لقد ناقش هانري دافنسون) مؤلف "كتاب الأغاني Le livre de chansons 1965 P 39-40" المشكلة من ناحية احتمال وجود مثل هذا الشعب من وجهة نظر الأمة الفرنسية، فهو يرى أن هذا المفهوم إذا كان صحيحا ، فإنه يجب أن يكون هناك جزء من الأمة قد انفصل تماما عن (الخاصة) وأن هذا الجزء يفترض أنه مكون من أفراد أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وفي استطاعتهم تطوير ثقافة جمالية خاصة بهم، وأن الباحثين إذا ذهبوا لدراسة هؤلاء الناس فإنهم سيجدون مواد كثيرة تناسب غرضهم ولكنهم سيجدون أيضا أن بعضا من إنتاجهم يجب أن يستبعد لأن مؤلفيه معروفون في حين أن ذلك ليس صحيحا، فالمجتمعات الحديثة لم تعد تعرف تلك الطبقة أو الجماعة المعزولة عن بقية الشعب بحيث لا تؤثر فيه ولا تتأثر به ، فالمدرسة والراديو والجرائد تنقل إلى كل إنسان تقريبا في أي مجتمع المعلومات والمعارف المختلفة.
إن المؤلفين (لاكور سييروسافارد) يوحيان بأنهما لم يكونا مهتمين بهذا المفهوم عن الشعب، فهو ليس الأفراد ولا الجماعات أو المجتمعات ولكنه آثار جمالية موجودة في بعض الأفراد، وتتبعا بعض الأغاني والحكايات القديمة التي اعتقدا أنهما تحتوي على قيمة أدبية كبيرة، هذه الحكايات والأغاني يمكن أن توجد كما يقولان في أي مكان وبين أي فئة من فئات المجتمع، وبدلا من جمعها حيثما وجدت ودراستها ذهبا إلى الميدان تحت تأثير بعض أفكار الرومانسيين الألمان ونسبا كل المضامين للأفراد الذين أمدوهم ببعض آثار الأدب الشعبي وهكذا قسما المجتمع إلى قسمين :
• الأول : الشعب وهو على السبيل المثال الأفراد الذين يعرفون بعض الأغاني والحكايات والأمثال وما إلى ذلك التي يتذكرونها من الماضي البعيد.
• الثاني : الخاصة وهم أصحاب الثقافة الرفيعة المتعلمة من الكتب.
الحقيقة أن المعرفة أو الجهل ببعض الأغاني والحكايات لا تصلح أساسا معقولا أو مقوما صالحا لتمييز مجموعة من الأفراد على أنهم شعب أو لبناء دراسة علمية. فالإختلافات بين الأفراد والجماعات من وجهة نظر علماء الاجتماع والأنثربولوجيا تأتي من أنهم نتاج بناء اجتماعي يتضمن أشياء كثيرة ويتأثر بدرجة التغير الثقافي الذي ينعكس على الأفراد والجماعات، إن الدراسة التي تنتخب بشكل عشوائي عناصر معينة من ثقافة مجموعة واحدة قد تصلح كأساس لدراسة أدبية أو غير ذلك ولكنها لا تستطيع أن تدعى القدرة على شرح أو وصف العبقرية الشعبية (Génie Populaire) لمجموعة أو مجتمع (أو الأصالة الشعبية) (l’authenticité Populaire) إن الفلاحين مثلا أكثر قدرة من غيرهم أن يحتفظوا لمدة أطول بالعادات والأغاني والحكايات وغيرها وأن يتذكروا أكثر من الذين يسكنون المدن حيث تنشأ أشياء جديدة كل يوم.
