كثيرا ما يتحدث الباحثون عن أن معنى الكلمة يظل ضبابيا و شبه غامض خارج سياق الكلام ، بل إن بعضهم نفى أن يكون للكلمة أي معنى خارج السياق. وإذا كان الرجوع إلى المعجم هو الوسيلة – غالبا – للبحث عن معنى الكلمة و رغم أنه يدون عادة في المعاجم عدد من المعاني فان معظم الكلمات لا يمكن الوقوف في معانيها عندما يذكر في المعجم.
وقد اختلف الباحثون و تفاوتوا في حصر عدد المعاني المحتملة للكلمة . وكان الدكتور أحمد مختار عمر (في كتابه علم الدلالة ص36 و ما بعدها) . قد ذكر خمسة أنواع عدّها أهم أنواع الدلالة وهي :
1- المعنى الأساسي أو المركزي : وهو العامل الرئيسي للاتصال اللغوي.
ويشترط للمتكلمين بلغة واحدة أن يكونوا مشتركين في تصور هذا المعنى الأساسي الذي يتم من خلاله التصور و نقل الأفكار. حيث تملك الكلمات ملامح معينة تميزها عن غيرها أو عن مضاداتها . فكلمة (رجل) تتميز ببعض الخصائص المعنوية عن كلمة (امرأة) أو (ولد) و كلمة (عصفور) تتميز كذلك عن كلمة (إوزة). إن هذا المعنى هو المعنى المعجمي للكلمة عندما تكون منفردة.
2- المعنى الإضافي أو الثانوي : و هو المعنى الذي يزيد عن المعنى الأساسي و لا يكون يكتسب صفة الثبوت، و إنما يتغير حسب أنواع الثقافات و الأزمنة و الخبرات.
فإذا كانت كلمة (طفل) لها ملامح أساسية هي (+ إنسان + ذكر – بالغ) فان هناك معاني إضافية تتعلق بكلمة طفل كلبس نوع من الثياب، البكاء والتأثر، عدم الخبرة ...
وكلمة الوالدة التي معناها الأساسي الأنثى التي ولدت الولد إلا أن من معانيها الإضافية الحنان والعطف والخوف على الوليد ...
ومن المؤكد أن هذا المعنى مفتوح وقابل للتغير مع ثبات المعنى الأصلي.
3- المعنى الأسلوبي: إن أي قطعة لغوية تحمل خصائص أسلوبية تتعلق بمستوى اللغة المستعملة ، كاللغة الأدبية أو العامية أو المبتذلة وكذلك بنوع البيئة والمستوى الاجتماعي و العصر ولذا يلاحظ أن بعض الكلمات التي قد تبدو مترادفة هي في الحقيقة غير متطابقة المعنى تماما من حيث إدراك معانيها الإضافية ومثال ذلك : الزوجة في العربية فهي (الحرم و الزوجة و المرأة أو المرة أو الدار أو الأهل أو الأخرى)
4- المعنى النفسي: وهو المعنى الخاص المتعلق بالفرد المتكلم الذي لا علاقة له بالتداول بين الأفراد حيث يعكس الفرد في أحاديثه معاني فردية تتعلق بحالته النفسية الخاصة وكثيرا ما يظهر في كتابات الأدباء و الشعراء.
5- المعنى الإيحائي: وهو ما تتركه بعض الكلمات من ظلال إيحائية (شفافية) خاصة .
وقد ذكر ألمان (أنظر أحمد مختار عمر) ثلاثة أنواع لتأثيرات هذا المعنى وهي :
- التأثير الصوتي: مثل كلمة (صليل) لصوت السيف و (خرير) لصوت المياه.
- التأثير الصوتي: ويمكن أن تمثل لذلك بالفعل الرباعي المضعف بالعربية (شلشل ).
- التأثير الدلالي: وهو ما تتركه بعض المعاني الأكثر شيوعا من المعاني الأساسية من أثر إيجابي على المعنى الآخر، مثل المعاني المتعلقة بالجنس أو الموت أو قضاء الحاجة
المطلوب : وضح الدلالة المركزية والهامشية في النص التالي مبينا أهمية الدلالة الهامشية في تعميق المعنى .
(نص لفدوى طوقان ويمكن للطالب أن يعتمد أي نص لشاعر حديث آخر)
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور
بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين : يا عينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وكان هناك جمع البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوم في حواشيها
يمد أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان ... وكان
وغص القلب بالأحزان
مناهج دراسة المعنىنظرية السياق : السياق اللغوي – السياق العاطفي – سياق الموقف – السياق الثقافي.
ربما ارتبطت النظرية السياقية باللغوي الانجليزي (فيرث) ، الذي ركز على الوظيفة الاجتماعية للغة ، وأساسها مفهوم سياق الحال الذي يعرفه فيقول " هو جملة من العناصر المكونة للموقف الكلامي و من ذلك شخصية المتكلم و السامع (المخاطب و المخاطب)،وتكوينهما الثقافي بالإضافة إلى شخصيات من يشهدون الكلام، غير المتكلم والسامع – إن وجدوا – وبيان ما لذلك من علاقة بالسلوك اللغوي، والعوامل والظواهر الاجتماعية ذات العلاقة باللغة والسلوك اللغوي لمن يشارك في الموقف الكلامي مثل حالة الجو، والوضع السياسي ، ومكان الكلام.
