الحمد لله، الحمد لله الحكيم الخلاق، أحمده تعالى وأشكره شكرًا يتجدد بالعشي والإشراق، وأستلهمه سبحانه الرضى بالقضاء، والصبر على مر البلاء وإن ضاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذلت لعظمته الأفئدة وهوت لجبروته الأعناق، وأسأله جلّت قدرته رفع الحصار عن غزة،وحقن الدم المسلم المهراق،وأن يتقبل الشهداء ويشفي المرضى الذين امتزج ماء البحر بدمهم الدفّاق، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أزكى البرية في الشمائل وأشرفهم في المحسِب والأعراق، خصّه الباري سبحانه بشريعة فاضت بالرحمة والإشفاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اقتفوا أثره بأسمى المناقب وأطهر الأخلاق،والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما ارتقى إلى العلياء راق، وسلم تسليمًا كثيرًا. أمّا بعد: فيا عباد الله،أوصيكم ونفسي بتقوى الله الملِك الرزّاق، ففي تقواه سبحانه أوفرُ الخلاق، وبها النجاة يومَ التّلاق، فكونوا في تحقيقها في تنافسٍ واستباق، واحذَروا التفريطَ فيها فعاقبة أهلِه المثلاتُ التي لا تطاق، ومَا لهم منَ اللَّه مِن وليّ ولا وَاق.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الخطب قد حدد الخطب، والحدث قد عين الحديث، فالكل قد رأى وسمع ما حل وما يحل من العدوا المحتل على أرض الإباء والشهامة وأرض العزة والحرية والبطولة0 حتى أصبحنا في زمن لا يدري الواحد منا أي الأحداث يتابع ، وأي المآسي ينازع،تعددت الجراحات التي تفتت كبد الحجر قبل بني الإنسان ،ولا يجد المؤمن الصادق بداً من متابعتها،وإلقاء السمع إلى أحداثها ليرجع البصر والفؤاد خاسئاً كسيراً وهوحسير0ولعل ما شهدته الساحة الفلسطينية على أرض غزة الجريحة خاصة وبفلسطين عامة خلال أعوام مضت وسنين خلت من مشاهد مرعبة ،ومآسي مروِّعة ،حيث المجازر والمجنزرات، والقذائف والدبابات، جُثثٌ وجماجم،حصار وتشريد،تقتيلٌ ودمار، في حرب إبادة بشعة،وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية، وممارسة إرهاب الدولة الذي تقوم به الصهيونية العالمية، مما لم ولن ينساه التأريخ، بل سيسجّله بمداد قاتمة، تسطّرها دماء الأبرياء، الذين رويت الأرض بمسك دمائهم، من إخواننا وأخواتنا على أرض فلسطين ، كان ومازال فيها حُمام الحقد اليهودي يمطر أرض غزة الجريحة بنار العدوان ولهب الطغيان.مئات البيوت هُدّمت،وآلاف الأنفس أُزهقت، كم نساءٍ أيِّمت،وأطفالٍ يُتِّمت، ومقابر جماعية أقيمت، كل ذلك يحدث على مسمع من العالم ومرآه، وكأن المسلمين لا بواكي لهم،أين العالم بهيئاته ومنظماته؟! أين مجلس أمنهم وهيئة أممهم؟! أين هم من بكاء الثكالى، وصراخ اليتامى، وأنين الأرامل،واغتصاب الأرض،وتدنيس العرض؟!فسلام الله على جنين الصُّمود، ونابلس الشُّموخ0
