salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: لنظريّة اللّغويّة والمحتوى اللّغويّ .. تفاعل النظريات الأحد نوفمبر 02, 2008 8:08 pm | |
| النظريّة اللّغويّة والمحتوى اللّغويّ .. تفاعل النظريات - النّظريّة اللّغويّة وتعليميّة اللّغات : 1.1 - مسوِّغات تدعيم تعليميّة اللّغات بنظريّة لغويّة :
لا يمكن التّكفّل كما ينبغي بالمعضلات الّتي تعترض اكتساب اللّغة أو اضطرابات استعمالها إذا لم نكن قد نجحنا في تناول طبيعة اللّغة ولو عمومًا ، ولا تقوم التحديدات التي تستهدف لغة الأمّ واللّغة الثانية إلاّ على أصلٍ من الوصف اللّساني. ولا بدّ أن تكون تلك الإحاطة في مستوى متطلّبات تعليم تلك اللّغة وفي إطار علمٍ يعرف ماذا ينتقي من المجالات اللّسانية المختلفة المشار إلى معظمها في المدخل وكيف يضعه في خدمة القائمين على تعليم اللّغات والمهتمّين بتعلّمها، مع تخصيص هامش يتناول كيفيّة انكباب المطبِقين والممارسين عليه. والحالُ، كما سبقت المقدِّمة إلى إصدار الإنذار الأحمر في شأنه، لا تتماسك أجزاءُ الدراسات اللّسانيّة المعنية بهذا الموضوع إلاّ قليلا خاصّةً إذا أضفنا مدى تأخّرها وكونها جاءت في لباس بِدعةٍ ” لسانيّة “ أخرى لم تُكمِل اللّسانيات التطبيقيّة معالمَها بعدُ حتّى قامت وأخذت تخوض في مسائلها، العالِقة منها وغيرها، وبدون قيودٍ، إلى درجة صعُب معه التمييز بينهما؛ فرغم ذلك كلّه لا نرى مبرَّرًا لإنكار الارتباط الوثيق بينهما، بل علينا بتعهّد علاقة الاحتواء القائمة بينهما .
وهذا رأيٌ يتقاسمه الكثيرُ ممّن جاءوا إلى هذا الموضوع من مختلَف الاتجاهات، كما يشهد عليه المقتبَس المشخِّص أدناه الذي جاء في ثنايا مقالٍ يتطرّق إلى موضوعٍ غير موضوعنا ههنا، وهذه إحدى مظاهر عدم سلامة الطرح في غالب الدراسات التي جُعِلت لتناسِبه ومن أعراض الإشكالية التي نشتغل عليها الآن:
« تتغيّر وجهة نظر اللّغويّين في اللّغة الجديرة بالدراسة على مدى السنين، [...] وظلّت ثلاثةُ أشكالٍ من اللّغات بعيدة عن هذا الحشد اللّغويّ الذي ارتأى فيه اللّغويون صلاحية للدراسة هي:
الشكل اللّغويّ لدى متعلِّمي اللّغة الثانية، وهي ما يسمّى اللّغة الوسطى inter language حيث يجمع خصائص اللّغة الأمّ [ يقصد لغة الأمّ ]، وخصائص اللّغة الثانية [...] » . إنّ إعادة تعريف الصلة بين النّظريّة اللّغويّة و” تعليميّة اللّغات “ فرضٌ مقدَّمٌ ، وذلك لتكوين فكرة دقيقة عن وجه تواجد اللّغة المعنية بتعليمها نحويًّا ودلاليًّا. فالفكرة القائلة إنّ الأمر يتعلّق بتعليم مادّة لا تختلف كثيرًا عن غيرها من المواد التعليميّة هي في آن واحد فكرة شائعة وخاطئة: لا يمكن أن يتعلّق الأمر بمادّة ليست جديرة بأن تحظى بنظريّة خاصّة وإلاّ صارت كغيرها تقرّر في المناهج الدّراسيّة لظرف سنة فحسب أو على أكثر تقدير لمدّة ثلاث سنوات، مع مناهج تدريس عامّة، والحال إنّ الأمر ليس كذلك طبعًا. اللّغة هي التي تحظى بالقدر الكبير من اهتمام المدرِّسين والمتعلّمين وواضعي المناهج الدراسيّة ومخطّطي البرامج التعليميّة. إنّ الدّواعي التي استدعت موقِفًا مثل ذلك الذي وقفه ثورندايك برفضه الاعتقاد السائد آنذاك (النصف الأول من القرن العشرين) أنّ تعليم اللّغة والرياضيات منذ الفترات المبكِّرة هو وحده المكوِّن الأساسيّ والمهيكِل يستتبع أنواعًا أخرى من التكوينات التي تُبنى على أساسه، هو موقِفٌ لم يكن يرمي إلى عزل تعليم اللّغة وزحزحتها من مكانتها تلك بقدر ما هو موقِفٌ مندِّدٌ ببطء وتيرة التفكير في تدعيم البرامج التعليميّة بموادّ علميّة كان ثورندايك نفسُه مقتنعًا أنها مكمِّلة ومؤدية لأدوار في تكوين حتى المبتدئين والابتدائيين، وهي العلوم الاجتماعيّة التي آلمه تهميشها، والفيزياء التي تحسّر لتأخير فترة تعليمها، ولم يحدث أن تقلّص حجم الاهتمام باللّغة إلى درجة التفكير في بدائل عنها.
لأن الإشكالية التي يلتبس بها وضع أي لغة (Statut) وهي يُمارَس عليها التعليم أو يُمارَس بها هي إيجاد المعايير التي تُتَّخَذ لتحديد ذلك الوضع. فكما أنّ مقام « اللّغة العربيّة المستعملة في الكيمياء » أو « اللّغة العربيّة المستعملة في القانون » هو شيء مغايرٌ تمامًا: فهي بالكلّ لغة عربيّة، وفي نفس الوقت ناقل المعرفة والصّناعة. اللّغة الإنجليزيّة الموسومة اللّغة ذات الغرض الخاصّ [ language for special purpose ]، تنبئ كما ينبغي عن هذه الخاصية، وذلك بفضل الحرف [ for ]، وكذلك اللّغة الألمانيّة [ Fachsprache ] وعلى الأقل من باب التّأويل الوظيفيّ [Sprache im Fach ] (« اللّغة في الاختصاص» ).
سبق وأن ألححنا على أنه لا يُمكِن استِمدادُ الأُسسَ النَّظرِيَّة القاعديّة لِمُقاربَةٍ لِسانِيَّةٍ خاصَّةٍ بتعليميّة اللّغات إلاَّ مِن اللَّسانيَّات العامَّة. المشكل الرّئيسيّ الّذي يُطرح، في هذه الأحوال، هو مشكل تناسب هذه الخطوات:
كيف يمكن الإنباء بطريقة متزامنة عمّا هو خطّيّ وما هو تراتبيّ، عمّا هو رمزيّ علميّ وما هو قابل للضّبط بعلم الصّرف اللّغويّ، وكذلك عن المعنى «الطّبيعيّ» والمعنى «الاصطلاحيّ» ؟
فمهام اللّسانيّات في وجه تعليم اللّغات عديدة، ويمكن لكلِّ واحدة أن تشكِّل موضوعًا لبحثٍ موحّدٍ غزير. فالرّهان جليلٌ: يتعلّق الأمر بجعل لسانيًّا أقلَّ مجازفةً تلك الممارسات التعليميّة الضّروريّة والّتي تعزّزت لا محالة في الدّول المتقدِّمة كلِّها بفضل تحسّسها لمشاكلها اللّغويّة، إذا ما نجح في توضيح تقاطعات مشاكل، والتّطابقات الممكِنة لمقاربات، من شأنه أن يخدم، نوعًا ما، مختصّين يتكفّلون بنشاط تعليم اللّغات. هذه النظريات اللّسانيّة الموجَّهة للمعلِّمين تسعى أيضًا إلى إثارة فضول الطّلبة الأدبيِّين، سيّما إذا كانوا يعتقدون أنّ التّقانة والثّقافة قد أدارتا لهم الظّهر. وعين الحقيقة أنّ ما هو تقنيٌّ ليس ذاك الموغِل في الاصطناعيّة، لكنّه هو القابل لإعادة الاستعمال، وأنّ الثّقافة اللّسانيّة الأقلّ ضيقًا تظلّ الأكثر قابليّة للحمل داخل المهن المعنيّة باللّغات.
مِن النّظريّات الطّلائع الّتي تَواضع عليْها اللِّسانيّون ـ لا سيّما بَعدما فَصَل دي سوسير اللُّغة باعتبارها نظامًا مِن العلامات الصّوتية الاصطِلاحيّة عن أيِّ نظامٍ آخر مِن الأنظِمة المختلِفة لِلعلامات بِما فيها نظام العلامات الكتابيّة ـ هي تِلك الّتي تُؤكِّد أنّ اللُّغة ليْست نِظامًا غاية في التجانُس لإمْكانيّاتٍ تعبيريّة مُعيّنة، وأنّ النّحو الّذي يقوم بِوصفها ليس مجموعًا مُتكتِّلاً مِن قواعِد ووحداتٍ جديرة بِأن تكشف عن كلِّ الملفوظات الّتي يُحدِثها المُتحدِّث فحسب، بل على النّقيض مِن ذلِك أيضًا فإنّ اللُّغة هي نِظامٌ مُعقَّدٌ ومُتفاوِتُ الأبعاد تَتقاسَمه أنظِمةٌ تحتانيّة مَشدودةٌ بَعضُها إلى بعضٍ وكلّ مِنها كفيلٌ بِأن يُشكِّل موضوعَ الدِّراسة والوصف اللّسانيّ، وعلى مسوياتٍ متنوعة: الفونولوجي، الصّرفي، المعجمي، التّركي، الخطابي. وهي مُقسَّمة حسبَ مَوضوعاتها التّابِعة كالآتي:
المستوى الفونولوجي: الفونيم (الوحدة الصّوتية) المستوى الصّرفي: المورفيم ( الوحدة الصّرفية) المستوى المعجمي: الوحدة المعجمية المستوى التّركبي: الجملة المستوى الخِطابي: النص
