2.1 دائرة اختصاص اللّسانيات التّعليميّة
قبل إيراد إشاراتٍ تخصّ الموضوعَ، ولكي لا نضيِّق الواسِعَ الذي سيبدو لنا جليًّا فيما نتعرّض إليه في معرض حديثنا عن تقاطعات هذا الاختصاص بغيره من الفروع العلميّة، نفتح دائرته على نفسها لنجِدها تشمل موادَ علميّة وتطبيقات ” تعليميّة “ بعضُها مرتبطٌ مباشرةً باللّسانيات باعتبارها تدرس اللّغة وتصفها، وأخرى لها صلة معيّنة بكيفيّة تعليم هذه الأخيرة والتحكّم فيها. كما تنظر في الوسائل والأهداف والإجراءات اللاّزمة والمحدِّدة لكيفيّة تعلّم اللّغة وتعليمها. وكذلك تُعنى بمستوى تعلم / تعليم اللّغات الذي يتمتّع به المتعلِّمون بينما يخضعون لبرامج تعليمية، وتُحلّل هذه الأخيرة وتُدلي بدلوها حول عواقب الاستمرار في تطبيقها وتُفكِّر في البدائل إذا اقتضى الأمرُ ذلك. لهذا تلتفت اللّسانيات التّعليميّة إلى الدّراسات التّطبيقيّة التي تتناول اللّغة بالبحث؛ فمجالها واسِعٌ جدًّا، إذ تستفيد مثلاً من الدّراسات التي تُنجَز حول أخطاء المتعلِّمين وممّا يراعى في وضع البرامج التّعليميّة. كما تستمدّ مادّتها من الدراسات النّظريّة التي هي بدورها خلاصة التنقيب في طبيعة اللّغة وكيفيّة عملها. فهكذا تتّسع دائرة اللّسانيات التّعليميّة وتتعمّق عبر جذورٍ تاريخيّة ونظرية لتضمّ أفكارًا من تحليل النّظم (System analysis) التي لا يتسنّى لأحدٍ أن ينكر انتسابها السلاليّ إلى البنويّة التي سندرسها في النّظريّة اللّغويّة، ومن نظريّة النّمذجة السلوكيّة (Social and behavioural modelling theory)، وهي النظريّة التي نتوسّع فيها عبر المحاضرات الخاصّة باللّغة والمجتمع، ومن البحوث التي أجريت على فاعليّة المعلِّم، ومن الناحية التاريخيّة يلاحظ أنّ بعض جوانب اللّسانيات التّعليميّة مشتقّة من علم النفس (اللّسانيات النفسيّة) ومن التربية بل وحتّى من علم الاجتماع (اللّسانيات الاجتماعيّة) ..الخ. فاللّسانيات التعليميّة تستمّد أفكارها ومعطياتها ونظرياتها من كلّ ما يساعد على فهم التدريس وما يجري في الأقسام المدرسيّة التي تحتضن تدريس اللّغات؛ كما تجد ضالّتها في كلِّ مجالٍ يضطلع باللّغة موضوعًا أو شيئًا آخر إلى أن تشمل حتّى بعض القضايا التي تتعلّق ببيداغوجيا الترجمة وتعليميّتها، وكذلك لكون عصبها هو اللّغات وما يسهِّل العبور من لغةٍ إلى أخرى: فالمشترك بينهما ـ كما سيأتي إيضاحه ـ هو ما تستنير به الترجمة من الدراسات التقابليّة التي تُجرى على مختلَف اللّغات وما تقبِل عليه اللّسانيات التعليميّة من التأمّل في المتسامحات الكائنة بين لغة الأمّ واللّغات الأجنبيّة وفي متجاوزاتها.
