salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: تطور الفكر التربوي الأربعاء نوفمبر 12, 2008 9:06 pm | |
| تطـور الفكـر التربـوي يحظى الفكر التربوي باهتمام متميز، كونه المنطلق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع، والمرتكز الأهم في بناء مستقبل يحقق استثمارا أمثل لمعطيات الحاضر، مجسداً من خلال ذلك تطلعات الفرد والمجتمع على حد سواء، في إطار مشروع حضاري متكامل.
وإذا كان الهدف الأساسي للفكر التربوي، هو ذلك المشروع الحضاري، فإنه يستند بالضرورة إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة، والتفاعل مع معطيات المجتمعات البشرية، على اختلاف نماذجها، زمنياً ومكانياً، من جهة أخرى. من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي العربي، مرتبطاً بالبحث في مضامين الفكر التربوي العالمي، في ماضيه وحاضره، وفي اهتماماته وتطلعاته، وفي أساليبه وأغراضه، على أن ذلك الارتباط لا يعني بأي شكل، الالتزام بتوجهات تربوية تخالف طبيعة المجتمع العربي، أو تعد غريبة بالنسبة لأبنائه، وإنما تعني التفاعل مع ما أنتجته البشرية من نظريات تخدم التوجهات العامة للشعوب، وتقع في إطار الأنسنة، بحيث يتحول هذا التفاعل باتجاه تطوير النظريات المحلية، وتعميق علاقتها مع طموحات أبناء المجتمع.
يقول د، رضوان السيد في دراسة نشرها في مجلة الفكر العربي بعنوان (جدليات التجربة التربوية التاريخية) : " تاريخ التجربة التربوية لأي أمة ـ ولأمتنا على الخصوص ـ هو تاريخ لجدليات علاقة الخاص بالعام في المجال الحضاري للأمة وثقافتها، والخاص في هذه الحالة هو مصالح وتفاصيل حياة الجماعات والفئات التي تشكل البنية الداخلية للأمة، والعام هو المنطق الداخلي الجامع للأمة في بُناها، الذي يشكل إطارها الأيديولوجي، أما العلاقة ـ من وجهة نظر العام ـ فهي علاقة شمول وجمع وضبط، والعلاقة ـ من وجهة نظر الخاص ـ هي علاقة ضغط على جوانب الإطار، ورغبة في التوافق في النهاية معه".
حدد علماء القرن التاسع الميلادي في مجال التربية الاجتماعية مبادئ خمساً سمّوها بديهيات أو مسلمات رأوا أنها المرتكز في مجال عملية ضبط الفرد في قلب فئته الاجتماعية، وضبط الفئة في قلب الجماعة، وضبط الجماعة في قلب الأمة، إنها الحقوق الخمس: حق النفس، وحق العقل، وحق الدين، وحق العرض، وحق المال، والواضح أنه وإن كانت هذه الحقوق للأفراد في فئاتهم ومجتمعاتهم فإن مجتمعهم هو مجال ممارستها، حيث لا يمكن تصور هذه الحقوق إلا في إطار الجماعة، هكذا كانت التربية في المساجد والمدارس والدور همها التنشئة على الفهم الجماعي لهذه الحقوق.