لكن التّسليم بِهذه المُستويات ليْس إلاَّ حصرًا تَوقيفيًّا لضبْط مجمل الزّوايا الّتي يمثّلها موضوعُ اللِّسانيّات، ولا يضع جانبًا إمكانيّة تعيين مستويات تكميلّيه أخرى ولا يمنع التّحرِّي عن وحداتٍ مُغايِرة، مثل المستوى الصّرفي الفونولوجي، والتّركيبات المتقلّبة على عدة مستويات من الوصف اللِّساني، ﻜ: التركيب الإضافي والتركيب النّعتي...الخ والعبارات وأشباه الجُمل وبعض المقاطع اللُّغويّة الّتي تساهم في تشكيل الخطاب في حدِّ ذاته، وكلُّها تتطلّب توسيعَ مَجالَ الدّرس اللِّسانيّ الّذي يُنظَر مِن زاويّته إلى تعليميّة اللّغات على غِرار ما حدث لِموضوع التّرجميّات وفي هذا يَقول فوزي عطيّة: «ولَقد دخَلت الدّراساتُ اللُّغويّةُ بِظاهِرة التّرجمة، إلى حيِّز تَحليل وتَعميم الاستِنتاجات المُستخلَصة مِن واقِع المُمارَسة العمليّة، وأسهمَت مَعها، في وضْع ضوابِط العلاقات المُتبادلة، بيْن اللُّغات، وفي الكشْف عن عناصِر الاختِلاف والتّطابُق بيْن سُبُل التّعبير في اللُّغات المُختلِفة» .
ثمّ إنّه غالِبًا ما وُصِفت اللّغة بأنّها نِظامٌ مِن الأدلّة والعلاقات، أيّ لا تتواجد وحداتُها إلاّ في نِطاق العِلاقات الّتي تربِطها بِغيرها مِن الوحدات التّابِعة لِنفس النّظام ، ولا تتحدّد إلاّ بِاعتِبار وظيفتها ضِمن المَجموع. على الرّغم مِن هذا التّوافق في وصف اللّغة فإنّ أبسطَ تحليلٍ مُقارِنٍ لِلاتِّجاهيْن الكبيريْن لِلِّسانيّات العامّة والنّظريّة الّتي قامَت خِلالَ القرْن العشرين، سَيسمح لَنا بِاستنتاج تنوُّعًا ذا أهميّة في تصوُّر كلٍّ مِنهما للُّغة: موضوع الدِّراسة ومناهج التّحليل.
2.1 النّظريات اللّغويّة: 1.2.1 حسب النّظريّة البنويّة:
تتحدّد البنويّة ويتّسع مفهومُها ويضيق باختلاف زوايا البحث فيها؛ فزاويتنا هنا تعليميّة، لا نراجع منها سوى ما يمكِن إنزالُه هذه المنزلة. لكن مهما كانت زاوية الباحِث فيُناط به واجبُ الإشارة إلى أنّ البنويّة مدينة لدي سوسير، لا سيّما ببلورته لمفهوم النظام اللّغويّ المكرِس للعلاقات والاختلافات التي تنجم عنها الدلالة، وتقديم البنية (الشكل) على الواقعة اللّغويّة، وأولويّة الدّراسة الآنية على الدراسة التعاقبيّة، وازدواجيّة الدّليل اللّغويّ، ولاستقصائه للواقعة اللّغويّة بجوانبها الثّلاثة: اللّسان / اللّغة / الكلام، ووقوع اللّغة بكلِّ جلاء ويقينٍ كموضوع للّسانيات. فالبنويّة بموجاتها الارتداديّة سيتّجه نحو عدّة فروعٍ معرفيّة تشمل الفلسفة والإثنوغرافيا ... ناهيك عن كونها نظريّة ومنهج بحث.
إنّ اللِّسانيّات في ضوء الاتِّجاه البنويّ تهدِف إلى وصف اللُّغات الطّبيعيّة مِمَّا يُؤدِّي بِطريقةٍ غير مُباشِرة إلى استِخلاص بعض المَظاهِر السُّلوكيّة اللِّسانيّة، وإنجاز تصنيفًا للُّغات الخاصّة. فزاويةُ هذا الاتِّجاه تصنيفيٌّ بحْت. فعِند البنويّين لا يتعلق الأمرُ إلاَّ بِواقع اللُّغة، وهو واقِعٌ ينحصِر في إثبات نظاميّة المنطوق منها. ففكرة النظام هي التي يشيِّد عليها البنويّون مفهومهم للّغة، لهذا صارت طبيعيّة اللّغة هدفًا لا تعكسه الدراسات البنويّة دائمًا ، أو عزّ ذلك عليها. بيد أنّه لا ينبغي تقديم اللّغة على أنّها مُجرّد بنية صوريّة ودلالية بحتة فإذا ما نأمل تفسيرَها بشكلٍ واسِعٍ يَجدر بِنا تَحليلُها أيضًا مِن مَنظورٍ توجُّهِها الاجتماعيّ.
كان موضوع اللسانيات، بالنسبة لسوسير، يُطرح على النحو التالي: ما هي المحرمات التي ينبغي على هذا الفرع الخاص بدراسة اللغة أن يتحول عنها ويصبح علماً مستقلاً ؟ نحن نذكر أن سوسير قد أجاب بأنه ينبغي على اللسانيات الاكتفاء بدراسة اللّغة في ذاتها ولذاتها، على اعتبار أنها منظومة من العلامات والقواعد، وهي كنز جماعي موجود في الدماغ كما أنها مجموعة من الاصطلاحات الخاصة بمتكلمي اللغة نفسها ومدونة وحيدة متجانسة تتيح للمتكلمين إمكانية التواصل.
إنّ المحرم أو المستبعد يعني كافة مكوّنات التواصل الأخرى التي لا تدخلُ في إطار هذه المدونة نفسها وهذا يعني أنّ أيّ استخدام لتلك المدونة على أنه سلسلة من العمليات: التي لها مكان ضمن إطار زماني ومكاني محدد. والمتعلقة بمرجعية (الماهيات، والأحداث، وحالات أشياء العالم خارج اللغوي) تتغير في كل مرة ليصبح لها شكل خاص. التي تضم متحدثاً ومخاطَباً بكل ما عندهما من ذاتية، بالمعنى الواسع للكلمة. والتي تشكل مكاناً لتبادل فعلي مستمر بين هذا وذاك. إذن، فاللّغة بالنسبة لسوسير هي ذلك النمط الرائع للحادث المصطنع (العارض)، ذلك الموضوع الذي يقوم العالم بإعادة بنائه عن طريق التجريد انطلاقاً من المادة التي تدركها ملاحظته.
ضِمن هذا المنظور، ستنطوي مهمة اللّسانيّ على جمعِ أوفر كميّة ممكنة من الرسائل (المدوّنة) التي ينتجها مستخدمو اللّغة، وبعد أن تُجمع مادة البحث هذه، يقوم اللّسانيّ بالبحث وصفًا وتحليلاً، وبدون أن تكون لديه فكرة مسبقة عن الوحدات التي تتكون منها مادة البحث، ثم تصنيف هذه الوحدات، واستخلاص قوانين تكونها، هذا بالذّات ما يعزِّز فكرة دي سوسير التي ترى أنّ تلك الأفكار المسبقة الخطيرة على الدرس اللّسانيّ هي تحصيل حاصل تابع لآراء مستخلصة من علومٍ أخرى حرص على تخليص موضوع اللّسانيات مِن شوائبها، لقد فصّل إميل بنفينيست ما لخّصه دي سوسير فيما يتعلّق بهذه الفكرة وذلك كلّما سُنحت له فرصة وأثناء عرضه لفكرة تستدعي التوسّع في مذهب دي سوسير ذلك، ونشير إلى ما تعرّض إليه في شأن علاقة اللّسانيات بعلم الاقتصاد مثلاً . هذه المهمة، إجمالاً، هي التي أنجزتها اللسانيات المسماة (البنيوية).
وقبل أن نذكر السبب الذي اعتبر وجهة نظر دي سوسير هذه بشأن اللغة بأنها ضيقة جداً، واختزالية وتتصف أحياناً ببساطة تقترب من التبسيطيّة المفرِطة، قبل هذا لا بد من الإشارة إلى ثرائها أو خصوبتها.
الحقيقة أن اللسانيات البنيوية برعت في وضع مناهج فعالة ـ بشكل أساسي المنهجية المتعلقة بالتواصل ـ إذ تمكّنت بعضُها، وبدقة متناهية (إلى درجة الاصطناع): 1- من تقطيع مادة البحث وعزل الوحدات الدالة والوحدات الصوتية الصغيرة غير الدالة، في السلسلة المتصلة التي تشكل مادة البحث، كما تمكنت من التعرف على السيْمات (Semes) المميزة التي بواسطتها تقابل الوحدة كافة الوحدات الأخرى الواقعة في المستوى نفسه (المورفيمي أو الفونيمي)، وضم العناصر التي لها بعض الخواص التوزيعية المشتركة في جذر (Paradigme) واحد.
2- في ميدان علم وظائف الأصوات (Phonologie) حققت اللسانيات البنوية نجاحاً باهراً، وهي نقطة لا يختلف عليها أحد.
3- أما في ميدان علم التراكيب (Syntaxe) فيسجل لها بالإضافة إلى إنشاء مراتب من الكلمات المحددة بشكل أفضل مما هي عليه أجزاء الخطاب في القواعد التقليدية أنها قامت بتحليل الجمل المسمى بالتحليل إلى المقومات المباشرة الذي له الفضل في إبراز الكيفية التي تنتظم فيها العلاقات بين الأركان (Syntagmes) في الجملة وبين العلاقات القائمة مع المورفيمات (الصرفيمات) الموجودة في الأركان.