نشير هنا إلى أنّ هذه الدّائرة معرَّضة للتّوسُّع، وذلك كلّما وجّه الباحِثون أبحاثَهم الوجهة التي تقتضيها وظائفُهم المندمِجةُ في أطُرِها: قد يتشبّثون بإطارٍ نظريٍّ ذي طابع معرفيّ، كما سجّلناه أسفلَه في تقاطعات اللّسانيات التعليمية بعلم النفس. كما يخضع ذلك التوسُّع لتخصيص مساحاتٍ جديدة منها للّسانيِّين الساهرين على توظيف رصيدهم الفكريّ (اللّسانيّ) في إرشاد عمليّة تعليم اللّغات وفي تحديد أوجه تطبيقاته الممكِنة على هذه الأخيرة، ويتمّ ذلك التخصيص بواسطة ما يُنجَز من دراسات تتمحور حول الكيفيّات التي يجري بها تطبيق النظريات اللّسانيّة في ميدان تعليميّة اللّغات.
وقد أبرز شارل بوتون (Charles Pierre Bouton) جملة من الدراسات التي كان لها فضلُ السبق عند إسهامها في تسجيل ذلك التحديد، وذلك رغم كلّ ما اكتنفها من صعوباتٍ ترجع في الأساس إلى عدم وضوح الرؤية عند المعلِّمين وكافّة البيداغوجيّين فيما يخص سبل تطبيق النظريات اللّسانية في ميدان تعليم اللّغات وكذلك رغم التفات هؤلاء ـ الذي جاء متأخِّرًا ـ نحو اللّسانيات وحرصهم على التزوّد من منبعها بما يساعدهم في عملهم التعليميّ والتربويّ استدراكًا لما فاتهم وعملاً بتوجيهات وتحسيسات مثل تلك الدراسات التي سطّر شارل بوتون تحت أهميّتها وأشاد بدورها الطليعيّ والتبشيريّ.
3.1 موضوع اللّسانيّات التعليميّة:
تشتغِل اللّسانّيات التعليميّة على موضوعٍ معيّن، لكنّه موضوعٌ ممتدّ الأطراف وحافلٌ، ليس مِن السّهل رسم حدوده مهما بانت ملامِحُ الدائرة المعالَجة أعلاه، لا سيّما إذا علمنا أنّه موضوعٌ مشترَك تنافسها فيه عدّةُ فروعٍ معرفيّة. لهذا يُفضَّل إجراء مقابلة في هذا الأمر من جهة بين تلك المواد العلميّة واللّسانيّات التعليميّة (2.2؛ 3.2؛ 4.2)؛ ومقابلة مِن جهة أخرى ـ كلّما تسنّت الفرصة أثناء الدّروس ـ بين المفاهيم المتداخِلة والمتكاملة والمتزاحمة والمتعارضة أحيانًا، وذلك داخل اللّسانيّات التعليميّة الّتي تطالَب أن تلتزِم حدودَها، على الرّغم من أنّ تعريف هذه الأخيرة يكتنفه كثيرٌ من تضارب الآراء وذلك بحسب اختلاف زواياها وعمق الرّصيد النّظريّ وتشتّت المجموع التّطبيقيّ الّذي يُسعى إلى تنظيمه على أنّه ما يزال يشهد تفريعات وتقسيمات جديدة.
لهذا ترانا هنا نشرع أوّلا في تحديد ثلاثة أمورٍ مركزيّة مصحوبة بمظهرها التسمويّ الجليّ، وتمييز بعضها عن بعض، مع الإشارة إلى العلاقات التي تربط بينها، وهي أمورٌ يمكن التعامل معها بمختلف الكيفيات الكائنة والممكِنة:
إمّا على أساس أنّها مفاهيم متميِّزة في واقع الأمر لكنها متداخِلة: فيكفي حينها رسمُ حدود كلّ مفهوم إلى أن يتميّز عن غيره، ثمّ التبيّن من مجال الاحتواء والتداخل، والعمل على التعارف من خلاله باعتباره إحدى قنوات الاتصال بين تلك المفاهيم المنفرِدة.
