الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام ، وأكرمنا بالإيمان ، ورحمنا بنبيه عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق أولياءه الوعد بالنصر على أعدائه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، خاتم رسله وأنبيائه . صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعرفوا حكمته البالغة في شرعه وخلقة وتقديره، فإنه سبحانه اختار نبيَّه محمدًا للرسالة إلى الخلق واختارَ له من الأصحاب أفضل الناس بعد النبيين جاهدوا في الله حق جهاده في حياة نبيهم وبعد وفاته، نصر الله بهم الدين ونصرهم به،فمن حق هؤلاء علينا أن نعرف سيرهم ونبلو أخبارهم أولا: لنعرف عظمة هذا الدين الذي أخرج لنا هؤلاء الرجال وثانيا: لأننا نقتدي بسلفنا ونقتدي بأئمتنا وهؤلاء الأئمة الأعلام وقد كان لنا في الجمعة الماضية حديث عن إمام الهدي أبو بكر الصديق ووقفةُ اليوم مع علَم من أعلام هذه الأمة، ورجلٍ من خِيرة رجالاتها، صائم إذا ذكر الصّائمون، وقائم إذا ذكِر القائمون، وبطَل مِغوار إذا ذكِر المجاهدون. إذا ذكر الخوف قيل: كان له خطّان أسودان من البكاء، وإذا ذكر الزّهد والإيثار قيل: لم يكن يأكل حتى يشبَع المسلمون، وإذا ذكِرت الشدّة في الحق قيل: هو الذي كان إبليس يفرق من ظلّه، والشياطين تسلُك فجًّا غيرَ فجِّه. إنه الرجل الكبير في بساطة، البسيط في
قوة، القوي في رحمة وعدل، إنه الرجل التقي النقي الزاهد الناسك الورع، إنه الرجل الذي تنزل القرآن أكثر من مرة موافقاً لقوله ورأيه، إنه الرجل الذي كان إسلامه فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة وعدلاً، إنه فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.والله إن الاقتراب من هذا الرجل التقي النقي أمر رهيب، بقدر ما هو حبيب إلى كل نفس مؤمنة،
أيها الإخوة ترى بأي المواقف أبدأ؟ وعن أي المواقف أتكلم؟! هل أبدأ بفتوحاته وانتصاراته على كثرتها؟! أم بانتصاراته على روعتها؟! أم سأتحدث اليوم عن زهده وورعه؟! أم سنتوقف مع زهده وعدله؟! أم سنذكر عمله وفقهه؟! بأي المواقف أبدأ أن أعظم ما يمكن أن أستهل به الحديث عن عظمة هذا الرجل: أن نبدأ بتلك الأوسمة التي وضعها بيمينه المبارك الحبيب المصطفى ص على صدر هذا الرجل العجيب المهيب
ففي الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي ص قال: ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) وفي الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جوار قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لـ عمر -يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم-: فتذكرت غيرة عمر ، فوليت مدبراً! يقول أبو هريرة : فلما سمع ذلك
فلما سمع ذلك عمر بكى رضي الله عنه وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!
وقال ص إيه يا ابن الخطاب ! والذي نفسي بيده لو لقيك الشيطان سالكاً فجاً لتركه لك وسلك فجاً غير فجك يا عمر
أسلم عمر فأعزّ الله به الإسلام،فشرح الله صدره دخل على أخته فاطمة وزوجها وعندهما خباب يعلمهم القرآن فاستمع إلى الآيات من سورة طه فلما أسلم ضرب النبي صدره ثلاثاً وهو يقول: ((اللهم أخرج ما في صدره من غل وأبدله إيماناً)). قال ابن مسعود: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) [رواه البخاري].وقال ابن مسعود عن عمر: (كان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر
سماه النبي ص الفاروق: أي الذي يفرق بين الحق والباطل. ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وتوفي وله ثلاث وستون سنة في مثل عمر النبي وأبي بكر. عن عقبة بن عامر أن النبي قال: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)
هاجر وشهد بدراً وبيعة الرضوان والمشاهد كلها مع رسول الله حتى توفي وهو عنه راض ثم كان قاضياً لأبي بكر ووزيراً له مدة خلافته إلى أن حضرت أبا بكر الوفاة فاستخلفه من بعده، وكلمه بعض الناس في شدة عمر وقالوا له: ماذا تقول لربك إذا سألك من استخلفت عليهم قال أقول: (قد استخلفت عليهم خير خلقك).
