salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: تابع عوامل تعليم اللغات .. اللغوية وغير اللغوية الأحد نوفمبر 02, 2008 7:38 pm | |
| 2.2.1 - العبارة الواصفة والشرح: وفي غياب التسمية غالبًا ما يستعين المعلِّم المقدِّم لدرسٍ ما بما يدعى العبارة الواصِفة (Paraphrase): « يُقال عن مَلفوظ (أ) إنّه وجْهٌ تَعبيريٌّ لِمَلفوظ (ب) إذا احتوى (أ) على المعلومة نفسِها الّتي يتضمّنها (ب)، عِلْمًا أنّ الأوّل أطولُ مِن الثّاني. يُمكِن القوْلُ إذن: الجُملة المبنيّة لِلمَجهول وجْهٌ تَعبيريٌ لِلجُملة المَبنيّة لِلمَعلوم » .
يُلجاُ إلى العِبارة الواصِفة في التّعريف القاموسي، وكذلك في مَيْدان التّرجمة حيث لها مَفهومٌ يكاد يتميّز وهو « وضْع صيّاغة جديدة لِلنّص (Paraphrase): وهي التّرجمة الّتي يَظهر فيها عملُ المُؤلِّف واضِحًا وُضوحًا دقيقًا، ولكِن المُترجِم يُلاحِق المَعنى والإحساس بَدلاً مِن المَعنى. […]
لقد قال درايدن بِصراحةٍ تامّة أنّ ” مِن المُستحيل التّرجمة ترجمة حرفيّة وجيِّدة في نفس الوقْت. […] “ واقترح درايدن استِعمال الأسلوب الذّهبيّ في التّرجمة ألا وهو (وضْع صيّاغة جديدة لِلنّص) (Paraphrase) مُصِرًّا على أنّ المُحاكاة الحرفيّة كِلاهما في رأيي إفراطٌ ينبغي تجنُّبُه.“ » .
كما عدل البعضُ مِن الدّارسين إلى تحميل هذا المصطلح مفهوم شرحٍ قصيرٍ لتوضيح المعنى المقصود أو التّعريف للمصطلح على شكل تفسيرٍ ، وهي بمثابة: (مجاز جملة) أو (وجه تعبيري) حسب ترجمة المعجم الموحد لِمُصطلح (Paraphrase)، أو بالأحرى (الإرداف)، وكلّها مقابلات المعجم الموحد، ﻟ (périphrases) أيضا ، لكن هذه المصطلحات تستعمل أكثر إمّا في البلاغة أو في علم متن اللغة وصناعة المعاجم حيث يتعلق الأمر بِمجال التعريفات .
ويُمكِن اعتِبارُ هذا النّوع مِن الوصْف ذا انطِلاقة لفظيّة، إذْ يُعتَمَد فيه اللَّفظ، أيْ مَعناه اللُّغويّ قبلَ مَرحلة التّجريد الّذي يُرتقى فيه إلى المَفهوم. ويُستعانُ بِه في حُدود الوفاء بِالمَعنى المَقصود في اللُّغة الواصِفة الّتي يسعى بها المدرِّس في غيَّاب التّسمية الدّقيقة.
فهكذا نستطيع الاستنتاج ممّا سبق عرضُه عن مفهوم العبارة الواصفة أنّ كلاًّ من المعلِّم وتلميذه قد يقف حائرًا أمام غياب التسمية؛ فالقسم يمثّل جوًّا لتنمية القدرات اللّغويّة، واللّغة في حدّ ذاتها هي سيّدة الموقف أثناء تلك الحيرة؛ كما يتسنّى للتلميذ فرصة يتجاوز فيها قصوره بعد أن يكون قد تعرّف على مواطن عجزه، وتشكِّل تلك العمليّة التي يجرّبها المعلّم أمام أعينه وصفةً تضمن الاستمراريّة في اكتساب اللّغة وتعلّمِها بشكلٍ أفضل.
