إشكالية جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها
كان موضوع الجمع للمادة الشعبية محل اهتمام الأدباء والدارسين منذ قرون طويلة ، وقد وجدت بعض أشكال المادة الشعبية في جدران المعابد القديمة أو على صحاف الفخار وجلد الغزال ، وصمدت المادة الشعبية عبر الزمن وقاومته منذ حضارات الدجلة والفرات والنيل، إن الظاهرة الشعبية ذات قيمة تاريخية لأنها عريقة من صنع الأسلاف .
تطرح إشكالية جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها مسائل ثلاث :1- المصدر الذي يمكن أن يعتمد الباحث عليه في جمع المادة.
2- المنهجية السليمة التي يجمع الباحث بها المادة ويدونها.
3- المنهجية السليمة التي يحلل بها ويدرسها بعيدا عن الاعتبارات الذاتية والعرقية والإيديولوجية .يكاد يتفق العلماء على أن الباحث في ميدان الفولكلور يحصل على مادته من
ثلاثة مصادر رئيسية هي :
أ- الميدان : ونقصد العمل الذي يحصل الباحث به المادة من أصحابها.
ب-الأرشيف : وهو عبارة عن العناوين القديمة والمواثيق والمخطوطات والوثائق الأخرى ذات الأهمية التى تتعلق بالدولة أو المدينة والعائلة وغير ذلك.
ج- المدونة : وهي المصدر المطبوع أو المخطوط الذي ترد المادة الشعبية فيه عرضا لأنها ليست متخصصة في ميدان الفولكلور ،وتعد مصادرها متنوعة منها الرحلات والكتب الجغرافية والتاريخية والأدبية وغير ذلك.
يعتبر جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها عملية
معقدة لأسباب كثيرة :
1 - تطرح قراءة منهجية جديدة للثقافة بإعتبار أن المادة الشعبية تحدد هوية الإنسان دون شروط مسبقة.
2 - تدعو المادة الشعبية الباحث إلى تناولها من داخلها أي دون تسلط عليه قراءة خارجية عنه وإنما يمكن
ذلك بعد دراستها بوسائلها الثقافية التي تتضمنها هي نفسها ، والمقصود بالقراءة الثقافية هو أن ينظر الباحث إلى الأثر الشعبي في ذاته ويقيمه باعتماد على مقوماته الخاصة وليس من وجهة نظر المدرسة الغربية .
3 - ليس هناك طريقة واحدة يعتمد عليها الباحث فى جمع المادة الشعبية وإنما هناك اطار عام اتفق العلماء عليه .
4 - تتميز المادة الشعبية بأشكال التعبير ذات العدد الوافر والمتنوع، وهي تنقسم إلى نثر طويل كالأسطورة والحكاية الشعبية والحكاية الخرافية والسيرة، وإلى نثر قصير كاللغز والمثل والحكمة والإشاعة وإلى شعر وهو أنواع كثيرة، كالشعر الغنائي والشعر القصصي والشعر التمثيلي والشعر الهزلي وشعر الغزل وشعر المدح وشعر الرثاء وشعر الهجاء. إن الحصول على المادة ونقلها وتدوينها مشكلات يواجهها الباحث بسبب طبيعتها الشفوية، كما أن خضوع المادة الشعبية إلى الدراسة تجعل الدارس يبحث عن منهج مناسب لخصائصها، وقد اعتمد بعض الباحثين على مناهج القدامى كالأصفهاني (كتاب الأغاني ) وابن خلدون الذي أشار إلى قواعد جمع المادة الشعبية، وقد نالت المادة الشعبية اهتماما بالغا في القرن الثامن عشر على يد الإخوة جريم .
WILHEM.GRIMM (1786-1859) – JACOB GRIMM (1785-1863)
وفيما يتعلق بالجزائر فإن جهود الجمع والتدوين بذلها عدد من الباحثين إلا أنها ظلت ناقصة لعدم عنايتها لروح المادة ، وقد حصر الباحث سعيدي محمد هذه الأعمال في ثلاث تيارات :
1 – التيار الاول :* الترجمة : يقوم هذا التيار بتدوين الأعمال الأدبية الشعبية باللغة الاجنبية دون أن يحافظ على النص الأصلي، وعلى سبيل المثال أعمال ليوفروبينوس (1938-1873) LEO FROBENUS الذي جمع الحكايات القبائلية الشهيرة في أربعة أجزاء باللغة الألمانية بعنوان VOLKS MAVCHEN DER KABYLEN
وقد مهد لها بالحديث عن تجربته التي إكتبسها من خلال العمل الميداني في بلاد القبائل ولاسيما ما اتصل بالشفويات وعرف خصائص المنطقة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية ولكنه مع ذلك أهمل النص الأصلي وبذلك صار الجمهور الذي توجه إليه بهذا العمل يؤلف وسطا اجتماعيا ينتسب إليه الكاتب نفسه أعني البيئة الألمانية، ومن هنا تطرح هذه الترجمة مشكلة لغوية وجمالية ومعرفية، وهذا ما قصده بوفون BUFFON ، بقوله : إن الاسلوب ليس الإنسان فقط بل إنه المجتمع أيضا، فمهما بلغت عبقرية المؤلف الخلاقة فهولا يستطيع أن يتجاهل الخصائص المحلية التى يرتبط بها العمل الأدبي الشعبي .
