المدارس المعجمية
1- المدرسة الخليلية :المعجم كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها ، على أن تكون المواد مرتبة ترتيبا خاصا ، إما على حروف الهجاء، أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كلّ كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها، واشتقاقها وطريقة نطقها، وشواهد تبين مواضع استعمالها، وأول من استعمل كلمة معجم هم رجال الحديث، وهذا في القرن الثالث الهجري، فقد جاء في صحيح الإمام البخاري عنوان من تعبيره، في قوله:" باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم، والجامع أحد كتب البخاري، وأبو عبد الله هو البخاري نفسه، وأول كتاب أطلق عليه اسم معجم هو معجم الصحابة لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثني بن يحي بن عيسى بن هلال التميمي الموصلي الحافظ محدث الجزيرة وقد ولد سنة (210هـ) وتوفي سنة (307) وألف بعده أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ( 214، 305) كتابين في أسماء الصحابة المعجم الكبير والمعجم الصغير.
الخليل ومعجمه العين : (100-175هـ) : يعتبر الخليل رائد المعجمات الأول في العربية حيث ابتكر التأليف المعجمي، واخترع المنهج الذي اتبعه، واخترع في ترتيب مواده سبيلا بكرا هداه إليه اشتغاله بالموسيقى فكان السابق في هذا المضمار دون منازع، وكان الخليل عبقريا، واسع العلم والثقافة، ومبتكر علم العروض كاملا، ومخترع علم النحو، ومخترع علم الموسيقى العربية وأعانه فهمه للإيقاع والنغم على ابتكار طريقة جديدة، تعتمد على مخارج الأصوات، لأن الصوت أصح في التمييز والدلالة على مخرج الحرف من الكتابة، فإذا كتبنا هذه الكلمة نفر دون نقط تعذر على القارئ أن يقرأها كما أراد الكاتب، أما النطق فلا يخطئه، وفي العربية خمسة حروف ذات صورة واحدة [ ب،ت،ث،ن،يـ] في أول الكلمة ووسطها، ولعل إيثار الخليل هذا المنهج يعود إلى رغبته في تمييز الحرف بالصوت لأنه أقوى، دلالة وأكثر وضوحا، وتمييزا من الكتابة.
وهذا ليس بغريب في رجل كان مخترع علم الموسيقى وهي التي تنبني على الصوت أساسا، ولقد أتم هذا العمل في زمن مبكر قبل أن يتم جمع اللغة بطريقة شاملة وتصنيفها في الموضوعات التي سبق ذكرها، وقد كانت هذه أول مرة يواجه فيها عالم لغوي قديم مشكلة البحث عن شكل لمعجمه، ولا بد أنه استعرض لنفسه أكثر من شكل لهذا المعجم.
يقول ابن كيسان:" سمعت من يذكر الخليل أنه قال: لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص، والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة ولا اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أفصح الحرفين، فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف، ويفهم من هذا الكلام أمران: أولهما: أن الخليل لم يفكر بادئ ذي بدء في أن يرتب معجمه وفقا للترتيب الأبجدي المعروف، لأنه عندما أجال النظر في هذه الحروف نظر إليها من الناحية الصوتية، أي من ناحية مخارجها من الحلق، كما رفض أيضا الترتيب على أساس الأشباه والنظائر، أو ما يسمى الترتيب الألفبائي الذي وضعه نصر بن عاصم (ت 90هـ)، وصنع سلّمه اللغوي، واختار أن يصعد فيه من أسلفه لا أن يهبط من أعلاه ورتب معجمه على الحروف بحسب مخارجها ويبدأـ بالصعود تدريجيا حتى تنتهي إلى الشفتين، وجعل ترتيب الحروف هكذا : ع، ح، هـ، خ، غ/ ق، ك/ ج، ش، ض/ص،س،ز/ ط،د،ت/ ظ،ذ،ث/ ر،ل،ن،/ ف،ب،م/ و، أ، ي، ء.
ولمّا استقام له الأمر على هذا النحو جعل لكل حرف كتابا، فكتاب في العين، وكتب في الحاء، وكتاب في الهاء، وهكذا، ثم سمي كتابه " العين" لأنه الحرف الذي بدأ به، وكان على الخليل بعد ذلك أن يستقصي الأبنية، ولم يجد مشقة في ذلك، حيث إن الصرفيين كانوا قد حصروها من قبل، فقد تتبعها الخليل تتبعا علميا دقيقا وحصرها بين الثنائي، والخماسي، وفصل الألفاظ المعتلة جاعلا الهمزة من حروف العلة مفردا لها بابا بعد أبواب الثلاثي ذكر فيه. الثنائي المضاعف المعتل، الثلاثي الصحيح، الثلاثي المعتل،( مثال أجوف، ناقص ) اللفيف، الرباعي ، الخماسي، وجعل الأخيرين في باب واحد لقلة الألفاظ للواردة فيهما، وأشار إلى المستعمل والمهمل في أبنية الثنائي والثلاثي، أما الرباعي والخماسي فأغفل الإشارة إلى المهمل منهما لأنه فوق الحصر.
وهداه إلى فكرة حصر المستعمل والمهمل طريقة التقاليب، التي تقوم على ذكر الكلمة وقلبها على كلّ وجه، بحيث يتألف من مقلوباتها كلمات، ويذكرها جميعا في موضع واحد، فكلمة " الضرم" ذكرها في حرف الضاد.
