المعلقات : التسمية .. أصحاب المعلقات .. شعر الوقوف على الأطلال
المعلقات : ما سرّ تسميتها ؟ ومن هم أصحابها ؟ المعلقات هي مجموعة من القصائد الطوال ، مختارة من الشعر الجاهلي وأصحابها من أشهر شعراء الجاهلية ، وقد اختلف القدماء في عدد هذه المعلقات و في تسميتها فمنهم من يقول إنّها ثماني معلّقات ومنهم من يقول إنها عشر ، و نهم من يقول إنها سبع فقط
أما من حيث اسمها فمنهم من يقول : القصائد السبع أو السبع الطوال ، ومنهم من يقول المعلقات فحسب ، وغير ذلك
كذلك يختلف الرواة في شأن الاهتمام بهذه القصائد ، فيقول بعضهم إن العرب قد بلغ بهم الكلف بالشعر و تفضيلهم له أن عمدوا إلى سبع قصائد تخيّروها من الشعر القديم ، فكتبوها بماء الذهب في القباطي المدرجة و علقوها بين أستار الكعبة ، فلهذا السبب يقولون : مذهبة امرئ القيس ، ومذهبة زهير و غيرهما.
وينص ابن عبد ربه على أن المعلقات السبع هي كما يلي :
لامرئ القيس و مطلعها :
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل و لزهير و مطلعها :
من أمّ أوفى دمنة لم تكلّم و لطرفة و مطلعها :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد و لعنترة و مطلعها :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي و لعمرو ابن كلثوم و مطلعها :
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا و للبيد ومطلعها :
عفت الديار محلها فمقامها و للحارث ابن حلزة و مطلعها :
آذنتنا بينها أسماء ويحتج من يسميها بالقصائد الطوال بظاهرة الطول الواضح فيها ، إن معلقة امرئ القيس تصل إلى 81 بيتا، بينما تبلغ معلقة زهير 62 بيتا ، و طرفة 103 و عنترة 74 ، وعمرو ابن كلثوم 103 ، و لبيد 88 ، و الحارث ابن حلزة 81 بيتا
وهناك من اللغويين من يعلّل تسمية هذه القصائد بالمعلقات تعليلا آخر غير فكرة التعليق على الكعبة ، و من هؤلاء أبو جعفر النحاس النحوي ( توفي سنة 328هـ) ، أحد شرّاح هذه المعلقات ، فقد كتب يقول : " واختلفوا في جمع هذه القصائد السبع ، و قيل أن العرب كان يجتمع بعكاظ ، ويتناشدون الأشعار فإذا استحسن الملك قصيدة قال علقوها و أثبتوها في خزانتي فأما قول من قال إنها علقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة" ، و ربما كان ابن الكلبي – المتوفى سنة 204 هـ - هو أوّل من قال بقصة التعليق على الكعبة ، إذ ذكر أنّ أول شعر علّق في الجاهلية على ركن من أركان الكعبة هو شعر امرئ القيس و ذلك "أيّام الموسم حتى نظر إليه ، ثمّ أحدر( أنزل) " ، فعلقت الشعراء ذلك بعده ، و كان ذلك فخرا للعرب في الجاهلية ، و عدوا من علق شعره سبعة نفر إلاّ أن عبد الملك طرح شعر أربعة منهم ، و أبت مكانه أربعة "
إلاّ أنّ هناك رواية أخرى تقول : إن اختيار هذه السبع و تسميتها بالمعلقات يرجع حماد الراوية (95 – 185هـ) الذي رأى زهد الناس في عصره و انصرافهم عن الشعر فجمع هذه السبع و حضّهم عليها ، و قال لهم : هذه هي المشهورات ، فسميت القصائد المشهورة .
ومهما يكون من أمر فإنّ الشهرة المستفيضة لهذه القصائد أنّها المعلقات و إن كان هناك من يسمّيها بالسموط ، و السموط هو القلادة ، فكأنّ لجودتها و رفعة مقامها تقوم مقام السموط في جيد الحسناء ، أمّا الذين يذهبون إلى تسميتها بالمذهبات فإنهم يرجحون الأخذ بخبر كتابتها بماء الذهب و تعليقها على الكعبة
الوقوف على الأطلال : كثيرا ما بدأ الشاعر الجاهلي قصيدته بالوقوف على الأطلال ، فقد جعلوا هذا الأخير لحنا
يفتتحون به قصائدهم ويطول الوقوف بهذه الأطلال كما يطول التأمل بهذا المكان آثار شاخصة بارزة وتسمى حينئذ بالأطلال ، وقد لا تكون به إلاّ الآثار البارزة ، وتسمّى حينئذ بالرسوم ، تشبيها لها بالرسوم و الكتابة ، و ربما غلب الطلل على الآثار شاخصة وغير شاخصة.
