أوّليات الشعر العربي
لقد ارتبطت أولية الشعر العربي بذكر حرب البسوس ، تلك الحرب التي دارت رحاها بين قبيلتي بكر وتغلب منذ أوائل القرن الخامس الميلادي ، حيث ترجع إليها أقدم مجموعة من الشعر العربي التي تستند إلى مصادر صحيحة نسبيا ، لشعراء مشهورين في تاريخنا الأدبي كالمهلهل ابن ربيعة ، والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر وجليلة البكرية و سعد ابن مالك والحارث ابن عباد و غيرهم أما قبل هذا التاريخ فيصعب فيه تحديد التاريخ الذي بدأ فيه العرب الأوائل ممارسة فن الشعر ، إلاّ أنّ ما بين أيدينا من مادة لا يساعدنا على أن نجزم برأي في هذه الأولية و كل محاولة يبذلها باحث لتحديدها إنّما تكون من قبيل التخمين
يذكر الباحث مصطفى صادق الرافعي عند حديثه عن أولية الشعر مايلي : " وقد تصفحنا التواريخ العربية ، وأرجعنا ما نقلوه عن أهل الرواية وهم مصدر آداب الجاهلية و أخبارها ،
فرأينا أنّ ما كتبوه من ذلك إذا صلح أن ينقل فهو لا يصلح أن يعقل" ، ويقول المستشرق نيكلسون إنه " من المستحيل أن نثبت بأي درجة من التأكيد ، التاريخ الذي بدأ فيه العرب ممارسة فن الشعر" ، كما ذهب إلى الرأي نفسه كل من بروكلمان ، وكارلو نالينو .
وإذا بحثنا في الأولية الزمنية للمحاولات الناضجة أو مرحلة القصائد ، فإننا نجد كثيرا من القدماء يخصون المهلهل ابن ربيعة بفضل ريادة الشعراء أصحاب القصيد ، و في ذلك يقول ابن سلاّم :" وكان أوّل من قصد القصائد و ذكر الوقائع، المهلهل ابن ربيعة" ، ويقول السيوطي " أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتا من الشعراء : مهلهل " ومعنى هذا أن المرحلة التي سبقت حرب البسوس كانت مرحلة مقطوعات و أبيات متفرقة ، وهو ما أكد عليه السيوطي في قوله : " لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلاّ الأبيات يقولها الجل في حاجته " وإذا اجتهدنا لاستقراء أقدم ما وصلنا من وثائق في الشعر العربي ، فإنّ هذه النصوص ذاتها تلقى ظلالا من الشك حول ريادة المهلهل في إطالة القصائد فمن أوّل من أطال القصيد في الشعر العربي ؟
ذهب القدماء في تعليل تسمية المهلهل – وهو عي ابن ربيعة – مذهبين : أولهما أنه أول من هلهل الشعر ، و ذهبوا في توضيح معنى الهلهلة مذهبين أيضا :
1- فقالوا حينا : هلهل الشعر ، أي أرقه ( من الرقة).
2- وقالوا حينا آخر : هلهل القصيدة بمعنى أطالها ، وهو أوّل من يروى له قصيدة تبلغ ثلاثين بيتا
ففيما يخص القول الأول يقول الأصمعي " إنه سمي مهلهلا لأنه كان يهلهل الشعر أو يرققه و لا يحكمه "و هو قول كما نرى لا يثبت للمهلهل فضلا و هو عين ما يقوله ابن سلاّم ، حين قال إنّه " سمي مهلهلا لهلهلة شعره كهلهلة الثوب و هو اضطرابه و اختلافه ".
أمّا القول الثاني ، أي الهلهلة بمعنى الإطالة ، و إن كانت أطول قصيدة تروى للمهلهل برواية أبي علي القالي (5) تبلغ سبعة و عشرين بيتا ، وهي تبدأ بقوله :
أليتنا بذي حسم أنيري
إذا أنت انقضيت فلا تحوري
ــــــــــــــــــــــ
فإنّ هناك شاعر آخر معاصرا له و هو المرقش الأكبر ، يروي له المفضل الضبي ، فيما يرويه له من قصائد في المفضليات قصيدة تبلغ خمسة و ثلاثين بيتا وهي القصيدة التي تبدأ بقوله :
هل بالديار أن تجيب صمم
لو كان رسم ناطقا كلّم
فإذا أخذنا هلهلة الشعر بمعنى إطالة القصيدة ، فالمرقش الأكبر أحق أن يكون هو مهلهل الشعر العربي كما تقول لنا النصوص ، هذا فضلا عن أنّ قصائد المرقش الأكبر ذات مقدمات غزلية و طللية ، الأمر الذي يدعو إلى الإطالة في القصيدة ، كما أنّ هذا الأمر يثبت أنّ المرقش الأكبر قد اهتدى إلى النموذج الفني للقصيدة الجاهلية الذي استقر بعد ذاك و عرفناه لدى شعراء مرحلة المعلقات التالية لمرحلة شعراء حرب البسوس التي كان كل من الشاعرين المهلهل و المرقش من أعلامها .
أمّا فيما يخص التعليل الثاني لتسمية المهلهل ، فهو ما ذهب إليه القدماء من أنّه سمي بهذا الاسم بسبب بيت شعر قاله وهو :
لمّا توقّل في الكراع هجينهم
هلهلت أثأر مالكا أو صنبلا
وهذا أمر مألوف لدى القدماء إذ قالوا مثلا أنّ المرقش الأكبر إنما سمي بذلك لأنه قال :
الدار قـفر و الرسوم كـما
رقّش في ظهـر الأديم قلم