4- حتى علم الدلالة نفسه استفاد من تطبيق المناهج البنيوية، فالبحث عن السمات المميزة في ترتيب الدلالة التي بواسطتها تتعارض المورفيمات إحداها مع الأخرى -وهي سمات خلعت عليها تسمة السيمات، (Semes). هذا البحث أفضى إلى التحليلات السيمية والمدلولية (Analyses componentielles). ومن جانب آخر، فقد قدم تفسير التركيب السيمي للمورفيمات (الشكيلات) وسيلة لوصف أفضل لظاهرة الترادف، وتعدد المعاني والتشابه اللفظي، والاستعارة والكناية. وأخيراً أتاحت (اللسانيات البنيوية) مجالاً أفضل لاستخلاص البنى التي بمقتضاها ينتظم معجم لسان معيّن.
إذن ، فحصيلة اللسانيات البنيوية غنية.. وهي تشكل مرحلة هامة من مراحل تطور اللسانيات. إنّ اللّقاء الذي جمع كلاًّ من البنويّة والسّلوكيّة والطّريقة السمعيّة اللّغويّة، وأواصر القرابة الموجودة بين الثّلاثة، ذلك كلّه جعلها تتوصّل في تعليم اللّغات إلى انسجامٍ علميٍّ بدون أن يتخلّل ذلك أيّ خلل إن على مستوى اللّسانيات أو علم النّفس أو التّعلُّم أو التّعليميّة. لكنّه انسجامٌ مذهبيٌّ أصوليٌّ، أو سرعان ما تحوّل إلى ذلك، وشكّل أسس النّظريّة وبناء الاستجوابات. غير أنّه تطوّرت الأمورُ إلى حدٍّ حيث تبدّل لون هذه القاعدة العلميّة، وخفت صوتها، وقلّ وهجُها، وذلك منذ أن توالت الانتقادات التي انصبّت على التّصوّر اللّسانيّ وكذا على التّصوّر النّفسيّ المتعلّقين بالتّعلّم .
ثمّ إنّه في آخر المَطاف ليْس وصف النِّظام سوى وصفًا للعمليّة التّبليغيّة، والكلمات باعتِبارها وحدات لُغويّة تُسهِم بِدقّتها ووضوحها ونِظاميّتها في تنظيم التّواصل فيحقّ بِذلك التّصريح بأنّه يتحكّم فيه نظامٌ تابع معيّن قابل للوصف، وفي حدود النّظرية البنويّة. علينا أن نسجِّل في الأخير مدى إسراف البعض في جعل مِن البنويّة جامعة للفكر بل موجِّهة لكلّ تصوّر علميّ، هذا ما حذّر منه رومان ياكوبسون . ومن جهةٍ أخرى، بل ثمّة مَن ألقى باللّومَ على ذلك الصّنيع الّذي يُراد به التّقليص مِن حجم عمل ف. دي سوسير وردّه إلى مجرّد الشّائع مِن الرّواية وحصر النظر فيما أقدم عليه هذا الأخير من تمييزه لدائرة اللّسانيات تمييزًا بدا لهم أنّه صغّر من قطرها، لأنّ التركيز على هذه الناحية من عمل دي سوسير قد يكون على حساب الجهد التنظيريّ الذي تكبّده هذا الأخير بدرسه .
أمّا أن يقال: « وقد أدَّى صُروفُ الاهتِمام عن الكلام وتأديّة اللِّسان الفعليّة إلى تجاهلِ التّحوُّلات الخارِجة عن النِّظام وإلى إبعاد كل هذه الظّواهِر بل نفيها وكأنّها غير موجودة لا تَقع وإن أشير إليها للتّمثيل فقط » ، فهذا كلامٌ يتناول جانبًا من جوانب إخفاق البنويّة سيتّضح لنا كلّما تعرّضنا لغيرها من النظريّات اللّغويّة التي لا تنفكّ تمارس عليها النقدَ والانتقاد.
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد نوفمبر 02, 2008 8:27 pm عدل 1 مرات | |
|
salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: النَّظريّة التّوليديّة (التحويليّة) + نظريّة المَلَكة اللُّغوي الأحد نوفمبر 02, 2008 8:16 pm | |
| 2.2.1 النَّظريّة التّوليديّة (التحويليّة):
أمّا بِالنِّسبة للاتِّجاه التّوليديّ فإنّ اللِّسانيّات إنّما تنهض بِمُهمّة وصف المَلَكة اللُّغويّة الخاصّة بِفردٍ معيّن، لا تِلك المُتعلِّقة بِاللُّغات في حدِّ ذاتِها وما يتجلّى فيها مِن المظاهِر السُّلوكيّة اللِّسانيّة، فلا يكفي عِند التّوليديِّين وصفُ اللُّغات فحسب، بل تمتدُّ نظراتُهم إلى مُحاولة تَفسير كيفيّة وسبب الواقِعة اللُّغويّة الّتي تحدث، أيْ تُجيب عن أسئلةٍ من جِنس كيف ؟ ولماذا ؟ إنها نظرية لا تعتني باللّغة قدرَ عنايتها بالنحو أي بالآلة الصورية التي تمكن من توليد عدد لا محدود من المتواليات التي تنتمي إلى لغة بشرية معينة. فلم تعد مسألة البحث في اللغات مسألة خروج بأفكارٍ عن طبيعة هذه اللغات، من ذلك الأفكار التي أفرزتها اللّسانيات البنوية، كالتّقطيع المزدوج واعتباطية الدليل اللغوي ..الخ، بل إن مضمون العمل التنظيري أصبح في ظلّ هذه النظرية يقتضي بناء آلات ونماذج صورية تحاكي خصائص اللّغات البشرية، وتمثّل بنية العضو الذهني الذي يتم بواسطته اللّغو. وأدرِج ضمن البحث اللساني البحثُ في الخصائص الصورية لهذه الآلات الكافية لوصف اللغات البشرية.