لهذا نجد طرائق التعليم الحديثة تمانِع استعمالَ الترجمة كطريقة تعليم وتبتعد عنها إذ تقوم (هذه الأخيرة) على تفكيك أدلة اللّغة الأجنبيّة باعتماد الأدلّة التابِعة للُغة الأمّ، ويفضِّل صنّاعُ هذه الطرائق (الحديثة) على هذه الطريقة (الترجمة) الاحتفاظَ بعناية المتعلِّم التي يُستحسَن أن تُوجَّه كلُّها نحو اللّغة الأجنبيّة، حيث يجنحون إلى تركيز اهتمامه عليها فحسب ويأملون تنمية رغبة المتعلِّم في التعامل معها.
تلتفت جهود هذه الطريقة المغايِرة إلى توفير إمكانيات لغويّة أخرى مستمدّة من داخل اللّغة الأجنبيّة التي يوضَع فيها المتعلِّم: كتسخير الترادف، أو ما يقوم مقامَه من الاستعانة بالشروح التي تقرِّب المعنى إلى الذهن وتعلِّم المبنى وتعوِّد به لسان المتعلِّم ، واللّجوء إلى التعريفات المحدِّدة من حيث المضمون والمهيكِلة من جانب الشكل، وتوظيف التضاد الممكِّن من أوجهٍ أخرى من التعبير، والتمسّك بالعبارة الواصفة التي تُمدِّد التركيبات اللّغويّة وتقوم بإحاطة المفاهيم المعالجة بخصائص مستخلَصة مِن كيفيات تحليل تلك اللّغة للواقع ومدى تصوّر أبنائها للعالَم ...
2-عوامل غير لغويّة:
أمّا العوامل غير اللّغويّة فهي كثيرة جدًّا نكتفي في هذا السياق بإيراد بعضها التي نراها متميِّزة وأدنى إلى ميدان اللّسانيات التعليميّة، وسيُلاحظ خلال العرض أنّنا ركّزنا مرّة أخرى على تحليل مفاهيم لسانية واستبعدنا كثيرًا من الشوارد التي نجدها في علوم أخرى وهي تتناول الموضوع نفسه؛ وجاءت العوامل ووفق الترتيب الآتي:
1.2 - اللّغة والفرد والمجتمع: 1.1.2 - اللّغة تنمّي الفكر : اللّغة وعاء للفكر وأداة للعمليّات التفكيريّة ؛ كثيرًا ما يعرَّف الإنسانُ استنادًا إلى اللّغة: الإنسان كائنٌ (حيوانٌ) ناطق، اللّغة تُسفِر عن أعماق النفس وتفسِّر كينونتها، وأخلاقيًّا اللّغة تُلزِم الإنسان بأقواله؛ اللّغة قد تخون الفكرَ لكن لا يمكن أن تعرقله؛ وفي هذا الصدد يقول ميرلو بونتي (1908 ـ 1961) Maurice Merleau-Ponty ـ أحد الفلاسفة الفرنسيّين المهتمِّين بعلاقة الفكر باللّغة وأكثرهم اتّجاهًا نحو لسانيات دي سوسير المهيمِنة آنذاك ـ ولا تزال ـ على ساحة الدراسات اللّغويّة طيلة عقودٍ، وهذا بشهادة رولان بارط نفسه الذي قرأ أعماله عن كثب وأوّلها ـ: « ليس الفكر ” باطنيًا “ ولا وجود له خارج العالم وبعيدًا عن الكلمات. وما يخدعنا هنا، ويجعلنا نؤمن بفكرٍ يمكن أن يوجد في ذاته قبل التعبير عنه، هو تلك الأفكار التي تكون قد شكلت وعبّر عنها فيما سبق، والتي بإمكاننا أن نتذكّرها في صمت، فنتوهّم حياة باطنيّة. غير أنّ هذا الصمت في حقيقة الأمر يضجّ بالكلام، وهذه الحياة الباطنيّة لغة ” باطنية “ وليس الفكر ” الخالص “ إلاّ وعيًا فارغًا، وأمنية لحظية. ولا يعرف القصد الدّال ذاته إلاّ إذا تقمّص الدلالات الموجودة سابقًا، والتي تمخّضت عن أفعال تعبيرٍ سابقة » .