إن ما يحتفظ به الفلاحون ليس ملكا لهم وحدهم، فهم يشتركون فيه مع غيرهم من الناس ، فقد نجد أغنية كانت شائعة في مدينة الجزائر العاصمة في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات وما تزال تتردد في بعض القرى حتى اليوم فلا تشير إلى أنها من صنع الفلاحين الذين يغنونها حاليا ولذلك لا يمكن أن نستنتج منها عن العبقرية الشعبية للجماعة التي تنتمي إليها المغنية أو المغني، إن الأغنية التي ترددها قروية من المدينة في الراديو أو التلفزيون ليس دليلا على وجود اختلافات جوهرية بين الأفراد، إن الفرق يمكن أن يوجد بين الأغاني المختلفة نفسها وليس بين الناس الذين يغنون ، وقد يقول أحدنا أن الأغنية التي كانت شائعة في الربعينات ليست فولكلورا وليست قديمة قدما كافيا من هم إذن المبدعون لهذه الأشكال المجهولة الأصل ؟ هل أبدعها الشعب ؟ هل أبدعها المتعلمون ؟
وإذا سلمنا مع المؤلفين الرومانسيين بأن هذا الفولكلور هو تراث الأفراد الذين لم تدنسهم الكتابة أو التعليم وأن أشكال التعبير التي كانت الطبقات الاجتماعية الدنيا طوال التاريخ تعبر بها عن نفسها قد ظلت بعيدة عن الخاصة مجهولة، هل الحال كان كذلك دائما ؟
أجاب (لورد راجلان Lord Raglan ) و (تشارلس لويس Charles Lewis) (والبرت دوزات Albert Dauzat) بالنفي وأكدوا أن هذه الأشكال يمكن ان يكون الخاصة قد اشتركوا في إبداعها وتداولتها في الفترة نفسها ، لا ينبغي أن يكون فرد على قدر من الموهبة والعلم بهذا الشكل وأسلوب تكوينه لكي يبدع مما يجعله يختلف عن غيره في المجتمع.
إن مصطلح الشعب يمكن أن يشير كما يرى (الآن دندس) إلى مجموعة من الناس تشترك في عامل واحد مشترك على الأقل، وليس من المهم في هذه الحالة ما إذا كان هذا العامل الذي يربطها عامل مشترك أو مهنة مشتركة أو دين واحد ولكن المهم أن يكون أفراد المجموعة مرتبطين مع بعضهم البعض بقدر من التقاليد والموروثات التي يعتبرونها خاصة بهم وتتيح لهم أن تكون لهم حياة شعبية.
وتذهب إحدى النظريات إلى أن المجموعة يجب أن تتضمن على الأقل شخصين، ولكن الحقيقة أن معظم المجموعات تتكون من كثير من الأفراد. وقد لا يعرف عضو المجموعة كل الأعضاء الآخرين ولكن المرجع أنه يعرف الجوهر المشترك للتراث الخاص بالجماعة، والتقاليد التي تساعد هذه الجماعة على أن يكون عندها الإحساس بذاتية معينة خاصة بها ومن ثم فإذا كانت الجماعة تتألف من الصيادين أو الفلاحين أو أعمال البناء فإن الفولكلور سيكون من إنتاجهم.
ويمكن أن يشكل طلاب الجامعة في هذه الحالة جماعة لها فولكلورها الخاص بها الذي يعبر عن الحياة الجامعية وعاداتها وتقاليدها ونظرة الطلاب إليها.
وعلى الرغم من أن الرأي الذي ذهب إليه (آلان دندس) قريب من الصواب إلا أننا ينبغي أن نشير إلى أن الجماعات المختلفة سواء أطلقنا عليها اسم الشعب أو جماعة شعبية لا يعني أن هذه الجماعات تستقل بنفسها عن غيرها من الجماعات التي تكون المجتمع بل أنها تشترك مع بعضها البعض في عناصر كثيرة أثمرها التفاعل المستمر والتأثير والتأثر المتبادل بينها جميعا ويبدو منصهرا في ثقافة شعبية واحدة.
ويرى (جيرامب) في مقال له عنوانه (ماهو الفوكسكندة) أن روح الشعب التي كثر استعمالها تعني تجاربه الداخلية وهو يعني هنا التجارب الجماعية وليس الفردية، والشعب يستعين بالأسطورة والحكاية واللغز والمثل والأغنية والشعر والسيرة للتعبير عن هذه التجارب والخبرات التي تكشف عن هذه التجارب معتقداته وتقاليده وعاداته وأعرافه وقيمه.
عرف (جيرامب) الشعب بأنه تلك الجماعة العضوية التي تشترك معا في تكوين الحضارة، وهذه الجماعة ليست من وجهة نظر الأمة جميعها، ولكنها تلك الجماعة التي تنشأ في الأرض الأم وترتبط بها ارتباطا قويا، مما يجعلها تعيش في شكل وحدة عضوية متماسكة.
