النبي المجهول

النبي المجهول

أيْها الشعبُ ! ليتني كنتُ حطَّاباً

ليتَني كنتُ كالسيّولِ ، إذا ما سالَتْ

ليتَني كنتُ كالريّاح ، فأطوي

ليتني كنتُ كالسّتاء ، أُغَشِّي

ليتَ لي قوَّة َ العواصف ِ، يا شعبي

ليت لي قوة َ الأعاصيرِ ! إن ضجَّتْ

ليت لي قوة الأعاصير لكن

أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور

أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ

في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي

ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ ، فأهرقْتَ

فتألَّمت .. ثًمَّ أسكتُّ آلامي

ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي

ثم قدّمْتُها إليكَ ، فَمزَّقْتَ

ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً

إنني ذاهبٌ إلى الغابِ ، ياشَعْبي

إنني ذاهبٌ إلى الغابِ ، علَّي

ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ ، فما أنت

سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي

فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري

ثم أقْضي هناك ، في ظلمة الليل

ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو

وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي

وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ

أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ

أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها

أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ، كبَّلتْها

والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي

هكذا قال شاعرٌ ، ناولَ النَّاسَ

فأشاحُوا عنْها ، ومرُّوا غِضابا

قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ

طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ

طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ

طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي

إنه ساحرٌ ، تعلِّمُه السحرَ
ْ
ف?بعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ

«أطردوه ، ولا تُصيخوا إليه

هَكَذا قَال شاعرٌ ، فيلسوفٌ

جَهِلَ الناسُ روحَه ، وأغانيها

فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ

هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ

وبعيداً ، هناك .. في معبد الغاب

في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ ، والزّيتونِ

في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير

نافخاً نايَه ، حوالْيه تهتزُّ

شَعْرُه مُرْسَلٌ تداعُبه الرّيحُ

والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه

وترا عند الأصيل ، لدى الجدول

أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ ، أو يرنو

فإذا أقْبَلَ الظلامُ ، وأمستْ

كان في كوخه الجميل ، مقيماً

عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ ؟

وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي
وهزيمِ الرِّياح ، في كلِّ فَجٍّ

وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها

هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني

يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ

يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا

يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون