ركبت كل لهــذم
ومن هاب أسباب المنايا ينلــه *** وإن يرق أسباب السماء بسلــم
ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبـه *** إلى مطمئن البر لم يتجمجـــم
ومن لم يصانع في أمور كثيـرة *** يضرس بأنياب ويوطأ بمنســم
ومن يك ذا فضل ويبخل بفضـل *** على قومه يســتغن عنه ويذمم
ومن يجعل المعروف في غير أهله *** يكن حمده ذما عليه وينــدم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحـه *** يهدم ومن لا يظلم الناس يظلـم
ومن يغترب يحسب عدوا صديقـه *** ومن لم يكرم نفسه لا يــكرم
ومهما تكن عند امرئ من خليقـة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ولك أن تلاحظ معي اتكاء الشاعر في دروسه وخلاصة تجاربه الحياتية على أسلوب الشرط , القائم على الفعل والجزاء , والتقابل بين الأشياء ليتيح مجالا للتبصر والتأمل والاستيعاب , وذلك من خلال الحركة الذهنية بين المتضادات ( يعصي ـ يطيع ) ( أطراف الزجاج ـ العوالي ) وكذلك ( الفعل ـ الجزاء ) كما أشرنا من قبل .
ولاشك أن الربط المحكم بين الفعل والجزاء , أو مايمكن تسميته بالمقدمات والنتائج يفصح عن النزوع الذهني والسيطرة العقلية والرغبة في التعليم ، بالإضافة إلى سرد وتعديد منظومة القيم السلوكية والأخلاقية التي يرتضيها مجتمعه ويعاقب من يخرج عليها من مثل:
(1) عدم الاستسلام لرغبة الاعتداء وطاعة السلاح .
(2) عدم تجنب الموت والهروب منه لأنه لامفر منه ولابد منه لكل واحد .
(3) الوفاء والبر .
(4) المصانعة والمحاباة في بعض الأمور حتى لاتسوء النتائج من قسوة المواجهات.
(5) البذل والعطاء للأهل والمحتاجين وعدم البخل وإلا فالذم والتجنب .
(6) صنع المعروف لمن يستحق حتى لايتحول إلى ذم وندم .
(7) الدفاع عن الوطن والحمى والمبادرة في ذلك وإلا انهزم المرء وظلم .
(
عدم الاغتراب الذي يضل الإنسان وحفظ النفس وتكريمها .
(9) الصدق والشفافية لأن مهما ظن المرء خفاء الأمر فلابد له أن يعلم .
ومما لاشك فيه أن هذا الحكيم العربي القديم كان يعمد إلى التعليم, وليس التعليم النظري التجريدي, وإنما التعليم القائم على التجربة والمعاناة . استمع إليه وهو ينصح بالبعد عن الحروب وعدم إشعالها:
فلا تكتمن الله مافي نفوسكـم *** ليخفى ومهما يكتم الله يعلـم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر*** ليوم حساب أو يعجل فينقــم
وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتم *** وماهو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمـة *** وتضر إذا ضـريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها *** وتلقح كشافا ثم تنـتج فتتـــئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهـم *** كأحمر عاد ثم ترضع فتفطــم
فتغلل لكم مالا تغل لأهلهــا *** قرى بالعراق من قفيز ودرهم
ولننظر في النهي وجوابه , ومتى الشرطية وأجوبتها أو جزاءاتها المتعددة المقترنة بالفاء لتدلل على تعاقب النتيجة خلف المقدمة مباشرة واستخدامه لفعلي العلم والذوق ليجسد التيقن والتجربة والمعاناة وليؤكد على تعليمية نصائحه , وتهديفية كلامه .
وإذا كان الهدف يعني ( وجود عمل مرتب منظم قائم على استبصار سابق للنهاية في ظل ظروف وإمكانيات موضوعية مصاحبة ) . فإنه ( يدل على نتيجة أي عمل طبيعي على مستوى الوعي , وبعبارة أخرى إنه يعني تدبر العواقب من حيث نتائجها المحتملة المترتبة على تصرف ما في موقف معين بطرق مختلفة , والإفادة مما هو متوقع لتوجيه الملاحظة والتجربة ).