وفي عام 1946 صدر كتاب رائد للباحث (ريتشارد فايس) تحت عنوان "الدراسات الشعبية السويسرية" وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يختص بدراسة التراث الشعبي السويسري فإنه أحدث صدى كبيرا لما يحتوي عليه من دراسات نظرية على جانب كبير من الأهمية، وقد عارض فيه اختصاص الدراسات الشعبية بطبقة بعينها دون الأخرى، وذلك أن كل فرد من وجهة نظره ينتمي من ناحية السلوك الروحي إلى ما هو شعبي وما هو فردي معا بمعنى أن (فايس) لا يبحث عن الشعب من ناحية تكوينه الاجتماعي بل من ناحية سلوكه الروحي، ومن ثم يمكن أن يكون كل فرد موضوعا للدراسات الشعبية بناء على درجة الشعبية في تكوينه الروحي والفكري ومقياس هذه الشعبية يتحدد بدرجة ارتباط الفرد بمجتمعه وتراثه.
إن مدرسة النقد الاجتماعي الماركسي يعطي للنعوت (حكاية شعبية/تراث شعبي/خيال شعبي) معنى طبقيا يقوم على المفهوم الإجتماعي لكلمة "شعب" وكأن وظيفة التراث الشعبي أو الثقافة الشعبية/ محصورة في التعبير عن الصراع الطبقي، بين الجماهير العاملة والفئة الحاكمة، إن كتاب باكتين Bakhtine يتوخى هذه الطريقة في تأويل ظاهرة الكرنفال في التراث الشعبي الغربي، وقد غاب على ذهن المؤلف أن الحفلة الكرنفالية (La fête carnavalesque) حفلة جماعية تشارك فيها كل الأصناف الاجتماعية دون تمييز
تجاه هذه الأبعاد فإن المشكلة العويصة المطروحة بإلحاح شديد هي التي تمثل أساسا في تعريف الواقع ، ما هو الواقع ؟ ما هي عناصره أو مكوناته ؟ هل على سبيل المثال يمكن أن نعتبر المعتقدات والخرافات والخوارق والقوى الغيبية جزءا من الواقع وعل أي مستوى ؟
وبعبارة أخرى هل يمكن استبعاد وحذف من تصورنا للواقع التأثيرات الحقيقية بسبب أنها تبدو لنا مشبوهة في ملاحظتنا النقدية، أن الناقد أو الأديب الكلاسيكي لن يقبل بسهولة مثل هذا التعريف للواقع. بل سيرفض الحكايات الخيالية وسيتردد من إدماج الطقوس السحرية والدينية بوصفها عنصرا مكونا للأدب ويفضل عند اللزوم أن يخصص لها فصلا خاصا يتضمن المظاهر الزخرفية والغريبة ، ونستنتج مما سبق أنه هناك أبعادا مختلفة للواقع وطرقا عديدة للتحليل وتفاعل القوى الحاسمة لأفكارنا ونشاطاتنا بشكل مخالف، ولعل السبب العميق يتمثل في الاختلافات المتنوعة المتصلة بتصورات المجتمعات المتعددة، إذ نلمس فرقا شاسعا على سبيل المثال بين التصور الغربي العقلاني الفاقد لصفة القداسة وبين التصور الثقافي الإفريقي الذي يؤمن بالقوى الحيوية في الحياة اليومية.
إن الخروج عن المألوف ما هو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع، إن العجز عن تحقيق الرغبات والانشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال فالرموز والسحر والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.
يلاحظ رومان جاكوبسون أن في كل تركيب نحوي يوجد عنصر أساسي ينظم ويحول العناصر الأخرى ويضمن تكاملية البنية. فهو يطلق اسم الخاصة الغالبة Dominante على المبدأ الذي يحكم في كل رسالة لفظية. وفي شبه الأدب تثبت الخاصة الغالبة داخل كل جنس أو شكل وتحدد وتوضح خصوصيته، إن رواية شبه الأدب لا يتوقف سوى على سلطة الخاصة الغالبة التي تمتص مجموع الدلالة وتؤثر في كل شخصية وكل حدث أو فعل وتمنحهم جميعا مكانه ووظيفته، وعلى سبيل المثال نجد الخاصة الغالبة في الرواية البوليسية تتمثل في اللغز والتحقيق وتنحصر بالنسبة للرواية الخيالية في المفهوم أو المتخيل. وتتمثل الخاصة الغالبة فيما يتعلق بالرواية الجاسوسية في الأسرار والأخبار والعدو الخارجي، إلا أن الخاصة الغالبة غير كافية لأعداد تصنيفية Typologie متعلقة بمجموعات شبه الأدب ولذلك يجب الأخذ بالاعتبار المعطيات الفضائية والزمنية.
