الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرّد
من هو مؤلف " الكامل في اللغة والأدب " :هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر وشهرته المبرّد ولد عام 210هـ وتوفي عام 285هـ ، ويعد هذا الكتاب من أبرز الكتب الموسوعية التي ألفت في طليعة القرن الثالث الهجري وهو كتاب في اللغة والأدب والنحو والتصريف ، وحتى التـأريخ للتيارات الفكرية، كما سنشير إليه فيما بعد، ونتركه في هذا الصدد يحدثنا عن المنهج الذي ارتضاه لكتابه إذ يقول: " هذا الكتاب ألفناه يجمع ضروبا من الآداب، ما بين كلام منثور وشعر مرصوف، ومثل سائر وموعظة بالغة واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة، والنية أن نفسر كلّ ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معنى مستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحا وافيا، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفيا". وهذا الكتاب في الحقيقة يشبه كثيرا البيان والتبيين للجاحظ خاصة في إيراد المنظوم والمنثور ولكن يتميز منه في تركيزه على الجانب النحوي فمثلما استغل الجاحظ نصوصه للبيان والتبيين كذلك فعل المبرد ولكن لتعضيد قاعدة نحوية أو مسألة صرفية ولهذا يغلب الجفاء والجفاف على الكامل في حين تسري روح المرح والدعابة في البيان والتبيين، وإن كان الأديبان يشتركان في سمة الاستطراد فهما يختلفان كذلك في نوع ثقافتهما فقد كان الجاحظ ملما بثقافة عصره على تنوعها بينما كانت ثقافة المبرد عربية قحّة، لم تشبها شائبة من الثقافات الدخيلة.
لا بد هنا من الإشارة إلى بعض التفصيل في منهجه ، فهو يأتي بالنص كأن يكون حديثا – كما فعل في أوّل الكتاب – ثم يأخذ في شرحه لغويا ونحويا مستشهدا في ذلك بروائع من الشعر والنثر، فإذا فرغ من ذلك قدّم نصا آخر كأن يكون خطبة أو رسالة مشهورة ، وبهذا يمكننا أن نلخص محتوى الكتاب فيما يلي :
1- مختارات من الشعر والنثر والأمثال والحكم.
2- إيضاحات لغوية.
3- شروح نحوية.
4- لمحات نقدية.
فبالنسبة إلى اللمحات النقدية فنجده قد تطرق إلى بعض القضايا النقدية التي شغلت النقاد آنذاك مثل قضية اللفظ والمعنى وقضية الجديد والقديم وأخيرا السرقات الشعرية ، ولا ننسى بعد هذا أن الكتاب يحتوي على قدر كبير من أدب الخوارج حتى وصل الأمر ببعض العلماء إلى اتهامه بتبني الفكر الخارجي كما فعل ذلك ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة وإن كان هذا معروفا بتشيعه، ولكن المنصف يستقر على أن المبرد لم يكن ذا هوى خارجي ولكن التعاطف البادي إنما كان مع فن هؤلاء، ومع استبسالهم في الدفاع عن أفكارهم.
ومما يؤخذ على المبرد انه كثيرا ما يروي أخباره دون أسانيد، وكذلك نجد عيب الاستطراد إلا أن هذه السمة لم تقتصر على المبرد وحده بل مست جلّ علماء تلك الفترة
المصادر:1- دراسة في مصادر الأدب الطاهر أحمد المكي
2- المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي عز الدين إسماعيل
3- مصادر التراث العربي عمر الدقاق
4- الكامل في اللغة والأدب أبو العباس المبردنص تطبيقي من كتاب الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرّد
قال أبو العباس : ذكر أهل العلم من الصفرية أن الخوارج لما عزموا على البيعة لعبيد الله بن وهب الراسبي من الأزد تكّره ذلك فأبوا من سواه ولم يريدوا غيره، فلما رأى ذلك منهم قال: يا قوم استبيتوا الرأي، أي دعوه يغبّ، وكان يقول : نعوذ بالله من الرأي الدبري، قوله استبيتوا الرأي بقوله : دعوا رأيكم تأت عليه ليلة ثم تعقبوه، يقال: بيّت فلان كذا وكذا إذ فعله ليلا، وفي القرآن ( إذ يبيتون مالا يرضى من القول )، أي أرادوا ذلك ليلا بينهم، وأنشد أبو عبيدة :
أتوني فلم ارض ما بيتوا
وكانوا أتوني بأمر نكر
لأنكح أيمهم منذرا
وهل ينكح العبد حر لحر
والرأي الدبري الذي يعرض من بعد وقوع الشيء كما قال جرير :
ولا يعرفون الشعر حتى يصيبهم
ولا يعرفون الأمر إلا تدبرا
وكان عبد الله بن وهب ذا رأي وفهم ولسان وشجاعة ، وإنما لجأوا إليه وخلعوا معدان الإيادي ، لقول معدان :
سلام على من بايع الله شاريا
وليس على الحزب المقيم سلام
فبرئت منه الصفرية ، وقالوا : خالفت لانك برئت من القعد
قال أبو العباس : والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ، ومن ذي العصبية الظاهرة
لـــــو
" لو " أصلها في الكلام أن تدل على وقوع الشيء لوقوع غيره ، تقول :
لو جئتني لأعطيتك ، ولو كان زيد هناك لضربته ، ثم تنسع فتصير في معنى
" إن " الواقعة للجزاء ، تقول : أنت لا تكرمني ولو أكرمتك ، تريد : وإن أكرمتك ، قال الله عزوجل ، " فلن يقبل من احدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به"، فإن تأويله عند أهل اللغة لا يقبل به أن يتبرأ وهو مقيم على الكفر ، ولا يقبل إن افتدى به ، فـ "لو" في معنى "إن" وإنما منع "لو" أن تكون من حروف المجازاة فتجزم كما تجزم إن أن حروف المجازاة إنما تقع لما لم يقع ، ويصير الماضي معها في معنى المستقبل ، تقول : إن جئتني أعطيتك ، وإن قعدت عني زرتك ، فهذا لم يقع وإن كان لفظه لفظ الماضي لما أحدثته فيه "إن"، وكذا متى أتيتني أتيتك . و "لو" تقع في معنى الماضي، تقول : لو جئتني أمس لصادفتني ، و لو ركبت إليّ أمس لألفيتني ، لذلك خرجت من حروف الجزاء ، فإذا أدخلت عليها "لا" صار معناها أن الفعل يمتنع لوجود غيره ، فهذا خلاف ذلك المعنى ، ولا تقع إلا على الأسماء ، ويقع الخبر محذوفا ، لأنه لا يقع فيها الاسم إلا وخبره مدلول عليه ، فاستغني عن ذكره لذلك ، تقول لولا عبد الله لضربتك ، والمعنى في هذا المكان من قرابتك أو صداقتك ، أو نحو ذلك ، فهذا معناها في هذا الموضع ...