أو بإحلالها ـ في آخر المطاف بعدَ أخذٍ وردٍّ ـ محلَّ مرادفاتٍ مصطلحيّة: أي أنّها لا تزال تدلّ على ذاتِ المفهومِ وواحِدٍ فحسب، مع الملاحظة أنّ كلَّ ما في الأمر أنّها لم تكفّ عن الخلخلة والالتباس في تسمياتٍ متكاثرةٍ ناجمةٍ عن تداول البحَثة ـ بمُبتدِئهم ومُتضلِّعِهم ـ على أطوارها الغريبة وعلى انفراد، أو ـ ورغم الاتّصال القليل على كلٍّ ـ عن اختلافات في وجهاتِ نظرٍ قائمةٍ بينهم أثناء التعريف بها والخوض في قضاياها؛ فيُعمَد في كلتا الحالتيْن إلى الاحتفاظ بأحاديّة المفهوم، مع الإقرار بأمر الواقِع أمامَ تعدّديّة التسمية، ويُنقل النقاشُ الذي لا يمنعه رادِعٌ ـ حين هذه الحالة، وكلّما اقتضى الأمر ذلك، كما تجدنا نعمل به في هذا السياق ـ من رقعة المفهوم إلى وسَط التسميّة ويُخضَع لمنطِق هذه الأخيرة وقواعِد لعبتها.
نسجِّل هنا تحفُّظًا مُؤدّاه أنّ عبارة (مرادفات مصطلحيّة) التي بادرنا بها أعلاه تختلف ـ لا سيّما إذا تموقعنا في مجال المصطلحيات ـ عن المرادفات المعجميّة العادية التي تناولتها فروعٌ لسانية مختلفة مثل: علم الدّلالة وعلم متن اللّغة والترجميات، وأسبقهم إلى هذا الموضوع فقه اللّغة. ويرجع ذلك إلى اختلاف زوايا التعامل مع ذات القضيّة؛ ههنا وظيفة النعت ”مصطلحي“ التمييزيّة (Fonction pertinente)، فهو ليس فارغ الدلالة ولم نستعمله من باب الإطناب بقدر ما فكّرنا في التدقيق، إذ قد نقع في تناقضٍ صريح، لأنّ ربَّ معترِضٍ يعترِض علينا، فيقول: كيف إذ اعتبرتم التسميات مرادفات وصنّفتموها فيها والحال أنّه يوحي طرحكم المودِع في طيات تحليلكم أنّكم ـ وفق ما خلُصت إليه الكيفيّة الثانية ذاتها ـ تمنعونها عن التناوب على المفهوم الواحد (مع تصوّر تلك النسبة التي يقرّ بها حتّى فريق المثبتين لظاهرة الترادف في اللّغة) ؟ فنعقِّب على هذا الاعتراض بالقول: إنّما عمدنا إلى استعمال المركَّب (مرادفات مصطلحيّة) حرصًا منّا خصِّيصًا على دفع هذا اللّبس الذي يحقّ لغيرنا أن يسألَ عن مصيره في كنف الجمل المتعاقِبة في فقرات نصّنا وكذا انعكاساته على المفهوم وعلى القارئ ” المتعلِّم “ أيضًا. فيمكن نفي الترادف وإيعاز القضيّة إلى تنوّع مصطلحيّ ـ من جهة ـ لصعوبات تحل دون التوحيد، ومن جانبٍ آخر لتعيين فروقٍ في الدلالات.
