دراسة أساليب الوصف والسرد والموسيقى في الشعر الشعبي
قصيدة" قمر الليل " لعبد الله بن كريو أنموذجا
القصيدة من : "ديوان عبد الله بن كريو" جمع وتحقيق الأستاذ : إبراهيم شعيبقمر الليل خواطري تتونس بيه
تلقى فيه أوصاف يرضاهم بالي
ياطالب عندي حبيبه ليه شبيه
من مرغوبي فيه صهري يحلالي
نبات نقسم في الليالي ننظر فيه
يفرقني منه الحذار التالي
خايف لا بعض السحابات تغطيه
وإذا غاب ضياه يتقيثر حالي
ياسايل عن خاطري واش مسهيه
مع الريم اللي جلى قلبي جالي
ياتهواسي خاطري واش يداويه
وين الطب اللي يناسب لعلالي
ضر معاشر كبدتي وانا خافيه
صابر للحمى الشديدة ما ذالي
هذا المرسم كانت الخداعة فيه
مسبوغة لنجال خلاتو خالي
يا مهبلني جيت للرسم نشاكيه
ما جاوبني ما صنت لسوالي
مرسم ولفي كي خلا علاه نجيه
نتفكر ما فات يثقب مشعالي
واجبلي دمعي على المرسم نبكيه
هشمتني الأثار كي جات قبالي
غيم المحنة ع العقل دايم كاسيه
بسحابو سدا على روس جبالي
يا مرسولي سير بجوابي وأديه
يتمكن بيد الظريفة وأعنى لي
هات خبار الخير لي كون نبيه
والماره اللي بينا وريهالي
نشرت ثوب المحبة وطويتيه
واه جديد محبتك ولى بالي
مزقتي قلبي بشفرة هظمتيه
يوم فراقك صارلي كالبهالي
خيالك ن ظاهر العين رسمتيه
وين ما صديت نلقاه قبالي
ودعتك مفتاح قلبي ضيعتيه
سمطتي عني أيامي وأشغلي
الشاعر: هو عبد الله بن القاضي الحاج محمد بن الطاهر الملقب بـ ابن كريو بتشديد الراء وكسرها وتسكين الواو، ولد سنة 1871في مدينة "الأغواط" تحصل على شهادة الكفاءة للوظيفة وامتهن القضاء نفي خارج الأغواط وأقام مدة بـ" المنيعة" توفي سنة 1921.
تحليل القصيدة: محتوى القصيدةيعبر الشاعر عن حالته النفسية فيجعل من القمر أنيسا له يعوضه عن محبوبته التي تشترك مع القمر في أوصافها، فيصبح راغبا فيه ويستعذب السهر و كأن محبوبته حلت فيه يقضي الليل في مراقبته حتى الفجر، تخامره هواجس الخوف من الانفصال عنه بسبب قدوم الفجر أو ظهور ما يحجبه عنه
يستحضر بعد ذلك ذكرى المحبوبة من خلال وقوفه على الآثار التي كانت تحل بها، غير أن هذه الرسوم أصبحت لا تعني شيئا بالنسبة له فيزداد حزنه وتسيل دموعه وتتضاعف معاناته فيشكو حاله مرة أخرى غير أن بارقة من الأمل تظهر له فيتوجه نحو المرسول ليأتي له بأخبار سارة وعلامة المودة بينهما ثم يتوجه لها بالعتاب مؤكدا أن خيالها ملازم له
طبيعة الحقل الدلالي للقصيدة: يتشكل الحقل الدلالي للقصيدة من محاور دلالية تتمثل في الآتي: الطبيعة، الذات ، المكان، الطيف وهي نفس العناصر الدلالية التي نعثر عليها في الشعر العربي القديم الذي يتناول الغزل تكشف القصيدة عن حالة قلق وتوتر تبرزها علاقات التقابل للدلالية الآتية:
- الطبيعة في مقابل الإنسان( تشبيه المرأة بالقمر ومقارنة ما ينتابه من وساوس بالسحاب والغيوم)
- الذات في مقابل الآخر( حالات الاتصال والانفصال بين الشاعر ومحبوبته).
- المكان في الماضي مقابل المكان في الحاضر( حالات الوصل في الماضي تقابلها حالات الانفصال في الحاضر.
- الطيف في مقابل الصورة الحقيقية( يمثل الطيف صورة الحاضر بينما يمثل الماضي صورة الحقيقة).
لغة القصيدة : لغتها شاعرية توحي بالجو النفسي للشاعر بعيدة عن الخطابية والتقريرية المباشرة ، معجمها الشعري تقليدي( القمر، الليل، الريم، الرسم، المرسول، الخيال) اتبع فيها الشاعر فنيات أسلوب القصيدة العربية القديمة من مزج بين الطبيعة والذات إلى الحديث عن الحالة النفسية، إلى الوقوف عند الرسم والتذكر، إلى مخاطبة المرسول واعتباره وسيطا بينه وبين محبوبته، إلى العتاب وهي عناصر تتكون منها قصيدة الغزل
الصورة الشعرية : الملاحظ على الأبيات قلة الأوصاف الحسية المصرح بها عدا قوله:
هذا المرسم كانت الخداعة فيه
مسبوغة لنجال خلاتو خالي
ففي قوله : مسبوغة لنجال وصف لجمال العين
هذا ما يؤكد غرضه الرئيسي من الأبيات وهو المناجاة والحسرة، أما في الأبيات الخمسة الأولى فالوصف جاء ضمنيا غير مكشوف نستنتجه من خلال معرفتنا عن الأوصاف التي تطلق على القمر والريم ، ومن خلال ممارستنا لقراءة القصيدة القديمة أين تشبه المرأة بالقمر وبالريم . ومن هنا نحكم على الصورة الشعرية بأنها تقليدية موروثة نلاحظ أن الشاعر حينما شبه المرأة بالقمر أطال الحديث عن المشبه به وكان هذا الأخير هو المقصود فالشاعر كبقية الشعراء الشعبيين الذين تربوا في أحضان البوادي واحتكوا بفضائها الواسع والذين نهلوا من الثقافة الأدبية الشعرية القديمة اعتنق اتجاها عاطفيا قريبا من اتجاه شعراء الغزل
الموسيقى الشعرية :يتسم ايقاع الأبيات بالحركة السريعة مرة وبالهادئة مرة أخرى، غير أن الإيقاع الداخلي وتناسق الحروف ينبئ عن حالة حزن ممزوجة بالتفاؤل. نستنتج من بعض الأبيات أن الحركة تطرح مسألة الوقف بثقله وخفته هذا التقابل له علاقة بدرجة انفعال الشاعر في منح الصور ما يلائمها من وضوح يساعد على معرفة حالة الصراع النفسي للشاعر، لقد اختار الشاعر صوتين مختلفين للدلالة على الجو النفسي فاختار في نهاية الأشطر الأولى صوتا منخفضا رقيقا ناعما بينما نجد في نهاية الأشطر الثانية صوتا منتهيا بمد مرتفع يدل على التواتر الداخلي وحالة الشكوى