ومما هو واضح جلي أن كل الأبيات التي سقناها لزهير تكشف عن نزعة تعليمية عند هذا الفيلسوف العربي القديم فعلى مستوى وعيه ووعي مستمعيه نرى الأعمال ونتائجها , أي تدبر العواقب والنتائج المحتملة المترتبة على سلوك ما أو تصرف معين في موقف ما , وبطرق متنوعة, والأهم هو الاستفادة المستقبلية مما هو متوقع ومنتظر .وأما الجانب التطبيقي العملي, فإن الشاعر يلفت نظر أفراد القبيلتين ( التلامذة المتلقين ) لتعليمات ونصائح أستاذهم , ويجسد هذا قوله :
وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتم *** وما هو عنها بالحديث المرجم
ونلاحظ فيه مدى أهمية الجانب العملي في التعلم والتلقي , لأن الدرس لن يفيد إن اقتصر على الجانب النظري ألنصائحي فقط .
وليس زهير وحده الذي نجد لديه هذا الجانب التعليمي الأخلاقي التربوي , وإنما شاع هذا الاتجاه لدى كثير من شعراء ذلك العصر .
وهذا عنترة يعطينا دروسا أخلاقية تربوية رائعة , أصلح ما تكون في توجيه الشبيبة وصغار السن , حتى وإن جاءت هذه الدروس في ثوب الفخر .
ولك أن تتبين قيمتها لما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع قول عنترة :
ولقد أبيت على الطوى وأظله *** حتى أنال به كريم المأكل
قال : (ما تمنيت أن أرى من الجاهلية أحدا إلا صاحبكم هذا ) .
وتمعن في الأبيات التالية لترى أبعاد الشخصية المعلمة لهذا الفارس البطل يقول عنترة:
ما استمت أنثى نفسها في موضع *** حتى أوفي مهرها مولاهـــا
أغشى فتاة الحي عنـــد حليلها *** وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وأغض طرفي ما بـدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواهــا
إني امرؤ سمح الخليقــة ماجــد *** لا أتبع النفس اللجوج هواها
عفة ورجولة لا تدانيها أي عفة أو رجولة , لايراود أنثى ولا يتحبب إليها إلا بعد الوفاء بمهرها , ويقاطع ذات صلة الرحم إذا خرج حليلها للحرب , ويغض طرفه مابدت له جارته حتى تتوارى في خدرها , وهو سمح ماجد لايتبع الهوى والنفس .
ولنستمع إلى هذه الدروس الفلسفية العميقة من فم هذا المعلم الفيلسوف الصغير طرفة بن العبد , وهو يلخص لنا تجاربه القليلة في الحياة , لنخرج منها بأعمق الدروس والعظات يقول :
أرى قبر نحـام بخيـل بمـالـه *** كقبر غوي في البطالة مفسد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشـدد
أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلـة *** وما تنقص الأيام والدهر ينفد
وتتلخص دروسه في أنه لا فرق بين البخيل الحريص والغوي الضال وفي هذا نراه يحث على الكرم والعطاء والبعد عن الشح والبخل , والموت يختار الكرام ويبقي مال البخيل المتشدد, ويحرمه هو نفسه من هذا المال الذي يبقى لمن يخلفه , فلا يكون فيه فائدة لصاحبه , وكان الأجدر أن ينفقه في البذل والكرم , وفي النهاية يشبه العيش بالكنز الذي ينقص كل يوم بالأخذ منه وأما الزمن والأيام فباقيان مهما كر الدهر. ويدهشنا أيضا قول طرفة الذي شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وهذا معلم آخر يقدم دروسه وخلاصة معايشته للحياة , مؤكداً أن العقل مهما يكن لايغني عن التعلم . فالتعلم أمر ضروري للإنسان لايستغني عنه طوال حياته . هذا المعلم هو عبيد الأبرص الأسدي الذي يقول:
فكل ذي نعمة مخلوها
وكل ذي إبل موروثهـــا
وكل ذي غيبة يـــؤب
أعاقرٌ مثل ذات رحـم
افلح بما شئت فقد يدرك
لا يعظ الناس مــــن لا
لا ينفع اللب عن تـعلـم
فلقد يعودن حبيبا شانئُ
ساعد بأرض إذا كنت بها
من يسأل الناس يـــحـــرموه ****************************** وكل ذي أمل مكـــذوب
وكــل ذي سلب مسلـوب
وغــائب المـوت لايوب
أو غانـم مــثل من يخــيـب
بالضعف وقد يُخدع الأرب
يعظ الـدهر ولا ينفع التلبيب
إلا اسجـيـات والقــوب
ويرجعن شانـئاً حــبـيب
ولا تقل إنـني غــريــب
وسائل الله لا يخــــيـــب
فالنعمة مسلوبة , والأمل مكذوب , وصاحب الإبل ذاهب وموروث , والسالب مسلوب , والغائب يعود إلا غائب الموت ,والعاقر ليست كالولود , والغانم ليس كالخاسر , لذلك اغتنم ما أنت فيه قبل الضعف والخداع , ولا تنفع العظة مع من لا يتبع موعظة الدهر وموعظة اللبيب. ولا ينفع العقل بلا تعلم , وكأنه يقول إن كلامه كله للتعلم والعظة وقد يتحول الشانئُ إلى حبيب والحبيب إلى شانئُ , وإذا ماكنت غريبا في مكان ما فمد يدك ولا تتأخر بحجة الغربة ومهما يكن من أمر فإن من يسأل الناس غير مُعطىً ولكن سائل الله لا يخيب .
وها نحن مع قس بن ساعدة الإيادي , وهو يلقي درسه في سوق عكاظ خالطاً عناصر جمالية متعددة , عناصر نثرية تتمثل في التسجيع والتجنيس , والمزاوجة والمقابلة وعناصر جمالية شعرية تتمثل في المفردات والتراكيب والإيقاع والصورة الفنية وغيرها:
( أيها الناس اسمعوا وعوا , إنه من عاش مات, ومن مات فات , وكل ما هو آت آت , ليل داج, ونهار ساج، وسماء ذات أبراج , نجوم تزهر , وبحار تزخر, وجبال مرساة , وأرض مدحاة , وأنهار مجراة . إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا . مابال الناس يذهبون فلا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ يامعشر إياد أين الآباء والأجداد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالا وأطول آجالا ؟طحنهم الدهر بكلكله , ومزقهم بتطاوله.
في الذاهبين الأوليـن *** من القرون لنا بصائر
لما رأيت مـــواردا *** للموت ليس لها مصـادر
ورأيت قومي نحوها *** يسعى الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي *** ولا من الباقين غابــــر
أيقنت أني لا محالة *** حيث صار القوم صائر
ولا شك أن الوصايا لون من ألوان الأدب عرفها العرب الجاهليون , ووردت بكثرة في آدابهم , وتناولها الرواة , وجمعها بعض المؤلفين في كتب أو فصول وأبواب من كتب الأدب العامة. ومن الكتب التي انفردت برواية مثل هذا اللون الأدبي التربوي الأخلاقي كتاب ( تاريخ العرب الأولية ) للأصمعي عبد الملك بن قريب ت 216هـ , وفي هذا الكتاب وصايا قحطان و الملوك من أبناء هود , وكتاب ( الوصايا ) لدعبل ابن علي الخزاعي ت 246هـ وكتاب ( الوصايا ) لأبي حاتم السجستاني ت 248هـ وكتاب ( وصايا الملوك وأبناء الملوك ) للوشاء .
