القصة القصيرة
نشأت القصة القصيرة الجزائرية متأخرة عن القصة في المشرق العربي لظروف تتصل بالثقافة العربية و بالأدباء أنفسهم و بثقافتهم الخاصة وتكوينهم الفكري الذي ارتبط بالتراث ارتباطا كليا منذ البدايات الأولى للنهضة الأدبية في الجزائر و ارتباط الأدب بالحركة الإصلاحية، بدعوتها و مبادئها و أهدافها و هي في مجملها تستند إلى الدين والإصلاح وتتسم بالمحافظة في النظرة و الرؤية، و من ثم فإن الأدباء الذين اعتنقوا هذه الفكرة حصروا أنفسهم في نطاق ضيق لم يستطيعوا الخروج عنه و بالتالي لم يحاولوا أن يجربوا في مجال الفنون الأدبية الجديدة مثل القصة القصيرة.
و قد تأخر ظهور القصة لأسباب كثيرة و مختلفة نوجزها على النحو التالي:-
ا- الاستعمار الذي وضع الثقافة القومية في وضع شل فاعليتها و حركتها مما نتج عنه تأخر الأدب الجزائري عامة و لا سيما أحدث فنونه و هي القصة القصيرة، و قد كان اضطهاد اللغة العربية و محاولة القضاء عليها من طرف الاستعمار الفرنسي عاملا أساسيا في تخلف الأدب و تأخر القصة، فقد جاء رد الفعل من محاولات الحفاظ عليها كلغة البلاد القومية، لغة الثقافة و العلم و الدين، محاولات نعلم جميعا مدى ما استلزمت من تضحيات وجهود شاقة مريرة، و لكنها لم تضع في حسابها ضرورة تطويرها و جعلها لغة صالحة للأدب و أداة مرنة طيعة له.
ب- التقاليد و أبرزها ما يتعلق بوضع المرأة في المجتمع إذا كانت مغلقة لا يسمح لها بالاختلاط أو المشاركة في الحياة السياسية و الاجتماعية، و لهذا كان من الصعب أن تعالج القصة علاقة الرجل بالمرأة أو أن تتعرض إلى هذا الموضوع.
ج- ضعف النشر .
د- انعدام وسائل التشجيع الكافية للأديب القصاص كي يكتب و ينتج و يجرب.
ه- عدم وجود المتلقي لهذا الإنتاج لو صدر ، و كيف يوجد في ظل الأمية التي فرضتها سلطات الاستعمار الفرنسي على شعب الجزائر كي يظل متخلفا.
• تطور القصة القصيرة في الجزائر:
يمكن حصر العوامل التي أدت إلى تطور القصة القصيرة الفنية في الجزائر في أربعة نقاط:
1 – اليقظة الفكرية :
إن من أهم الأسباب التي أثرت في تطور القصة القصيرة في الجزائر هي اليقظة الفكرية التي صاحبت اليقظة السياسية عقب الحرب العالمية الثانية و انتفاضة »ماي« سنة1945.
فهذه اليقظة كانت تعبيرا عن موقف حضاري أحس فيه الشعب الجزائري إحساسا عنيفا بشخصيته و قوميته و عروبته و ماضيه، فظهرت القصة القصيرة التاريخية التي تلح على مقومات الشخصية الجزائرية ، رغم أن إنتاجها كان نزرا يسيرا.
و قد جاءت هذه اليقظة نتيجة تحرر الشعوب عامة و نتيجة مشاركة الشعب الجزائري في الحرب خاصة .هذه الحرب التي كانت نهايتها قتل الجزائريين بالجملة في مظاهرات »ماي« الصاخبة التي قوبلت من جانب الاستعمار بالقمع و التنكيل .
2 – البعثات الثقافية للمشرق العربي:
اتسع نطاق هذه البعثات بصورة أكثر عن ذي قبل ، و توثق الاتصال بالأقطار العربية التي فتحت صدرها للجزائريين ليدرسوا في مدارسها و جامعاتها فاتصلوا بالثقافة العربية في منابعها ، و الثقافة الأجنبية في ترجماتها ، و اطلعوا على نماذج منة القصة القصيرة العربية التي كانت قد بلغت درجة من الجودة و الإتقان ، و وجدوا في هذه البيئات تفتحا أكثر.