ومن هنا نعرف أن سياق الحال تتشابك في دلالته عناصر كثيرة.
أصحاب هذه النظرية يحددون
معنى الكلمة بأنه : استعمالها في اللغة ، فالمعنى لا يظهر إلا إذا كانت في السياق. و إذا أريد معرفة كلمة (دلالاتها) فيجب وضعها في سياقات مختلفة، لأن الوحدات اللغوية المجاورة لها ذات أهمية في تحديد معناها، فدراسة معاني الكلمات تتطلب تحليلا للسياقات و المواقف التي تقع فيها لغوية أم غير لغوية . ويتعدد معنى الكلمة تبعا لتعدد السياقات التي تقع فيها .. يقول العالم اللغوي (هردر) ما معناه : إذا اعتقدنا أن للكلمة أكثر معنى واحد في سياق واحد فنحن في حالة انخداع كبير، ويقول مارتينيه: "خارج السياق لا تتوفر الكلمة عن معنى".
ومن السياقات التي اقترحها الباحثون ما ذكرناه في البداية و لا بأس من ذكره ثانية: السياق اللغوي – السياق العاطفي – سياق الموقف – السياق الثقافي و يكفي لتوضيح هذه السياقات أن نأتي بأمثلة لكل سياق منها :
1. السياق اللغوي: ونمثل له بلفظ (كلمة) صالح فنقول:
- رجعت من السفر صالحا، أي سالما معافى
- تجهزت جهازا صالحا، أي جيدا حسنا.
- تزود المسافرون زادا صالحا، أي كثيرا.
- لأشدن الحبل شدا صالحا ، أي (شديدا، قويا).
- وجدت في رحلتي صالحا ، أي نافعا
- رزقني الله ولدا صالحا أي ، بارا مستقيماوكلمة قرن مثلا قد تعني حسب السياق : قرن الثور أو الخروف ، أو القرن الإفريقي أو القرن العشرين ، أو قرن اللوبياء.
وكلمة good بالانجليزية ، فإذا وردت مع كلمة رجل good man فهي تعني الناحية الخلقية وإذا وردت وصفا لطبيب فهي تعني التفوق في المهنة ، وهكذا
(ينظر أحمد مختار عمر ص (60 -70).السياق العاطفي : وهو الذي يحدد درجة الانفعال بين القوة والضعف مثال الفرق بين الضغينة والكره ، ويمكن أن نستعمل كلمة (أحب) فنقول (أحب الشتاء) وأحب والدي فالسياق الكلامي بين المعنيين يفرق بين المعنيين.
سياق الموقف: ومثاله قولنا (الله يسهل) فقد تكون بمعنى دعني و ابتعد في موقف معين، و قد تكون بمعنى الدعاء للمخاطب بأن يسهل الله له طريقه و عمله، و قد تكون بمعنى الاستنكار لما يصدر عن المخاطب من فعل.
السياق الثقافي : ويمكن أن أمثل له بكلم (الخط) . فهي عند الطالب أو الأستاذ تعني الكتابة و حسنها أو عدم حسنها من الناحية الفنية ، أو نوع خط من خطوط الكتابة عند الخطاطين أو دروس الخط ، كالخط الكوفي، أو الرقعي أو الثلث أو غير ذلك.
وهي غير ذلك عند عامل الهاتف ، أو عند النجار، أو الفلاح أو العامل في وزارة النقل و المواصلات، مثل خط الحافلات، أو السكك الحديدية.
على أن السياق الثقافي قد يكون أوسع من ذلك مع اتساع دائرة الاستعمال اللغوي.
أما أهم ميزات المنهج السياقي فهي:
أنه يجعل المعنى قابلا للتحليل الموضوعي.
1- لم يخرج في التحليل اللغوي عن دائرة اللغة ، أي دون الخروج عن دراسة العلاقات اللغوية كما فعل بعض الباحثين عندما أرادوا دراسة المعنى و شرحه في ضوء متطلبات غير لغوية.
أما ما واجهته نظرية السياق من انتقادات فيتمثل في:
1- أن نظرية السياق – كما جاء بها فيرث – (اهتمت بدراسة المعنى في معزل عن مستويات البنية اللغوية الأخرى)
2- إن الحديث عن السياق – لاسيما في سياق الموقف – كان غامضا و غير محدد نوعا ما.
3- هذا المنهج قد لا يكون مفيدا لمن يبحث عن معنى كلمة لا يوضح السياق معناها.
وقد ركز بعض أصحاب هذه النظرية على السياق اللغوي، عندما اهتموا بما سمي بالرصف وهو علاقة كلمة أو عدة كلمات بأخر علاقة شبه ملازمة فكلمة (الانصهار) تلازم المعادن مثل: الحديد و النحاس ، ولذهب و الفضة و لا تلازم الجلد و الخشب.
وإذا كانت الكلمة قد تنتظم مع أكثر من مجموعة، و تقع في أكثر من سياق لغوي فقد ظهر مصطلح (الوقوع المشترك) أو مصطلح (احتمالية الوقوع)
ولذا لا بد من تبديل أنواع السياقات اللغوية أو وضع الكلمة في سياقات مختلفة لإصدار الأحكام الصحيحة.
فكلمة (نزل) لها سياقات لغوية مختلفة مثل: نزل المطر- نزل إلى السوق – نزل عند رأي الجماعة – نزل منزلة رفيعة في قومه...