تعريف علم الدلالة
العلم هو دراسة ظاهرة معينة والوقوف على ماهيتها وجزئياتها وما يتعلق بها دراسة موضوعية ، والدلالة (بالتعريف) قد يختلف تعريفها بين الباحثين ولنأخذ مثالا لتعريفها من كتاب التعريفات للجرجاني السيد الشريف حيث قال: الدلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر و الأول هو الدال و الثاني هو المدلول . وهي إما دلالة مطابقة أو دلالة تضمن أو دلالة التزام وكل ذلك يدخل في الدلالة الوضعية لأن اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة وعلى جزئه بالتضمن وعلى ما يلزمه في الذهن بالالتزام ، كالإنسان فانه يدل على تمام الحيوان الناطق بالمطابقة ، وعلى جزئه بالتضمن وعلى قابل العلم بالالتزام (انظر كتاب التعريفات للجرجاني علي بن محمد- الدار التونسية للنشر 1971 ص 55-56)
وفي القاموس المحيط دلّه عليه دلالة ( و يثلث) و دلولة فاندل : سدده إليه ... (الفيروز أبادي- القاموس المحيط- دار العلم للجميع- بيروت ج/3 ص 377)
إن الحديث عن الدلالة الوضعية هنا يدفعنا إلى الحديث عن نوعي الدلالة أو الدال وهما الدال اللغوي ، والدال غير اللغوي
وفي الدراسات اللسانية الحديثة تقسيم لأنواع (الدليل) الذي ينتج عن ارتباط الدال بالمدلول ارتباطا ذهنيا
فالدال اللغوي (اللفظ/ الكلمة/ الوحدة الدالة) في رأي الباحثين بغض النظر عن بعض الاستثناءات هو دال وضعي اعتباطي أي أن علاقته بالمدلول علاقة عرفية تواضعية ( وستأتي على تفصيل ذلك على حينه)
أما التقسيم فيبينه الشكل البياني التالي :هذا و قد أشار الزمخشري في كتابه (المفصل) إلى هذه الاعتباطية (الوضع) عندما عرف الكلمة بقوله: (الكلمة هي اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع).
وبالعودة إلى (الدلالة) في اللسانيات الحديثة (البنوية) فعند سوسور هناك دال (لفظ) وهناك مدلول (معنى) أو مفهوم و الدال و المدلول وجهان لورقة واحدة و لا يمكن الفصل بينهما ، وإن تحليل الدال يؤدي إلى تحليل المدلول (ينظر: سوسور، دروس في الألسنية العامة- ترجمة صالح القرمادي و محمد الشاوش و محمد عجينة، ص 174).
وللتأكيد على أن الدلالة تتم من الارتباط الذهني بين الدال و المدلول فقد أوضح تلاميذ سوسور هذه العلاقة من خلال ما يعرف بمربع سوسور للدلالة حسب الشكل التالي :
مربع سوسور للدلالة
لأن سوسور يبدو أنه حصر عناصر الدلالة في الدال والمدلول ، وأهمل الموضوع وهو الشيء ، أو المرجع الذي تحيل اليه العلاقة الدلالية ،و هو في ذلك يلتقي – في هذه الثنائية – مع ابن سينا الذي حصرها بين اسم (مسموع) ومعنى ، في حين يرى (بيرس) أن العلاقة ثلاثية : الصورة (الدال) والمفسرة (المدلول) والموضوع ، وهو ما تحيل إليه العلامة ، أي الشيء
أما الغزالي فيرى أن الأشياء لها أربعة مراتب عندما قال "ان للشيء وجودا في الأعيان ثم في الأذهان ثم في اللفظ ثم في الكتابة ، فالكتابة دالة على اللفظ ، واللفظ دال على المعنى الذي هو في النفس ، والذي في النفس هو مثال الموجود في الأعيان.
(عن مجلة تجليات الحداثة ، معهد اللغة العربية العدد/2 ، 1993 ص 34)مفهوم علم الدلالة وموضوعه :للحديث عن علم الدلالة (sémantique) وموضوعه أو لتوضيح ذلك ، لابد من تحديد علاقة علم الدلالة بعلم اللغة وذلك باعتبارين الأول: أن يكون علم الدلالة فرعا من فروع علم اللغة (اللسانيات) ، والثاني أن يكون علم اللغة (الدلالة اللغوية على الخصوص) فرعا من علم الدلالة أو علم العلامات الذي يطلق عليه مصطلح (العلامية) أيضا. فموضوع العلامية (العلامات و الإشارات و الأدلة بمفهومها الواسع لغوية كانت أم غير لغوية وهذا ما ذهب اليه اللساني السويسري (سوسور)
واذا بدأنا بالاعتبار الأول (كون علم الدلالة فرعا من اللسانيات( لابد من العودة إلى مستويات البنية اللغوية و هي على الشكل التالي: ( للملاحظة ) هناك من لا يدخل المستوى البلاغي والمستوى الدلالي في هذه المستويات )
و
هنا نلاحظ أن المستوى الدلالي في هذا البناء هو مستوى يتقاطع مع جميع المستويات الأخرى ، لأن الدلالة حاضرة و ناتجة عن تفاعل كل هذه المستويات، حتى المستوى الصوتي الذي يقال أنه مستوى الوحدات غير الدالة . وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذا التقسيم هو تقسيم نظري افتراضي ، فاللغة تعمل لأداء مهمتها وفق نظام اللغة الذي يندمج فيه كل هذه الأنظمة. فعلى مستوى العمل و الأداء ليس هناك مستويات منفصلة ،و إنما التقسيم إلى هذه المستويات لضرورة البحث و التحليل و الدراسة اللغوية. فالمتكلم الذي يتكلم وفق نظام اللغة (اللسان) لا علاقة له بهذه المستويات التي لها أنظمة خاصة بها.