على كلِّ حال، مهما شقّت علينا مهمّة الفصل بينها وضبط مشتركاتها لا يمكِن لنا التغاضي عنها، والمسألة تتلخّص مع كلّ تعقيداتها المحتمَلة بانطواء الساحة العلميّة والإعلاميّة وبتوفُّر المعجم على:
1- التعليميات
2- تعليميّة اللّغات
3- اللّسانيات التعليميّة1.3.1 التعليميات:
كلّ التعريفات التي تتمحور حول التعليميات تأخذ بالاعتبار المثلّث التعليمي ـ الذي ما فتِئ البعضُ يسمّيه المثلّث التربويّ ـ وهو المشكَّل مِن ثلاثة أطرافٍ هي:
- المعلِّم
- المتعلِّم
- المعرفة وقبل البدء في التحليل نسجِّل كون أحمد حساني يضع في موضِع (المعرفة) (طريقة تعلّم) ؛ على كلٍّ، لكي نفهمَ كيف تتوزّع المهام في المدرسة حسب هذه الأطراف لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أنّ عمليّةَ التعليم هي أوّلاً ممارسة في الميدان، وإذ كانت كذلك فهي في آنٍ واحدٍ المنطلَق المتميِّز والمحطّة الأخيرة لكلّ تساؤلٍ تربويٍّ وتعليميٍّ، وهذا في بُعدها الأبعد عن قضيّة المعرفة في حدّ ذاتها ولوحدها وفي تبعيّتها وارتباطها المزدوج مرّة بالمعلِّم وحينًا آخر بالمتعلِّم؛ لأنّ المدرسة ما كانت يومًا مهمّتُها تتوقّف على تخريج العلماء، وأقّل من ذلك، ما رمَت لحظةً تصنيعَ تلاميذ متخصِّصين في المواد التي يُعلَّمون إياها، وما كان لها لتنشد ذلك، إنّما تسطِّر التفوّقَ المدرسيّ هدفًا أساسيًّا لها، ويتأتّى هذا الأخير من التربية والتكوين أكثر من مجرّد التعليم: فالطابع التربويّ التكوينيّ (أي انتقاء المعارِف وبناءها من أجل التفكير السليم، وتحسين السلوك وتهذيبه وتكييفه وإكساب المهارات وتعريف المرء بمحيطه) هو أسبَق على الطابع التعليمي (أي إيصال المعرفة الخالصة والعمل على تثبيتها في الذهن وتمثُّلها وقولبتها على أشكال مخترعات): وهو الذي تتحتّم مقتضياتُ الساعة إنزالَه منزلةَ الملحَق مهما تمظهر لنا بكيفيات تُعدّ أكثر إلحاحًا من أيّ ذي فترة زمنيّة ماضية. لأنّ إنتاج المعرفة يحدث بتعاون الجميع وخارج المدرسة ـ إن كان على هيئة أن تتولى أمره وتنظِّم شؤونه فالجامعة أولى به ـ ولا يتّسِق مع طموحات هذه الأخيرة السامية والمتواضِعة في ذات الوقت ولا مع مبادئها الأساسيّة المتعلِّقة بالتعليم الإلزاميّ والمجاني والمعمَّم: إنّ إنتاج المعرفة يشمل المدرسةَ وهي لا تنفلِت منه لكن لا تشمله أيضًا.
فمشوار التعليميات يقوم على:
1- رصد خطوات المعلّم وترقّبها منذ مرحلة إعداده وتكوينه الخاص إلى ممارساته في الميدان، إذ يقارب المعرفة ويراقب أجزاءها التي تهمّه ليجعلها في مُتناول شخصِه وموضوعه (المادّة والمتعلِّم) وكذلك إذ يتدرّج حسب فترات تدريبه التّأهيليّة في دوريات تكوينيّة وحلقاتها: فتكوينه مستمرٌّ أبدَ الدّهر (المعلِّم والمعرفة هذه المرّة) مهما ترسّخت قدمُه في الأقدميّة.
2- ويتناسق ذلك المشوار أيضًا مع دوره في تتبّع كيفيّة تفاعل المتعلِّم مع وسطه المدرسيّ والعائليّ والاجتماعيّ إذ تمارَس عليه وظيفة التربيّة والتكوين والتعليم.
