ويمكن أيضا أن نضع بين كتب لغات القبائل كثيرا من أبواب الجزء الأول من كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت ( ت216) وبعض أبواب الجزء الثاني، ونجد كذلك كتاب الفصيح لثعلب [ أبو العباس أحمد بن يحي ( 200هـ-291هـ) ذكر الفصيح والخطأ والصواب ومن اللغويين الآخرين كذلك نجد أبا زيد الأنصاري، وابن قتيبة في بعض الفصول من كتابه أدب الكاتب، ونجد كذلك ابن در يد في كتابه جمهرة اللغة، ولا ضير أن نشير في عجالة إلى بعض الاختلافات الموجودة بين لغات العرب( اللهجات) وبين هذه اللغات والعربية الفصحى التي نزل بها القرآن الكريم، فمثلا هناك اختلاف في الحركات كقولنا نستعين ونستعين بفتح النون وكسرها، قال الفراء هي مفتوحة في لغة قريش وأسد وغيرهم يقولونها بكسر النون ووجه آخر من أوجه الاختلاف يتجسد في الحركة والسكون مثل قولهم معكم ومعكم بفتح العين وسكونها، وهناك اختلاف في إبدال الحروف نحو أولئك وأولا لك، ومنه الاختلاف في التقديم والتأخير نحو صاعقة وصاقعة ، وإلى غير ذلك من أوجه الاختلاف.[/justify]
وفي هذه الفترة ظهرت كتب النوادر، وهي محاولات معجمية رائدة استمرت طيلة القرن الثاني للهجرة ومطلع القرن الثالث ومن بين روادها نجد : أبا عمرو بن العلاء، يونس بن حبيب أبا مالك عمرو بن كركرة، أبا الشّبل العقيلي، أبا عبيدة معمر، بن المثنى، الأصمعي، أبا زيد الأنصاري، الكسائي، ابن السكيت، ثعلب، ابن قتيبة، وكان الهدف هو تقييد الألفاظ العربية التي يندر استخدامها وذلك حفاظاعليها، ولكن تلك الكتب لم تقتصر على النادر، وإلى جانب ذلك كانت هناك كتب الأضداد ومن بين الذين ألفوا في هذا الباب نجد : الأصمعي، السجستاني ابن السكيت، قطرب، أبا الطيب اللغوي(ت351) له كتاب الأضداد في كلام العرب ومن مميزاته أنه مرتب على حروف الهجاء ونجد كذلك أبا بكر بن الأنبا ري بكتابه: الأضداد في اللغة وهنا تجدر الإشارة إلى سبب ورود الأضداد في اللغة العربية، حيث نجد أن الكثير من اللغويين المحققين يردها إلى اختلاف اللهجات العربية ولكن البعض لا يعير هذا العامل كبير اهتمام ويذهب إلى أنه طبيعي في اللغة العربية، ونشير هنا إلى أن أبا بكر بن الأنباري كان من أكبر المدافعين عن الأضداد خاصة في ظل الهجمة الشرسة التي شنها بعض الشعوبيين الذين عابوا على اللغة العربية هذه الظاهرة ( التضاد) وذهبوا إلى حد تسفيه الإنسان العربي الذي يطلق كلمة واحدة على معنيين متضادين، فانبرى ابن الأنباري مدافعا عن العرب والعربية فذهب إلى أن التضاد يعتبر ميزة حسنة في اللغة العربية وتنبئ عن رجاحة العقل العربي إذ باستطاعته تبين المعنى المراد - إذا كانت الكلمة من الأضداد – من خلال السياق ولا يتسنى هذا لكل أحد. وحتى يتضح الأمر جليا أورد بعض الأمثلة متجسدة في أبيات شعرية وآيات قرآنية هاكم بعضها: يقول الشاعر:
كل شيء ما خلا الموت جلل
والفتى يسعى ويلهيه الأمل
فكلمة جلل هنا من الأضداد ولا يمكن معرفة معناها إلامن خلال سياق البيت فإذا تمعنا في البيت الشعري جيدا وجدنا أن المراد منها: الحقير، يعني كل ما عدا الموت يسير وحقير، ومعناها الثاني هو العظيم ، كما سيرد في هذا البيت :
فلئن عفوت لا عفون جللا
ولئن سطوت لأوهنن عظمي
فكلمة " جللا " هنا معناها العظيم إذ إن الشاعر بصدد الافتخار بنفسه ولهذا كان عليه أن يرفع من شأن عفوه وحلمه، فالمعنى استشففناه من السياق، ومن الآيات القرآنية هذه الآية الكريمة " الذين يظنون أنهم ملاقو الله..." فالفعل ظن من الأضداد حيث يفيد اليقين ويفيد الشك ولكن السياق من هذه الآية يحملنا على الميل إلى معنى اليقين لأن الله سبحانه وتعالى بصدد الحديث عن المؤمنين المصدقين بيوم القيامة فهم إذن متيقنون من ملاقاة الله عز وجل ، ويمكن الآن سرد بعض الكلمات من الأضداد :
1- جون
أبيض - أسود
2- شرى
باع – اشترى
3- رهو
مرتفع - منخفض
4- غبر
ولّى - بقي
5- مسجور
مملوء - فارغ
6- السّدفة
الظلمة - النور
7- الصّريم
الليل - النهار
وهنا تجد الإشارة إلى الفرق بين التضاد والمشترك اللفظي HOMONYME إذا أن الأضداد تعني المعنى وعكسه تماما مثل الأمثلة السالفة الذكر( أبيض – أسود) ( ظلمة – نور) ... أما المشترك اللفظي فليس بالضرورة أن يكون هناك معنى وضده ومثال ذلك : " الحوب " " إذ نجد لها معاني كثيرة جدا منها: الإثم، الأخت، البنت، المسكنة، الحاجة الحزن، الهلاك، فهذه المعاني ليس بينها بالضرورة تعاكس إذن هذه الكلمة ( الحوب) هي من المشترك اللفظي، ولهذا يمكن القول إن كل كلمة من الأضداد هي من المشترك اللفظي، وليس كل كلمة من المشترك اللفظي هي من الأضداد فنلاحظ أن بينهما عموما وخصوصا، فالمشترك اللفظي أعم من الأضداد والعكس إذ الأضداد أخص من المشترك اللفظي.