- على أية حال يبدو لنا في هذا التحليل أن علم الدلالة الذي يبحث في أحد تلك المستويات هو فرع من علم اللغة أو اللسان.
- أما بالاعتبار الثاني فيظهر لنا في المستوى الأدائي أن علم اللغة (الدلالة اللغوية) هو أهم عناصر علم العلامات ، إلى جانب عناصر دلالية أخرى غير لغوية ، وأن العناصر اللغوية هي المعوّل عليها في الاتصال الذي يقوم أساسا على فهم العلاقة بين الدال والمدلول . بل أن اللغة حاضرة دائما في كل فروع الدلالة لغوية كانت أم غير لغوية.
وإذا كنا سنولي اهتمامنا للدلالة اللغوية (الدليل اللغوي) دون التفصيل في الأدلة غير اللغوية (عدا إشارات فقط، و بما أننا نستعمل مصطلحات مثل ( لغة، لسان، كلام) فلابد من محاولة تحديد مفهوم هذه المصطلحات ، و إن كانت متداخلة أحيانا في أذهان الناس بل و في أذهان الطلبة والباحثين في علوم اللغة.
وقد لا نحتاج هنا إلى التفاصيل التي تدرس في علم اللغة أو اللسانيات و لكن يمكن أن نوضح هذه المفاهيم بما يلي:
- من الشائع بين اللسانيين أن مادة علمهم ليست الكلام و لا اللسان و إنما هي اللغة (ينظر عبد السلام المسدي: مباحث تأسيسيه في اللسانيات ص 168) .
و يلاحظ هنا أن هناك ثلاثة مصطلحات لثلاثة مفاهيم ، و كلها تمثل ما يسمى بالظاهرة اللغوية التي ترتقي من (الكلام) و هو كلام الأفراد كما نسمعه أو نحادثهم فيه و هذه هي المرتبة الفردية و هذا الذي يمكن أن نسجله على آلة التسجيل، ثم تأتي مرتبة (اللسان) و تتطابق مع منزلة الوجود النوعي و هو الاشتراك في معرفة ما يتم التحاور به ضمن كل مجموعة لغوية (اللسان العربي أو الانجليزي أو الصيني)
أما مرتبة اللغة فهي تتطابق مع جملة من القوانين التي إن أطلقت صدقت على كل لسان من الألسنة البشرية (المرجع السابق ص170).
وهنا تبدو اللغة أعم من اللسان، و تدرس من خلال ما يسمى باللسانيات العامة مقابل اللسانيات الخاصة التي تدرس نظام كل لسان بشري على حدة.
وفي سياق أخر يذكر أن اللسان أعم من اللغة مع إمكان استعمال كل مصطلح لمفهوم الآخر.
والحقيقة أن الظاهرة اللغوية تستوعب المفاهيم الثلاثة السابقة (الكلام، اللسان، اللغة) فاللغة (لغة الناس/ البشر) و اللسان (لسان الجماعة اللغوية) و الكلام (كلام الأفراد).
اللغة مفهوم كلي و اللسان مفهوم نمطي و الكلام مفهوم انجازي (السابق ص 172)، اللغة جنس، اللسان نوع، الكلام شخص.
اللغة (صورة القانون) ، اللسان ( نموذج العرف)، الكلام (نموذج السلوك).
إن اللساني يدرس البنية اللغوية في جوانبها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية ثم يعمل على كشف ارتباط هذه البنية بوظائفها الاجتماعية.
بعد هذا يظهر لنا أن موضوع علم الدلالة هو الأدلة بشكل عام والدليل اللغوي بشكل خاص ، وعلاقة الدوال بمدلولاتها و.يتفق عدد كبير من الباحثين على أن السيمياء كنوع من اللسانيات كان من أثر اللغوي الفرنسي بريال (1883)، باعتبار أن هذا العلم يدرس الدلالات والقوانين التي تتحكم في تغير المعاني ، أو أن الموضوع هو المعنى . ( ينظر سالم شاكر : مدخل إلى علم الدلالة ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية . الجزائر 1992ـ ص4 )
أما غاية هذا العلم فهي خاصة و عامة، فالغاية الخاصة هي أن علم الدلالة – مثل أي علم آخر- يسعى إلى الاستقلالية و امتلاك الأدوات و المناهج الرياضية ، و هنا ينبغي الإشارة إلى الاهتمام بهذا العلم حيث ظهر في عام 1923 كتاب عنوانه (the meaning of meaning) لمؤلفيه Richards و Ogden.
و أما الغاية العامة فهدف علم الدلالة كغيره من العلوم الإنسانية – و بالاستعانة بها و بالتعاون معها – هو الإسهام في ترقية الحياة الإنسانية في جميع المجالات، و تسهيل عملية الاتصال والتعاون والتفاهم المشترك وضبط المصطلحات و المفاهيم في جميع العلوم لاسيما في العلوم الحديثة ووسائل الاتصال ، وخاصة في محيط العولمة والتقارب ، إن لم نقل الاندماج الفكري على الأقل بين الأمم و الشعوب
وكان أحد الباحثين قد حدد هدف علم الدلالة الإجرائي بأنه حصر صور الأوضاع الدلالية كأنظمة قابلة للتحليل ( ينظر بوجراند: النص والتطبيق و الإجراء)