ومن هنا نستطيع أن نحدد مجموعة من الصفات التي تميز الأدب العامي عن الأدب الشعبي.
وقد حصر الباحث محمود ذهني هذه الصفات فيما يلي :
1- يستخدم الأدب العامي اللهجة المحلية التي تحررت من الأعراب ولهذا أطلق عليه صفى الدين الحلي إسم الأدب العاطل ووصفه بأن إعرابه لحن وفصاحته لكن وقوة لفظه وهن لذلك فإن ورود ألفاظ فصيحة أو معربة في الأدب العامي يعتبر عيبا بنفس القدر الذي يعتبر ورود ألفاظ عامية في الأدب المدرسي نقصا فادحا، ومن هنا فإن لغة الأدب العامي لا ترقى إلى التعبير عن الفكر إذ نجدها مختصرة يصعب كتابة أصواتها غالبا وتختلف في دلالة كثير من مفرداتها. إن كلمة (بز) تعني في الغرب الجزائري الطفل الصغير وفي الشرق تعني عند البعض الصغير الطائش وعند البعض الآخر صفة للشتم بمعنى لقيط. إن الأدب العامي يتوسل بالكلمة ولكنها غير كافية للتعبير عن الغاية لذلك يستعين بالحركة التمثيلية والإشارية (حركة اليد، العين، الرأس).
2- يقتصر الأدب العامي على البيئة المحلية ويعبر عن احتياجات الإنسان فيها.
3- يعبر الأدب العامي عن اهتمامات محصورة في نطاق أصحابها دون أن يستطيع التطرق إلى القضية الإنسانية العامة أو انشغالات الجماهير الواسعة.
4- يتناول الأدب العامي موضوعات الساعة ولهذا يكاد يكون أدبا موسميا لا يعيش إلا في حدود المشكلة التي يعالجها، فإذا ما انتهت المشكلة فقد هذا الأدب جانبا كبيرا من قيمته، فهو من حيث هذه الخاصية أقرب ما يكون شبيها بالرسوم الكاريكاتورية التي تكن قوية التأثير وقت ظهورها المرتبط بحدث معين فإذا مر الزمن على هذا الحدث فقدت قيمتها.
5- وبما أن الأدب العامي محصور في نطاق إقليم ضيق يكون دائما معروف القائل منسوبا إلى صاحبه في حدود المكان والزمان بعكس الأدب الشعبي الذي ينتسب إلى فرد هو أول من أوجده ولكن دوامه يدل على تداوله بين الشعب.
6- يعتمد الأدب العامي على صوتيات الكلام ولذلك يتجه إلى الموسيقى كعامل مساعد، ولذلك كانت معظم ألوانه منظومة. قدم صفى الدين الحلى دراسة كاملة عن الأدب العامي يقول "ومجموع فنونه عند سائر المحققين سبعة فنون لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد وإنما الاختلاف بين المغاربة والمشارقة فنين منها ، والسبعة المذكورة هي عند أهل المغرب ومصر والشام : الشعر القريض والموشح والدوبيت والزجل والمواليا والكان كان والحماق".