3 – الحافز الفني لكتابة القصة:
بدأ الأدباء في محاولات جادة لكتابة القصة القصيرة - في أواخر الأربعينات و أوائل الخمسينات وهي الفترة التي بدأ فيها التطور القوي لها – و لكن هذه المحاولة تعددت حوافزها :
- فهناك من كتب بدافع ملء الفراغ و الشعور بأن الأدب الجزائري قد خلا من القصة القصيرة.
- و هناك من كتب القصة للتجربة أو بدافع الحماس بسبب الثورة ، فأراد أن يسجل أحداثها أو يصور بعض أبطالها .
- و لكن هناك من كتب القصة بدافع فني . بدافع أدبي يحقق فيه ذاته ووجوده. وهذا النوع هو الذي استطاع أن يساهم في تطور القصة القصيرة الجزائرية و أن يوصل التجربة في هذا المجال .
4 – الثورة:
لا شك أن الثورة فتحت مجالا أكثر لكُتّاب القصة القصيرة ، فغيرت كثيرا من نظرتهم إلى الواقع . فبعد أن كان الحديث عن الواقع لا يعدو أن يكون تسجيلا له ، أصبح التعبير عن هذا الواقع و تصويره هو هدف كتّاب القصة القصيرة.
فظروف النضال كشفت للكتاب عن إمكانيات ضخمة و تجارب جديدة دفعتهم للبحث عن جديد، سواء أكان ذلك في الموضوع أو في المضمون أو في الشكل .
و ظهرت موضوعات جديدة تتحدث عن الاغتراب و عن الهجرة،و عن الحرب والثورة و آثارهما. تصف الجبل و تدين الاستعمار، و تصور مشاركة المرأة في الثورة والنضال ...
و من هنا ظهر في القصة البطل الإنسان الذي يخاف و يتغلب على خوفه، و اختفى البطل الفريد الخارق للعادة.
وعموما يمكن القول بأن كتاب القصة القصيرة الفنية –أو بعضهم على الأقل – في هذه المرحلة عنوا بهيكل القصة و بنائها ، الأمر الذي يوضح وعيهم بفن كتابتها.
و هذا لا يعني أن القصة القصيرة قد توفرت فيها كل الخصائص أو السمات الفنية ، و إنما يعني أنها خطت خطوة جديدة في تطورها واقتربت كثيرا من النضج. هذا وإن وجدت آلي جانب النماذج الجيدة قصص أخرى ساذجة لم ترق إلى مستوى القصة الفنية
الرواية العربية
كان ظهور الرواية متأخرا إذا ما قيس بالأشكال الأدبية الحديثة الأخرى مثل المقال الأدبي و القصة القصيرة و المسرحية ، بل إن هذه الأشكال الجديدة تعتبر حديثة بالقياس إلى مثيلاتها في الأدب العربي الحديث.
ولا شك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة بالفرنسية و ترجمت معظم الروايات بهذه اللغة إلى العربية و بات الناس يرددون أسماء كتابها و يعرفون عنهم الشيء الكثير، بينما لا يكادون يعرفون عن كتاب النثر الجزائري الحديث إلا قليلا.
ولعل هناك ظروفا كثيرة أسهمت في جعل من يكتب باللغة القومية مجهولا إلى حد ما ، في حين أنها أسهمت في التعريف بمن يكتب باللغة الأجنبية في الجزائر حتى إن بعض الدارسين للأدب الجزائري الحديث في البلاد العربية حين عرضوا لهذا الأدب درسوا الآثار المكتوبة باللغة الأجنبية و لم يشيروا من قريب أو بعيد إلى من يكتب باللغة القومية فضلا عن الباحثين في البيئات الأوربية شرقا و غربا الذين احتفلوا بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر حتى إن بعضهم اعتبر أن الكتاب الفرنسيين الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين، و ذهبوا مذاهب شتى في البحث عن الأدلة التي ساقوها لتأكيد غرضهم، و قد أسهمت في هذه الضجة التي أثيرت حول هذا الأدب عوامل شتى منها ؛أن أجهزة الإعلام و الثقافة الفرنسية قد روجت لهذه الفكرة لتظهر أن الثقافة الفرنسية خلقت كتابا بارزين في الجزائر ، و أن الاستعمار لم يكن كله شرا ، و أن ما زرعه هذا الاستعمار من حضارة في الجزائر- حسب زعمه – قد أثمر هذه النماذج الأدبية الجيدة شعرا و نثرا و احتفلوا بكتابه و قدموا لهم الجوائز التشجيعية ليس تقديرا لتفوق الكتاب الجزائريين ، ولكن للدعاية و تشجيع الأدب الفرنسي طالما هناك هؤلاء الكتاب يعبرون باللغة الفرنسية .