أي عظمة! أي طراز من البشر كان عمرقال عمر بن الخطاب : والذي نفسي بيده! لو أردت أن أكون أشهاكم طعاماً وأرفهكم عيشاً لفعلت، ! ولكني تركت هذا ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وإني سمعت الله تعالى يقول عن أقوام: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } فإني أخاف أن أقدم طيباتي في الدنيا ولا يكون لي عند الله في الآخرة! أيها الأحبة! من أراد أن ينظر إلى العظمة الإنسانية في أوج علاها فلينظر إلى عمر ، ذلكم الرجل الذي انهارت أمام قدميه أعظم الامبراطوريات، وجاءته مغانمها وذهبها وفضتها، تسيل على عتبة داره بين قدميه، فلم يتغير لحظة، ولم تغيره طرفة عين، ذلكم هو عمر الذي لن نفي حقه مهما تكلمنا وتحدثنا
وخرج ذات ليلةومعه مولاه أسلم، فإذا نار، فقال يا أسلم: ما أظن هؤلاء إلا ركباً قصر بهم الليل والبرد، فلما وصل مكانها إذا هي امرأة معها صبيان، يتضاغون من الجوع، قد نصبت لهم قدر ماء على النارتسكتهم به ليناموا، فقال عمر: السلام عليكم يا أهل الضوء - وكره أن يقول: يا أهل النار - ما بالكم وما بال هؤلاء الصبية؟ قالت المرأة: يتضاغون من الجوع، قال فأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به، أوهمهم أني أصنع طعاماً حتى يناموا ، والله بيننا وبين عمر، فقال: يرحمك الله وما يُدري عمر بكم، قالت: أيتولى أمرنا ويغفل عنا، فلما ولي عمر الخلافة سار بأحسن سيرة وقال للناس: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف. فتح الله له الفتوح العظيمة في مشارق الأرض ومغاربها. وأول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من أرخ بالتاريخ الهجري.
كان في مدة خلافته من أشد الناس زهداً وتواضعاً في لباسه وطعامه
ولما حدثت مجاعة في عهده أخذ على نفسه ألا يأكل إلا ما يأكله فقراء المسلمين، فكان يأكل الخبز اليابس بالزيت. ولما ذهب إلى الشام ليستلم مفاتيح بيت المقدس ذهب وثوبه مرقع ومعه حمار يتناوب ركوبه هو غلامه، وجاء عليه الدور ليمشي عند الوصول فأصر على أن يدخل على وجهاء الشام ماشياً وغلامه راكب.
كان عام مجاعة قاتلة في المدينة المنورة، حرم عمر على نفسه اللحم وغيره من أنواع الطعام الشهي، وأبى إلا أن يأكل الزيت، وأمر في يوم من أيام هذا العام القاتل بذبح جزور وتوزيعه على الناس في المدينة، وعند وقت الغداء دخل ليتناول طعامه، فوجد أشهى ما في الجزور من لحم، فقال: من أين هذا؟! فقالوا: إنه من الجزور الذي ذبح اليوم يا أمير المؤمنين! فقال -وهو يزيح الطعام عن مائدته بيده المباركة-: بخ بخ! بأس الوالي أنا إن أكلت طيبها وتركت للناس كراديسها، يا أسلم ! ارفع عني هذا الطعام، وائتني بخبزي وزيتي! فوالله إن طعامكم هذا علي حرام حتى يشبع منه أطفال المسلمين.