بالنسبة لهذا الفيلسوف إذن فإنّ الفردَ عليه أن يقدِّم خبراته عن العالَم الخاجيّ بألفاظه الخاصّة بعيدًا عن ” ادّعاءات “ تتسبّب فيها حتّى العلوم التي تطمح أبدًا إلى شَحن الذهن بالأفكار إلى درجة يعود الإنسانُ فيها غيرَ قادِرٍ على أن يقول أيَّ شيءٍ مِن عنده هو نابِع مِن فِكره الخاصّ المتميِّز بالفردانيّة، إنّ الإنسان الحقّ هو مَن يصوغ أفكارًا وهو محتكٌ بالعالَم ويسبق كلَّ معرفة حولَ العالم، فهذا الدور الملقى على عاتق اللّغة إنّما اكتسب صلاحيّته لدى ميرلو بونتي بما توسّمه فيها من المقدِرة على منح الإنسان وجودًا مستقلاًّ عن المعرفة ” الببغائيّة “ التي يفضِّل عليها التفكيرَ السليم المتاح من قبل البنى اللّغويّة البنّاءة.
لعلّ هذه العلاقة الوطيدة بين اللّغة والفكر هي التي دفعت النظرة العقلانيّة في قسمٍ من اللّسانيات الأمريكيّة وبزعامة نوام تشومسكي إلى اعتماد الاستبطان (Introspection) منهجًا للدراسة، أي إمكانية استبطان المعطيات اللّغويّة مباشرة عن طريق الحدس، سيّما إذا علمنا أنّه يرى أنّ الوظيفة الأساسيّة للّغة تكمن في نقل الأفكار وتسهيل عمليّة التواصل . وهو ما عجّل إميل بنفنيست بتسجيله إزاء القسم الآخر من اللّسانيات الأمريكيّة (البنويّة القائمة على جمع المدوّنة وتسجيلها) والتي نصبت العداء للاتّجاه الذّهني ـ وهو يفسِّر ثورة تشومسكي على هذه الأخيرة ـ إذ يرى أن اللّغة لا تنفصل عن الفكر ولا ينبغي لها ذلك ما دام الأمرُ يتعلّق بالإنسان المتكلِّم الذي لا محالة يُنظَر إليه بكليّته .
وهذا بياجي « يعتبر (مثل فوندت، ووورف، وفتجنشتاين، وغيرهم) اللّغةَ مُعبِّرًا مثاليًّا عن الفكر. لذلك نجده ينطلِق مِن لُغةِ الطّفل من أجل فهم منطقه، حيث اهتمّ كثيرًا بما يقوله الأطفالُ أكثَرَ مِن اهتمامه بما يفعلون » .
وإذا كان الفلاسفةُ قد مارسوا ـ مُنذ عهود سالِفة ـ ما يُدعى بِخطاب الحُدود فَبِما شغلَ بالَهم مِن مُحاولاتٍ ساعية إلى إدراك جواهِر الأشياء، وتَحديد الكائنات، والتّأمُّل فيها مِن أجل الوعْي بالمَوجود. وما إشرافُهم على السّيْل المتدفِّق مِن المعاني وحِرصُهم على إرهاقِها في الدّلائل اللّفظيّة إلا اجتهادات مِنهم رامية إلى صُنع قوالب موضوعاتية (Thématiques) لظواهر الفكر . فاهتدوا بذلك إلى طريقة وضع التّعريفات التي اعتمدوا لضبطها الكليّاتِ المنطقيةَ، وهي موضوعة مبدئيّا كإجراءاتٍ فكرية، الغايةُ مِنها هي إقحامُ المتجادِلين ـ حسْب ما ذهب إليه أرسطو ـ في جوٍّ مِن الشُّعور بِالمعاني (الحَدَس) الّذي يَتبعُه إدراكُ ماهيّات الأشياء ومعرِفة حقائق الظّواهر الطّبيعية واستِنطاق أحداث ما وراء الطبيعة (ميتافيزقيّة). وكذلِك مِن أجل جلب اهتمام الرّاغِبين في الفهْم، أولئك المتجادِلين خاصّةً. يتحكّمُ ـ في الحقيقة ـ في كلِّ ما يترقّبُه الفيلسوفُ ويجري في أذهان المتخاطِبين ، نوعٌ مِن التّفكير التّحليليّ الّذي ما هو إلاَّ استدلالاً، أو يُستحسن أن يُنعتَ هكذا.
