البيان والتبيين للجاحظ
من هو مؤلف الكتاب "البيان والتبيين" :
هو عمرو بن محبوب كنيته أبو عثمان وشهرته الجاحظ ولد بالبصرة عام 160هـ 776م ويعد كتابه البيان والتبيين أحد أهم الكتب التي ألفها الجاحظ والتي تعتبر عمدة الباحثين والنقاد حتى جعله ابن خلدون واحدا من أركان الأدب الأربعة : أدب الكاتب لابن قتيبة والكامل للمبرد والأمالي لأبي علي القالي والبيان والتبيين للجاحظ، ولا ضير قبل الخوض في موضوع الكتاب ومنهجه ومميزاته في الإشارة إلى الدوافع التي دفعت الجاحظ إلى تأليف كتابه هذا ، والدافع الأول هو إحساس الجاحظ بضرورة إيلاء البيان العربي الأهمية التي يستحقها، وهو ( الجاحظ ) المعتزلي الموسوعي الذي لم يدخر جهدا في الدفاع عن العربية وعن الإسلام بالحجة والإقناع وليس من وسيلة سوى الكتابة عن البيان العربي لتبيين طاقات اللغة العربية في مجال التعبير، وفي مجال إقناع المستمع عن طريق المناظرة والخطابة وهما اللونان الأدبيان اللذان كانا يمارسان في بيئة البصرة، أما الدافع الثاني فهو الرّد على الشعوبية الذين كانوا يعيبون على العرب خطبهم وتقاليدهم في إلقاء تلك الخطب، ومنها الإمساك بالعصا، وقد نص الجاحظ في اكثر من موضع من الكتاب على انه قد نصّب نفسه مدافعا عن فصاحة العرب، داحضا بذلك اتهامات الشعوبيين
وأما إذا جئنا إلى موضوع الكتاب فلا بد من إن يتأنى المرء قليلا قبل الحكم على الكتاب بكونه مجرد مختارات من الشعر والقصة والخطابة والحديث والقرآن بل يمكن القول إن للكتاب موضوعا رئيسا يسيطر عليه إلى حدّ بعيد وهو الذي يوجه الكاتب إلى اختيار مختاراته، وإن كثرت هذه المختارات بحيث تجعل البحث في الموضوع الرئيس مشتتا؛ وهذا الموضوع الرئيس هو استنباط أصول البيان كما تحدث فيها السابقون، وكما مارسها عمليا علماء الكلام ومن بينهم الجاحظ، وهذا طبعا لا يغنينا عن الإشارة إلى الطابع الاستطرادي لدى الجاحظ والذي أدى به إلى عدم التقيد بنظام يترسمه، ولا بمنهج يلتزمه، يبدأ الكلام في قضية ثم يدعها أثناء ذلك ليدخل في قضية أخرى، ثم يعود إلى ما أسلف حتى ليصعب الاهتداء في جنبات مؤلفه إلى الفكرة والرأي لمن يبحث عنهما، وكان الجاحظ يشعر بذلك ويعتذر عنه أحيانا؛ وقد تحدث الجاحظ تحت عناوين ثلاثة. البيان والبلاغة والخطابة عن قضية واحدة هي الكلام الجيد، سواء كان خطبة أم جدلاّ، أم حوارا أم قصصا، ومما يلاحظ على البيان والتبيين أن الجاحظ لم يقتصر على الأدب بل تعداه إلى الأديب نفسه فدرسه بالتفصيل وتحدث عن مميزات التي يجب أن يتميز بها أثناء الكلام، وهي كلها سمات تجعل المتكلم أكثر تأثيرا في المتلقي؛ ومما تميز به الجاحظ سعة أفقه فقد كان لا يميز بين الأدباء على أساس مذهبي أو ديني أو حتى عرقي، فكثيرا ما كان يترجم لبعض علماء الخوارج وخطبائهم، مادحا تارة ومكبرا تارة أخرى، ومما يتميزبه الكتاب المادة الوافرة من العادات والتقاليد التي كانت تحكم المجتمع الإسلامي آنذاك، ومن عيوب هذا الكتاب غياب التنظيم كما أسلفنا، مما أدى إلى تشتت ذهن القارئ واضطرابه وهذا الذي أدى به إلى التكرار وإلى هذا يشير أبوهلال العسكري بقوله" إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه ومنثورة في أثنائه فهي ضالة بين الأمثلة لا توجد إلا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير"
المصادر:
1- البيان والتبيين للجاحظ
2- كتاب الصناعتين أبو هلال العسكري
3- دراسة في مصادر الأدب الطاهر أحمد المكي
4- المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي عز الدين إسماعيل
نص تطبيقي من كتاب البيان والتبيين للجاحظ
بين الكميت والطرماح :
قال أبو عثمان الجاحظ : ولم ير الناس أعجب حالا من الكميت والطرماح، وكان الكميت عدنانيا عصبيا، وكان الطرماح قحطانيا عصبيا ، وكان الكميت شيعيا من الغالية، وكان الطرماح خارجيا من الصفرية، وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة، وكان الطرماح يتعصب لأهل الشام، وبينهما مع ذلك من الخاصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط، ثم لم يجر بينهما صرم ولا جفوة ولا إعراض، ولا شيء مما تدعو الخصال إليه ولم ير الناس مثلهما إلا ما ذكروا من حال عبد الله بن يزيد الإباضي ، وهشام بن الحكم الرافضي، فإنهما صار إلى المشاركة بعد الخلطة والمصاحبة
كل حرفة وتمامها !
وقال إبراهيم بن هانئ : " من تمام آلة القصص أن يكون القاص أعمى، ويكون شيخا بعيد مدى الصوت، ومن تمام آلة الزمر أن تكون الزامرة سوداء، ومن تمام آلة المغنّي أن يكون ناره البرذون ، براق الثياب ، عظيم الكبر، سيء الخلق، ومن تمام آلة الخمّار أن يكون ذمّيا، ويكون اسمه أذين أو شلوما، أو مازيار، أو أزدانقاذار، أو ميشا، ويكون أرقط الثياب مختوم العنق، ومن تمام آلة الشعر أن يكون الشاعر أعرابيا ويكون الداعي إلى الله صوفيا، ومن تمام آلة السؤدد أن يكون السيد ثقيل السمع، عظيم الرأس ولذلك قال ابن سنان الجديدي، لراشد بن سلمة الهذلي : " ما أنت بعظيم الرأس ، ولا ثقيل السمع، فتكون سيّدا، ولا بأرسخ فتكون فارسا".