إنّ أهمَّ ما عمَدت هذه النّظريّة إلى تنظيمه والّذي يَجِد ـ لا محالةَ ـ مكانه في تعليميّة اللّغات، هو الفِكرة القديمة الّتي تسلم بِوجود ما أشار إليه حنفي بن عيسى بِمُستوى المَعاني الكلّية والمُشكِّلة لِلبُنى العميقة. « فهذه البُنى الّتي تشترِك فيها البشريّةُ المُوظِّفة لِفِكرِها تُمثِّل العلاقات الثّابِتة الّتي تُعزِّزها المُقاربة القُدراتيّة الّتي يختصُّ بِها الإنسان والحادِثة بيْنما هو يُحاوِل استِيعاب الواقِع ذي المُستوى المُزدوج: المُتعلِّق بِالعالَم الحسّي لِلأشياء ـ موضوعات الواقِع المَحسوس، والعالَم المُجرَّد المُتَّصِل بِالأفكار ـ مَوضوعات الواقِع الفِكريّ » .
ويَحدث الاختِلافُ مِن لُغةٍ إلى أخرى على مُستوى البُنى السّطحيّة. والجميعُ يُمكِن تفسيرُه على غِرار صاحِب هذه العبارت بِواسِطة مُصطلحيّة يلمسلف: مُستوى التّعبير ومُستوى المَضمون أو ثُنائيّة دي سوسير (الكلام واللُّغة) الّتي يرجع إليه فضلُ السّبق إليها .
لا تَعتبِر النّظريّة التّوليديّة كمَوضوعٍ لِدراستِها تلك القواعِد النّحويّة الخاصّة، بل تلتمس موضوعَها في وصف الملكة اللُّغويّة وتحليلها. فيُؤدِّي بِذلك وصفُ اللُّغة مِن وجهةِ نظر اللّسانيات التّوليديّة إلى الإحاطة بِكلِّ هذه الجوانِب الأساسيّة: الوضع، والاستعمال الذي يقوم به المتحدِّثون، وطرق تعلّم وتعليم اللّغة. ممّا يستتبع بدورِه شموليّة الدِّراسة لِلُّغة الّتي تَفرِض إنجازًا مُنظِّمًا لثلاثةِ أنواعٍ مِن النّظريّات وهي كثيرًا ما تتداخل:
نظريّة المَلَكة اللُّغوية: معرفة الإنسان الضمنيّة بِاللّغة (قواعدها التي تتمّ بِها عمليّةُ التّكلُّم). نظريّة الأداء اللُّغويّ. نظريّة اكتِساب اللُّغة (خاصّةً عِندَ الطِّفل).
فَالنّظريّة الأولى يَنبغِي أنْ تَحتوي وصفَ مختلف العناصِر المُفسِّرة لِلمَلَكة اللُّغويّة بِاعتِبارها جملةً مِن المَعارِف اللُّغويّة الّتي استنبَطها المُتحدِّثُ بِأيّة لُغة، والّتي يَتمكّن عن طريقِها مِن بِناء واستيعاب ملفوظات لُغتِه. فهذه النّظريّة مِن شأنِها أنْ تُخبِرنا عن كلِّ القواعِد والوحدات والضّوابِط الّتي يتضمّنها نَحْوُ تِلك اللُّغة، وتوصَف بِداخِلها مختلفُ المُستويات اللُّغويّة الفنولوجيّة، المعجميّة، التّركيبيّة والدّلاليّة.
كما أصبح هذا المفهومُ من الأعراف التي يؤمن بها اللّسانيّون بعد تشومسكى، إذ أمكن النظرُ في حدوده إلى اللّغة على أنّها معرفة أكثر ممّا هي طريقة عمل أو صناعة، وهو المفهوم الذي شاع حتى في الاستعمال العام للّغة (Compétence) الذي امتدّ إلى ميادينَ وعلومٍ أخرى، ففي أوساط التربية عمومًا يقال عن معلِّم إنّه كفء أي ذو قدرات علميّة (Compétent) ـ وهي بمثابة الملكة ـ لكنّه لا يُحسِن التّعليم، أي ليس لديه طريقة أو مهارة في الأداء التعليمي ذات فعاليّة ومردوديّة تمكِّنه من إتقان عمله في سياقاتٍ عمليّة متباينة .