وقد أثر هذا الموقف على الدارسين للأدب الجزائري في بيئات أخرى فترجموه ، و لكن بعضهم أعجب بما فيه من أصالة و عمق و بما فيه من مضامين جديدة خاصة و أن معظمه دار حول الثورة و حول الشعب الجزائري و نضاله ضد الاستعمار ، و عبّر عن ذلك بجرأة و قدرة و فهم عميق لمطامح الشعب الجزائري و أشواقه.
يضاف إلى هذا أن المهتمين بالأدب الجزائري عامة سواء من الجزائريين أو من غيرهم لم يعرِّفُوا به إلا في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة..
أما فيما يتعلق بالرواية العربية الجزائرية فإن للنقد عذرهم في عدم الحديث عنها ، لأنها ظهرت أخيرا ، فهي من مواليد السبعينات بالرغم من بذورا ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية يمكن أن نلحظ فيها بدايات ساذجة للرواية العربية الجزائرية سواء في موضوعاتها أو في أسلوبها و بنائها الفني، فهناك قصة مطولة بعض الشيء كتبها »أحمد رضا حوحو« و سماها »غادة أم القرى« و هناك غيره من كتاب الرواية.
أما تأخر ظهور الرواية الفنية إلى فترة السبعينات ، يرجع إلى أن هذا الفن صعب يحتاج إلى تأمل طويل و إلى صبر و أناة ثم يتطلب ظروفا ملائمة تساعد على تطوره و عناية الأدباء به .و في مقدمة هذه العوامل :
- أن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا اتجهوا إلى القصة القصيرة لأنها تعبر عن واقع الحياة اليومي خاصة أثناء الثورة التي أحدثت تغييرا عميقا في الفرد، فكان أسلوب القصة ملائما للتعبير عن الموقف أو عن اللحظة الآنية و عن التجربة المحدودة بحدود الفرد . أما الرواية فإنها تعالج قطاعا من المجتمع و رحابه واسعة تحتاج إلى تأمل طويل.
و فوق هذا فإن كتّاب الرواية في الجزائر لم يجدوا أمامهم نماذج جزائرية يقلدونها أو ينسجون على منوالها كما كان الأمر بالنسبة للكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوا تراثا غنيا ونماذج جيدة في الأدب الفرنسي ، و مع ذلك فإن كتاب الرواية العربية قد أتيح لهم أن يقرأوا في لغتهم عيونا واسعة في الرواية العربية الحديثة و المعاصرة، و لكنهم لم يتصلوا بهذا الإنتاج إلا في فترة قريبة بسبب الظروف التي عاشوها و عاشتها الثقافة القومية في الجزائر، لذلك فإن البدايات الحقيقية التي يمكن أن تدخل في مفهوم الرواية هي التي ظهرت منذ سنوات قليلة، أي في السبعينات مثل قصة ( ما لا تذروه الرياح) لمحمد عرعار، (ريح الجنوب) للكاتب القصصي (عبد الحميد هدوقة) التي كتبت فيما يبدو قبل السابقة و لكنها طبعت بعدها، ثم ظهرت في السنتين الماضيتين روايتان (للطاهر وطار) و هما على التوالي (الزلزال) ثم (اللاز).
المسرحية
بعض الدارسين للمسرح الجزائري الحديث يعتبرون أن ميلاد المسرح الجزائري تم ما بين 1919-1927 ، أي أن البدايات الأولى ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ظهرت الحاجة إلى مسرح يعالج الواقع الجزائري و يصطنع اللغة و التمثيل و يهتم بالمسرح أداة للنقد و بالفكاهة سبيلا لترقية الذوق و الشعور.