وإذا كانت الغاية من الوصية النصح والإرشاد إلى الطريق القويم, والترغيب في التزام الفضائل والتخلق بالأخلاق الكريمة فإنها ( توجيه تربوي يعلم فيه الكبير الصغير, والمجرب المتمرس بأمور الدنيا الغرير الناشئ ).
ومن الوصايا التي تنعكس فيه التجربة الحياتية والخبرة الإنسانية وصية أكثم بن صيفي لبني طيء بالتقوى وصلة الرحم والعناية بالخيل والإبل وغير ذلك . ومنها (( أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم, وإياكم ونكاح الحمقاء, فإن نكاحها غرر, وولدها ضياع. وعليكم بالخيل فأكرموها فإنها حصون العرب .... والعدم عدم العقل لاعدم المال ..... ومن عتب الدهر طالت معتبته , ومن رضي بالقسم طابت معيشته , وآفة الرأي الهوى ))
ومن الوصايا التربوية الرائعة وصية الحارث بن كعب لبنيه وهو يحتضر . يقول ( يابني عليكم بهذا المال فاطلبوه أجمل الطلب , ثم اصرفوه في أجمل مذهب , فصلوا به الأرحام واصطنعوا منه الأقوام واجعلوه جنة لأعراضكم تحسن في الناس قالتكم ) .
ولم تقتصر العملية التعليمية والتربوية على الرجال وإنما أسهم فيها عدد كبير من النساء ذوات الخبرة العريضة والتجربة الكبيرة .
ومن أشهر الوصايا التربوية وصية أمامة بنت الحارث التي أودعتها تجاربها في الحياة وودعت بها ابنتها أم إياس حين زفافها ومنها: ( أيْ بنية ! إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك, ولكنها تذكرة للغافل, ومعونة للعاقل, ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها, وشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس. أيْ بنية : إنك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فاحملي عني عشر خصال تكن لك ذخرا :
(( اصحبيه بالقناعة , وعاشريه بحسن السمع والطاعة , وتعهدي موقع عينيه فلا تقع عينه منك على قبيح ثم اعرفي وقت طعامه , واهدئي عند منامه , فإن حرارة الجوع ملهبة , وتنغيص النوم مبغضة ، ثم اتقي مع ذلك الفرح أمامه إن كان ترحا والاكتئاب عنده إن كان فرحا فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير. وكوني أشد الناس له إعظاما, يكن أشدهم لك إكراماً واعلمي أنك لاتصلين إلى ماتحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك , وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت. والله يخير لك ) .
وهذا درس تعليمي تربوي أخر تلقيه امرأة عربية على ابنها, وعلى كل أبناء العرب. تقول : (أي بني ! إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين, وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام , وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته , وإياك والجود بدينك والبخل بمالك , وإذا هززت فاهزز كريما يلن لهزتك, ولا تهزز لئيماً فإن الصخرة لاينفجر ماؤها , ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به , وما استقبحت من غيرك فاجتنبه , فإن المرء لايرى عيب نفسه .... والغدر أقبح ماتعامل به الناس بينهم , ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها).
وإذا ماتركنا الوصايا واتجهنا صوب نوع أدبي آخر . وهي الأمثال , لتأكدت لنا النزعة التربوية الخلقية في التكوين العربي .
وإذا كان المثل في أبسط تعريفاته (( قول موجز يؤخذ من سياق حديث ورد في موقف ما أو مستقل بذاته , يقال في موقف مشابهٍ دون تغيير , لقوة دلالته واتساع إيحائه )) , فإنه (( ذو طابع تعليمي )) حتى وإن أنكر البعض ذلك على إعتبار أن المثل يأتي في خاتمة تجربة إنسانية كتعقيب أو تعليق على التجربة , وبالتالي لاتعليمية فيه .
