مدرسة البرمكي
إن هذه المدرسة المعجمية ، وإن نسبت إلى أبي المعالي ( محمد بن تميم البرمكي) إلا أن رائدها الأول كان معاصرا للخليل بن أحمد الفراهيدي، ونعني به أبا عمر و إسحاق بن مرار الشيباني الذي ولد سنة 94هـ ، وتوفي سنة 206هـ إذ يعتبر أول من رتب معجمه على أساس حروف الهجاء، ( الترتيب الألفبائي) وإن لم يلتزم بهذا الترتيب في جميع حروف المادة، إذ اقتصر على الحرف الأول فقط، وهذا السبب في اعتبار البرمكي مؤسس المدرسة الحقيقي لأنه التزم نظاما دقيقا في تأليف المعجم، وإن لم يكن أصيلا في ذلك لأنه اعتمد على معجم الصّحاح للجوهري، وقد عرف الشيباني بمعجمه " الجيم" ويقصد به ( الجيم): ( الديباج)، وهذا ما يؤكده صاحب معجم تاج العروس عندما قال " والجيم أيضا ( الديباج) هكذا سمعته من بعض العلماء نقلا عن أبي عمرو الشيباني مؤلف كتاب الجيم" ويبدو أن الشيباني لم يسم معجمه بهذا الاسم إلا لما أراده له من الإتقان والحسن، وبراعة التأليف ولهذا المعجم كذلك اسمان آخران هما: " كتاب اللغات"، " كتاب الحروف"، وكان هدف الشيباني من تأليف معجمه هو مجرد تدوين الألفاظ العربية من لغات العرب، خصوصا، ونحن نعلم أن المعجم ألف في فترة لم تكن حركة التأليف قد انتعشت فيها بعد، وخاصة تأليف المعجمات اللهم إلا ما عرف عن الخليل بمعجمه العين لهذا كان هذا المعجم قريبا من المعجمات أو كتب الموضوعات ككتاب الإبل، والنخيل، والعسل ...
وكان منهج المعجم بسيطا، بحيث قسمه إلى عشرة أبواب، ولكنه لم يراع في الترتيب إلا الحرف الأول، أما ما بعده فلم يراعه، فهو يذكر في باب الهمزة كلّ حرف مبدوء بها، دون أن يراعي ما بعدها من الحروف في ترتيب المواد، فهو قد ذكر في باب الهمزة هذه الألفاظ على هذا الترتيب.
" الأوق – الألب – المأفول –الأفق – الأزوح – المأموم " وآخر كلمة ذكرها في هذا الباب هي " الإدة"، مع أن حقها أن تذكر قبل أول كلمة ذكرها في معجمه، ولم يحرص الشيباني في شرح المادة( الكلمة) على تبيين مشتقاتها من فعل أوصفة أو غيرهما، بل يذكر اللفظ، ويفسره، وينتقل إلى لفظ آخر بعيد عن أصوله، لا يشترك معه إلا في اتحاد الحرف الأصلي الأول؛ وبالنسبة إلى الأبواب التي يضمها المعجم لم يلتزم الشيباني في كلّ باب منها بسنن معين بحيث نجد أن نسب الأبواب متفاوتة في عدد الحروف التي تحتويها، فمثلا لا نجد في الجزء الأول سوى " أ، ب، ت، ث، ج " وأما في الجزء الثاني فلا نجد إلا حرفا واحدا هو " الحاء " والباء الثالث نجد فيه ي( خ، د، ذ) وهكذا إلى آخر الأبواب، ومن ظواهر الكتاب، عنايته باللهجات العربية المختلفة، ومن امثلة ذلك، " قال السّعديّ البحراني من الدم الشديد الحمرة، وقال الشيباني، البراغيل ما كان من الأباتر قريبا من الريف، وقال الكلابي: الأبعث بكور في الحرّة وهو حجارة في رمل".
