مدخل إلى علم النحو
1 ) أوّل من كتب في النّحو : قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ، قال : حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا سعيد بن سالم الباهلي ، حدثنا أبي عن حدي عن أبي الأسود الدؤلي ، قال : دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فرأيته مطرقا متفكرا ، فقلت فيم تفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال إني سمعت ببلدكم هذا لحنا ، فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية ، فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا ، وبقيت فينا هذه اللغة .
ثمّ أتيته بعد ثلاث ، فألقى إليّ صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم : الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل . ثمّ قال لي تتبعه وزد فيه ما وقع لك .واعلم يا أبا الأسود أنّ الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنّما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر .
قال أبو الأسود الدؤلي : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النّصب ، فذكرت منها إنّ ، وليت، ولعلّ ، وكأنّ ، ولم أذكر لكنّ ، فقال لي : لم تركتها ، فقلت لم أحسبها منها …..
نشأة النّحو :إنّ علّة نشأة النحّو هو ظهور اللحن ، وهو الذي حدا بأبي الأسود أن يضع علم النّحو . فقد روي أنّ أبا الأسود الدؤلي أن يضع علم النحو ، فقد روي على اختلاف في الرواية أنه سمع رجلا يقرأ : إنّ الله بريء من المشركين ورسوله ، فقال : لا أظنّ يسعني إلاّّ أن أضع شيئا أصلح به نحو هذا ، فوضع علم النّحو .
ووردت هذه الرواية بصورة أخرى في نزهة الألباء : فقد قدم أعرابي في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : من يقرئني شيئا ممّا أنزل الله تعالى على محمّد ، فأقرأه رجل سورة براءة ، فقال : إنّ الله بريء ... بالجرّ ، فقال الأعرابي : أوقد برئ الله من رسوله ؟ إن يكن الله تعالى بريء من رسوله ، فأنا أبرأ منه ، فبلغ عمر مقالة الأعرابي ، فدعاه ، فقال : يا أعرابي ، فدعاه ، فقال : يا أعرابي أتبرأ من رسول الله ،فقال : يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ، ولا علم لي بالقرآن ، فسألت من يقرئني ؟ فأقرأني هذه سورة براءة ، فقال : إنّ الله ...فقلت .... فقال عمر رضي الله ليس هذا يا أعرابي ، كبف هي يأ أمير المؤمنين فقال : إنّ الله بريء ...ورسولُه ، فقال الأعرابيّ : وأنا والله أبرأم مّن يبرأ الله ورسوله ، فأمر عمر ألا يقرأ القرآن إلاّ على علم باللغة ، وأمر أبا الأسود أن يضع النحو .
ومنها أيضا رواية أخرى أنّه جاء إلى زياد قوم فقالوا : أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنون ، فقال زياد ، توفي أبانا وترك بنون ؟ ادع لي أبا الأسود ، فقال : ضع للناس العربية .
وقيل إنّ أبا الأسود دخل إلى منزله فقالت له بعض بناته : ما أحسنُ السماء ؟ قال : أي بنية نجومها ، فقالت : إني لم أرد أي شيء منها أحسن ، وإنّما تعجّبت من حسنها ، فقال : إذن قولي : ما أحسن السماءَ ، فحينئذ وضع كتابا .
وروي أنّ عمر بن الخطاب مرّ على قوم يرمون فاستقبح رميهم ، فقال : ما أسوأ رميكم ، فقالوا : نحن قوم متعلمين ، فقال عمر للحنكم أشدّ عليّ من رميكم .
3) معنى النحو : لمّا سمع أبو الأسود كلام المولدين بالبصرة من أبناء العرب ، أنكر ما يأتون به من اللّحن لمشاهدتهم الحاضرة وأبناء العجم ، وأنّ ابنة له قالت له ذات يوم : ما أشدّ الحرّ ... وهمّ أن يضع تابا يجمع فيه أصول العربية ، فمنعه من ذلك زياد ، وقال : لا تؤمن أن يشكل الناس عليه ويتركوا اللغة وأخذ الفصاحة من أفواه العرب إلى أن فشا اللحن وكثر وقبح ، فأمره أن فعل ما كان نهاه عنه ، فوضع كتابا فيه جل العربية ، ثم قال : انحوا هذا النحو ، أي اقصدوه ، والنحو القصد ، فسمي لذلك نحوا .
وقال ابن جني : النحو هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة ، فينطق بها وإن لم يكن منهم ، وإن شذ بعضهم عنها ردّ به إليها .
فائدة تعلم النحو : يقول الزجاجي : الفائدة هي الوصول إلى التكلّم بكلام العرب على الحقيقة صوايا غير مبدل ولا مغيّر ..
وقال أيضا : أخبرنا أبو إسحاق الزجاج قال : سمعت أبا العباس المبرد يقول : كان بعض السلف يقول : عليكم بالعربية فإنها المروءة الظاهرة وهي كلام الله عزوجل وأنبيائه وملائكته .
وقال عمر بن الخطاب : عليكم بالعربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة .
وقال : لأن أقرأ فأخطئ أحبّ إليّ من أن أقرأ فألحت ، لأني إن أخطأت رجعت وإذا لحنت اقتريت .
معنى الإعراب : اختلط مفهوم النحو والإعراب في كثير من الكتب حتى سمي النحو إعرابا ، وقد ورد في اللسان : نحا الشيء ينحاه نحوا إذا حرفه . وقال ابن السكيت ، ومنه سمي النحو لأنه يحرف الكلام إلى وجوه الإعراب .
وجاء أيضا في اللسان : والإعراب الذي هو النحو إنما هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ .
وجاء أيضا الإعراب الذي هو النحو إنما هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ .
ويعرفه عباس حسن : تغيير العلامة التي في آخر اللفظ بسبب تغير العوامل الداخلة عليه ، ما يقتضيه كلّ عامل .
وعرفه ابن هشام في الشذور : الإعراب أثر ظاهر أو مقدّر يجللبه العامل في آخر اسم المتمكن والفعل المضارع .
قيمة الإعراب في الإبانة عن المعاني :جاء في قضايا اللغة والنحو لعلي النجدي ناصف بعض الأمثلة يوضح فيها قيمة الإعراب :
1 - قوله تعالى : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ البقرة : 132 ، فهل يعقوب معطوف على إبراهيم أم بنيه ؟
2 - فلان متهم بقتل السائق وابنه ، الشمس طالعة والمطر منهمر ، الواو عطف أو حال .
3 - إنّ الضوء ساطعا مؤذ للعين ، ساطعا حال ، أو تمييز .
4 - فلان أكرم أبا بدون إعراب ، هل هو وصف فلان على سبيل التفضيل بالكرم فيكون أبا منصوبا ، أم وصف على سبيل التفضيل بأنّه أكرم من كلّ أب فيكون مجرورا ...