لكننا نرى أن المثل تعليمي إلى مدىً بعيد. فهو وإن جاء في خاتمة موقف أو تجربة فإنه بمثابة تنبيه ولفت للمستمع وليتعلم من هذه التجربة لما هو مستقبل من الأحداث.
وربما كانت الأمثال البادئة بفعل الأمر أو أساليب الإغراء والتحذير هي الشاهد الواضح لتعليمية المثل ومن ذلك: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) و ( السر أمانة ) و ( العدة عطية ) و( تلبدي تصيدي ) و ( أن كنت كذوباً فكن ذكوراً ) و ( إذا اشتريت فاذكر السوق ) وغير ذلك من الأمثال .
وبعد هذه الجولة القصيرة من نتاجات الأدب العربي شعره ونثره لتقصي الجانب الخلقي والتعليمي في هذا التراث القديم ، فإننا نتعجب من زعم البعض أن الأدب العربي ( لم يعرف الشعر التعليمي أو التبليغي إلا بعد ظهور الإسلام )) فهذا اللون قديم قدم العرب أنفسهم , ولعل الشواهد القليلة للغاية التي استعنا بها تقدم الدليل على أن الشعر العربي والأدب بصفة عامة يشيع فيه اتجاه أخلاقي وتربوي وتعليمي واضح لاينكر.
ونستطيع أن نجمل نتائج هذا المقال فيما يلي :
أولاً: وجود اتجاه أخلاقي تربوي تعليمي في الأدب الجاهلي وبشكل قوي.
ثانياً يشيع هذا الاتجاه في شعر الحكمة خصوصا , وفي أدب الوصايا والمثل والقصة القديمة .
ثالثا : أدى وجود هذا الاتجاه في هذه الأشكال الأدبية إلى اتصاف هذه الأشكال بخصائص فنية معينة تمثلت في الألفاظ والصيغ والأساليب والإيقاع والصور , وربما تكون طبيعة المقال قد فرضت اختصاراً أدى إلى هضم هذه الجوانب الفنية والتي تحتاج إلى دراسة أكثر اتساعاً . ( لاحظ أساليب الأمر والنهي والتحذير وأساليب الحث والتحضيض والزجر.... وغيرها ) وكلها تكشف عن تعليمية وتربوية النماذج التي سقناها .
رابعاً : لم يكن العرب القدماء جاهليين بمعنى عدم العلم أو عدم التخلق الكريم , إنما هي جهالة جزئية في جوانب محددة , لأن ليس هناك جماعة بشرية تتسم بالإيجابية المطلقة أو السلبية المطلقة.
خامساً : هذا الموضوع من الأهمية بمكان حيث يحتاج لا إلى دراسة واحدة بل دراسات عديدة تكشف عن العقلية والوجدان العربي المبدع في هذا الاتجاه الأخلاقي التربوي.
ملخص البحث
(( الاتجاه الأخلاقي التربوي في الأدب الجاهلي ))
ينطلق البحث من لفظة ( جاهلي ) حيث يتوهم البعض ويتصورون أن كلمة جاهلي حين تطلق لوصف أولئك العرب الذين عاشوا قبل الإسلام في الجزيرة العربية ، أو لوصف أدبهم ، فإنها تعني حرمانهم من العلوم والمعارف من جهة ، وحرمانهم من الخصال الأخلاقية الحميدة من جهة ثانية ؛ أي أنهم كانوا بشراً بلا عقل ولا روح وبالتالي لا علم ولا أخلاق ولا تربية من أي شكل أو لون لديهم .
ونتيجة لهذه الظنون والأوهام استمرأ كثير من الباحثين من عرب وغير عرب – تجهيل الجاهلية ، وتجريدها من كل فضل أو فضيلة ، أو علم أو تربية ، يقول الجاحظ : (( وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال ثم لا يقيده ( العربي ) على نفسه ولا يدرسه أحدا من ولده . وكانوا أميين لا يكتبون )) . – البيان والتبيين – تحقيق عبد السلام هارون .. دار الكتب المصرية 3/28 .
ويقول عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب : (( .. العرب أميون لا يقرءون ولا يعرفون الحساب ، إنما كانوا يعدون بالحصا ، فأطلق الحصا على العدد !! أفبعد هذا تجهيل ؟ أو بعد هذا أمية أو بدائية .. بل إن ابن قتيبه أسرف في ذلك حتى وصف الصحابة بالأمية مع أن كتب السيرة والتاريخ نكر منهم عشرات كانوا كاتبين مجيدين . يقول في مختلف الحديث – طبعته دار الكتب (365-366 ) حين تعرض لسماح النبي صلى الله عليه وسلم لعبدا لله بن عمرو بتقييد الحديث المصرية (( لأنه أي عبدا لله بن عمرو )) كان قارئاً للكتب المتقدمة ، ويكتب بالسريانية والعربية ، وكان من غيره من الصحابة أميين ، لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان ، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التجهي )).
وإذا كان القرآن الكريم قد وصف العرب في جاهليتهم بالأميين في مثل قوله تعالى : (( هو الذي بعث في ألاميين رسولا منهم )) الجمعة -2 ، فإننا نظن أن الأمية هنا ليست أمية كتابية أو علمية أو أخلاقية تربوية، وإنما قد تكون أمية دينية، على اعتبار أنهم لم يكن لهم كتاب قبل القرآن الكريم ومن هنا كان ظننا بأن أميتهم كانت أمية دينية كما سبق وأما قول الرسول صلي الله علية وسلم لأبي هريرة حين أخطأ في حق بلال – رضوان الله عليهم أجمعين :
(( أنك أمرؤ فيك جاهلية )) فالمقصود هنا – على ما أضن – فيك من سلبيات الجاهلية لأن الجاهلية – شأن أي مجتمع – كان فيها السلبيات والايجابيات .
والدليل على ذلك أن الإسلام لم يعارض الأخلاق الجاهلية التي تتوافق مع الفطرة السليمة كالكرم والوفاء والإجارة والدفاع عن القبيلة – باعتبارها الوطن – وغيرها .
ولا شك أن هذا التجهيل العام ضد طبيعة الأشياء ، لأن أي عصر وأية أمة في هذا الكون ، ولا يمكن وصفها بالكمال المطلق أو النقصان المطلق ، وليس هناك جماعة بشرية ملائكية ، وأخرى شيطانية ، والبشر منذ ادم فيهم من خصائص الأرض ومن نفخات السماء .
وحين نطالع آداب اللغة العربية ، نبهر بعراقتهم وعقلياتهم الفذة .
يقول جرجي زيدان : (( على أننا ، إذا نظرنا إلى لغتهم ( العرب ) كما كانت في عصر الجاهلية ، نستدل على أن هذه الأمة كانت من أعرق الأمم في المدينة ، لأنها من أرقى لغات العالم في أساليبها ومعانيها وتراكيبها واللغة مرآة عقول أصحابها ومستودع آدابهم )) تاريخ آداب اللغة العربية 26.
والأدب الجاهلي يعكس اتجاهاً تربوياً رائعاً لدى العرب القدماء .
هذا الاتجاه المتسامي للتربية والأخلاق يومئ إلى رقي اجتماعي لدى هذه الجماعة البشرية .
يقول أحمد حسن الزيات : (( ولو ساغ لنا أن تحكم على العرب بمقتضى لغتهم وأدبهم لوجدنا لهم نفوساً كبيرة وأذهاناً بصيرة وحنكة خبيرة ومعارف واسعة كوّنوا أكثرها من نتاج قرائحهم وثمار تجاربهم .. )) تاريخ الأدب العربي ومصطلح الأخلاق يعني في أبسط تعريفاته (( السلوك والصفات ، سواءً أخلاقية أو لا أخلاقية ، أي السلوك المقبول أو غير المقبول . وهذا يعتمد على فكرة المعيار الاجتماعي )) د. محمد منير مرسي – فلسفة التربية ص73 ويحدد المجتمع أشكالاً وأطراً تقاس بها اتجاهات السلوك ، ويحدد على أساسها كون السلوك مقبولاً أو غير مقبول .
وهذه القيم الأخلاقية التي يعتنقها المجتمع والتي على ضوئها يصدر أحكاماً ينتج عنها تكوين ما يسمى بالنظام الأخلاقي الذي يكون ملزماً لأفراد المجتمع في سلوهم وأي خروج عليه له تبعاته على فرد .
ولقد كان زهير بن أبي سلمى على وعي بهذه المنظومة الأخلاقية التي تحدد السلوك ، وفي الوقت نفسه العقاب لمن يخرج عليه ..فوقف موقف الأستاذ المربي والمعلم يحدد السلوكيات المطلوبة ، والنتائج المترتبة على التخلي عنها وقد جاء ذلك في أسلوب شرط مكرور على مدى كثير من الأبيات الكاشفة لأستاذيّته الأخلاقية يقول :
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَـَايـا يَنَلْنَـهُ وَإِنْ يَرق أَسْبَابَ السَّمَاءَ بِسلـم
وَمَنْ يوفِ لا يُذمم،وَمَنْ يُهْد قَلبُـهُ إلى مُطَمْئن البر لم يَتجَمـجَـمِ
وَمَنْ لـم يُصَانِع فـي أمورٍ كَثِيرة يضرَّس بِأنيـابٍ ويوطأ بمنسـم
وَمَنْ يـك ذا فضل ويبخل بفضله عـلى قومه يُستغن عنه ويذمـم
وَمَنْ يجعل المعروف في غير أهلـه يكن حمـدُهُ ذماً عليـه وينـدم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحـه يهدّم ،ومن لا يظلم الناس يُظلـم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلـم
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حـولاً لا أبالـك يسـأم
ومما لا شك فيه أن هذا الحكيم العربي القديم كان يعمد إلى التعليم وليس التعليم النظري التجريدي وإنما التعليم القائم على التجربة والمعاناة ولا شك أن الجانب العملي التطبيقي في العملية التربوية له أنجع الأثر على المتلقين .
يقول :
فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكـم ليخفى ، ومهما يُكتمِ اللهُ يَعْلَمِ
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخـر ليوم حساب أو يعجل فيُنقَـمِ
وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجَّـمِ
متى تبعثوها تبعثـوها ذمـيمة وتضر إذا ضر يتـموها فَتَضْرَمِ
فتعرككم عرك الرحى بثـفالها وتلقح كشافاً ثم تنتج فَتـُتـْئِمِ
وهذا الدرس الذي يلقيه زهير فيه استبصار سابق للنهاية في ظل ظروف وإمكانات موضوعية مصاحبة ، أي تدبر للعواقب المحتملة المترتبة على تصرف ما في موقف معين .
وها هو عنترة بن شداد يقف معلماً مربياً لدروس أخلاقية تثير العجب من هذا الرجل الجاهلي سليم الفطرة والسجية .
يقول :
ولقد أبيت على الطوى وأظله حـتى أنال به كريم المأكل
هذا البيت الأخلاقي التربوي المدهش علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم- كما يقول صاحب الأغاني – بقوله : ما تمنيت أن أرى من الجاهلية أحداً إلا هذا يقصد عنترة .
وعنترة أيضاً هو صاحب هذا الدرس الأخلاقي السامي الرفيع الذي يتحدث فيه عن العفة والطهارة والسماحة ، والذي يقول فيه :
ما استمتُ أنثى نفسها في موطنٍ حـتى أُوفِّـي مهرها مولاهـا
أغشى فتاة الحيِّ عنـد حليلـها وإذا غزى في الجيش لا أغشاها
أغض طرفي ما بدت لي جارتـي حتى يواري جارتي مـأواهـا
إني امرؤٌ سمح الخليقـةِ ماجـدٌ لا اتبـع النفس اللجوج هواها
وهذا طرفه بن العبد ابن العشرين والفيلسوف الكبير يحذر من البخل ، ويلخص نظرته في الحياة بقوله :
أرى قبر نحَّـام بخـيلٍ بمـالـه كقبرِ غويٍّ في البطالةِ مُفسـدِ
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيـلة مالِ الفاحش المتشدِّدِ
أرى العيش كنـزاً ناقصاً كل ليلة وما تنقص الأيام والدهر يَنفَدِ
لاحظ تكرار كلمة ( أرى ) التي تعكس رؤيته فيلسوفاً ومعلماً يعطينا خلاصة تجاربه .
إن قول طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تُزوِّدِ
جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عنه كما يروي الأصفهاني : إنه لكلام أشبه بالوحي.
لكن كان استغرابنا لأولئك الذين أنكروا أن العرب عرفوا الشعر التعليمي في الجاهلية ، والاستغراب الأكثر لأولئك الذين يجهلون العرب القدماء ويرمونهم بالتخلف في جوانب حياتهم الاجتماعية والأخلاقية والتربوية .
ونحن لو طالعنا أدب الوصايا والأمثال الشعبية العربية القديمة والقصص لهالنا ذلك التراث التربوي الأخلاقي الضخم الذي خلفه لنا العرب القدماء .
والبحث بتفاصيله يحوي عدد لا بأس به من الشواهد النثرية والشعرية على هذا الاتجاه الذي لم يقتصر على الرجال وإنما وجدنا هناك معلمات فضليات بثوا لنا حكمتهم وأخلاقهم خلاصة تجاربهم في ثنايا أدبهم .
المراجع
1. احمد حسن الزيات ـ تاريخ الأدب العربي ـ دار نهضة مصر ـ القاهرة ـ 1981م
2. الأصفهاني ( أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد ) الأغاني دار الكتب المصرية ج 6 ب ت
3. الألوسي ( محمود شكري ) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ـ دار الكتاب العربي القاهرة ب ت
4. د. الدمرداش عبد الحميد سرحان ـ المناهج المعاصرة ـدار الفلاح بالكويت ط3/1981م
5. جرجي زيدان ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ دار مكتبة الحياة بيروت 1992م
6. رالف واين ـ قاموس جون ديوي ـ ترجمة محمد العريان الأنجلو المصرية 1964م
7. الزوزني ( أبو عبد الله الحسين بن احمد ) شرح المعلقات السبع ـ مكتبة المعارف بيروت طبعة جديدة 2004م
8. د. شوقي ضيف ـ العصر الجاهلي ـ دار المعارف بمصر ـ ط13/1990م
9. د.شوقي ضيف ـ الفن ومذاهبه في النثر العربي ـ دار المعارف بمصر ط6/ 1971م
10. د. علي خليل أبو العينين ـ أصول الفكر التربوي الحديث بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه التغريبي ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ 1986م
11. غازي طليمات وعرفان الأشقر ـ الأدب الجاهلي , قضاياه .أغراضه . أعلامه وفنونه ـ دار الإرشاد ـ حمص سوريا ـ ب ت
12. د.محمد صالح الشنطي ـ في الأدب العربي القديم ـ دار الأندلس ـ حائل ط1/1992م
13. د.محمد منير مرسي ـ فلسفة التربية , اتجاهاتها ومدارسها ـ عالم الكتب ـ القاهرة 1995م
14. مصطفى السقاـ مختار الشعر الجاهلي ـ المكتبة الشعبية ـ بيروت ط3/1969م
15. د.منير المرسي سرحان ـ في اجتماعيات التربية ـ الأنجلو المصرية 1973م
16. د.ناصر الدين الأسد ـمصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ـ دارية الجبل بيروت ط8/1996
17. د.نبيلة إبراهيم ـ أشكال التعبير في الأدب الشعبي مكتبة غريب - القاهرة ب ت