من هنا كانت النظرة للفرد تنطلق من كونه عضواً في الجماعة، فإذا فهم الأمر على غير هذا النحو وقع في «سوء استعمال الحق»، إن المنطق الداخلي للتجربة العربية هو الذي يُحدِّد المفاهيم لهذه الحقوق، وهو منطق جمعي، ولكي لا يبدو الأمر نظرياً بحتاً يمكن استلاب حق العقل والدين للنظر إليهما من وجهتي النظر الجماعية الشاملة، والنخبوية الفردانية، كما بدتا في المجرى الواقعي لصراع الأفكار في الجماعة وعليها، فقد رأى أكثر فلاسفة الإسلام أن العقل جوهر فرد وارد على الجسد والفرد من خارج ومنفصل عنه طبيعة ومصيراً، وهو سلطان الجسد والفرد فقط، هذه وظيفته وهي التدبير، بينما رأى فقهاء ومحدثون أن العقل غريزة شائعة في الجسد والإنسان داخله في صراع الغرائز، ولا تدبر الإنسان بمفردها بل يفكر الإنسان ويتصرف بوحي من توازن يقوم بين غرائزه التي يمثل العقل جزءاً منها، وكان مردود ذلك على المستوى السياسي أن رأى الفلاسفة نخبوية فئتهم هم اجتماعياً وتفوقها وانفصالها عن المجتمع، ونخبوية السلطة في المجتمع وجبريتها وانفصالها عن الناس، في حين رأى الفقهاء شيوع العقل في المجتمع كشيوعه في الفرد، وشيوع السلطة في الجماعة كشيوع العقل في المجتمع، وفي المجال الديني فإن التجربة التاريخية للأمة اعترفت بالواقع الذي ظهرت فيه دون أن تستسلم له أو تسحقه، ورأت أن هذا الواقع الديني يمكن تطويره نحو الأفضل والأكثر وحدة، لكن أفراداً وفئات صغرى رأت ابتداع فرق جديدة اجتهاداً، ومع أن التجربة التربوية الإسلامية تعلّم الالتزام بحق الدين لكل فئة، فإن مبتدعي الفرق هؤلاء لاقوا ضغوطاً شديدة من جانب الجماعة على اختلاف مذاهب فئاتها للتخلي عن بدعهم، لا لأن الديانات القائمة كانت مهددة بالجديد الطارئ بل لأن الفردانية في فهم الحق كانت تهدد بضرب المنظومة كلها عن طريق زعم العقلانية والاستئثار بالحق ونفي الآخر، إن حق الدين ـ مستغلاً بطريقة فردية ـ فشل في إنتاج ديانات فأنتج فرقاً كان همها ضرب منظومة الجماعة لكي تتمكن هي من تثبيت أقدامها والاستمرار والسيطرة اجتماعياً.
وأنتجت التجربة التربوية العربية الإسلامية أدوات وقنوات لتربية فئاتها وناشئتها على البديهيات الخمس في إطار مبدئيات العدالة والمساواة والوحدة والرحابة، فكانت الكتاتيب والمساجد والجوامع والخانات والمدارس والأربطة والخوانق تعبيرات متنوعة عن الصيرورة المتجددة للناس والتاريخ والمصالح على أرض الإسلام، وكانت دعوات التربويين تتوسل طريقة لاستيعاب الحقوق الخمس هي (كما قيل عن كتب الجاحظ) تعليم العقل أولا والعلم ثانياً، وإذا ارتبط العقل بالروح العام للجماعة باعتبار غريزتها الشائعة فيها، والمكتنه لعمقها وثرائها ورحابتها، فإن العلم كان الاسترجاع المتجدد للتجربة التاريخية للجماعة، وبداياته هي التي تحدد مرماه ومعناه، كان يبدأ تحفظاً للقرآن وتعلماً للحديث والآثار فرواية للأخبار والشعر فيكتمل استرداد التجربة الجامعة في جوانبها الدينية والتاريخية والعقلية فيتفتح عضو الجماعة عليها من ناحية، وينضبط داخلها من ناحية أخرى، فإذا تمايز عضو في جماعة أو تمايزت فئة في مستقر فإن وحدوية التجربة، ووحدوية الاسترجاع، ووحدوية الفهم للحقوق، كل ذلك كان كفيلاً بأن يبقي التمايز في حدود، ويضبط حركيته، ويوضح علله، فيضعه على جادة الاستيعاب أو الجدل أو الضغط، وهكذا فإن الوحدوية التي تميز التجربة التربوية الإسلامية تضبط من ناحية، لكنها لاتحجر من ناحية أخرى لأنها تجربة في إطار صيرورة لحركية جماعة ضخمة من الناس، ولأن مبدئياتها الخمس تحول دون التجميد باسم الوحدوية.
وهنا تبدو جوانب التجربة التربوية التاريخية للجماعة في ثلاثة مواقع : موقع وحدة التجربة من ناحية، وموقع تجددها في الإطار الشامل لصيرورة الأمة من ناحية ثانية، وموقع قدرتها على مواجهة الخارج المقتحم لرؤيتها الحضارية من ناحية أخيرة، وإذا كان لنا أن نحدد الملامح التربوية التي أنتجتها البشرية، في مختلف عصورها فإننا نشير إلى تصارع رؤيتين تربويتين : رؤيتنا التاريخية التي لخصها الإمام الغزالي بأنها عقل في شرع في جماعة، والرؤية الأخرى التي لخصها ماكس فيبر بوصفها فرداً يواجه آخر في فئة تواجه أخرى في مجتمع يواجه آخر من أجل السلطة والدولة والهيمنة على الداخل والخارج.