3- وينظر مشوارُها كذلك في المواد العلميّة التي تقرِّب إلي المتعلِّم المعارف العلميّة والمفاهيم الطبيعيّة والإنسانيّة من حيث مدى انسجامها وحاجيات المتعلِّم، وتتحقّق من طبيعة الوسائل البيداغوجية المسخَّرة لذلك؛ وتتأمّل في الأهداف المنشودة وهذا بمراعات ضلعيْ المثلَّث الآخَريْن (المادّة ” وليس المعرفة “ والمتعلِّم)
وتلتزم التعليمياتُ الحدودَ التي يرسمها لها ذلك المشوار إذ يتّخذ قسطٌ مِن عملِها مواقفَ الوصف والتعريف مع إمكانية التدخّل الظرفيّ من أجل إرشاد العمليّة التربويّة وتوجيه المسار التعليميّ الذي يقتفيه المتعلِّم، وذلك بتقديم تحليلات حول مظاهر التعليم النظريّة والتطبيقيّة من غير أيّ قيودٍ ناجمة عن تقليص دائرة مواده التعليميّة، بل تعكس فقط الواقع المدرسيّ وتكشف ملامحه لكي يسهُل التعرّف عليه وكذلك ترفع النقاب عن جوانبه التعليميّة السلبيّة والإيجابية وتنكبّ على تجلية مواطن الخلل التربويّ. وإذا سمح الأمرُ لتلك المظاهر أن تتعدّى إلى مجالات فبما تمتدّ إليه تلك الأطراف الثلاثة عبر صلاتٍ طبيعيّة من الأسرة والرياضة والإعلام ...
ويستمرّ تواجد التعليميات إلى جانب تشخيص السلبيات للعمل على دحضها والحدّ منها، والإعلان عن الإيجابيات للدّعوة إلى تكريسها أداءً للواجب المنوط بها إذ تساعد على تناقل المناهج المدرسيّة والبرامج التعليميّة والمنظومات التربويّة عبر العالَم بأسره، فواجبها هذا أكبر وأنبل من أن تتخلّى عنه: فالكراريس الإعلاميّة التي تصدر سنويًّا ـ لمرافقة مسيرة هذه الأخيرة الزمانيّة والمكانيّة ومراقبتها ـ تظلّ نسبتُها وحركتها في المعمورة دائمة الحاجة إلى التحسين والتحسيس من أجل الحصول عليها والتأمُل في الدراسات التي تُنشَر فيها (هنا الطّابِع التطبيقيّ للتعليميات لو نشدته المدرسة الجزائريّة لشدّت من أزرها وثبتت أمام العوائق)
لا تفوتنا الإشارة في هذه الوقفة إلى أنّ بعضَ الباحِثين قد وجّهوا نصيبًا كبيرًا من اهتماماتِهم صوبَ مسألة التفوّق المدرسيّ وتعثّره، وكذا المقتضيات والشروط التي تتحكّم في أيٍّ منهما ، كما اعتنى البعضُ الآخر في ظلّ التعليميات ـ وهذا منذ عقودٍ ـ بتحديد مؤثِّرات الوسط المدرسيّ على تعلّم التلميذ وآفاقه وقعًا وتوقّعًا، وذلك انطلاقًا مِن علاقة المعلِّم بهذا الأخير وتشخيص العناصر التي تُسهِم بالفعل في إنماء شخصيّة الطفل وهو يتنقّل من مناخٍ تربويٍّ إلى آخر .
2.3.1 تعليميّة اللّغات:
مصطلح (تعليميّة) وهو مَصوغٌ في التركيب الإضافي (تعليميّة اللّغات) وضِع استجابةً لما فسحته اللّغة العربيّة في عصرنا الحالي من استخدامٍ للمصدر الصناعيّ بزيادة ياء النسبة المشدّدة على المصدر العادي مع إردافها بتاء للدلالة على الصفة يدلّ عليها هذا اللّفظ، كلّ ذلك تعبيرًا عن التحوّلات بما اقتضتها تطوّرات الحياة الإنسانيّة على الأصعدة العلميّة والمعرفيّة والتقنية بوجوهها المتنوّعة على غرار المثالية والواقعيّة والعلمانيّة والمنهجيّة وغيرها . وسواء حلّلنا مصطلح (تعليميّة) في التركيب الإضافي (تعليميّة اللّغات) من قبيل إضافة الوصف إلى المنعوت أم باعتباره تركيبًا نعتيًّا (اللّسانيات التعليميّة) كما سنرى أسفله.