أيها المسلمون :لا شك أن كل ما يتعرض له إخواننا المسلمون من أهل قطاع غزة في فلسطين، من هجمات عنيفة ظالمة ،وهي الحملة بل الحملات التي خَطط لها ورتب فصولها أعداء هذا الدين من الصهاينة الظالمين ،الذين يمارسون بحق المسلمين في غزة بفلسطين أقسى أنواع العزل والحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي،وتخرج الطائرات الصهيونية لتغتال من تشاء من أبناء تلك البقعة المباركة، ويستمر مسلسل التجويع وقطع المعونات ومنع التعاملات المالية، حتى وصل الحال بإخواننا هناك إلى وضع مأساوي عظيم، إذ عُدمت الأغذية، وانقطعت الأدوية0وحل البلاء، ونزل الكرب، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، فهم في نازلة وضيق ليس لها من دون الله كاشفة.وها هم يعيد العدوا هجمته الشرسة، كرة أخرى وكرات تتبعها مرات على إخواننا في قطاع غزة الآمنة ، وهاهي ومن جديد فعلتها القوات الصهيونية الغاشمة من جديد، قتلت، وانتهكت، واقترفت مجزرة لا تقل شناعة ولا بشاعة، عن احتلال الأرض وانتهاك العرض، قوافل إغاثية، ليس لها ناقة ولا جمل في الصراع الذي تقوده دولة يهود.. فئام من الناس مضروب عليهم حصار قاتل لما لا يقل عن أربع سنوات، لا غذاء ولا دواء، تمرّ عليهم الساعات والأيام مترقبين فيها شبح الموت في كل لحظة، لا يجدون من يلجأون إليه إلا رب الأرباب بعد أن تخاذل الجميع وتقاعس عن إجابة استغاثاتهم التي تمزق القلب وتقطع نياط الفؤاد..أربع سنوات كاملة من تضييق الخناق وسحق العظام المؤمنة؛ لأن الأهل في غزة اختاروا أن يقفوا في وجه العمالة والطغيان.. اختاروا أن يقولوا: نعم لتحكيم كتاب الله وسنة نبيه ،فضرب عليهم الحصار من كل مكان، يمينًا وشمالاً، جوًا وبرًا وبحرًا، غير مبالين بنظرة الشعوب ولا الاتهامات بالعمالة والخيانة..أسطول الحرية كان وسيظل رمزًا للحرية التي تطمح لها الشعوب الإنسانية، لا سيما الإسلامية التي ذاقت ويلات الظلم على مر عقود من الزمان، أسطول الحرية سيظل رمزًا لوحشية الدولة العبرية، التي لا تألو في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، أسطول الحرية سيظل مؤكدًا يومًا بعد يوم على عدم تفريق الاحتلال بين المسلحين وبين العزّل، أسطول الحرية سيظل دليلاً على تهافت دعاوى الصهاينة مكافحة الإرهاب في غزة وفي العالم.. بوركت يا قافلة الحرية وبورك أبطالك الميامين الذين تنادوا من كل فجٍّ عميق، حركهم ظلم الظالمين..وإغاثة الملهوفين... ورحم الله شهداءك الأبرار الذين قضوا ينتظرهم خير الجزاء. وتحية إكبار وإجلال لكل من أسهم فيك، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم،وأجناسهم وجنسياتهم، وأديانهم ومنازعهم ومشاربهم.
أيها الناس: إن الحيوان إذا حوصر واستشعر الهلاك استنفر قوَّته، وقفز عالياً لعله يتخلَّص مما تورَّط به، وإن اليهود أجبنُ الناس عن حرب، ولا يفعلون ما يفعلون إلا فراراً من وضع يرونه أكثرَ سوءاً. إن كثيراً من اليهود الآن مفلسون روحياً، خائفون قلقون مجتمعياً، لا يثقون بعدالة قضيتهم، ولا يأمنون في بيوتهم وأسواقهم على أنفسهم، ولذا تجدهم لضعف المعنويات، والخوف والرعب من الأسوأ يفتعلون الأزمات، ويستقوون على الضعفاء، ولكنَّ الضعيف بدنياً وعسكرياً قويٌ بالحق إن كان صاحب حق. فإن كان صاحبُ الحق مؤمناً، فما أحراه –والله- بقوة النفس، ورباطة الجأش، والصبر والمصابرة والمرابطة حتى يأتي نصر الله.