تطور الأفكار التربوية :
يرى عمر محمد الشيباني في كتابه (تطور النظريات والأفكار التربوية) في المجتمعات البدائية، عمليتين رئيسيتين للتربية، هما: • الإعداد للحصول على ضرورات العيش وللتكيف مع علاقات القبيلة • تدريب الفرد على عبادة الطواطم والأرواح، وهاتان العمليتان تتكاملان بما هما تلبية لحاجتي الجسد والروح. ويرى الشيباني أن مفهوم التربية في الثقافات التاريخية الأولى لم يكن واحداً، ويستند في ذلك مفهوم التربية في الصين، كنموذج من الشرق ويرى فيه سلبياً محافظاً على ما هو كائن، ومتحفظاً تجاه أي اختراق يقوم به الفرد : «وتعتبر التربية الصينية عملية تلخيص للماضي، ترمي إلى أن تركز في الفرد حياة الماضي كي لا يتخلف عنه أو يتخطاه، وهي تعمل في كل مرحلة من مراحلها على أن تحدد للفرد ما يعمل وما يشعر به وما يفكر فيه، وهي ترسم له الطريقة المثلى التي يتم بها العمل وكيفية التعبير عن انفعالاته».
أما المفهوم التربوي في الثقافة اليونانية القديمة فهو أكثر حيوية، ذلك أن هذه الثقافة «تعتبر بحث الأصل للثقافات الغربية والثقافات المعاصرة بصورة عامة»، أما اسبرطة فقد تأثرت بظروف ولاية اسبرطة الجغرافية في ذلك العصر، فهي منطقة سهلية داخلية تحيط بها الجبال من كل جانب، وانعزالها هذا دفعها لإعداد جيش قوي ونقلها من مجتمع بدائي إلى ديكتاتورية عسكرية تعمم سلطة الدولة، ولذا فقد كان المثل الأعلى التربوي هو إعداد المحاربين والتركيز على التربية البدنية، وأما الشعر والموسيقى والأناشيد فهي وسائل لتقوية الإعداد العسكري وتعزيز الروح المعنوية، وينقد أرسطو في سياساته دولة اسبرطة ومثيلاتها فيقول: «إن معظم هذه الدول العسكرية تكون في مأمن مادامت في زمن الحرب، ولكنها تفشل حينما تحصل على إمبراطوريتها، فهي في هذه الحال تصبح مثل النصل غير المستعمل الذي يفقد حدته في زمن السلم، واللوم في هذا يقع على مشرِّعيهم الذين لم يعلموهم مطلقاً كيف يعيشون في زمن الحرب».
وعند الرومان، ورثة الحضارة اليونانية القديمة، أصبحت التربية «عملية مقصودة منظمة» ولعل من أهم أعلامها : كاتو (224 ـ 149 ق، م) وشيشرون (106 ـ 43 ق، م) وكوينتليان (35 ـ 95 م) وكان هدف هؤلاء هو إعداد المواطن الروماني ليكون أهلاً لهذه المواطنية في حياته العملية.
أما التربية المسيحية فتميزت في البدء بنظام رهباني صارم يشتمل على قدر من العلم والعمل اليدوي «وكانت تتبع كل دير تقريباً مدرسة تقبل الأطفال في سن العاشرة وتستمر الدراسة فيها لمدة ثماني سنوات، يتعلم التلاميذ أثناءها القراءة والكتابة وبعض المبادئ في النحو والمنطق والبلاغة والحساب والهندسة والفلك والموسيقى». وما لبثت التربية المسيحية أن واجهت خطوتين تطوريتين: الأولى حركة لإحياء العلوم الأولى قام بها شارلمان وملوك جاءوا من بعده، واعتبرت الحركة «أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتوحيد الشعب وتحسين أحواله، ومن أجل ذلك عقدت صلة قوية بين المعرفة الدينية الروحية والتعليم الحر»، والخطوة التطورية الثانية هي الحركة الكلامية المدرسية Scholasticism التي أعلت من شأن المنطق الأرسطي واعترفت بإمكانية التوفيق بين الدين والعلم، وإن جرى الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر.
ولقد أثرت الحركة المدرسية في التربية مما ترتب عليه خروج المدرسة إلى كافة أطراف المجتمعات وفئاتها، وتوسعت المناهج «ولعل أهم وأعظم منجزات العصر الوسيط هو نشأة الجامعات الأوروبية وازدهارها، ومن أمهات هذه الجامعات الأوروبية جامعة بولونيا في إيطاليا، وجامعة باريس في فرنسا وجامعة أكسفورد في بريطانيا». وفي القرن السابع عشر الذي تميز نصفه الأول بالحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، نمت المفاهيم التربوية وتطورت نحو نزعة مؤسساتية شمولية عبرت عنها الجمعيات المسيحية التعليمية، ومن أبرزها الجمعية اليسوعية التي كان قد أسسها انياس لوايولا في باريس عام 1534 وتطورت في القرن السابع عشر. في القرن المذكور وُجدت مذاهب ثلاثة: الأول هو المذهب الإنساني الواقعي الذي نقد أتباعه النزعة الشيشيرونية، ورأوا أن الآداب الكلاسيكية ليست مطلوبة بحد ذاتها إنما هي وسيلة لكسب المعرفة، وبالتالي تحقيق إنماء الفرد، ومن أبرز أتباع هذه المذهب، الشاعر الإنكليزي جون ملتون الذي قال: «إني اعتبر التربية الكاملة الصالحة هي التي تعد الرجل لأداء جميع الأعمال، الخاص منه والعام بعدل وإحكام في أيام السلم والحرب»، وقد وضع ملتون منهجاً دراسياً قسم فيه مواد التدريس بحسب أعمار المتعلمين.
والمذهب الثاني هو المذهب الاجتماعي الواقعي الذي يرى التربية وسيلة لإعداد «الجنتلمان» أي الرجل المتعلم المهذب أي الناجح اجتماعياً، وقد ركز أتباع هذا المذهب على ضرورة الرحلات والأسفار استعداداً لحياة عملية سعيدة وناجحة. أما المذهب الثالث فهو المذهب الحسي الواقعي الذي قدم بذوراً حقيقية للتربية الحديثة، وقام على احترام العلوم الطبيعية واستخدام المناهج العلمية للمعرفة، هذا المذهب يعتمد الوسيلة الحسية في الإدراك ويرى ضرورة تحقيق إنماء شامل للطفل، وأتباع المذهب هم أول من نادى بطريقة الاستقراء في عملية التعليم، وكان من أبرز مفكريه فرانسيس بيكون (1561 ـ 1626) الفيلسوف التجريبي الذي آمن بهدف عملي للمعرفة ورأى أن عدة عقبات تحول بين العقل البشري والمعرفة، ومن أبرزها: «أوهام القبيلة» وهي الإرث الجماعي القديم عند الفرد و «أوهام الكهف» وهي ميول الفرد الخاصة و«أوهام السوق» وهي تقاليد الجماعة وقصور وسائل الاتصال اللغوي و«أوهام المسرح» وهي العقبات العقيدية، ورأى بيكون أيضاً أن المنهج الاستقرائي التجريبي هو المنهج الناجع لدراسة الطبيعة والعلوم التجريبية. وفي القرن السابع عشر برزت أيضاً نزعة التهذيب الشكلي في التربية، ويعتقد أصحاب هذه النزعة أن التربية هي وسيلة لتدريب الملكات النفسية وتهذيبها، وليست الذات الإنسانية سوى مجموعة من الملكات يجب تدريب كلٍّ منها على حدة باعتباره وحدة مستقلة.
