يا قلبُ ! كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ
يا قلبُ ! كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ
كأنَّها ، حين يبدو فجرُها « إرَمُ »
يا قلبُ ! كم فيكَ من كونٍ ، قد اتقدَتْ
فيه الشُّموسُ وعاشتْ فَوقُه الأممُ
يا قلبُ ! كمْ فيكَ من أفقٍ تُنَمِّقْهُ
كواكبٌ تتجلَّى ، ثُمَّ تَنعِدمُ
يا قلبُ ! كمْ فيكَ من قبرٍ ، قد انطفَأَتْ
فيها الحياة ُ، وضجَّت تحتُه الرِّمَمُ
يا قلبُ ! كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبَجَسَتْ
منه الجداولُ تجري مالها لُجُمُ
تمشي .. فتحملُ غُصناً مُزْهِراً نَضِراً
أو وَرْدَة ً لمْ تشَوِّهْ حُسنَها قَدَمُ
أو نَحْلة ً جرَّها التَّيارُ مُندَفِعاً
إلى البحارِ ، تُغنّي فوقها الدِّيَمُ
أو طائراً ساحراً مَيتْاً قد انفجرتْ
في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جَمَّة ٌ وَدَمُ
يا قلبُ ! إنَّك كونٌ ، مُدهِشٌ عَجَبٌ
إنْ يُسألِ الناسُ عن آفاقه يَجِمُوا
كأنَّكَ الأبدُ المجهولُ .. قد عَجَزَتْ
عنكَ النُّهَى ، واكْفَهَرَّتْ حَوْلَكَ الظُّلَمُ
يا قلبُ! كمْ من مسرَّاتٍ وأخْيِلة ِ
ولذَّة ٍ، يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ
غَنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً ، فَرِحاً
نَشْوَانَ ثم توارتْ ، وانقضَى النَّغمْ
وكم رأي لَيْلُك الأشباحَ هائمة ً
مذعورة ً تتهاوى حولها الرُّجُمُ
ورَفْرَفَ الألمُ الدَّامِي ، بأجنحة ٍ
مِنَ اللَّهيبِ ، وأنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ
وكمْ مُشَتْ فوقكَ الدُّنيا بأجمعها
حتَّى توارتْ ، وسار الموتُ والعدمُ
وشيَّدتْ حولك الأيامُ أبنية ً
مِنَ الأناشيدِ تُبْنَى ، ثُمّ تَنْهدمُ
تمضي الحياة ُ بما ضيها ، وحاضِرها
وتذْهَبُ الشمسُ والشُّطآنُ والقممُ
وأنتَ ، أنتَ الخِضمُّ الرَّحْبُ ، لا فَرَحٌ
يَبْقَى على سطحكَ الطَّاغي ، ولا ألمُ
يا قلبُ كم قد تملَّيتَ الحياة َ، وككمْ
رقَّيتَها مَرَحاً ، ما مَسَّك السَأمُ
وكمْ توشَّحتَ من ليلٍ ، ومن شَفَقٍ
ومن صباحٍ تُوَشِّي ذَيْلَهُ السُّدُمُ
وكم نسجْتَ من الأحلام أردية ً
قد مزَّقّتْها الليالي ، وهيَ تَبْتَسِمُ
وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مُوَرَّدة ً
طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ
وَكَمْ رسمتَ رسوماً ، لا تُشابِهُهَا
هذي العَوَالمُ ، والأحلامُ ، والنُّظُمُ
كأنها ظُلَلُ الفِردَوْسِ ، حافِلة ً
بالحورِ ، ثم تلاشَتْ ، واختفى الحُلُمُ
تبلُو الحياة َ فتبلِيها وتخلَعُها
وتستجدُّ حياة ً ، ما لها قِدمُ
وأنت أنتَ: شبابٌ خالدٌ، نضِرٌ
مِثلُ الطَّبيعة ِ.. لا شَيْبٌ ولا هرَمُ