3.3.1 اللّسانيات التعليميّة:
تدلّ هذه التسمية على علمٍ أو تخصّص أو مجال (إشارة إلى لسانيات) ينشد وضع في متناول المعلِّم جملة من المبادئ التي تكون اللّسانيات النظريّة (العامة) قد وفّرتها وخلُصت إليها بعد بحثٍ طويل، فهي تستوحي من الأخيرة أفكارًا وقوانين تراها تخدم عمليّة تعليم اللّغة وتحسِّن اكتسابها، سيما إذا علمنا ـ وكما سنتعرّض إليه أسفله ـ أنّ ما ييسِّر تعليم أيّ لغة هو التيقّن من أنّها نظام، لكن هذا لا يكفي إذ قد نجد مستوى من مستوياتها يشذّ عن هذه القاعدة، لذا فالقياس والسماع ـ هذا المبدأ النّحويّ المشهور الذي عني به الأصوليون العرب منذ القدم ـ يشكِّل ثنائية لا تزال تبرهن على جدواها: فبالتالي تسعى اللّسانيات التّعليميّة بهذا الشكل إلى توسيع مجالها كلّما أحوجها الأمر إلى ذلك. ولم يَكن لِلسانيّات لِتتغاضى عَنها أبدًا، لكِنّها تُولي لَها اهتمامًا مِن لونٍ آخر وفي إطار مَجالٍ تابِعٍ لَها، يُصطلح عليه باللِّسانيات التّطبيقيّة.
توجد فئةٌ من باحثين لا تميِّز بين تعليميّة اللّغات واللّسانيات التعليميّة، وأكثر المصطلحيْن شيوعًا هو الأوّل، لكن ترانا نتعامل مع المصطلح الثاني من باب تحصيل الحاصل أوّلاً إذ وُسِمت به (اللّسانيات التعليميّة) المادّة التي عنينا بتدريسها ، ثمّ لا نخفي اقتناعنا بها بناء على مسوِّغات هي الآتية:
تحرّيًا للإيجاز المفيد نفسِّر عادة ما اقتضى هذا التصرّف بأواصر القرابة التي تشدّ تعليميّة اللّغات إلى اللّسانيات.
اللّسانيات التعليميّة تواجدت في ملتقى طرقٍ تؤولُ إليه في المقام الأوّل مباحث لسانيّة وتَفِد إليه مواد تشتغل هذه الأخيرة في كنَفها.
ظلَّ سؤالٌ معلَّقًا نطرحه على هذا المصطلح هو: هل تتوقّف اهتماماتُ اللّسانيات التعليميّة على (تعليميّة) اللّغة ؟ نقول إنّها تعليميّة اللّغة كموضوع وكأداة تدريس تتعدّى إلى مواد أخرى فتشمل مثلاً تلك اللّغة المتخصِّصة التي يوظِّفها الأخصائيون عمومًا والمعلِّمون في قاعات التدريس خصوصًا .
يكاد الكلُّ يُجمِع عمومًا على أنّ اللّسانيات التعليميّة علمٌ يدرس طرق تعليم اللّغات وتقنياته، وأشكال تنظيم مواقف التعلّم التي يخضع لها المتعلِّم، ومراعاة انعكاسها على الفرد والمجتمع من حيث تنميّة القدرات العقليّة وتعزيز الوجدان وتوجيه الروابط الاجتماعيّة، ومن غير إغفال نتائج ذلك التعلّم على المستوى الحسّي الحركيّ للفرد المتعلِّم .
رأينا أعلاه أنّ اللّسانيّات التعليميّة في حاجة إلى إعادة ترتيب قضاياها. لهذا نأتي إلى تفصيل ما رأيناه مجملاً في دائرتها، ذلك بغيةَ تصنيفَها ولتسليط الأضواء على معالِم موضوعها وأهدافها وبدافع منهجيّ