وحفل القرن التاسع عشر بنظريات تربوية هامة، وأثر في تطور التربية إلى هذا الحد عوامل منها، جهود المفكرين السابقين وتطور الطرق العلمية بما يجعلها تشمل ميادين الدراسات النفسية والتربوية، والتوسع في مجالات التعليم مع الثورة الصناعية، والنظر إلى التربية باعتبارها وسيلة لإعداد المواطن الصالح. | |
|
salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: رد: تطور الفكر التربوي الأربعاء نوفمبر 12, 2008 9:10 pm | |
| آراء في التربية :
كانت التربية وما تزال، تستحوذ اهتمامات العلماء، وفي هذا ما يدعونا إلى الاطلاع، لتحقيق مزيد من التفاعل بين رؤية الماضي ورؤية الحاضر:
أفلاطون: من أقدم الفلاسفة الذين عنوا بالتربية وكتبوا عنها الفيلسوف اليوناني أفلاطون، فقد بين في كتاب الجمهورية النظام التربوي الذي يختاره لمدينته الفاضلة، وغرض التربية عنده هو أن يصبح الفرد عضواً صالحاً في المجتمع، وتربية الفرد ليست غاية في ذاتها وإنما هي غاية بالنسبة للغاية الكبرى، وهي نجاح المجتمع وسعادته، وهو يرى أن صلاح الفرد لا يكون إلا بمعرفته الخير وتقديره إياه.
أرسطو: يرى أرسطو أن الغرض من التربية هو أن يستطيع الفرد عمل كل ما هو مفيد وضروري في الحرب والسلم، وأن يقوم بما هو نبيل وخير من الأعمال، وبذلك يصل الفرد إلى حالة السعادة.
فيتورينو دافلتر: من أشهر المربين الإيطاليين في عصر النهضة وهو يرى أن الغرض من التربية هو تنمية الفرد من جميع نواحيه العقلية والخلقية والجسمية لا لمهنة، ولكن ليكون مواطناً صالحاً، مفيداً لمجتمعه قادراً على أداء الواجب العام والخاص، وهذا الغرض شبيه بما ننادي به في القرن العشرين.
فرانسيس بيكون: فيلسوف انجليزي كتب في مواضيع شتى، وغرض التربية عنده هو أن يعود الفرد على طريقة الوصول إلى المعارف، لا أن يجمع المعارف بأية طريقة كانت، وقد استخدم بيكون لهذا الغرض نوعاً جديداً من الأسلوب العلمي وهو الاستقراء.
جون كومنيوس: وهو احد رجال الدين، ولد وعاش في مورافيا، وقد أثرت تربيته وحياته الدينية في آرائه التربوية، والغرض من التربية، يرى كومنيوس أن النهاية التي يرمي إليها الإنسان هي السعادة الأبدية عند الله، وعلى هذا يجب أن يكون الغرض من التربية تحقيق هذه السعادة، ولايتم ذلك إلا بالتخلص من الرغبات الفطرية، ومقاومة الغرائز وتزويد الفرد بالرياضة العقلية والخلقية التي توصله إلى هدفه، وبقدرة الفرد على ضبط نفسه الذي يتم عن طريق المعرفة، وعلى هذا أيضاً كان الغرض عنده تحصيل المعرفة والفضيلة والصلاح، وهذا الغرض يشبه ما كانت عليه التربية في الأزهر، حتى عهوده الأخيرة.
جون لوك: وهو من أنصار المذهب التهذيبي، ويرى أن التربية لها أغراض ثلاثة: وهي التربية الجسمية التي ترمي إلى تقوية الجسم ونشاطه، والتربية العقلية التي ترمي إلى تزويد العقل بالمعرفة، والتربية الخلقية التي ترمي إلى غرس الفضيلة في النفوس.
جان جاك روسو: هو زعيم المذهب الطبيعي الذي نقل مركز اهتمام التربية إلى طبيعة الطفل وميوله، والغرض من التربية عنده هو تكوين رجال كاملين، لا تكوين مجرد أعضاء في مجتمع.
بستالوتزي: وهو من رجالات التربية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والغرض من التربية عنده هو إعداد الإنسان للقيام بواجباته المختلفة في الحياة، فهو إذن يهدف إلى غرض عملي اجتماعي، يجمع بين إعداد الفرد، وبين حاجاته في المجتمع الذي يعيش فيه.
هربرت سبنسر: والغرض من التربية عنده هو إعداد الفرد لحياة كاملة، أما عناصر الحياة الكاملة فهي تزويد الفرد بتربية صحيحة، وتربية مهنية، وتربية عائلية، وتربية وطنية، وتربية استجمامية.