ويثير هذا العمل اهتمام CAMILLE LACOSTE DUJARDIN وتترجمه إلى اللغة الفرنسية في أربعة أجزاء، وقد سار على هذا التقليد دارسون جزائريون منذ فترة الإحتلال وتندرج TAOS AMROUCHE ضمن هذا التيار بعملها المشهور بعنوان :
LE GRAIN MAGIQUE, CONTES, POEMES, PROVERBES BERBERES DE KABYLIE
إن الخطأ في هذه الترجمة هو أن الباحثة اعتبرت النص الأصلي إنتاجا ثقافيا قبل كل شيء وأهملت توثيق النص الأصلي، إن الباحثة تستخدم عددا من التعابير الفرنسية الخالصة والمصطلحات المجردة. مما نلمس شكلا أدبيا رائعا وممتعا وجذابا ولكنه يحرم النص القصصي من أصالته، ومن هنا نجد ترجمة النص لا تخرج عن خط القصة الغربية، ولقد وردت على سبيل المثال في النص المترجم كلمة NEGRESSE بمعنى الزنجية أوالخادمة السوداء ولكن الاسم المتداول في المجتمع القبائلي هوتاكليث المتعارض مع كلمة أحرّ التي تدل على البشرة البيضاء.
2- التيار الثاني :• التعريب :يدون هذا التيار العمل الشعبي باللغة العربية الفصحى مثل كتابي رابح بلعمري (بذور الألم) و(الوردة الحمراء) قصص شعبية من الشرق الجزائري سنة 1983. يحدد الباحث المنطقة التي جمع منها المادة الشعبية وهي بوقاعة الواقعة بين القبائل الصغرى وسطيف ثم يوضح المصدر أوالراوية المتمثلة في الخالة البالغة من العمر 79 سنة ثم يشرع في تقديم النصوص بالفصحى دون أن يتبث النص الأصلي
أما المثال الآخر فإنه يتمثل في كتاب عمر بن قينة بعنوان قصص شعبية من الجزائر وهوأيضا يدون النصوص بالفصحى ولا يشير إلى المصدر.
3-التيار الثالث : يلجأ هذا التيار إلى جمع النصوص الشعبية من الميدان وتسجيلها باستعمال أشرطة سمعية. وتتمثل هذه النصوص في الأمازيغية والعامية العربية، ويوفر أصحاب هذا التيار ترجمة مطبوعة في مواجهة النص الأصلي ويخضع النص في النهاية إلى الدراسة المنهجية القائمة على احترام روحه وشكله ولغته ، ويعد عمل ارنست لاوست E. LAOUST الذي يحمل عنوان Maroc Contes Berbères du نموذجا رائعا في هذا المجال، وهو خلاصة عمل امتد من 1913 إلى 1920 خصص الجزء الأول للنصوص الأمازيغية الشلحية والريفية بحروف لاتينية والجزء الثاني للترجمة والدراسة، ويندرج ضمن هذا التيار كذلك الباحثون الجزائريون باللغة الفرنسية المهتمين بالشعر الشعبي أمثال يوسف نسيب في كتابيه :
- Anthologie de la poésie Kabyle
- Poèmes mystiques de Kabylie ومولود معمري في كتابيه :
- Poèmes Kabyles anciens
- Les Isefra poèmes de Si Mohand-ou-Mhand texte Berbère et traduction وكذلك مولود فرعون في كتابه :
-
Les poèmes de Si Mohandوتعرض كل من مولود معمري ومولود فرعون في كتابيهما المخصصين للشاعر القبائلي المشهور سي محاند أومحند لحياة الشاعر وشرح لعمله الشعري (أسفرو) إلى جانب القصائد الشعرية باللغة القبائلية وترجمتها إلى اللغة الفرنسية .
يرى يوسف نسيب فى كتابه (عناصر حول التراث الشفهي
Eléments sur la Tradition Orale) أن الباحث يواجه في الترجمة الأدبية ثلاث مشكلات :