تَستعِين النّظريّة الثّانية ـ تحت ضُغوطٍ عِلميّة ولِدواعٍ عمليّةٍ كذلِك ـ بِالتّجريد العقليّ المَحْض، أنْتج مَفاهيمَ مُجرَّدة مِثل: المُتحدِّث المِثاليّ والمُستمِع (المُخاطَب) المِثاليّ، ويتجسّدان كنَموذج في فردٍ واحِد، ويُصرَف ـ حسب النّظريّة التشومسكيّة ـ إلى مُتحدِّثٍ مُستمِعٍ مِثاليٍّ، لكن السّؤال الّذي يَطرَح نفسَه هو: هل يمكِن تحقيقُ هذا الفرد النّموذج في الواقِع ؟
إنّ هذا المفهوم أملى على البيداغوجيّين طريقة في تحديد الأهداف التربويّة والتخطيط لها بناء على ما يصدر عن التلميذ من تصرّفات يمارسها من أجل التحكّم في سياق الحال ومراعاةً للمواقف التي يجب أن يعبِّر عنها تجاه تلك السياقات، وهذا يفرض تقديم تعريفٍ محدّدٍ وواضحٍ لسياق الحال يمكن الخضوع له بالسعي إلى تحديد الدور المأمول من التلميذ والمحيط المعيشي حيث يمارس ذلك الدور.
أمّا النظريّة الثالثة إذا أردت تعليمَ الطِّفلَ على هديها الحديثَ فلا تعتمِد كثيرًا التّنميط بواسطة الشّواهِد وتقييده بالمشهورة الّتي هدفها التّحفيظ. فهذا تجميد أكثر ممّا هو حمل على الإبداع، فلا بدّ أن يُعمَل التّفكير أكثر مِن التّذكير. وفق دلاليّة الطّرازيّة (الأصنافيّة) فهل الفِعل (جاء) كيّانٌ فرديٌّ أم هو مقولة جامِعة مانِعة ؟ فإذا أردنا القيّام بفعلٍ مثل (غنّى) فمقولة الفِعليّة (الحدثيّة) هي الّتي تكون قد فُعِّلت .
ثمّة مظهرٌ عظيم الشأن وشائك في الوقت نفسِه هو تابِعٌ لمسار الاندماج الاجتماعيّ لدى الطّفل، يقوم على اكتساب اللّغة التي تمكِّنه من التواصل مع غيره من أبناء المجموعة اللّغويّة التي ينشأ فيها. لم يفت تشومسكي الالتفات إلى هذه المهمّة الخطيرة والممكِنة في الوقت نفسه إذ تجاوب معها تجاوبًا أثَّر في وعيه بكبر شأنها تأثيرًا قويًّا على تطوّر جوانب النحو التوليدي وتكاملها وانسجامها. بالتأكيد إنّ النظريّة اللّغويّة، عند تشومسكي، لا بدّ أن تُنبئَ بإمكانية تعلّم الطّفل، في ظرف سنوات معدودة، كيفيّة تمييزه بنى لغة أمّه النحوية عن غيرها. يذكر في إشارات عديدة وجود استعداد طبيعيّ وبيولوجيّة تتدخّل في اكتساب اللّسان تحدّد عدد الاختيارات التي تَمْثُل للطّفل عند اكتسابه للغة معيّنة. وهو ما يحمل على الاعتقاد بإمكان وجود نحو عالميّ يستحوذ على ألذهان ويتحكّم في ذلك.
إن مفهومي (المستوى) و(العملية) اللّذيْن يشكّلان جزءاً من الجهاز المفهومي الأساسي للقواعد التوليدية، نجدهما في بعض نظريات التلفّظ التي سنراها أسفله، لكن هذا التماثل في المصطلح لا يعني أن شومسكي يعتمد منظوراً ملفوظياً.
1- المتحدث المستمع المثالي لا نتصوره أبداً كموضوع للتلفّظ ترتبط به توجيهات (Modalisations) مختلفة قادرة على التأثير الحاسم في معنى الملفوظ. إنه تجريد بحت، ونوع من الآلة التي تتحقق من قواعدية (Grammaticalité) الجمل وهو غير قادر على الاندماج في سياق موقعي (Contexte situationnel) أو اجتماعي أو نفسي أو تحليلي نفسي.
2- المنظور الملفوظي ـ وهنا تكمن النقطة الهامّة ـ يتميز، قبل أيّ شيء، بموقف أقلّ تقييداً من موقف البنيوية في تحليل المعنى، أي أنه يتميز بفهم موسع لعلم الدلالة. عند هذا المستوى نرى أن اللسانيات التشومسكية لا تتجاوز اللسانيات البنيوية على الإطلاق. فأعمال كاتز وفودور التي عاد تشومسكي إليها في الجزء الثاني من نظريته كما عرضها في كتابه أوجه النظرية التركيبية (1965) لا تمثل أبداً سوى الاندماج في النموذج التوليدي للتحليل المدلولي (Componentielle)؛ وتبدو عِلاقةُ التّحليل المدلوليّ بِتحديد الحُقول الدّلاليّة في مُراعاة المُحلِّل لِهذه الأخيرة مِن أجلِ التّوصُّل إلى تقيِيد السّمات المُشتركة بيْن مَفهوميْن مَثلاً إذ إنّ أولى خطوةٍ يتّخِذها الباحِثُ لِتَحديد العناصِر المدلوليّة هي استِخلاصُ مَجموعة مِن المَعاني بِصورةٍ مَبدئيّة تبدو الصِّلة القويّة بيْنها بِحيْث تُشكِّلُ مَجالاً دلاليًّا خاصًّا نتيجةَ تَقاسمها عناصِر تكوينيّة مُشتركة. والتحليل الدلالي أبعد ما يكون عن أن يكفي لإيضاح معنى الإنتاج اللغوي الحقيقي، أي ذلك الإنتاج غير المنفصل سطحياً عن شروط الإنتاج.
