salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: مفهوم التصوف و الطرقية في الإسلام الإثنين نوفمبر 03, 2008 1:28 am | |
| مفهوم التصوف و الطرقية في الإسلام وموقف عبد الحميد بن باديس منهما [[bا – معني التصوف: من الأسماء الاصطلاحية المحدثة [/b] -علميا :- التصوف هو ما يتعلق بأعمال القلوب ، كالزهد و الصبر والرضا من الأحكام. - عمليا :- التصوف هو تهذيب الأخلاق و ترويض النفوس على التخلي عن كل رذيلة ؛ و التحلي بكل فضيلة ؛ مع ملازمة السنة و دوام الإخلاص. و يعرف ابن خلدون التصوف ، يقول :هو» حمل المريد (أي الفرد) على مقتضى الإيمان بمجاهدة النفس و محاسبتها في سائر الأعمال و الترقي بها من مقام الى مقام، الى أن ينتهي الى التوحيد و المعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة».
ب – معنى الطرقية:
في معنى الطرقية ورد مقال في مجلة الشهاب يقول: والطرقي عرفا من أسلم وجهه لشيخ مبتدع و اتخذه ربا يستمد منه الرزق و الشفاء والنصر على الأعداء، و هداية القلوب، و تفريج الكروب، و يعوذ به فيما يحاذره، و يلوذ به فيما يؤمله، و اتخذه بذلك إلها ثم هو مطيع له فيما أمر، و منتهٍ عما عنه زجر، و لو أمره بفعل ما علم من الدين بالضرورة أن الله حرمه و رسوله كقتل الوالد المسلم كما في حكاية دباغية؛ حاصلها أن شيخا أمر مريدا له أن يقتل أباه و يأتيه برأسه يمتحنه بذلك، فاستحل المريد الجاهل ما حرم الله من قتل أبيه بأمر طاغوته و أقدم على قتل والده، و كان ذلك ليلا فتسور الجدار و هجم على غرفة أبيه بغير إذن، فرأى أباه يباشر أمه فوثب عليه و حزّ رأسه و أتى به شيخه إلهه؛ فقال الشيخ: ما هذا؟ فأخبره أنه رأس أبيه ، فارتاع الشيخ و قال : تقدم على قتل أبيك لكلمة قلتها ممازحا لك! فقال المريد: أوامرك عندي كلها جدّ ما فيها هزل – قال – ففتح عليه في الحين ، ثم قال له : أوقد السراج ، فأوقده ، فإذا رأس كافر كان الشيخ قد كوشف بأنه ذهب يخون أبا مريده في أهله. فذمي متوجه إلى الطرقي المتعارف في هذه الأزمنة المنعوت بتلك النعوت كائنا من كان. ثم التسمي بالطرقي و انقسام الناس إلى قادري و رفاعي و تجارني و نقشبندي ونحو ذلك من البدع المنكرة لو كان وحده؛ فكيف وهو أخف بلائهم دليله أن الله سمانا المسلمين والحنفاء و قال: «أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه» فلا يجوز لنا التفرق في الدين و إحداث أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، و أيضا أمرنا باتباع المهاجرين و الأنصار، ولم يكن ذلك فيهم ففاعله غير طريقهم سالك، متبع للسبل زائغ هالك.
و لولا حمية الجاهلية التي أخذت المعترك ما أتى بتلك المغالطة الباردة، فهناك نصوص و قرائن لا يبقى معها شك في أني ما أردت بالذم من يتبع طريقة النبي (ص) و طريقة الخلفاء الراشدين و التابعين و الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم أجمعين، و كيف أذمها وإليها أدعو و فيها أوالي و عليها أعادي و أعادي بل ما عاداني هذا السبلي إلا لتمسكي بها. وإذ تبين أن المقصود بالذم هو الطرقي المتعارف الذي بينت في مقالتي ( هل فيهم رجل رشيد) نفسها أوصافه و نعوته فإنا و جميع أهل السنة ملتزمون ما ألزمني به من أن كل طرقي مبتدع و كل مبتدع ضال إلى آخر قياسه.
