دور القصة الشعبية
بدأت الجهود تتجه إلى هذا التراث الشعبي و تعيد النظر فيه و تقومه من النواحي التاريخية و الأدبية و الاجتماعية و الفكرية بوجه عام.
و قد بدأ الاهتمام في الجزائر بهذا التراث مؤخرا، جمعا ودراسة و نقدا و نشرا أيضا سواء منه ما كان يستخدم لغة الشعر أو النثر، و بدأ الباحثون في الجامعات الجزائرية يوجهون عنايتهم لهذا الموضوع، و خاصة ما كان له صلة بالتاريخ و البطولات و الثورات التي أثمرت ملاحم و قصصا بطولية و عبرت عن روح الشعب و عن أحلامه و أشواقه: على أننا لا نريد نعرض لهذا الموضوع فهو خارج عما نحن بصدد الحديث عنه، و هو القصة الشعبية التي لا نريد أن نعرض لما يتصل بها من قريب أو بعيد بالتفصيل، و إنما نستهدف من وراء هذا العرض رسم الخطوط العريضة لمسار القصة الشعبية في التراث الأدبي الجزائري الشعبي.
و نحن نعمم مفهوم القصة الشعبية على الأشكال التي استخدمت الأسلوب القصصي من سرد وحوار و حديث عن الشخصية و التركيز عليها أو على الحادثة، و سواء كانت مجهولة المؤلف – و هو شرط في اعتبار القصة شعبية – أو معروفة المؤلف، و سواء ارتبطت هذه القصة بالتاريخ أو بالوقائع أو بالأسطورة أو بالدين أو بغيره، مما يدخل في مفهوم مصطلح الحكاية الشعبية.
و يمكن التميز بين ثلاثة أنواع في القصة الشعبية الجزائرية من حيث الموضوع و المؤلف و أسلوب التعبير، و من حيث الوظيفة لهذه الألوان القصصية:
فالنوع الأول هو ما يتدرج في إطار السير الشعبية أو قصص البطولات العربية مثل سيرة (عنترة ) و (سيف بن ذي يزن) و (سيرة الهلاليين) و (الزناتي خليفة) و قصة (الجارية و ذياب الهلالي) و هذا النوع من القصص انتشر في الجزائر منذ الفتح العربي بواسطة الفاتحين الأوائل أو عن طريق القوافل التجارية أو الرحالة أو الحجاج أو عن طريق الهجرات المختلفة و خاصة الهجرة المشهورة لقبائل بني هلال و سليم، أو بواسطة الكتب التي تعنى بالتاريخ الإسلامي و البطولات العربية.
و قد ذاع هذا النوع من القصص بين الجماهير الجزائرية تنشده و تنسج على منواله، وتخصص فيه (المداحون) و(المنشدون) و (الرواة) يعدلون فيه و يضيفون إليه حسب المناسبات و حسب الظروف و الأحوال، و غالبا ما يكون الهدف من إذاعته و نشره هو التكسب أو التسلية و الترفية أو إثارة النخوة القومية كما سبق أن ذكرنا.
أما النوع الثاني من هذه القصص فهو ما يدور حول الدين أو الخرافة أو السحر أو الحيوان أو حول الأمثال و نقد المجتمع أو حول الأخلاق و المواعظ و غيرها مما يسير على هذا النسق.
أما النوع الثالث من القصة الشعبية فهو الذي ألفه بعض الجزائريين، و نحن ندخله في إطار القصة الشعبية نظرا للأسلوب الذي كتب به و نظرا لأحداثه و ارتباطها بالقصص الشعبية مثل (ألف ليلة و ليلة).
و جملة القول فإن القصة الشعبية الجزائرية على اختلاف مضامينها و أساليبها وأشكالها لعبت دورا واضحا في ملء الفراغ الأدبي في فترة ضعف فيها الأدب العربي كما أنها عبرت عن روح الشعب الجزائري و تعلقه بماضيه و دفاعه عن جوده و كيانه.