ومن سمات المعجم كذلك تفسير الكلمة في جملة، مثل قال قدحت في أثلة فلان، إذا وقع فيه، جعلت فلانا أدمة أهلي، أي أسوتهم...وكان الشيباني يكثر من الشواهد الشعرية وإيراد القصص، والأخبار، وتأثر كذلك بكتب الموضوعات ( الإبل وغيرها) وكان يميل كثيرا إلى إيراد المترادف، مثل أتاني في أنف الربيع، وقبل الربيع، ونفخة الربيع، أي حين أعشب وأخصب"، ومن السمات البارزة في الجيم أن صاحبه كان يورد الكثير من النوادر حتى حمل ذلك بعض الباحثين على اعتباره هو نفسه كتابه" النوادر الكبير". ومهما يكن من أمر فقد وطأ الشيباني لغيره ما كان صعب المسلك، عسير المورد وخاصة عندما التفت إلى الترتيب الهجائي، بعد أن صارت طريقة الخليل هي الرائجة آنئذ.
البرمكي ومعجم الصحّاح :ه
و أبو المعالي محمد بن تميم البرمكي اللغوي ، لم يؤلف معجما ولكنه اعتمد على معجم آخر هو الصّحاح للجوهري الذي كان مرتبا على الأساس الألفبائي، ولكنه باعتماد أواخر الكلمات، فعمد البرمكي إلى هذا المعجم ورتبه حسب أوائل المواد، ويعدّ البرمكي أول من اعتمد هذا الترتيب، وهذا لا يدعو إلى إغفال ما قام به الشيباني، لان البرمكي لم يقتصر على الحرف الأول، بل اخذ بنظر الاعتبار الحروف التي تلي الحرف الذي عقد له الباب، وهذا زيادة في الدقة وتسهيلا على الباحث فيه، ومما سهل على البرمكي هذا الأمر – كما ألمعنا سابقا – إن الجوهري راعى هذه القاعدة، ومع هذا فإن البرمكي اجهد نفسه في ترتيب المواد، لانه اخذ الصّحاح ورتبه ترتيبا جديدا، مما عدّ آنئذ إغرابا في الترتيب. وطريقة البرمكي أنه أخذ من الصحاح من كلّ باب وفصل الحرف الذي يريده، ففي باب الهمزة أخذ منه فصل الهمزة، ومن باب الباء والتاء والثاء، والجيم حتى الياء فصل الهمزة، ورتبها على أوائل الحروف مراعيا الحرف الثاني والثالث ثم انتقل إلى باب الباء، وصنع فيه ما صنع في الهمزة حتى انتهى إلى آخر حرف في حروف الهجاء، ولا ضير أن ننقل هنا مثالا عن رؤوس المواد من باب الهمزة لتتبين لنا طريقة البرمكي وهي الطريقة المتبعة في التأليف المعجمي الحديث:
ا – أ – أبب – أبت –أبث – أبد – أبر – أبز – أبس – أبض –أبط – أبغ –أبق – أبل – أبن – أبو – أبي – أبت – أتت – أتل – أتم – أتن – أته – أتو – أتى – أثث – أثر –أثف – أثل – أثم – أثو – أجأ – أجج – أجر – أجص – أجل – أجم – أجن –
أحح – أحد – أحن – أخذ – أخر – أخو – أدب – أدد – أدر – أدل è أدم – أدو – أذ – أذن ...
ونشير في الأخير إلى إن بعض اللغويين يذهبون إلى أن الزمخشري سبق البرمكي إلى هذا الترتيب، وإليه تنسب هذه المدرسة ولكن الصحيح أن البرمكي هو السباق إليه، وهذا إذا اعتمدنا تاريخ ميلاد كليهما الزمخشري تأخر ميلاده عن البرمكي بأكثر من قرن ونصف قرن لأنه توفي سنة 538 هـ البرمكي كان حيّا سنة 397هـ وهي السنة التي انتهى فيها من تأليف معجمه، وسبق كلّ من رتّب المعجمات على أوائل الحروف، فهو بهذا إمام المدرسة ورائدها.
المصادر :1-
المصادر اللغوية في المكتبة العربية عبد اللطيف الصوفي2-
المعجم العربي حسين نصار3-
مقدمة عبد الغفور العطار لمعجم الصّحاح