فبكى عمر رضي الله عنه، ورجع مهرولاً، فأتى بعدل من دقيق وجراب من شحم، وقال لأسلم: احمله على ظهري، قال: أنا أحمله عنك يا أمير المؤمنين، فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة فحملته عليه الخليفة يحمل على ظهره أمام الناس يمشي بين الناس على ظهره من المدينة . إلى المكان النائي الذي فيه المرأة حتى أتى المرأة، فجعل يُصلح الطعام لها، وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل من لحيته، حتى نضج الطعام، فأنزل القدر وأفرغ منه في صحفة لها، فقالت المرأة: جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من عمر،فيقول قولي خيرا إذا جئت أمير المؤمنين ثم تنحى ناحية عنها فابتعد ثم استقبلها ينظر إلى مكانها من بعيدفقال يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أتركهم وهم يضحكون وكأنه مسؤول عن ضحك الرعية وبكاءها ما أحب هذا عمر هذا عمر في الرعية هذا عمر في تفقده للمساكين وبذالك يضرب عمر المثل بان الولاية تكليف وليست تشريف
اللهم ارحم عمر واغفر له وأعلي شأنه وارفع درجته في المهديين اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يحب نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وممن يقتدي بنبيك صلى الله عليه وسلم وأصحابه واغفر لنا أجمعين وتب علينا يا أرحم الرحمين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
لحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له
لا زالت الدّنيا ترزى بموت الأخيار، وتبلى بوفاة الأطهار، وتأتي نهاية عمَر بالموت كما هو سبيلُ كلّ حيّ سوى الله، فبينما عمر يصلّي بالناس صلاةَ الفجر إذ طعنه أبو لؤلؤةَ المجوسي، وطعن معه ثلاثةَ عشر رجلا، فقال عمر: قتلني الكلبُ، وتناول عمر يدَ عبد الرحمن بن عوف فقدّمه ليتمّ الصلاة، وأهلُ المسجد لا يدرون ما يجرِي إلا من كان خلفَ عمر، غيرَ أنهم فقدوا صوتَ عمر وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلّى بهم عبد الرحمن صلاةً خفيفة، فلمّا انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتَلني، فذهب ابن عباس ثم عاد فقال: قتلك غلامُ المغيرة، قال عمر: قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتَتي بِيَد رجُلٍ يدّعي الإسلام، فحمل إلى بيته وجعلوا يشربونه اللبن فيخرج من الجرح فعلموا أن الأمر قد انتهى ثم دعا ابنه عبد الله فأمره أن يقضيَ ما عليه من الديون، ثم أمره أن ينطلقَ إلى عائشة ليستأذنها في أن يدفَنَ مع صاحبَيه، فأذنت له وآثرته بالمكان على نفسها، فلمّا رجع عبد الله وأخبر عمر نفسها، فلمّا رجع عبد الله وأخبر عمر الخبر قال عمر: إن أنا قضيتُ فاحملوني ثم سلّم فقل: يستأذنُ عمر بن الخطاب، فإن أذِنت فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين.
قال عثمان بن عفان: أنا آخركم عهدا بعمَر، دخلتُ عليه ورأسُه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدي على الأرض، فقال عبد الله: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟! فقال عمر: ضع خدّي بالأرض لا أمّ لك، وسمعتُه يقول: ويلي وويلَ أمّي إن لم تغفِر لي حتى فاضَت نفسه.هذا هو عمر الذي عجَزت نساء الدنيا أن يلدنَ مثله، وقصرت أرحامهن أن تخرج للأرض رجلا على شاكلته. ما بلغ عمر وأصحابُه ما بلغوا إلاّ بهذا الدين الذي أعزّهم الله به، ومن أراد أن يدرك الركبَ فليأخذ بما أخذوا، وليلتَزم ما التزموا، ومن يفعَل ذلك فقد هدِي إلى صراط مستقيم.0 اللهم ردنا إلى الإسلام ردا جميلا0 اللهم اجعلنا ممن أقاموا الشريعة وعملوا به0 اللهم انصر من نصر الدين
0اللهم إنا نسألك الجنة 0اللهم انك عفو تحب 0 ربنا لاتواخذنا0اللهم اهدنا فيمن هديت