التربية عند ديوي: فقد آمن ديوي بأن «التربية هي الحياة نفسها وليست مجرد إعداد للحياة، وهي عملية نمو وعملية تعلّم وعملية بناء وتجديد مستمرين للخبرة، وعملية اجتماعية، ولتكون التربية عملية حياة لا بد أن ترتبط بشؤون الحياة، ولتكون عملية نمو وعملية تعلم وعملية اكتساب لخبرة لابد أن تراعى فيها شروط النمو وشروط التعلم وشروط اكتساب الخبرة، ولتكون عملية اجتماعية لابد أن تتضمن تفاعلاً اجتماعياً ولابد أن تتم في جو ديمقراطي وجو اجتماعي صالح». إن عامل الخبرة هو الأساس في العملية التربوية عند ديوي وفي جميع نصوصه التربوية يرد هذان التعبيران: «الخبرة والمهارة»، إن الخبرة لديه هي وسيلة للتربية، وينبغي أن تتميز الخبرة بالاستمرار، ولقد أهمل ديوي ذكر أهداف التربية، ذلك أن المتعلم في رأيه هو الذي يشارك مشاركة أساسية في تعيين هذه الأهداف، وهنا تبرز نزعته الديمقراطية التي ترى أن غرض التربية هو تحقيق ذاتها، وما سوى ذلك فهو قرار يشترك في صياغته أطراف العملية التربوية جميعاً.
واعتبر ديوي أن المنهج التربوي يستند إلى أن مركز الاهتمام هو خبرات التلميذ ومهاراته، وربط هذه الخبرات داخل المدرسة وخارجها ومراعاة الفروق الفردية، يقول: إن التعليم الفعّال يتحقق عندما يكون الشيء المراد تعلمه يعني شيئاً بالنسبة للمتعلم.
التربية عند آلان : يوازن الفيلسوف الفرنسي آلان بين المألوف التربوي والمطلوب الإنساني، معلناً لا إنسانية «المألوف» مركزاً على أولوية التعلُّم، مشيراً إلى أن هذا كشف واكتشاف لكنوز وخبايا، فهو مثلاً يتساءل «كيف تتعلم إحدى اللغات؟»، ثم يجيب «بمؤلفيها الكبار لا غير، وبالجمل المرصوفة جداً، الغنية جداً، العميقة جداً، لا بترهات مبادئ المحادثة»، وغاية العلم الأولى هي تطور العقل الإنساني وإغناؤه باستمرار، ومعنى ذلك أن على العقل التخصص أي التثقف في شيء معين، بدلاً من اللهث وراء كل شيء، فتكون الحصيلة المعرفة مألوفاً عاماً لا يساعد على التقدم في العمق، وعلى هذا، يكون دور المدرسة مقرِّراً: «إن المدرسة مكان رائع» يقول آلان ـ ويضيف: «ولا استصوب أبداً أن تعلّق أشياء للنظر ولو كانت جميلة، لأن الانتباه يجب أن يلفت إلى العمل، ليقرأ الطفل او ليكتب أو ليحسب، إن هذا العمل المجرَّد هو عالمه الصغير الذي يجب أن يكفيه»، ويحسم آلان تحديد دور المدرسة بالعمل، فالعمل عنده هو المؤدي التربوي، وهو بذلك المؤدي الصعب إن لم نقل الأصعب والأخطر، ويترتب على ذلك تعيين مهنة الطالب بالعمل الصعب، وتعيين مهنة المربي بوصل الأفكار الجديدة بالقديمة، وتتقاطع المهنتان هاتان فيما يسميه آلان مدرسة الشعور أي المدرسة الطبيعية كالأسرة، والمختلفة عنها في آن، المدرسة التي تطور كمالها الذاتي بنفسها. من جهة ثانية، ينتقد آلان السلوك الطفولي لدى الكبار، فيرسم صورة المعلم اللامبالي، القوي بذلك كأنه المُناخ، ويشير إلى ظهور العدالة التي تفوق المحبة في المدرسة، فالفعل التربوي، بنظر آلان، هو فعلٌ وجوبيٌ، ضروري ولا مجال للمخادعة أمام الضرورة، ومن الضرورات هذه أن يتنبه الكبار لنوع علاقتهم بالصغار: «إن