كم هو صعب أن تحيى في الحياة بنفس حسّاسة و قلب حسّاس جدا، كم هو صعب و صعب جدا أن تحسن و تحسن الإحسان إلي شخص لا تنتظر منه شئ ؛ و لا تحدّثك نفسك بانتظار جزاء ولو كلمة شكر؛ لأنه ليس لك نفس الجبناء الحمقي الذين يسعون إلي شراء النّاس وكلمات الثناء بحطــــام الدّنيا ،
لكن أن تحسن إلي شخص ويكون لك الشوق العظيم لتري ابتسامته والسعادة مرسومة علي شفتيه فتسعد أنت لأنّك تمكّنت من القيّام بعمل جبّــــار وهو زرع ابتسامة ولو كانت طفيفة علي شفاه شخص أحببته ؛ تحسن إليه ولا تنتظر منه جزاءا أو عطاءا أو كلمة "شكرا" بل لا تدعه حتى يراك و أنــــت تري ابتسامته ـ وذلك تواضعا منك ـ وتكتفي بأن تري تلك الابتسامة من بعيـــــــــد فقط لتدرك بينك وبين قرارة نفسك أنّك حقّـقـت مبتغاك وهو إسعاد شخصا ما ! فذلك ـ و الله ـ قمة الكرم و العطاء و التواضع... نعم هذا هو الإحسان . أن تظلّ تترقّــــب شخص يحتاج إلي شئ ما ودون أن يتكلّم بــــــه معك تبادر بتحقيق حاجته التي يسعي لها دون أن يقول لك !! فتكون سعادته حينها اثنان: الأولي لأنّه لم يشتكي فأنت ـ بفضل الله ـ لم تدعه ليدلـــــــــي بحاجته ويطلب المساعدة من أحد وذلك حفاظا منك علي كرامته ، أمّا الثانية أنّك حقّقت حاجته التي ربّما كانت عليه مستعصية ... فسعد سعادة جميلة فذلك قمّة التضحية .
ولكم تكون التضحية جميلة حينما تكون أنت وهذا الشخص في أمس الحاجة إلي تلك الحاجة وربّما تكون أنت أحوج لها منه فتؤثر بها علي نفسك له فكأنّك تقــتلعها منك لتهديها له في طبق من ذهب دون أن تتركه يحسّ عناءك و تعبك في سبيل إسعاده ؛ هذا هو إسعاد الآخرين علي حساب سعادتك ؛
فأنت في هذه الحالة أسعدت إنسانا وشقيت أنت دون أن يحسّ بك هو أو غيره وتبدو دوما سعيدا و مسرورا. هذه هي قـمّة قـمّة التضحية . إشقــــــاء نفسك و تحميلها ما لا تطيق في سبيل رسم ابتسامة طفـيفة علي شفاه إنسان ما !!
كم هو جميل وصعب في أن واحد أن تحيى كشمعة تنير درب الآخرين ودربك مظلمة ، كم صعب و جميل أن تذوب لتضئ طريق إنسان وتمسك بيده وتكون أنت في المقـدمة لتستقـــبل الصّعاب في الطريــق في سبيل حمايته و إسعاده وأنت طريقك مجهولة المبدأ و النهاية .
ما أجمل أن تبدل طاقتك التي منحك إياها الله في سبيل إنسان أحببته و في سبيل إسعاد الآخرين تقرأ أفكارهم وتعمل ـ بعون الله ـ علي إرضائهم و تحقـيق مبتغاهم لا لشئ لك ولا لأجل سماع كلمة ـ شكرـ بل فـقـط لتري ابتسامة من بعيــــــد و لا تراها بوضوح !!!
أن تؤمــن في هذه الدّنيا بأنّك لست سوي مسافــــــــر لتلقـي ـ الله ربّك ـ في طريــــــق محفوف بالأشواك و الصّعاب و الإلتواءات و الانكسارات و الأحجار و الجبال و الأنهار فتفكر تارة و تيأس أخري وتصبر و تشكر و أحيانا ربّما تجهل ـ و العياذ بالله ـ ثمّ تستغفر... وهذه سنّة الحياة و هذا هو الآدمي هكذا شأنه مع هذه الدنيا الغــــرور نحو الآخرة الغرّاء ، سفر قــــــد يـطول و قـــــــد يقـــصر ، والنهايـــــــة واحـدة لا ثانية لها و يليها بعدها قيّام و نشور فحساب .
فمالي أري الّناس أضحت تعــــبد حـــــــطام الدّنيا و نست أنّ هناك يوم لا بدّ أن ينتهي بها المآل إلي أضيق المضائق إلي ظلمة الرمــــــــــــــــــس !
فلا تكن أحقر النّاس الذي يدير لك ظهره و أنت في أمس الحاجة إلي قبضة يده.