7- يتوقف الأدب العامي على فن الغناء فأصبح لا يصل إلى الناس إلا بواسطة الأغنية وصار الزجال يطلق عليه لقب الشاعر الغناي ، إن الغناء الشعبي أسبق الفنون إلى الظهور ولاسيما الغناء الجماعي الذي استخدمه البدائيون في الحرب والسلم معا .وفي بث روح التماسك بين أفراد القبيلة في مواجهة الخطر الخارجي أو من الحيوانات أو من الطبيعة وكذلك في المراسم والطقوس الدينية، وقد أدى فن الغناء بالأدب العامي إلى فقدان ذاتيته. وتعد الأغنية النموذج المفضل لتوضيح حدود الأدب العامي والأدب الشعبي وبيان رواج نصوصهما الغنائية. يرى الباحث محمد عيلان أن مسميات الأغنية تتعدد في الأدبين العامي والشعبي، فقد تنسب إلى المكان مثل أغنية أوراسية، أغنية صحراوية، أو تنسب إلى القبائل والأعراش مثل أغنية قبائلية، ترقية، سوفية أو إلى أفراد لهم قدسيتهم في ذهن العامة أمواتا أو أحياء كالأولياء الصالحين وهو نوع من الغناء الروحاني الصوفي يعد من آثار تمجيد السلف والتعلق بسلوكه وطقوسه وقد تنسب الأغنية إلى الأحداث مثل أغنية ثورة التحرير(يا أمي لا تبكي علي)، وقد تنسب إلى الزمن دون تحديد كقولهم أغاني عصرية أغاني عام الشر، عام الروز، عام الماريكان وهي الأغاني التي تعبر عن أحداث وقعت أثناء الحربين العالميتين، وهي معروفة بالشرق الجزائري، وقد تنسب إلى علم معروف فيقال أغنية فولكلورية نسبة إلى الفولكلور الذي يطلق أحيانا على المادة موضوع الدراسة وأحيانا أخرى على العلم الذي يدرسها بأدواته ومناهجه، تندرج أغاني الحاج رابح درياسة أو عبد الحميد عبابسة وخليفي أحمد ضمن الأدب الشعبي لأنها تستمد مادتها من الشعر الملحون، بينما تعد أغاني (مول الشاش) و(أسا نزها) أو (صب الرشراش) وأغاني الشعبي العاصمي الذي طوره المرحوم الحاج محمد العنقاء وبعض الشيوخ الآخرين من الأدب العامي.
وهناك من الأغاني المعروفة في الأدب العامي باسم الراي ، والرأي أصلا من بكائيات الأندلس فهو لحن لأغاني الندب لأن الأندلسيين الفارين من بلادهم التي استرجعها الأسبان والذين نزل بعض منهم بمنطقة الغرب الجزائري كانوا يبكون مدنهم بقولهم (ياراي ياراي لو أنك كذا) وفي مجال الأغنية العامية يمكن أن نشيد بالمرحوم دحمان الحراشي الذي استطاع أن يطور الأدب العامي وينقله إلى مستوى الأدب الشعبي ويتجاوز الحدود ومثال ذلك (يا رايح وين مسافر).
وينفرد الأدب العامي بأن يكون أكثر أداء للأغنية المقاومة، أما الأدب الشعبي بالنسبة للباحث محمد الفاسي في البلاد العربية فإنه نقصد به قبل كل شيء ما قيل من نثر أو شعر باللغة القريبة من الفصحى سواء عرف قائله أو كان مجهولا ومن أشكاله السير الشعبية والملاحم والقصص والخرافات والأساطير والألغاز والأمثال والنوادر ونداءات الباعة والنكت والأغاني والأذكار والشعر الصوفي والحكم.
أما عند الغرب فإن الأدب الشعبي يطلق على الخصوص على ما يروج بين الناس من أجناس دون أن يعرف القائل أو ما ألف بخصوص طبقات الشعب التي ليست لها ثقافة تؤهلها لتذوق الإنتاجات الأدبية لكبار الكتاب والشعراء وتفهمها. ويطلق من جهة ثالثة كذلك على المؤلفات التي تتعرض لوصف الأحوال الإجتماعية لطبقات الشعب العامة، وبما أن اللغة العامية عند أهل الغرب ليست بعيدة عن لغة الكتابة فإن الإنتاجات الأدبية الشعبية ضعيفة .
وتوجد ظاهرة مشتركة بين الأدب العامي والأدب الشعبي وهي أن هناك من الأدب العامي ما يتحول إلى أدب شعبي وكذلك يتحول الأدب الشعبي إلى أدب عامي ويخضع كل منهما في الانتقال من مرحلة إلى أخرى لعملية التغيير تجعله قادرا على التعبير عن الرغبات الفنية للجمهور.