على كبار الأشخاص ألا يلعبوا قط مع الأولاد، ويخيل إلي أن الموقف الأكثر تعقلاً هو التزام الأدب والتحفظ معهم على نحو ما يكون مع الشعب الأجنبي، عندما يجد الطفل نفسه منفصلاً عن أطفال في مثل عمره، فإنه لا يلعب جيداً إلا وحده»، وينفي آلان وجود الفكر الحق خارج المدرسة بمعناها التعلُّمي الأوسع، ويقابل الهندسة بالشعر، بوصفهما مفتاحين للنظام في الطبيعة وفي النفس، مادحاً التناظم الإنساني الشامل للعقل والشعور في آن واحد. أما المعلِّم الأكبر، الأول، فهو الخبرة في كل حال، لأن الحقيقة تحقق، وما تبرزه الخبرة حقيقياً، وصحيحاً يكتسب مصداقيته من وقوعه واختباره، والمتعلّم، الذي تصاغ شخصيته في الحضور المتصل بالماضي، يحتاج دائماً وأبداً إلى المستقبل، أي إلى الانطلاق من المعطى المحدد إلى اللامحدد، الآتي، ويحذر آلان مما يتعلمه الجمهور على نحو خاطئ، لأن الجمهور «يتخيل أن الحقيقة الأخيرة هي التي تلائمه، ولكن الحقيقة لا يمكن أن تفرغ هكذا من فكر إلى آخر، وهي ليست شيئاً إزاء ذلك الذي لم يكتسبها ابتداءً من الظواهر...» وينتقد آلان الاتجاه المشدّد على معرفة العالم للمتعلم، مفضلاً على ذلك «معرفة ماذا نعلّم» بوصفها هي الأهم في العملية التعليمية.
ويصل آلان إلى مقولة هامة تقول بجماعية أو اجتماعية التربية، وحاجة الإنسان الدائمة إلى محيطه الإنساني، حيث التحاور والتخاطب بين البشر يولّد عندهم عوامل التغيّر البطيء، المتصاعد، أو الطفرة، وينصح آلان باستشفاف الإنسان في سبيل معرفته، يقول: «إذا أردتم ان تعرفوا إنساناً فيجب أولاً أن تُجالسوه، وان توقفوا موجات الحرارة أو البرد، والضجيج المسيء ابتداءً من صوتك أنت، وبالتالي أن تزيح جميع العقبات الصغيرة المعيقة، وبعد ذلك تجد الطبيعة الثابتة..» ثم يعقد مقارنة أدبية فريدة بين تاريخ الأفكار (العقول) وتاريخ الأدوات (الأيدي)، مبرزاً وسيلتين للثقة بالنفس: التدريب والتعليم كنقيضين، فالتعلم لا يفوق المعرفة، لأن فيه كثيراً من التقليد، وصورته الآلة التي توجه إليه وكأن التعلم يد آلية، أما مصدر الثقة، مرجعها الاجتماعي، فاثنان: المدرسة والمصنع، المدرسة تجعل الإنسان يثق بنفسه، والمصنع يجعله لا يثق بنفسه أبداً، وبهذا النمط التقريري أيضاً، يطرح آلان مسلسلاً مألوفاً من الشعارات التربوية مثل «السير من المعلوم إلى المجهول» «من البسيط والمجرّد إلى الحسي والفردي»، «كل معرفة حقيقية اختبار» الخ، ثم يميِّز بين مهنة المعلم ومهنة المفتش، مظهراً أن الأخير يتولى التحقق من كون التلامذة تعلّموا شيئاً، ومن كون المعلم يعلّم، ويحرِّض على القراءة بالنظر، ويشجع على الإملاء الذاتي (الإملاء الصامت)، والسلوك العرفي والعادي في التعلُّم، لأن «الشذوذ يحرّض على الفتنة والرعب حول الإنسان وفي الإنسان..، فيجب إذن على الإنسان أن يلبس تبعاً للعرف، ويسلّم تبعاً للعادة، ويتحدث ولا يصيح، ويكتب في النهاية تبعاً لأصول الإملاء: يقال: «إن ضبط الإملاء عسير، ولكن الرقص والتأدب عسيران أيضاً، إنهما مفيدان عندما يعرفهما الإنسان ومفيدان، كذلك، عندما يتعلَّمهما».
| |
|