ومن الموضوعات التي اهتم بها اللغويون قديما نجد الأبنية إذ نظرا لأن اللغة العربية اشتقاقية ألفت كتب في الأسماء والأفعال و ومصادر القرآن الكريم، كما ألفت كتب في الأسماء الصيغ والأفعال المتماثلة في أوزانها الصرفية كفعل وأفعل ومن بين من كتب حول هذا الموضوع ( فعل – أفعل) نجد : الفراء، أبا عبيدة معمر بن المثنّى، الأصمعي، أبا زيد الأنصاري، ابن سلام الجمحي، الزجاج بكتاب: فعلت وأفعلت، ونجد قطرب بكتابه " فعل وأفعل" ونجد كذلك الجواليقي بكتابه" ما جاء على فعلت وأفعلت بمعنى واحد " ومن الأمثلة التوضيحية على هذه النقطة نذكر : وفيت وأوفيت بمعنى واحد، وقعت وأوقعت كذلك معناهما واحد، برد الله الأرض وأبردها إذا أصابها بالبرد، وبتّ عليه الحكم وأبتّه إذا قطعه ...
ومن الموضوعات اللغوية التي أفردوا لها كتبا موضوع سمّوه الهمز على سبيل التغليب وهي كتب جمعت الألفاظ التي تشترك في حرف واحد وحملت اسم هذا الحرف مثل كتاب الهمز، كتاب الجيم، كتاب اللام...إلخ ومن الذين كتبوا في الهمز: قطرب ، والأصمعي، ابن قتيبة، ابن سلام الجمحي،، ابن السكيت وهي لتبيان الفروق بين لهجات العرب مثل : ( شأن- شان) شيئا، شيّا،- شانئك- شانيك ومثل قولهم: أر فأت السفينة إرفاء إذا قربتها من الأرض وتقول رفأت الثوب أرفؤه رفئا ورفأك الرّجل في البيع مرافأة إذا حاباك به.
ومن المواضيع التي تناولها اللغويون بالدرس والتأليف نجد المعرب والدّخيل ويقصد بهما الكلمات التي دخلت اللغة العربية من اللغات الأخرى كالفارسية والتركية اليونانية...فالدخيل كما يعرفه البعض هو كل ما ليس من كلام العرب وعندما يخضع لأوزان اللغة العربية وسننها يصبح معرّبا.
وممن ألف حول هذا الموضوع نجد أبا عبيد القاسم بن سلام في كتابه " الغريب المصنف "وابن قتيبة في بعض الفصول من كتابه "أدب الكاتب"وابن دريد في:" جمهرة اللغة" وابن سيده في كتابه المخصص" الجواليقي في كتابه " المعرب من الكلام الأعجمي" ونجد أخيرا شهاب الدين الخفاجي( 1061هـ) بكتابه شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل".
ونشير هنا إلى أن ما تطرقنا إليه من موضوعات لا يعدوأن يكون قطرة من بحر العلوم والمواضيع التي تطرق إليها اللغويون، ولولا ضيق المجال لأشرنا إلى الكثير منها، فلم يتركوا موضوعا إلا وكتبوا فيه وعنه، من خلق وحجر وشجر ونبات وظواهر لغوية تندّ عن الحصر ولهذا يمكن أن نلخص كلّ ما سبق بالقول إن المدونين الأولين للغة كانوا في البدايات الأولى يدونون المفردات حيثما وكيفما اتفق، وكما تيسر لهم سماعها، فقد يسمعون كلمة في الفرس وأخرى في الغيث وثالثة في الرّجل القصير، وكانوا يقيدون ما سمعوا من غير ترتيب، وكانت الخطوة الثانية أن جمعوا الكلمات الخاصة بموضوع واحد كالإبل، والخيل والشجر والنبات والأنواء، وخلق الإنسان وخلق الحيوان...وهو ما يسمى برسائل الموضوعات.
وأما الخطوة الثالثة فكانت المعاجم وكتب الأدب ولا بد هنا من الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه المراحل الثلاث ليست الواحدة منها منفصلة عن الأخريين فالتداخل ثابت وواقع ولكن توخينا تسهيل الدرس والتناول، وأخيرا يمكن توضيح تلك المراحل في الخطاطة الآتية :
الجمع العشوائي للغة
تصنيف هذا الكم من الألفاظ في كتب ورسائل حسب الموضوعات
توظيف تلك الرسائل في تأليف المعاجم والكتب