3- والحالة هذه ، فإن اهتمام التوليديين في ربط المعجم (Lexique) بعلم التراكيب (Syntaxe) (وهو علم لم يكن قائماً عند البنيويين) قد يمكن اعتباره بمثابة تقدم. لكن، في الواقع، هذا الاهتمام يترجم بتكوين قواعد للاستبدال المعجمي غالباً ما تظهر (القواعد) على أنها زائدة أو مصطنعة. 4- صحيح أن تشومسكي في أحدث مراحل نظريته قد قام بتعديل وجهة نظره حول المكون الدلالي (Composante Sémantique) ليقرر في نموذجه مكاناً لظواهر مثل: الافتراض المسبق، والتركيز، والإبراز(Topicalisation) وبالتالي ليقترب بذلك من الإشكالية التي تهمّنا؛ لكن، بالنسبة إليه، فتلك إضافات لا تسيء إلى الفرضية التي صاغها منذ عام 1957 في كتابه الثوريّ Syntactic structures ” البنى التركيبيّة “ والقائلة: إنّه من المفضَّل وضع البنية التركيبية في أعمق مستوى، أي في نقطة انطلاق الاشتقاقات التي تفضي إلى الجملة.
هذا، ونجد خلال الثّمانينيّات كلاًّ من ميشال زكريا ومازن الواعر يُقبلان على ترجمة النّظريّة التّوليديّة التّحويليّة وإدخالها في الدّرس النّحويّ العربيّ. وتتسلسل بعدهما محاولاتُ تطبيقها على الجملة العربيّة، كأعمال عبد القادر الفاسي الفهريّ . بينما يأخذ تأثيرها ينحسر وبصورة قريبة من الكليّة في الدرس اللّسانيّ الغربيّ خلال تلك الفترة نفسها (الثّمانينيّات)، وذلك على الرّغم من بقاء صداها ساري المفعول، وغلَب اللّجوء إليها وبأشكال مختلفة كأن تأتي في لباس قشيب تلبسها محاولات تننظيريّة جديدة .
كما حدث وأن تصدّى بعضُ الباحِثين لمفهوم البنية العميقة ـ أحد الافتراضات النظريّة الأساسيّة في مدرسة القواعد التوليديّة التحويليّة لغرض إثبات « وجود ما يكافئه في الدرس النحويّ العربيّ. إنّ هذا أمرٌ تستنتجه بعضُ الدراسات التي قارنت بين المناهج اللّغويّة الحديثة ومنهج الدرس اللّغويّ العربي. لقد شاع استخدام هذا المصطلح ـ مصطلح البنية العميقة ـ في السنين الأخيرة، فنجده في الكثير من المقالات والأبحاث التي تهتمّ بدراسة لغة النص الأدبي في محاولتها تقويمه جماليًا يستخدم بمعنى عام هو المقاصد الخفية لكاتب النص، أو المعنى الخفيّ للجملة أو البيت الشعري » .
وإذا حدث هذا بصورةٍ صريحة فقد جاء في مواقِفَ أخرى بإدراجه في قراءات أقيمت على التراث وبتسخير المفاهيم الحديثة ومصطلحاتها تسخيرًا مستوعِبًا، أهمّ ما يرمي إليه هو إنهاء حالة التباعُد والجفاء المصطنَع بين التراث والنّظرات الحديثة، دونك هذا المثال: « أدرك النّحويّون العرب أنّه خلفَ التّركيب الظّاهِر يَكمُن تركيبٌ آخر في ضوئه يَتحدّد المَعنى الوظيفيّ لِعناصِر الجُملة وثمّةَ صِلة بين التّركيبيْن، وقد عرض لِذلِك ابن جنّي في بابٍ عقَده لِبيان الفرق بيْن تقدير الإعراب وتفسير المَعنى، وتقدير الإعراب مُتّصِلٌ بِالتّركيب الظّاهِر وتفسير المَعنى مُعتمِدٌ على تركيب مُقدّر وكأنّه يُشبِه تركيبًا باطِنًا قد يَختلِف النّحويّون في تصوُّرِه، ولِذا يَقولُ ابنُ جنِّي: " هذا الموضِع كثيرًا ما يستهوى فيه مَن يَضعُف نظرُه الّذي يَقوده إلى فساد الصّنعة وذلِك كقولِهم في تَفسير قولِنا: ” أهلك واللّيل “، معناه: الحق أهلك قبلَ اللّيل، فربّما دعا ذلِك مَن لا دربةَ لَه أن يَقول: أهلك واللّيل فيجرّه، وإنّما التّقدير: الحق أهلك وسابِق اللّيل » . | |
|