salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: الخطــــابة الإثنين نوفمبر 03, 2008 12:50 am | |
| الخطابة الخطابة - كما هو معلوم - من أقدم الفنون النثرية عند العرب ، وقد انتشرت انتشارا ملحوظا في العصر الجاهلي لأنها تلائم ظروف ذلك العصر إذ كان الخطيب - مثل الشاعر- لسان القبيلة المعبر عن مواقفها في السلم و الحرب . و مع أننا لا نجد كثيرا من الخطب التي قيلت في ذلك الوقت لعدم التدوين حينذاك فان ما بقي من بعض الخطب يدل على القدرة على الارتجال التي امتاز بها العرب ، و يؤكد ما اشتهر به العرب من فصاحة و بلاغة . ثم تطورت الخطابة بعد ظهور الإسلام و تغيرت في أسلوبها و محتواها نظرا للعقيدة الجديدة وطريقة نشرها ، و لكنها في العصر الأموي رجعت إلى ما يشبه عهد الجاهلية من حيث الدفاع عن القبيلة ، و لكنها القبيلة السياسية أو الحزب السياسي ، و وجد الخطباء مجالا خصبا في هذا الصراع الديني و السياسي بين الفرق الإسلامية ، فاتسعت الموضوعات و تعددت الأساليب وبرز خطباء لهم شهرة فائقة أمثال الحجاج بن يوسف الذي عرف بالبيان والفصاحة .
وقد استمر الصراع أيضا في عهد العباسيين و تنوعت الثقافة العربية وتنوعت مشاربها لتستوعب ثقافات أخرى ، المر الذي ساعد الخطابة على أن تصبح فنا منظما أكثر منه فنا مرتجلا ، على أن العباسيين بمرور الزمن قضوا على الصراعات نسبيا و من ثمة اتجه الخطباء غالبا إلى الدين و الوعظ و التنويه بالخلفاء .
وحين تدهور الأدب العربي في العصور التالية حتى عصر الأتراك باتت الخطابة تقليدا أكثر منه إبداعا و فنا، و مالت إلى الرتابة فظهر التكلف في أسلوبها و طابعها العام و اقتصرت أغراضها على المناسبات الدينية، يكرر فيها الخطيب معاني السابقين و لكن بأسلوب ضعيف و صياغة جامدة،و كان يمكن أن تستمر الخطابة على هذا النحو في الجزائر بعد الاحتلال لولا ظهور» الأمير عبد القادر« و بعض المثقفين الجزائريين الذين ملكوا ناصية القول و أدركوا خطر الخطابة في الدعوة إلى الجهاد و استنفار الذين يحاربون الأعداء، خاصة و أن فترة الاحتلال كانت تساعد على هذا اللون من النثر، لأن الصراع بين الجزائر و الاستعمار الفرنسي بلغ ذروته في الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن الماضي، مما اسهم في أن يتغير أسلوب الخطب ومضمونها أيضا . والنماذج التي بقيت لنا من تلك الفترة تدل على أن الخطابة تحررت من أسلوب السجع المتكلف المقصود لذاته، و مالت إلى البساطة في التعبير و القصد في القول دون إطناب إلا في المناسبات التي تتطلب الكثير من الإقناع . أما في الاستنفار إلى الكفاح و الحرب و شحذ الهمم للدفاع عن الوطن و مقدساته فان المجال يقتضي التركيز و الإيجاز كما يقتضي أيضا التعابير الحماسية الفياضة .
فخاصية الحماسة في تلك الخطب من أبرز السمات التي نلحظها في إنتاج الخطباء في ذلك العصر ، لأن الخطيب كان في موقف يحتاج معه إلى أن يدعو الناس إلى القتال و مكافحة الفرنسيين الغزاة . وهناك خاصية أخرى بارزة للعيان و هي أن النظرة الدينية تطغى في الخطب التي بقيت من تلك الفترة، فالنظرة الدينية كانت تغلب ن لا على الخطباء وحدهم، بل على المجتمع الجزائري بوجه عام، إذ كان الغزاة في نظر الناس كفارا، جاءوا لاحتلال بلد عربي مسلم، و يتضح هذا في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي كان الخطيب يستشهد بها في موضوعه . أما الخاصية الثانية التي نلحظها في هذه الخطب فهي أن أسلوبها – كما أشرنا – واضح لا تكلف فيه، و أن السجع يأتي تلقائيا و العناية به ليست مقصودة و إنما تأتي عفو الخاطر إلا في النادر، حين يقصد إليه الخطيب قصدا، لإظهار قدرته و براعته في اللغة و تبحره فيها ومعرفته الواسعة بمفرداتها و أساليبها .
وعلى العموم فإن الخطباء في تلك المرحلة قد خطوا بالخطابة خطوة طيبة من حيث الصياغة فتحررت من الركاكة و التعقيد و التراكيب المحفوظة و أصبحت فنا هدفه الإبانة والإفصاح عن الرأي لا التلاعب بالألفاظ و التقليد الجامد للأقدمين .
وجملة القول أن الخطابة في النثر الجزائري الحديث إذا كانت قد استندت على التراث العربي القديم و تأثرت بالأساليب العريقة فيه حيث استخدم أصحابها السجع أحيانا و استشهدوا بالقرآن أو الحديث أو الشعر، إلا أنها اختلفت من حيث المحتوى و الموضوع و البيان العربي الأصيل من جهة أخرى، فأعادت بذلك للأسلوب العربي مكانته في الأدب الجزائري. و لا تزال الخطابة في حاجة إلى دراسة أوسع و أشمل لأن دورها لا يقل عن دور المقال في بث الأفكار و الآراء السياسية و الإصلاحية و توعية الجماهير بالواقع المؤلم الذي عاشته الجزائر تحت الاحتلال .
وحين قامت ثورة نوفمبر فتحت مجالا جديدا خصبا للخطباء، و استخدمت الخطابة أداة ووسيلة لتعميق المفاهيم الثورية في أذهان جنود جيش التحرير و أفراد الشعب بوجه عام، ولكن – لسوء الحظ – فقد ضاع معظم هذه الخطب، و لو عثرنا على بعض نصوص منها لأمكن استخلاص سمات، و خصائص الخطابة في وقت الكفاح التحريري من ناحية الأسلوب و المعالجة و كذلك الأفكار التي طغت في تلك المرحلة، بل ولأدركنا مستوى اللغة في تلك المرحلة، بل و لأدركنا مستوى اللغة في تلك الفترة ومستوى أسلوب الخطباء. أما بعد الاستقلال فإن الظروف تغيرت و تغير موضوع الخطابة لتغير الواقع، وربما أمكن القول بأنها ضعفت من حيث صياغتها لأن العناية بها من الناحية الدبية الفنية قد قلت واصبح الهدف هو التعبير عن الفكرة وتوصيلها إلى الجماهير بقطع النظر عن الجمال الأدبي أوعدمه، فقد اتجه الكتاب إلى أسلوب المحاضرات بدل الارتجال . ومهما يكن من أمر فإن الخطابة في الدب الجزائري الحديث لعبت دورا هاما سواء فيما يتصل بالقضايا الاجتماعية أو السياسية للشعب أو فيما يتعلق بالناحية الأدبية و الثقافية، فقد أسهمت في تطوير اللغة العربية والإبقاء عليها و على مرونتها كما أسهمت في نشر الأفكار والمبادئ والأهداف التي آمن بها الشعب و ضحى من أجلها . | |
|