وقلبها حتى تولدت منها هذه الكلمات : ضمر، مرض، مضر، رضم، رمض فإذا جاء إلى كتاب الراء والميم أغفل رضم ، رمض، مضر، مرض، لأنه ذكرها في كتاب الضاد، وزاد على ذلك أنه يذكر كلّ نوع من الصحيح والمضاعف والمهموز والمعتل على حدة ليميز كلّ نوع من غيره.
ولمنهج الخليل موقع عند من يرى أن الكلمات المشتركة في الحروف- وإن اختلفت في الترتيب- تشترك في المعنى أو المصدر الذي تتفرع منه، وهذا يدل على أن الخليل عنيّ بالتفسير الاشتقاقي للمواد التي يتناولها، ولم يتوقف عند شرح المادة مقلوباتها وفروعها على ولمنهج الخليل موقع عند من يرى أن الكلمات المشتركة في الحروف- وإن اختلفت في الترتيب- تشترك في المعنى أو المصدر الذي تتفرع منه، وهذا يدل على أن الخليل عنيّ بالتفسير الاشتقاقي للمواد التي يتناولها، ولم يتوقف عند شرح المادة مقلوباتها وفروعها على طريق الاشتقاق الكبير، ويعد الخليل أسبق من ابن فارس وابن جني إلى فهم الاشتقاق الكبير.
ومهما يكن من أمر فإن لم يكن من فضل للخليل إلا أنه استقصى ما استطاع من كلام العرب، وميز بين مختلف لهجات العربية، مستشهدا بأمثالها وأشعارها فإنه يعدّ عملا جبارا لا يستطيعه إلا أولو العزم من العلماء ، ولكن رغم ذلك فإن العين لم يسلم من بعض الهنات والسقطات .
بعض سقطات العين : أولها: صعوبة البحث فيه، وهذا لعسر ترتيبه لأنه رتب حروفه حسب المخارج، ومن الصعب تتبع هذا لأنه خلط بين الثلاثي المضاعف والرباعي المضاعف، وفيه أيضا خلط كثير نبه عليه الزبيدي في مختصر العين.
ثانيا: أنه يذكر الكلمة، ويذكر مقلوبها، فيذكر في مادة ع،ب،د مثلا: ب، ع، د، د، ع، ب، ...إلخ فمن الصعب عند البحث عن كلمة معرفة أيها الأصل وأيها القلب.
ثالثا: إنه وقع في تصحيف كثير لأن ...
الكتابة في ذلك العصر لم تكن تنقط، وحروف اللغة العربية، فضلا عن ذلك متقاربة في الشكل، فبين الفاء في الوسط والغين تقارب والتاء والنون..وهذا أوقع اللغة العربية، ومؤلفاتها في كثير من اللبس وعن بعض الأخطاء التي وردت في العين يقول السيوطي:" وقد طالعته ( العين) إلى آخره فرأيت وجه التخطئة فيما خطئ فيه غالبة من جهة التصريف والاشتقاق كذكر حرف مزيد في مادة أصلية، أو مادة ثلاثية في مادة رباعية، ونحو ذلك".
ومن بين العيوب انفراده بالكثير من الألفاظ مثل تاسوعاء التي لم تسمع عن العرب، وكما أشار السيوطي سابقا يمكن الإشارة إلى عيوب صرفية، إذ يقول ليس في كلام العرب نون أصلية في صدر كلمة مثل نهشل، نعنع، ومن الأخطاء التي وقع فيها الخليل نجد أخطاء اشتقاقية مثل قوله إن التاء مبدلة من الواو وقد أنكر الزبيدي هذا، ويمكن كذلك الإشارة إلى أن الخليل أورد الكثير من الكلمات المولدة مثل كلمة بس التي تعني حسب، إضافة إلى إهماله الكثير من الكلمات وهذا طبعا أمر طبيعي إذ لا يتسنى لأي لغوي مهما كان رسوخه في علوم اللغة أن يحيط بها.
المصادر:1-
معجم العين الخليل بن أحمد الفراهيدي2-
المعجم العربي حسين نصار3-
المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي عز الدين إسماعيل4-
المصادر التراث العربي عمر الدّقاق5-
نشأة المعاجم العربية وتطورها، ديزيره سقال6-
المصادر اللغوية في المكتبة العربية عبد اللطيف الصوفي
نص تطبيقي من معجم العين للخليل :
حرف الجيم
باب الجيم مع الشين
ج،ش، ش، ج يستعملان فقط
جش:
الجش طحن السويق ( والبرّ إذ لم يجعل دقيقا)(1) والجشيش
والمجشّة: رحى صغيرة تجش بها الجشيشة، ولا يقال للسويق جشيشة ول
كن جذيذة.
والجشّة والجشة، لغتان الجماعة من الناس يقبلون معا في ثورة (2) قال العجاج:
بجشة جشوا بها ممن نفر (3)
وبه جشّة، أي شدة صوت ، ورعد أجش، قال لبيد:
بأجشّ الصوت يعبوب
إذ طرق الحيّ من الغزو صهل
قال الخليل: الأصوات التي تصاغ منها الألحان ثلاثة: الأجش صوت من الرأس يخرج من الخياشيم، فيه غلظ وبحّة فيتبع بخدر موضوع على ذلك الصوت بعينه يقال له الوشئ، ثم يعاد ذلك الصوت بعينه، ثم يتبع بوشئ مثل
الأول فهي صياغته، فهذا الصوت الأجش
قال زائدة: جشه بالعصا أي ضربه بها
والجش كنس البئر حتى بخرج حمأتها
شجّ: الشج كسر الرأس نقول شجّ يشج شجّا، وبينهم شجاج أي شجّ بعضهم بعضا.
والشجج : أثر شجة في الجبين، والنعت الاشجّ