أيها المسلمون:إن قضايا المسلمين منصورة بإذن الله تعالى،وهذا شيء لا يُجادل فيه،قضايا الأمة منصورة شئنا أم لم نشأ ، رضينا أم لم نرض ،فعلنا أم لم نفعل،قال النبي (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) نعم هي منصورة،أو ما قرأت كلام الله عما جرى لهؤلاء اليهود الذين يظنون أنهم في منعة وفي قوة وفي شوكة،وظن المسلمون من قوة ما هم عليه أنهم لن يُنزِلوا هؤلاء ويذلوهم ، فماذا صنع الله بهؤلاء ؟ لما كان المسلمون في وقت الصحابة رضي الله عنهم لما كانوا متمسكين بهذا الدين حق التمسك،نحن بحاجة إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا ما هي بقوتكم ولا عددكم هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا من قوتهم ، وهم كذلك وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ – سبحان الله – بل يشاركون المسلمين في تخريب بيوتهم يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [الحشر:2]قصة تُروى في كلام الله وينتهي ؟ لا ، الخطاب لازال موجها إليك أنت يا من تعيش في هذا الزمن فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ مَنْ له عقل ولب يعتبر بما جرى،فالويل فيمن قصَّر في واجبه،وإلا فقضايا الأمة منصورة ، وإني لأخشى من هذا الحدث لأنه حدث أليم ، أخشى أن تكون هذه الحادثة حادثة محنة وابتلاء لنا نحن،فنكون الهلكى في ديننا ودنيانا،ليس أولئك الذين يُضربون وقد حوصروا قبل ذلك – سبحان الله – كيف لك بقطاع محصور وليس عنده من القوة والعتاد ولا المنعة،ومع ذلك لم يسقط حتى الآن ، مما يدل على أن المسلمين متى ما تمسكوا بهذا الدين فلهم العزة ولهم الرفعة ، لكن الويل لمن قصَّر في واجبه،وإلا فالحق ظاهر واضح وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]أبشروا وأملوا فإن الفرج قريب ،إذا اشتدت الأمور واسود ظلام الليل فلابد أن يبرق الفجر ، أبشروا وأمِّلوا وتفاءلوا فإن النبي ( يعجبه الفأل ) فالنصر قريب ، وأذكر لكم قصتين على وجه الاختصار ، لما كان النبي مطاردا يوم الهجرة ، تطارده قريش ، فوهبوا مائة من الإبل لمن يقبض عليه فلحق به سراقة بن مالك بن جعشم ، فساخت يدا فرسه كما تعلمون ، الشاهد من ذلك : لما وقف النبي مع سراقة قال ( يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ )سبحان الله – كأن هذه الكلمة في عقل وفي ذهن سراقة ، كأنها ضربٌ من اللغو،رجل يطارد،يلاحق وآماله آمال رفيعة عالية بعيدة الأفق ، وبالفعل جاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرى ما ذكره رسولنا .
القصة الثانية: في غزوة الخندق حُوصِر المسلمون محاصرة شديدة ،فإذا بالنبي مع تلك المحاصرة الشديدة ،واقرءوا عنها في سورة الأحزاب،كلام الله عز وجل واضح بيّن اقرءوا عنها في سورة الأحزاب وما جرى للمسلمين،وما حصل من المنافقين ،فماذا قال النبي والصحابة رضي الله عنهم في عنت ومشقة ؟ قال( إني أرى كنوز الفرس والروم من مقامي هذا )أخذها بعض المنافقين وقال – سبحان الله – محمد يزعم أنه سيملك ملك فارس والروم وأحدنا لا يجد مكانا يقضي فيه حاجته من الرعب ، فجرى ما جرى،والله لقد سطَّر التاريخ ما تفوهت به تلك الشفتان الكريمتان منه عليه الصلاة والسلام ، كما قال تعالى عن اليهود لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى أذى باللسان ، لكن متى ؟ إذا كنا أقوياء في دين الله لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ [ آل عمران:111] ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112] ضُرِبَتْ انظر التعبير بالضرب،كأن تأتي إلى قطعة معدنية وتضرب عليها رسما أو كلاما مثل النقود المعدنية لا يمكن أن يزول عنها هذا الأثر 0انظروا إلى هذا التعبيرضُرِبَتْ يعني أن الذل مضروب في قلوبهم ولا يمكن أن يتخلصوا منه والآيات كثيرة قال تعالى وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ أي في اللوح المحفوظ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراًإِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ يعني المرة الأخيرة الثانية فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لما أفسدتم فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ [ الإسراء : 4- 7] ما الذي بعدها ؟ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا [ الإسراء : 8]وهذه قضية مسلمة مستمرة إلى آخر الزمن ، قال المفسرون " لما عادوا في عهد النبي ألحق بهم الذل ، وكذلك هو عامٌ إلى قيام الساعة وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا يجب أن يعود المسلمون إلى الله حتى يعود إليهم النصر،فالنصر قريب بإذن الله تعالى والباطل سيزهق كما وعدنا من لا يخلف الميعاد بأن الفجر آت وأن النصرقريب ثقة بقول ربنا جل في علاه أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة : 214] أسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان كما نسأله سبحانه وتعالى أن يكشف عن إخواننا ما بهم من ضر وأن يرفع عنهم البلاء ويرد عنهم كيد الكائدين وعدوان المعتدين ويعجل لهم بالنصر المبين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: 186] بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، فيا لَفوز المستغفرين، ويا بشرى للتّائبين
الخطبة الثانية
الحمد لله لا شأن يشغله،ولا نسيان يذهله،لا يهزم من ينصره ، ولا ينصر من يخذله أحمده سبحانه ،حمدا يرفع الحامد في الجنة درجات ، وإلى رضوان ربه يوصله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،لا ند له يماثله ، ولا شريك له يعادله يثيب على القليل ويقبله ،ويعفو عن الكثير ،فلا يعاجل من يعصيه ، بل يحلم به ويمهله . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،امتطى صهوة الدعوة إلى الله ، منذ بعثه الله ، فلم تتعب رواحله ،فانتشرت في أصقاع الدنيا شريعته،واشتهرت شمائله ، فسنته هدى،وسيرته بحر لا تدرك سواحله ،صلى الله عليه،وعلى أصحابه صبروا على الدين فلم يوهن عزمهم الدهر وغوائله،وسلم تسليما .أما بعد،فأطيعوا الله ، عباد الله،وأطيعوا الرسول واحذورا،واصبروا وصابروا ،ورابطوا،واتقوا الله لعلكم تفلحون
أيها الأحبة في الله :قد والله سمعنا الكثير، من النشرات والتحليلات والتعليقات، وقرأنا الكثير من المقالات والمعالجات، ويبقى أن درهمَ عمل خيرٌ من قنطار كلام. ولا أريد أن أزيد نفسي وأزيدكم على الهم هماً، ولكني أقول راجياً –رحمة الله- معجباً ببطولةِ أهلنا في غزة وحكمتِهم: لا يصيب المؤمن من بلاء -وهو يتقي الله بما استطاع- إلا جعل الله له من تلك البلوى خيراً كثيراً. وإنا لنلمح من وراء هذه النازلة خيراً للفلسطينيين، فما بعد شدة حُلكة الليل إلا ضياء الفجر. ونلمح منها خيراً للأمة. وأنتم ترون وتسمعون من أنَّات الصادقين، ودعوات الداعين، وتعاطف وانفعال الكثيرين ما ينتقل بالأمة من مرحلة الغفلة التي عاشتها طويلاً إلى دوائر اليقظة، وما بعده إلا انطلاقتَها إن شاء الله تعالى.
عباد الله: إن هذه الفتن والمحن وان كان ظاهرها الشر والأذى إلا أنها تحمل في طياتها من المنح والعطايا ما تعجز عنه الإفهام حينا ،وتقف مشدوهة أمامه حيناً آخر
فهـذي أمـة الإسـلام ضجـت وقـد تجـبى المنى بالنـائبـات
وقـد تشفـى الجسوم على الرزايا ويعلـو الديـن من كيد الوشاة
وقد تصحـو القلوب إذا استفزت ولفـح الثأر يوقظ من سبـات
وأصدق من ذلك قول الله سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[النساء: 19]، وقال : ((عجبًا لأمر المؤمن! أن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن))أخرجه الإمام مسلم رحمه الله. وإعلموا أن مآسي المسلمين أكثر من أن تحصر ، وما حل بهم من مصائب واعتداءات ، بعضه يذكر وأكثره لا يذكر !! ولكن اذكرك بحق اخوانك في فلسطين عليك بأن تجعل لهموم الأمة موقعاً في خارطة قلبك، فالمسلم الحق يتأمل حال أمته ثم يتألم له، فإذا حضر الطعام تذكرت إخوانك الجياع، وإذا جلست مع أفراد أسرتك تذكرت أفراد أسرة أخيك المنكوب، نعم عش معهم بشعورك وهمك؛ فذاك أحرى أن تتأثر وتتألم لألمهم ليكون الحال حال الجسد الواحد00الدعاء: ومن منا يشك في فالدعاء أمضى سلاح، وهو على العدو أشد من المدمرات والقنابل والصواريخ، فحين ينطلق الدعاء من قلب يعيش همَّ إخوانه ويتألم لهم فيكون أحرى بالإجابة، وإن الداعي أيها الأخ المؤمن يشعر بالعزة في التوجه بالدعاء إلى الله الذي بيده مقاليد الأمور حيث يتوجه بطلب حاجته من القوي العزيز الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. وليس من أحد غير الله .