لعمرك إن الطريقة في تصميم حقيقتها احتكار لاستغلال المواهب و القوى، واستعمار بمعناه العصري الواسع، و استعباد بأفظع صوره و مظاهره. وما ضر هؤلاء الأشياخ – و قد دانت لهم الأمة و ألقت إليهم يد الطاعة و مكنتهم من أعراضها و أموالها – أن يأخذوا أموالها سارقين، ثم يورثونها أولادا لهم فاسقين، يبددونها في الخمور و الفجور، و السيارات و الملابس و القصور. ما ضرهم أن تهزل الأمة إذا سمنوا؟ ما ضرهم إذا فسدت أخلاقها ما دام خلق البذل والطاعة لهم صحيحا؟ ما ضرهم أ، تتفرق كلمة الأمة ما دامت مجمعة على تعظيمهم واحترامهم، و مغضية على شرهم و إجرامهم؟ و لكن الذي يضيرهم و يقض مضاجعهم هو أ، ترتفع كلمة حق بكشف مخازيهم وحيلهم الشيطانية، و تنفير الناس منهم و تحذيرهم من إفكهم و باطلهم، فهنالك تقوم قيامتهم وينادون بالويل و الثبور، و يقاومون بما لا يخرج عن طريقهم في التضليل ودس الدسائس، ويبلغ بهم الحال أن يتناسوا الفوارق الطرقية بينهم و المنافسات الاستعمارية و الأحقاد القديمة، و يتصافحوا على ( الزردة ) و يتقاسموا و لكن لا بأسماء أشياخهم، خشية أن تثور الثوائر الكامنة فيحبط ما صنعوا ... لأن هذه النقطة ليست محل تسليم.
ج – موقف الإسلام من الطرقية: قال المعترض فيما رد به قولي في مقالتي (هل فيهم رجل رشيد؟) و كيف يتصور أن يكون الشخص طرقيا و هو كذلك أي متبع غير مبتدع عالم بخفيات الشرك متجنب لها: ماذا ينتج من لوازم هذه الجملة و هذه المقدمات يا ترى و نظمها هكذا كل طرقي مبتدع وكل مبتدع ضال و كل ضلالة في النار ينتج كل طرقي في النار أه. أقول لفظ الطرقي لغة صالح أن يفسر بالمهتدي و بالضال فإذا كانت النسبة إلى الطريقة التي قال الله فيها و إن لو استقاموا على الطريقة لأستقيناهم ماء غدقا و قوله عز وجل يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم فالمتمسك بهذه الطريقة هو المفلح السعيد و هذه الطريقة هي المعبر عنها بالصراط المستقيم في فاتحة الكتاب في غير ما آية. قال عبد الله بن مسعود الصراط المستقيم هو ما تركنا عليه رسول الله (ص) و عنه قال: خط لنا رسول الله (ص) خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه و عن شماله و قال هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الآية رواه أحمد والنسائي و الدارمي وصور بعض شراح الحديث الخط المذكور بهذه الصورة.
وقال في شرح هذا الحديث عنه قوله الآية أي (و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) و المراد بالطرق الأديان المختلفة و الطرق الزائغة و محدثات الأمور و نحوها مما لم يجئ به رسول الله و لم ينزل به من الله سلطان و الحديث تفسير لقوله تعالى إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم فتقرر بهذا أن سبيل الله و الصراط المستقيم اتباع الكتاب و السنة و أن ما خالفهما كائنا ما كان فهو من سبل الشيطان أه. و قد آن لنا أن نسأل الطرقيين أهذه الحالة التي أنتم عليها هي ما كان عليه النبي (ص) وأصحابه و التابعون و الأئمة المجتهدون؟ فإن قالوا نعم جاهروا بالكذب و نسألهم ما هي طريقة أبي بكر و ما هي طريقة عمر و ما هي طريقة عثمان و ما طريقة علي وأين كانت زواياهم و طيف كانوا يلقنون العهود و ما هي أورادهم و هل تعتقدون فيهم إنهم كانوا يحدثون في الدين كما تحدثون؟ و كذلك يقال في التابعين و الأئمة المجهدين فلا يكون لهم جواب إلا أن يعتمدوا بنات غي فيزدادوا إثماو إن اعترفوا أنهم أحدثوا رسوما و ناموسا لم يكن عليها السلف و اختلفوا في ذلك حتى عادى بعضهم بعضا و صاروا يروون عن النبي (ص) المتناقضات يقظة بزعمهم تبين واضح و شهدوا على أنفسهم متبعو سبل الشيطان فتفرقت بهم عن سبل الله و نحن لا ذنب لنا عندهم إلا أننا ندعوهم إلى الرجوع إلى سبيل الله الصراط المستقيم و قل اعملوا على مكانتكم إنا عاملون منتظرون.
و يعبر عن الطريق المستقيم أيضا بالسنة كما في حديث العرباض بن سارية فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجد و إياكم و محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه الترمدي و صححه ابن ماجه .و معلوم أن الصحابة و سائر أهل القرون الثلاثة المفضلة لم يحدثوا شيئا من هذه الطرائق بل كانوا على الصراط المستقيم و إنما حدثت الطرائق في القرون المذمومة على لسان النبي (ص) فبان إنها من سبل الشيطان التي هي محدثات الأمور. و عبر عنها بالبيضاء و الحنيفية السمحة و ملة إبراهيم في أحاديث.فتأملوا رحمكم الله عبارات الكتاب و السنة عن الصراط المستقيم بالطريقة و الطريق و السبيل و السنة والبيضاء و ملة إبراهيم و كلها بالأفراد سواء أضيفت إلى المفرد كسنتي أو إلى الجمع كسنة الخلفاء. فرغبنا الله و رسوله في اتباع طريقة النبي (ص) و نهانا عن السبل المتفرقة و الطرق المختلفة و سنن الذين من قبلنا و ذمها الله تعالى ورسوله في الكتاب و السنة فهي التي نذم ونذم من اتبعها و من تولى أهلها و نبغضهم و نعاديهم في الله و مع ذلك و مع ذلك لا نألو جهدا في إرشادهم و نصحهم و إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة و يحي من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم. فنعالج أدواءهم و نصبر منهم على الأذى و نغمض الجفن على القذى و أما قوله تعالى و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فقال ابن عباس و الذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا و فسرت بالعلم و العمل قاله الفضيل ابن عياض و فسرت بسبل الجنة قاله سهل ابن عبد الله.
و على كل فليس المراد بالسبل هذه الطرائق القدد المحدثة بل هي من سبل الشيطان. و الحقيقة أن الطرقيين أرادوا أن يصبغوا طرقهم بالقدسية الدينية فانتحلوا لها هذه الأباطيل و أعطوها خصائص الدين كلها. ألم تر أنهم يعدون الخروج من طريقة و لو إلى طريقة أخرى كالارتداد عن الدين يموت فاعله على سوء الخاتمة قبحهم الله؟ فما هو إلا خروج من ضلالة إما إلى هدى وإما إلى ضلالة أبشع.
و لما فضحناهم من هذه النواحي كلها لجأوا إلى العامة يستصرخونها باسم الغيرة على الأوائل ... و أن كثير منهم ليعني بالأوائل أباه القريب و جده. و قد كان في هؤلاء الأوائل الذين يعنونهم من ينتحل ظواهر من التدين، و فيهم الشعراء المتزلفون، و ينشدونها بين أيديهم في محافلهم العامة، و فيها ما هو الكفر أو دونه الكفر من وصفهم بالتصرف في السموات و الأرضين، و قدرتهم على الإغناء و الإفقار وإدخال الجنة والإنقاذ من النار. دع عنك المبالغات التي قد تغتفر، كل ذلك و هم ساكتون، بل يعجبون لذلك و يطربون، ويثيبون المادح علما منهم أن ذلك المديح دعاية مثمرة تجلب التباع وتدر المال. و لو كانوا على شيء من الدين لما رضوا أن يسمعوا تلك الأماديح و هم يعلمون كذبها من أنفسهم، و يعلمون أن فيها تضليلا للعامة و تغريرا بعقائدها، و أ، تلك الأماديح المنشورة بين الناس في وطننا هذا هي سر انتشار الطرقية و تغولها فيه، و قد سمعنا الكثير منها و لنا فيها و فيمن قيلت فيه فلسفة خاصة، سنفردها بالكتابة في فرصة أخرى إنشاء الله. و بالجملة، فهذا الطراز الطرقي الذي أدركناه من آباء وأبناء يجمعهم قولك طلاب دنيا وعباد شهوات، و لو أكلوا أموال الناس بالباطل من غير أن يتخذوا الدين شباكا لهان أمرهم على الناس و لا تقوهم بما يتقون به اللصوص، و لو كلناهم نحن إلى القوانين و الوزعة. فأما أن يعبثوا بالدين كل هذا العبث، و بما حرم الله من أعراض المسلمين و أحوالهم ثم يريدون أن نسكت عنهم كما سكت العلماء من قبلنا، فلا و الله و لا كرامة. ولعل أسخف طور مر على الطرقية في تاريخها هو هذا الطور الأخير. فقد أصبح من أحكامها أن شيخ الطريقة لا يلد إلا شيخ طريقة. وهم – قطع الله دابرهم – لا يعرفون من السنة إلا تناكحوا تناسلوا إلخ، فكثر نسلهم وكثرت بكثرته (مشائخ الطرق)، و أصبح أمر هذه المشيخة لا يتوقف على تربية و لا تسليك و لا إجازة، و إنما يتوقف على قاعدة (خبز الأب للإبن ) أو على شيء آخر وهو التولية الحكومية مثل ما نعلم عن مصر و تونس و الجزائر من صدور الإرادات السنية و الأوامر العلية و المراسيم الحكومية بولاية المشيخة الطرقية. فيا للسخرية ... إننا لا نحمل لهؤلاء المشائخ و لا لأولادهم و لا لأحفادهم حقدا و لا نضطغن عليهم شيئا، و لا ننفس عليهم مالا من الأمة ابتزوه، و لا جاها على حسابها أحرزوه، و ليس بيننا و بينهم ترات قديمة ، ولا ذحول متوارثة، و لا طوائل، مغرومة، وإنما هو الغضب لله ولدينه و حرماته انطقنا فقلنا، و شنناها غارة شعواء على الآباء و الأبناء، ما دام هذا الغصن من تلك الشجرة.
و قد كان حال المصلحين مع الطرق ما علمه القارئ من الفصول السابقة، فلما تأسست جمعية العلماء لم يزيدوا على تلك الحال و لم ينقصوا منها، لأن هؤلاء المصلحين لا يعملون – مسالمين و محاربين – إلا عن إيمان وعقيدة، و عقيدتهم في الطرق هي أنها علة العلل في الإفساد و منبع الشرور، و أن كل ما هو متفش في الأمة من ابتداع في الدين، و ضلال في العقيدة، و جهل بكل شيء، و غفلة عن الحياة، و إلحاد في الناشئة، فمنشؤه من الطرق ومرجعه إليها.
