الأدب الإسلامي وبناء القصيدة العربية
ظل النقد الأدبي العربي مواكبا لحركة الأبداع الشعري منذ طفولته الجاهلية حتى أواخر القرن الخامس ،ولئن بدا النقد- في تلك المرحلة- إنطباعيا مستندا إلى مبدأ اللياقة الذوقية في مراحله الأولى ،إلا أنه أصبح رؤيويا في أواخر القرن الثاني الهجري عندما حمل لواءه العلماء والرواة؛ فوظفوه توظيفا دينيا خدمة ،للدرس النحوي أو الدرس القرآني ، ثم جاء المعتزلة وارباب الكلام ليصبغوا الدرس النقدي بالصبغة البلاغية ؛فيتحدث الجاحظ عن نظرية النظم، معطيا أهمية للشكل دون المعنى ،ليبقى الأدب العربي بعيدا عن الحكمة الفارسية، وتصبح المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي ، وما أن نصل الى عصر عبد القادر الجرجاني حتى يستقر وضع النقد القديم في صورته شبه النهائية كواحد من مفردات المفاهيم البلاغية التي تعنى بالكلمة والبناء عناية ضبط وتحسين ؛فتتشكل ثنائيات النقد المعروفة كاللفظ والمعنى ، والطبع والتكلف ، والصدق والكذب ، والقديم والحديث .
غير أن صورة هذا النقد لم تبقى على هذه الحالة الجزئية حيث وجد مع أوئل القرن الرابع الهجري نمطين من انماط النقد تمثل احمدها في النقد التطبيقي كما في كتابي الموازنة والوساطة والأخر الكتب النظرية المنطقية كما عند ابن قدامة .
هذه الجهود النقدية الابداعية أفضت الى ميلاد ما عرف بعمود الشعر الذي ضم مجمل هذه التفصيلات ، وسنلاحظ ان عمود الشعر كان يدور حول قضيتين :-
-المحافظة على اللغة باعتبارها قيمة استعلائية ذات منطق عقلي أسس وفق نظام محدد ، وأن الشعر العربي إنجاز من إنجازات هذه اللغة منسجم مع طبيعتها ؛ مما يستدعي مراعاة الصدق الفني في التعبيرات الشعرية ، بحيث تكون الاستعارات معقولة والاوصاف قريبة ، والمعاني شريفة ومطابقة للالفاظ ، ولعل هذا حرم القوم من إمكانية الولوج في عالم التحليلات النفسية وغير النفسية للنشصوص المكتملة ، وابقى الحديث يدور حول الكلمة والبيت الشعري لأن فهمهم للنص على اعتباره لغة قد ضيق مجال التجول في فضاءات النص والتحليق في عالم الخيال ، او الرمز ، أو الاسطورة .
أما القضية الثانية فهي اعتبار الموروث الادبي القديم قاعدة يقاس عليها ولا يجوز مخالفة منطق الأوائل في النسج والتشكيل لأنهم أعرف من المولدين بطبيعة اللغة التي ينتمون اليها .
ومن هنا، فقد تجلى مبدأ الصدق الفني في أبسط تعريفاته عند من طالبوا به من أمثال ابن طباطبا العلوي الناقد السلفي في قضية الاعتدال ؛ذلك أن الاعتدال يشكل معادلا موضوعيا للجمال ،وهذا المنهج يتعارض مع منهج آخر نادى به بعض من تأثروا بالأدب اليوناني من أمثال قدامة بن جعفر؛ حيث زعموا أن " أحسن الشعر أكذبه ".
هذا التصور المنهجي حول غائية النقد الأدبي لدى القدماء حافظ الى حد كبير على كلاسيكية النقد الأدبي وخصوصية الذائقة الادبية عندهم ، وتمايز القصيدة العربية عن غيرها تمايزا ينسجم مع طبيعة اللغة العربية ، واقترانها _اي اللغة العربية _ بالنص القرأني المعجز .
غير أن النقد العربي اليوم يعاني من أزمة هوية تمنعه من رؤية نقدية حضارية منسجمة مع منهجية القدماء السلفية ، ذلك أن كثيرا من النقاد العرب في هذا الزمان انسلخوا من تراثهم القديم ،وركبوا موجة التحديث دون إتخاذ إجراءات توفيقية للتقريب بين ما كان لدى اسلافهم ، وما هو متوافر امامهم من مناهج غربية اعدت لغير لغتنا ،ولا تعنى بما عني به القدماء من خدمة الدرس الديني .
هنالك فرصة حقيقية لاصحاب القلوب الصادقة والعقول النيرة والاقلام الواعدة ان ينفثوا في ذلك التراث النقدي العبق ،ويستخرج من دره المكنون ما يصلح لتشكيل منهج نقدي اسلامي حديث وفق رؤية تكاملية، لا تقف سدا امام حركة الابداع ، ولا تنزلق إنزلاقا بعيدا في التبعية والتقليد ، هذا المنهج الذي ننادي به يبقي على توصيف اللغة العربية توصيفا خاصا، يضمن لها قداستها التي وهبت لها من خلال النص القرأني الفريد، ولا يذهب بها بعيدا الى اتون الغربة التي تأتيها من خلال اتباع النسق الحداثي المربك الغريب الفض ، الذي لا ينسجم مع اللياقة الشرقية في بناء الجملة النحوية البليغة ،كما تتبعها النقاد في الدرس البلاغي وهم يتابعون قضية الاعجاز البياني .
http://blogs.albawaba.com/noorramadan1/62216/2009/08/24/162774-المرجع فريد قرميش