علاقة الأدب الشعبي بالفنون الأخرى
عنصر مهم يستغل عند التحدث عن الأدب الشعبي وهو" الأداء" بنفس المعنى المستخدم في الدراما والمسرح هذا يتطلب وجود أشخاص( مشاهد أو مستمع) و المؤدي( الراوي) الذي يقوم بدور الممثل
إذن نحن أمام ثلاثة عناصر مهمة في عملية؛ المؤدي، الجمهور، والموقف الذي يؤدى فيه.في المغازي والسير الشعبية يأخذ المؤدي مكانا حسب متطلبات الآداء( جالسا القرفصاء ، واقفا، ) يحكي مستعملا آلة موسيقية( الرباب، البندير، الناي).
في مشهد من مشاهد " غزوة افريقيا" عند مجيء جيش الفتوحات إلى تونس وتوقفه في موضع مدينة القيروان أمر قائد الجيش الاسلامي عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان فقال له جيشه كيف نفعل ذلك؟ والموضع عبارة عن غابة مليئة بالحيوانات، نادى الأمير وطلب من الحيوانات أن ترحل ففعلت ما عدا العقرب التي رفضت قائلة:" أنا لا أغادر موطني حتى وإن أحرقت بالنار" هذا المشهد يغنى شعرا في مقطوعة ويتوقف هنا الراوي ليؤثثه فيستغل العزف كعامل مساعد على تصعيد توتر المواقف الدرامية، يتقمص الراوي دور العقرب ويتحدث على لسانها لما يطلب منها أن تهاجر وذلك في حوار ثنائي؛ فموهبته الفيزيولوجية المتعلقة بالهيئة بالصوت وبملامح الوجه تظهر هنا فتوحي بالأجواء الداخلية للشخوص.
في قصة السيد" العلا" وهي إحدى المغازي ذات النهاية المأساوية يصور الراوي مشاهد حوارية تقع بين الطفل بطل القصة وأمه لما قرر الانخراط في جيش المسلمين والمشاركة في حركة الغزو فيتقمص الراوي الدورين ويقلد صوت الطفل وصوت المرأة، يقلل الراوي من التعليق عندما يمهد لتأزم العقدة فيسرع في الأحداث حتى يشد انتباه المستمع المشاهد فيتضاعف بذلك الموقف الدرامي
يستعمل الراوي صوت الناي عندما يقدم مشهدا حزينا والبندير عند الصدام في المعركة ، والرباب عندما يلتئم الشمل
عرفت الثقافة الشعبية الجزائرية في الأوساط الزراعية ممارسات طقوسية متعلقة بالمواسم الزراعية والفصول فعند مقدم فصل الشتاء يقوم عدد من الأشخاص بتمثيل عروض رقص تنكرية وغناء يستوعب الحركة والايقاع والايماءات فهي تحمل بذور الدراما الشعبية مثل" العيراد" بمنطقة بني سنوس في المنطقة الشمالية الغربية و" أنزار" بمنطقة القبائل و" شايب عاشوراء" في الشرق الجزائري
استعمل عدد من رجال المسرح قصصا مستمدة من التراث وحولوها إلى مسرحيات من بينهم" كاتب ياسين" في مسرحية" غبرة الفهامة" التي مسرح فيها نوادر جحا ، وّولد عبد الرحمان كاكي" الذي استعمل قصص الأولياء الصالحين في عدد من مسرحياته مثل" القراب والصالحين"
الأدب الشعبي في التراث العربي
يقول صاحب كتاب" الأغاني" " أبو فرج الأصفهاني"في مقدمة كتابه: " فلو أننا أتينا بما غنى به شعر شاعر ولم نتجاوزه حتى نفرغ منه لجرى هذا المجرى، وكانت للنفس عنه نبوة وللقلب منه ملة فما رتبناه أحلى وأحسن ليكون القارئ له بانتقاله من خبر إلى غيره وأنشط لقراءته وأشهى لتصفح فنونه".فهو جامع لأخبار" تجري على أفواه العامة والخاصة وتدور على ألسنة الملوك والسوقة" لقد تضمن هذا الكتاب روايات جاهلية وإسلامية ترتبط بتقاليد وعادات وحياة العرب الفكرية والروحية والمدقق في هذا القول يرى بأن صاحبه أراد إبعاد الملل عن القارئ فهو ينتقل من فن فصيح إلى قول شعبي إلى ظاهرة لغوية فالغاية إذن ليست دراسة الظاهرة الشعبية وتحليلها بقدر ما هي إلمام بالظاهرة الأدبية عامة
يقول "ابن قتيبة" في مقدمة كتابه" عيون الأخبار":" وأعلم أنا لم نزل نلتقط هذه الأحاديث عمن هو فوقنا في السن، وعمن هم دوننا غير مستنكفين أن نأخذ عن الأمة الدكعاء(عامة الناس) فضلا عن غيرها يبين هذا القول مدى إدراك ابن قتيبة لقيمة الرواية في التراث الشعبي فيأخذ المادة من الرواة بصرف النظر عن مستواهم، إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الكاتب جمع أخبارا متنوعة منها ما له علاقة بحياة العرب الاجتماعية التي تندرج ضمن الدراسات الشعبية من معتقدات وعلم شعبي وأشكال تعبيرية شعبية :ألغاز ، حكايات، أمثال هذه الأخيرة أفردت لها كتب مستقل ة( مجمع الأمثال "للميداني" أمثال العرب"للمفضل الضبي" جمهرة المثال" لأبي هلال العسكري.
يعتبر كتاب " الألوسي" " بلوغ الأرب" تاريخ بداية الدراسة الشعبية كونه تضمن موضوعا واحدا هو التراث الشعبي العربي الجاهلي قصد من خلاله صاحبه معرفة سلوك القوم وخصائصه يقول صاحب هذا الكتاب:" وإني لم أزل أتشوق للوقوف على آثار العرب قبل الإسلام، وأتمنى أن أظفر بكتاب يحتوي على ما كانوا في جاهليتهم من العوائد والأحكام".
جمع" النويري في كتابه" نهاية الأرب" معلومات كثيرة تخص عقيدة عرب الجاهلية من سحر، وديانة طوطمية وديانة روحانية، وموقفهم من الظواهر الطبيعية وتفسيراتهم الخرافية لها.
اهتم العلامة " ابن خلدون" بالظاهرة الشعبية في مقدمته حيث خص لها فصلا:" في أشعار العرب وأهل الأمصار وفيه أشعار الهلالية والزناتية كما أورد نصوصا اقتطفها من شعر الهلالين ذي النزعة الملحمية وأضاف أدب العوام والبدو إلى الأدب الفصيح ليجعل منه تراث الأمة العربية، كما تناول فن الزجل حيث يقول عنه:" ولما شاع فن التوشيح وأخذ به الجمهور لسلاسته نسجت العامة من أهل الأمصارعلى منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزما فيها اعرابا واستحدثوه فنا سموه بالزجل".
نلمس اهتماما بالقصص ؛ مجموعة لايستهان بها من كتب التراث تناولت قصصا عن الحيوان في "كتاب الحيوان" للدميري و"كتاب عجائب المخلوقات" " للقزويني" كما ضمن " ابن عبد ربه" و" الجاحظ" في كتابيهما" العقد الفريد" و" البخلاء" قصصا شعبية عن الحيوان وعن الانسان .