، فالدعاء الدعاء، فلا يستهين بالدعاء أحدٌ منكم، ، فعليكم به يا رحمكم الله، ولا تحقروا منه شيئاً، يدعو الإنسان في صلاته، وفي سجوده، وعند رؤيته لحال المسلمين وأخبارهم،. فالله تعالى الذي لايخيب من دعاه ، إنه الله لايهزم من احتمى بحماه ، إنه الله لايخذل من تعلق به ورجاه 0اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لاإله إلا أنت ـ أنت الغني ونحن الفقراء وأنت القوي ونحن الضعفاء أنزل على أمتنا النصر ولا تجعلنا من القانطين 0اللهم أغثنا بنصر من عندك ، وأمدنا بجند من جندك0اللهم أنا نسألك أن تنصرنا على أعدائنا حتى نسعد ونسر بظهور دينك ،ونسألك اللهم اليقظة في الأمور والحكمة في التدبير وحسن العاقبة والمصير ، اللهم إننا مثقلون بالذنوب والخطايا وبضاعتنا في الخير قليلة ،فلا تأخذنا بذنوبنا، اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا ، اللهم عاملنا برحمتك وحلمك واجعل حبنا لدينك ولنبيك ولعبادك شفيعا لنا عندك اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، أن تعز الإسلام وتنصر المسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها أعمالنا، وتلهمنا بها رشدنا، وترد بها ألفتنا، وتعصمنا بها من كل سوء، اللهم أعطنا إيمانا ويقينا ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة. اللهم إنا نسألك الفوز في العطاء، ونزل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء ،ونسألك اللهم دعوة مستجابة لإخواننا المستضعفين في غزة، أنت العليم بحالهم ياربنا، من لهم سواك، يا سامع الشكوى، ويا عالم السر والنجوى، يا عظيم السلطان، يا منزل القرآن، يا من خضعت لك الرقاب، وذلت لجبروتك الصعاب، ولانت بقدرتك الصلاب، اللهم تقبل شهداءهم، وفك أسراهم، وعافي مرضاهم، واحم أطفالهم وشيوخهم ونساءهم، وأيد مجاهديهم، وبارك لهم في عتادهم، وبدل فقرهم غنى، وخوفهم أمنا، وانشر على أرضهم دينك وكتابك يا عزيز. ربنا اشف صدورنا في اليهود الغاصبين، وفي كل عدو لك وللمسلمين، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، اللهم شتت شملهم، وأضعف قوتهم،وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجمد الدماء في عروقهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، فإنهم لا يعجزونك، وأنت الله الجبار، أنت الله العزيز، أنت الله المنتقم، اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، وأدر عليهم دائرة السوء، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إن اليهود عاثوا في ارض المسرى الفساد ،وقتلوا العباد ،ودمروا فيها البلاد،اللهم اهزمهم ،واقذف الرعب في قلوبهم ،اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم، وخالف بين آرائهم,اللهم أذل رئيسهم ،وأجعل كيده في نحره ،و لا تمهله بين يومه و أمسه،ودمره وأنصاره ومستشاريه،اللهم أهلك جيشه وشعبه،ومزقهم كل ممزق ،ولا تدع منهم حياً يرزق، اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية والأعاصير الفتاكة ,والقوارع المدمرة ،اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل وأجعل كيدهم في تضليل،اللهم صب عليهم العذاب صباً،اللهم أقلب البحر عليهم نارا ًوالجو شهباً وإعصاراً ،اللهم فأهلكهم وأهلك أساطيلهم، وأسقط طائراتهم ودمر دباباتهم ،وازرع الرعب في صدور جنودهم ،وشدد اللهم وطأتك عليهم ،ومزقهم شر ممزق مزقته يا جبار السماوات والأرض،اللهم آت اليهود و كل من والاهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعناً كبيراً بقوتك يا جبار، اللهم أجعل بيوتهم عليهم ردما، اللهم أجعل قنابلهم عليهم دمدما ،و عويل نساءهم عليهم همهما ،اللهم أجعلهم عبرة للمعتبرين، ،اللهم حرر المسجد الاقصى من دنس اليهود المعتدين، اللهم اكتب لنا الصلاة فيه و الشهادة على بابه، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا له، اللهم اخذل أعداءك الذين يخططون حرب دينك، اللهم أذلهم كما أخزيت أبرهة، وخيب آمالهم كما خيبت فرعون وجنوده، فإنك على كل شيء قدير0اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم عاجلا غير آجل، يا قوي يا عزيز.اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين والعراق والأفغان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين