salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: الرســـــــــــائل الإثنين نوفمبر 03, 2008 12:52 am | |
| الرسائل أما الرسائل فمع أن دورها أقل بكثير من دور الخطب إلا أنها خدمت الأدب الجزائري الحديث بوجه من الوجوه في فترات معينة. و المعروف أن هذا اللون من النثر بدأ يزدهر في الدب العربي منذ عصر التدوين و خاصة حين أنشئت المكاتبات الديوانية و اتسعت رقعة الخلافة العربية الإسلامية فكان لا بد من كتاب ينقلون أوامر الخلفاء إلى الولاة أو يشرحون شئون السياسة و الاجتماع، و من هنا بدأت العناية بالرسائل و أساليبها، فالكاتب فضلا عن أنه يعبر فيها عن موضوعه الخاص، فإنه يجتهد في أن يكون أسلوبه جميلا مؤثرا متماسكا في صيغه و محتواه بحيث تبرز فيه شخصيته و أصالته و طريقته الخاصة في التعبير و الإنشاء. و قد اشتهر في هذا المضمار كتاب بارزون أمثال (عبد الحميد الكاتب ) و( ابن المقفع ) و غيرهما، كما ظهرت المدارس الأدبية في النثر مثل مدرستي ( القاضي الفاضل ) و ( ابن العميد ) .
و قد اتسمت كتابة الرسائل بخصائص معينة منها الملاءمة بين الموضوع و الأسلوب و العناية بالصياغة و بالسجع بوجه خاص و مراعاة الفواصل بهدف إحداث المتعة الأدبية أو إظهار البراعة اللفظية.
و لكن بعد هذا أصبحت الكتابة تكلفا في هذه الخصائص و مالت إلى إظهار البراعة اللفظية، كما كثر البديع بشتى أنواعه في أساليب الكتاب و تحجرت طرق البيان و تجمد الأدب العربي حتى بلغ نهايته في عصر الأتراك و من قبله من عصر ما يسمى بالانحطاط.
و عندما احتلت الجزائر عام 1830م كانت هناك بقية من هذه الأساليب قد انحدرت من عصر الحكم العثماني، كما بقيت آثار من الثقافة العربية الإسلامية الأمر الذي لا يمكن معه البحث عن أسلوب جديد، بأتم معنى الكلمة، لفن الترسل في النثر الجزائري غير أن هناك رسائل تعطينا صورة عما وصل إليه هذا النثر طوال القرن الماضي من ضعف، و في الوقت نفسه فكرة عن مستواه من حيث الجودة الفنية أو عدمها و من حيث الندرة أو الكثرة.
و يمكن التمييز بين اتجاهين في الرسائل من حيث الأسلوب : الاتجاه الأول هو الذي يبدي فيم الكاتب مشاعره و يعبر عن عواطفه كما تظهر فيه ثقافته و تمكنه من اللغة العربية و استيعابه لمفرداتها و أساليبها، و في الوقت ذاته يدل على تأثر الأديب بطرق القدامى في رسائلهم و خصائصهم الفنية دون أ، تذوب شخصية أو تختفي وراء ركام الألفاظ و العبارات المنمقة. بل إن روح الأديب المنشئ تظهر قوية جلية بالرغم من روح العصر و ضعف الأدب العربي في الجزائر في بداية الاحتلال.
و يمثل هذا الاتجاه ( حمدان خوجه ) في رسالة تنسب له، و الواقع أن هذا الكتاب الجزائري اشتهر بالإنتاج في غير الأدب إذ كان يكتب في السياسة و مشاكلها و الأحداث التي عاصرها أثناء احتلال بلاده، و لكنه في هذه الرسالة التي كتبها لشيخه ( سيدي علي بن محمد ) من لندن حين سافر إليها نلمس جزالة في الأسلوب و هو يعبر له عن اعترافه بالجميل و يظهر وفاءه له و تعلقه به و شوقه إليه. و منذ البداية نلمس التقليد في خصائص هذا اللون من الأدب، فالكاتب يبدأ رسالته بالحمد و الصلاة على الرسول ثم يوجه الخطاب إلى شيخه يمدحه و يشيد بفضله عليه، كما يصف علمه و تدينه و تقاه، و كالعادة في ذلك الوقت فإن العالم أو الأديب يمدح بمدى قدرته على فهم الشريعة و إدراك ( الحقيقة ) التي هي التبحر في التصوف يقول ( حمدان خوجه ).
ثانيا: الاتجاه الثاني هو الذي يعمد فيه الكاتب إلى البساطة و الوضوح دون قصد للجمال الأدبي و دون عناية كبيرة بالصياغة بحيث اختفى أسلوب السجع و البديع بشكل ظاهر، و طوعت فيه اللغة للتعبير بسهولة و يسر و في بساطة تجعل منها أداة مرنة صالحة لصياغة المعاني الدقيقة و الأفكار العميقة.
و يتضح هذا الأسلوب في رسائل ( الأمير عبد القدر) للقائد الفرنسي (بيجو) و لغيره من الحكام الفرنسيين أثناء مفاوضاته معهم طوال الفترة التي حمل فيها لواء المقاومة ضد المستعمرين . فهو في هذه الرسائل قد خطا بالنثر خطوة واسعة قد حرره فيها من الأسلوب و من الركاكة و التكلف و جعل منه وسيلة للتعبير عن الأفكار الحديثة التي غزت الحياة السياسية و الاجتماعية في تلك الفترة، إذ يشرح في رسائله موقفه من السلم و الحرب و ما يتصل بهما من ملابسات و معطيات.
و إلى جانب هذين الاتجاهين وجد لون من الرسائل في أواخر القرن الماضي لا يرقى إلى أن يكون أدبا أو فنا لا من حيث الأسلوب و لا من حيث الموضوع و لا أيضا من حيث المحتوى، فالأسلوب ضعيف وشخصية الكاتب باهتة، و اللغة عادية متهافتة في أحيان كثيرة، كذلك فإن الموضوعات من نوع ما عرف بالاخوانيات أو الموضوعات الخاصة بأصحابها.
وهذه الرسائل في الواقع لا تدل على تفرد أو أصالة و ليس في أسلوبها ما يدعونا إلى الوقوف عندها فهي لا تسهم لا في المحافظة على صيانة البيان العربي و لا في تطور النثر الجزائري الحديث.
و قد تدهور أسلوب الرسائل بعد ذلك، أي في أواخر القرن الماضي، تدهورا ملحوظا بحيث لا نجد في هذه الفترة إلا نوعا من الرسائل كتبها بعض الجزائريين لا يهدف التعبير عن الذات أو الكشف عما في النفس، و إنما كتبت كقوالب محفوظة جاهزة يكتب على نسقها من وقعت له حادثة و يريد أن ينقلها إلى الإدارة مثلا، فهي رسائل للشكوى و التظلم أو لغير ذلك من الأمور العادية التي تحدث للناس يوميا.
أما في ظل الحركة الإصلاحية فقد استعاد هذا الفن كثيرا من أصالته فيما يخص اللغة و العبارة، أما من حيث الأسلوب و الطريقة فالواقع أن الرسائل أصبحت تميل إلى الوضوح و الدخول مباشرة في الموضوع كما يتضح فيما تحت أيدينا من رسائل قليلة مخطوطة مما كان يتبادله العلماء المصلحون في الثلاثينيات من هذا القرن، و أهمية هذا النوع من الرسائل تكمن في الموضوعات و الأفكار و القضايا التي شغلت رجال الحركة الإصلاحية و خاصة تلك التي تدعو إلى النهوض و إلى محاربة الأمية و تهتم بنشر التعليم و إصلاح المجتمع.
على أنه يمكن القول بأن أسلوب الرسائل قد تطور في العصر الحاضر بالرغم من أ، النصوص لا تساعد على حكم موضوعي، و إنما من بعض ما عثرنا عليه أدركنا أن الكتاب المعاصرين لا ينشرون رسائلهم و مكاتباتهم و لو نشرت لعثرنا على كنز من الأدب و المشاعر الإنسانية لأن الكتاب فيها يطلقون أنفسهم على سجيتها و يعبرون فيها على آرائهم و أفكارهم و عن قضايا كثيرة بلا حرج أو خوف أو بهرجة.
| |
|