هذا ما لم تقدِر الدراسات الفلسفيّة الحديثة أن تتخلّى عنه وهي تمارِس خطابها النقديّ التنويريّ الواصِل للغير، كأنّها يسوؤها الإبحار في غمار الفكر والوقوف مواقف المراجعات النفسيّة مع غمط اللّغة حقَّها في التأمّل فيها، إذ لا تمانع أن تقف لها بالمرصاد، ونختار في هذا السياق أيضًا ميشال فوكو (1926 ـ 1984) Michel Foucault بموجِب موقعه من ضمن قائمة الفلاسِفة الذين استرعوا انتباهنا وهم يمارسون التأمّل في اللّغة كلّما صادفوا مسألة تقتضيه، وهو في حدِّ ذاته يُعلِن عن القصور الذي إذا طال اللّغة من شأنه أن يخرم جسم الأفكار ” المتناسق “ فيتساءل: « دأب تاريخُ الأفكار في تحليله للخطاب على اعتباره خطابًا متناسِقًا. فهل يحدث أحيانًا، أن يقف على أيّ شذوذ أو عدم انتظام في استخدام لفظة أو عدّة ألفاظ، أو أن يعثر على قضايا متنافِرة فيما بينها، أو على مجموعة مِن المعاني غير المتّفقة، أو المفاهيم التي لا تتلاءم مع بعضها البعض لتكوّن منظومة ؟ » .
كثيرًا ما طبّق إدوارد سابير (1884 ـ 1939) Edward Sapir علاقة ثنائيّة (اللّغة والفكر) كمعيار لتحديد الكلمة والحدود القائمة بين الصّورة، وفي تحديداته للجملة .
2.1.2 - اللّغة بين الاستقلاليّة الشخصيّة والانتساب الاجتماعيّ: اللّغة تُمتِّع الطفلَ بالاستقلاليّة وفي آنٍ نفسِه تكتب له الانتساب إلى مجتمعٍ ما . يُؤكِّد الخبرُ الأوّل من هذه الجملة الجانبَ النفسيّ للّغة والمتمثِّل في ارتباطها بشخصيّة الفرد تكوينًا وتطوّرًا وقوّةً وخفوتًا، ويذهب الخبر الثاني من الجملة نفسِها إلى تمييز المظهر الاجتماعيّ في اللّغة وتحديد إحدى وظائفها الاجتماعيّة: اللّغة تقدِّر للفرد الدخولَ في صفوف مجموعة ما بكلّ مستوياتها المتنوِّعة وتباين أمكنتها التي يرتبط بها ارتباطًا ملازمًا وشبهَ روحيٍّ (أسرة، فئة، جماعة، روضة الأطفال، جمعيّة، وسط، مَعمَل، شارع، مدرسة، ملعب، مسجد، مجتمع ...) ، والارتباط بها وفق علاقات محدَّدة؛ كأنّ الخبرَ الأوّل يبيِّن مدى تحرير اللّغة للفرد والثاني يعكس كون اللّغة تقيِّده وتحيله دائمًا إلى صورٍ نمطيّة هي من نسج عقليات وذهنيات وأخلاقيات وأدبيات تلك المجموعة التي ينتسب إليها رغم ما يتكبّده من المحاولات الرّامية إلى الفرار عنها. واللّغة نظامٌ يلزم فرض علاقات اجتماعية ليس من أجل تسهيل عملية التواصل فقط، بل مِن أجل بناء ثقافة اجتماعيّة وأخرى علميّة لأنّه حتّى « الأفكارَ حولَ الطبيعة تتشكّل اجتماعيًّا » . بإمكانها أن تقوم بالرقابة ويمارس بها الفرد كذبه وعنفه واحتقاره لغيره وقمعه له وقهره: فهي تمثِّل مجالاً للتّفريغ أو الكبت عن طريق الاستبطان واللاّمساس والتابوهات ، وكذلك هي فسحة للرّغبة والمتعة واللّعب والتحدّي. | |
|