ومن الصور الشائعة في المقدمة الطللية أن يبدأ الشاعر بذكر الديار وقد عفت أو كادت آثارها أن تمحى ، ثم يذكر الديار ويحدد مكانها بذكر ما جاورها من مواضع ، ثمّ ينعتها بعد أن سقطت عليها الأمطار ، ونما عليها العشب فاتخذتها الحيوانات مرتعا تقيم فيه وتتوالد يقول لبيد :
عفّت الديار محلّها فمقامهــا بمنى تأبّد غولـها فرجامـها (1)
فمدافع الرّيان عرّي رسمـها خلقا كما ضمن الوحيّ سلامها (2)
دمن تجرّم بعد عهد أنيســها حجج خلون حلالها و حرامها (3)
رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعد جودها ورهامها (4)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) عفت: درست و امحت. محلها فمقامها: أي الأماكن التي كانوا يحلّون بها و يقيمون، و المراد جميع أرجائها. منى و الغول و الرجام: مواضع. تأبد: أصبح موحشالا أنيس فيه.
(2) عري : ارتحل عنه أهله فعري . خلقا: بلي، أي بليت آثار القوم، و أصبحت في مستوى الأرض.الوحي بضمّ الواو: الكتابة.السلام بكسر السين: الحجارة.
(3) الدمن: آثار القوم و آثار الحيوانات . تجرّم : تمّ . خلون : مضين . حلالها وحرامها : أي مضت بأشهر الحل و الحرم ، أي بتمامها .
(4) مرابيع النجوم ، و يروى مرابيع السحاب : أي رزقت أوائل المطر ، وأضاف المرابيع إلى النجوم لأنه يقال: مطرنا بنوء كذا ، و النوء : النجم . الجود : المطر الكثير الذي يرضي القوم . الرهام : المطر الضعيف .
ــــــــــــــــــــــــــ
وقد لا يتوسّع بعض الشعراء كما فعل لبيد من مثل ما نجده عند زهير ابن أبي سلمى ، إذ يحدد ديار محبو بته " أمّ أوفى"في مواضع " حومانة الدّرّاج " و "المتثلم " " الرقمتين " وقد امّحت آثارها ، و بدت بعد انقضاء عشرين سنة و كأنها وشم على معصم ، و اتخذتها الضباء و البقر الوحشي مرتعا تقيم فيه و تتوالد، يقول زهير في مطلع معلقته :
أمن أمّ أوفى دمنة لم تكـلّم بحومانـة الدراج فالمتثلــم (1)
ودار لها بالرقمتين كأنـّها مراجيع وشم في نواشر معصم (2)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أمّ أوفى : كنية محبوبته. لم تكلم : لم تتكلم . حومانة الدراج فالمتثلم : موضعان .
(2) الرقمتان : موضع اختلف الشرّاح في تحديده . مراجع وشم: محدد . نواشر : عصب .
ـــــــــــــــــــــــــ
وينتقل كثير من الشعراء بعد الوقوف بأطلال المحبوبة إلى وصف مشهد الرحيل ، وهودج الحبيبة وصواحبها ، وقد يصفون الطريق الذي سلكه القوم و يذكر الأماكن الجديدة التي حلّوا بها ، وتتنوع طرائق التعبير و مشاهد الرحيل بين الشعراء : ويبقى بعدها مشهد الرحيل معلما من المعالم التي تلي المقدمة الطللية وجانبا من جوانب الحديث عن المحبوبة
إن الشعراء الجاهليين أفردوا مقدّمات أكثر قصائدهم لأحاديث الغزل و ما يتصل به : وأنّ المقدّمات الطللية هي أكثر المقدّمات انتشارا وهي مقدمة يقف الشاعر فيها بأطلال محبوبته ناعتا المكان وما آل إليه بعد أن كان عامرا بأهله ، وقد يبكي في هذا المكان على حبّه الضائع ، أو يتذكر موقف لرحيل فيصف الظعن وما يلاقيه من جوى و حرمان ، وقد يبدأ بحديث الفراق مباشرة من مثل مطلع معلقة الحارث ابن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء ربّ ثاو يملّ من الثواء
وقارئ الشعر الجاهلي يمكنه أن يستخلص المثال الأعلى للجمال ، سواء كان جمالا حسّيا أو معنويا يتصل بالسجية والأخلاق ، وعذوبة الروح و حلاوة الحديث ... إنّ الشعراء الجاهليين قد نحتوا للمرأة في أشعارهم تمثالا دقيقا مجلا القسمات ، بدءا بشعرها و انتهاء بقدميها ، و هو تمثال يفيض حيوية ويمتلئ بصفات خلقية وروحية هي الصفات التي أحبّها الجاهلي في المرأة بشكل عام .
ـــــــــــــــــــــــــ
إعداد : د . تيحال نادية