| |
|
salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: رد: مفهوم التصوف و الطرقية في الإسلام الإثنين نوفمبر 03, 2008 1:30 am | |
| موقف ابن باديس من التصوف و من الطرقية: و أما في الإصلاح فإننا ندعو إخواننا المسلمين إلى الرجوع إلى الهداية الإسلامية كما جاء بها محمد (ص) خالصة نقية مما أحدثه فيها المحدثون في العقائد و الأقوال و الأعمال، داعية إلى الزكاء النفسي، و الكمال الخلقي، و التفكير العلمي، و الرقي العمراني، والعدل الاجتماعي، بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يهلك عليها إلا هالك. و ندعوهم إلى أن يطلبوا هذه الهداية في القرآن الذي هو كتاب الإسلام، و سنة محمد (ص) من أقواله و أفعاله و أحواله وسيره، التي هي بيان للكتاب، و سيرة السلف الصالح في فهمهما و العمل بهما، فإنهم – و الله – أصح إفهاما، بفطرتهم العربية و مجالستهم للنبي(ص) أو قرب زمانهم به، و أصفى أذهانا، و أقوى إيمانا، و أزكى نفوسا، و أطهر قلوبا وأقل تكلفا. وإذا اختلفوا – و ما أقل اختلافهم في الهدى، و إنما يختلفون في الأحكام – رددنا الخلاف إلى الله و رسوله: إلى الكتاب و السنة، كما كانوا هم يفعلون. و ندعوهم بمقتضى ما تقدم إلى طرح كل البدع و المحدثات في الدين، التي دنست محياه الجميل، و أوجدت للطاعنين عليه من أعدائه السبيل، و حالت بينه وبين من يمكن اهتداؤه إليه – لو رآنا نمثله حقيقة – من غير أبنائه، و صرفت عنه كثير من المتعلمين تعلما عصريا من أبنائه، وعادت إلينا – ماديا و أدبيا- بالأضرار التي يضيق عن تعدادها المقام. و لما كانت الطرائق المنتسبة إلى التصوف في حالتها المشاهدة تعج بهذه البدع عجا، والمتمسكون بها يعتقدون اعتقادا جزما، أنها هي الدين بل خلاصة الدين قطعا، و أن ما خالف ما هم عليه هو البدعة شرعا، و كان من ورائهم المتعيشون عليهم، المستغلون لجهلهم، يدعونهم في هذا الضلال دعاء، و يصدونهم عن أهل العلم – إلا من سكت عنهم أو أيدهم – منعا. صمدت هذه الصحيفة لهم تدعوهم إلى الهداية الإسلامية الحقة، على الطريقة التي مضى بيانها، و لو شاء الله و استمعوا لها لانقلبت زواياهم معاهد دينية حقيقية تدرس فيها علوم الإسلام، و طرائقهم جمعيات خيرية تخدم المسلمين من ناحية الدين، و لكن أنى يكون ذلك وتلك الأموال عليها يعيش و ينعم غالب أبناء الشيوخ، و بين تلك الطرائق من المنافسات والمنازعات ما يفضي في بعض الجهات إلى مشاجرات و مقاطعات تسيل فيها الدماء و تذهب فيها الرواح.
ضج المتعيشون من الزوايا و الطرائق من هذه الدعوة و كبر عليهم وقعها، و خافوا على رياستهم المبنية على الجهل و الخرافة أن يتصدع من العلم الصحيح ركنها، وعلى تلك الأموال التي أفقروا باغتصابها الأمة و زاحموا أو عطلوا مجابي الحكومة أن ينضب معينها، فأخذوا يرمون الدعوة الإصلاحية بالعظائم عند الأمة و حكومتها، من التقول عليها، و التشويه لسمعتها، و التحريف لكلماتها، و التضليل عن غايتها و يبذلون كل ما لديهم من قوة، تارة في أفانين الإفك، و أخرى في وسائل الفتك، للقضاء على دعاتها، ولما ظهرت على أنوار الحق ظلمات ظلالتهم، و اندحرت أمام (شهب) كتاب (الإصلاح) شياطين بدعتهم، طفقوا يحتجون لأنفسهم بذكر من ينتمون إليه من شيوخهم رحمهم الله من مؤسسي الزوايا في زمان غير هذا الزمان، و على حال نقطع أنها كانت في الجملة على غير ما هي عليه الآن و يتعالى بهم اللجاج و الادعاء إلى ذكر شيوخ الزهد الأقدمين عليهم الرضوان.