غير أن الباحثين يكادون يجمعون على أن انطلاق المسرح الجزائري بدأ في سنة 1926 وحتى السنة التي حاول فيها الجزائريون خلق مسرح عربي يستخدم اللغة العربية الفصحى وسيلة للتعبير والتمثيل، و هذه المحاولة تندرج في مجال المحاولات التي قام بها رواد المسرح العربي في بلدان عربية أخرى مثل سوريا و مصر منذ القرن الماضي و هذه المحاولة تنبع من الفكرة التي تدعو إلى النهضة الحديثة التي تستفيد من الغرب و من تقدمه الثقافي و الحضاري. و لعل زيارة (جورج إيفي) في بداية العشرينات من القرن الحالي كان لها أثرها في تشجيع المهتمين بقيام مسرح جزائري يتخذ العربية الفصحى أداة للتعبير فقد مثلت هذه الفرقة مسرحيات تاريخية أو مترجمة بلغة عربية فصحى، و لكن الباحثين يرجعون سبب إقبال الجمهور على هذا النوع من المسرحيات إلى عدم فهمه لها سواء من قام بتمثيلها من الجزائريين أو غيرهم نظرا إلى الأمية المنتشرة و ضعف الثقافة العربية في البيئة الجزائرية لارتباط النهضة الأدبية بالحركة الإصلاحية و هي حركة تركز على الدين و على الإصلاح الاجتماعي قبل الاهتمام بالجوانب الأدبية أو الفنون الأدبية التي لم تكن معروفة في الأدب العربي القديم مثل القصة و المسرحية و غيرهما من الأنواع الأدبية الحديثة في الأدب الجزائري.
ومع هذا فإن ( زيارة فرقة جورج أبيض ) كان لها أثرها في الأوساط المسرحية، وبدأ المسرح الجزائري يخطو خطوات جدية، بحيث مثلت مسرحيات ذات مضامين جديدة وتكونت فرق مسرحية و فنية لعبت دورا جادا في خلق مسرح جزائري بلغة عربية فصحى استمر إلى غاية 1926 .
غير أن هذا المسرح توقف للأسباب التي ذكرناها و لغيرها، مما نتج عنه توقف المسرحية باللغة القومية ليحل محله مسرح جزائري استخدم اللهجة الدرامية حتى قيام الثورة بل وأثناءها وما بعد الاستقلال.
على أن الباحثين أمثال محي الدين باش تارزي، و ارليت روت و كذلك و كذلك جروة علاوة وهبي الذي اعتمد فيما كتب عن المسرح على المؤلفين السابقين، إن هؤلاء عرضوا لهذا المسرح بشيء من التفصيل و تحدثوا عن المراحل التي مر بها المسرح الشعبي أي باللهجة العامية و اعبروا أن المرحلة الأولى تبدأ من عام 1926 إلى سنة 1934 وهي مرحلة عني فيها المسرح بالمشاكل الاجتماعية و مالت المسرحية إلى الفكاهة في أسلوبها وإلى الهزل في طريقة التعبير فيها.
أما المرحلة الثانية تمتد ما بين 1934 إلى قيام الحرب العالمية الثانية، و في تلك المرحلة لعب (رشيد القسنطيني) الدور الأساسي ممثلا ثم مؤلفا و ممثلا و اتجه إلى النقد بأسلوب فكاهي هزلي مما أثار السلطة الاستعمارية فضيقت عليه الخناق و فرضت على المسرح الجزائري الرقابة الشديدة، غير أن هذا المسرح توقف نوعا ما أثناء الحرب.
و بعض الباحثين يرون أن المسرح الجزائري بعد سنة1945 و حتى السنة التي انتهت فيها الحرب ووقعت فيها حوادث مايو 1945 بالجزائر واستشهد فيها آلاف مؤلفة من الجزائريين حين طالبوا بالحماية والاستقلال، هذه الفترة تعتبر لدى بعض الباحثين بداية للمسرح الجاد الذي استمر أثناء الثورة و أنشئت غرفة تابعة لجبهة التحرير الوطني قدمت عروضا خارج الوطن و بعد الاستقلال تنوعت هذه الفرق من هواة ومحترفين و واكبت النهضة الأدبية و الاجتماعية و عبرت عن القضايا التي حدثت بعد الاستقلال حتى اليوم.
ويمكن أن نميز ثلاث اتجاهات في المسرح الجزائري العربي الحديث، الاتجاه التاريخي، والاتجاه الاجتماعي، و الاتجاه الثوري النضالي.
هذه بصفة مقتضبة الجوانب الهامة التي تكون الرصيد الأدبي للمجتمع الجزائري ، والتي يمكن أن تكون جزءا من الرصيد الثقافي العام الذي يمثل الذاكرة الجماعية لهذا الشعب عبر التاريخ.