و إذا عرض كاتب من كتاب هذه الصحيفة لما نسب لأولئك الشيوخ عليهم الرحمة من أقوال و أفعال لينظر في سند ثبوتها إلى من نسبت إليه، و ليزنها بميزان العدل الديني من كتاب الله و سنة رسوله كما أمر الله في كتابه – صاحوا به! هذا نبش للقبور، هذا كلام في الأموات، هذا إنكار للتصوف من أصله، هذا إنكار على الأئمة المتقدمين. و يا سبحان الله! هذه كتب العلماء – سلفهم و خلفهم – في التفسير، في الحديث رواية ودراية، في الفقه أحكاما و أعمالا بدنية و قلبية – كلها ملأى ببحث أقوال و أفعال من تقدم مما يقتدى به فيه، و يتابع عليه، و لم يكن ذلك عندهم – و فيهم القدوة الحسنة – محل عبث و لا إنكار، بل قد صحت عن جمع من أتمه العلم و الزهد و الوصاية بعرض ما يجيء عنهم على الكتاب و السنة ليقبل ما وافق و يرد ما خالف، و قبل هذه الوصاية منهم كان الأصل الذي هو معتمد الجميع: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول و إن منتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا) فنحن – بحمد الله – أسعد بكتاب الله و وصاية عباد الله الصالحين منكم. إن كنتم تعلمون.
ثم هاتوا لنا لفظ التصوف و معناه. فقد طال تعاظمكم على العامة ومخادعتكم لهم بانتسابكم إلى أهله. و أنتم أبعد الناس عن أصل من أول الأصول المقررة فيه وهو الزهد فيما في أيدي الناس. و أنتم – و لا نكران – أحرص الناس على ما في يد الغير و أشرههم إليه. إلا من ندر منكم. و أنا لا أعرف هذا النادر إن كان. طال تعاظمكم هذا كما طال تنفيركم للعامة عن المصلحين بأنهم ينكرونه من أصله. وأنتم كلكم أو جلكم لا تعرفون ما ينكرون و ما يثبتون و تكادون لا تفقهون ما يقولون أو تعاندون فيما تفهمون.
التصوف - يا إخواننا – من الأسماء الاصطلاحية المحدثة. أراد به قوم و-علميا – ما يتعلق بأعمال القلوب كالزهد و الصبر و الرضاء من الأحكام و – عمليا – تهذيب الأخلاق و ترويض النفوس على التخلي عن كل رذيلة، و التحلي بكل فضيلة، مع ملازمة السنة ودوام الإخلاص. وهذا معنى إسلامي صحيح، مبثوث في آيات القرآن وفي كتب الأثر، ككتاب الدب وكتاب الاعتصام من الجامع الصحيح و غيرهما من الوجهة العلمية، و فيما ثبت من سيرة النبي (ص) و سيرة أصحابه من الوجهة العلمية، و المتكلمون فيه – من الذين ثبتا علمهم و عدالتهم – يتفقون و يختلفون و يصيبون و يخطئون، و إلى الله و رسوله يرد خلافهم كما يرد خلاف غيرهم من المتكلمين في علوم الإسلام . و الكتاب و السنة الحكم على الجميع.
وأراد بلفظ التصوف قوم آخرون أوضاعا وضعوها من عند أنفسهم لا تجد عليها نصا صريحا صحيحا من كتاب الله ولا سنة رسوله و لا من سيرة القرون الثلاثة: من نظريات فلسفية زائغة أفضت إلى عقيدة الحلول و الاتحاد، و عقائد باطنية في الديوان و رجال الغيب جعلت أمر العوالم كلها في يد جماعة من الخلق ما أنزل الله بها من سلطان. حتى جعلوا لمن سموه غوثا تصرفا عاما في جميع المخلوقات كعموم القدرة حتى قالوا: إنه لا يثبت هِرٌّ على فأر إلا بإذنه و أعمال سامريه في الرقص و آلاته جعلوا بها الدين لهوا و لعبا، و كلمات مدسوسة على النبي(ص) و على عباده الصالحين زورا و كذبا إلى ضلالات و جهالات نسكوا بها – كما كان يقول السلف الصالح – نسكا أعجمياً، و تصوفوا بها تصوفا هنديا، وجاء طمها و رمها مع من انتمى إلى التصوف من الجاهلين، حتى آلت إلى الحالة النكراء التي استعملت فيها هذه النسبة آلة لأكل أموال الناس كما نراه في غالب المعاصرين. والتصوف بهذا المعنى الذي أفضى إلى هذه الأحوال هو محط إنكار المنكرين من المتقدمين والمتأخرين و باشتراكه مع المعنى الصحيح المتقدم في لفظ واحد التبس الأمر على كثير من الناظرين ووجد الكائدون للإسلام السبل للدس على المسلمين. هذا بيان وجيز للمعنى الصحيح من لفظ التصوف الذي نقبله و المعنى الباطل الذي نرده، يملأ عيون الذين ينظرون الأمور نظر الحق و الإنصاف، و يسد أفواه الذين يريدون التشغيب على المصلحين بما لا يعلمون.
هـ – موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من البدع والمنكرات وبقية الرذائل:
وقفت جمعية العلماء المسلمين من البدع العامة و الشعائر المستحدثة كبدع المساجد، وبدع الجنائز، و بدع المقابر، و بدع الحج، و بدع الاستسقاء، و بدع النذور، كما وقفت من بدع الطرق و ضلالات الطرق وقفة المنكر المشتد الذي لا يخشى في الحق لومة لائم في وقت استحكمت فيه هذه البدع حتى أصبحت دينا مستقرا، و عقيدة راسخة، فغيرت بالقول، وأغارت بالفعل، و بينت بالدليل، و قارعت بالحجة، و طبقت بالعمل، و كان في أعمالها أعضائها أسوة حسنة للناس. و شعارها في هذا الباب أن كل محدثة في الدين بدعة، و كل بدعة ضلالة. و قد أقر الله عينها بإماتة بدع كثيرة، و إحياء سنن كثيرة، و أنها لترجو – بمعونة الله – أن تقضي على البقية الباقية من البدع برغم صراخ المبطلين، وعويل المستغلين، وفقها الله وسدد خطاها.
لا نبالغ إذا قلنا إن من بواكر النجاح الأولى التي جنتها جمعية العلماء، وإرجاع الغاوين من المسلمين إلى حظيرة الدين، و لا يحصى عدد الذين تأثروا بمواعظها فأصبحوا يحافظون على الصلوات بشروطها الحسية و المعنوية، و لا عدد الذين هجروا أمام الخبائث (الخمر). بل لقد كانت نتائج الإعراض عن الخمر ملموسة بارزة ضج لها تجار الخمر و تنادى بائعوها بالويل و الثبور و تعالت أصواتهم بالتذمر، كما تعالت أصوات مشائخ الزوايا و سدنة القبور. بالجملة فقد وقفت الجمعية من جميع الرذائل المتفشية في الأمة الجزائرية – من خمر وفجور، ومسارعة في الأيمان الفاجرة، و ترك صلاة، و شهادة زور- موقف الخصم الجبار، وحملت عليها – ومازالت تحمل – حملات صادقة شكرها لها المنصفون وإن قلل من شأنها المتعسفون. | |
|