السيميولوجياو دي سوسير
خــطـــة البــحــــث
مـقدمـة
الفصل الأول : دي سوسير ودراساته حول السيميولوجيا
المبحث الأول : حياة دي سوسير و مؤلفاته
المبحث الثاني : الخلفية الفلسفية و اللغوية لـ دي سوسير
المبحث الثالث : دراسات دي سوسير و آراؤه الشهيرة
الفصل الثاني : أسس السيميولوجيا الأوربية و أهميتها
المبحث الأول : التصنيف الأكاديمي الفرنسي
المبحث الثاني : المرتكزات الديسوسورية في السيميولوجيا
المبحث الثالث : أهمية السيميولوجيا السوسيرية و تفرعاتها
الخــاتـمة
مـــقـــدمـــة
إن الحديث عن السيميولوجيا كعلم قائم بذاته يذهب بمخيلتنا إلى المدرسة الأوربية للسيميولوجيا ، وعلى وجه الخصوص أبو السيميولوجيا الأوربية " فيرديناند دي سوسير" هذا العالم الذي قال فيه "جورج موني " (إن فيرديناند دي سوسير هو الذي حدد في كتابه *محاضرات في اللسانيات العامة* مجال السيميولوجيا بعدها العلم الذي يتولى دراسة الدلائل و الرموز- اللفظية كانت أو غيرها – التي يستعملها الناس بغرض التواصل بين بعضهم و البعض الآخر ) , رغم أنه لم يكن السّباق لهذه الفكرة , إلاّ أنه كان سبّاقا إلى وضع إطار علمي لهذا المفهوم الذي يقتصر دراسته على أنظمة العلامات اللسانية و من هذا المنطلق نطرح الإشكالية الآتية :
من هو مؤسس المدرسة الأوربية للسيميولوجيا و ما هي المرتكزات التي قام عليها هذا التأسيس انطلاقا من الخلفيات مرورا بالتأسيس ووصولاً إلى النتائج العلمية ؟.
الفـــصــل الأول :
دي سوسير ودراساته حول السيميولوجيا
المبحث الأول : حياة دي سوسير و مؤلفاته
المبحث الثاني : الخلفية الفلسفية و اللغوية لـ دي سوسير
المبحث الثالث : دراسات دي سوسير و آراؤه الشهيرة
المبحث الأول : حــياة دي سوسير و مؤلــفـــاته
ولد " فيرديناند دي سوسير" بسويسرا سنة 1857م , كان واحدا من أعظم الباحثين اللسانيين في جميع العصور. إذ أن شخصيته القوية و موهبته اللسانية الأصيلة و نزوعه الفائق إلى جانب البحث النظري و التأثير الذي مارسه على طلابه , كل هذا لم يجعل منه مؤسسا لمدرسة مهمة , بل مؤسسا لعصر بأكمله من الدرس اللساني . لقد كانت أفكاره التي طرحها بطريقة مبينة و مقنعة لأول مرة هي الجذور التي نبتت منها اللسانيات البنيوية الحديثة.
كان دي سوسير أستاذا للسانيات في جنيف و باريس , قام بتدريس اللغات السنسكريتية و الجرمانية و اليونانية و اللّتوانية ولم يبدأ شغف دي سوسير بالأفكار اللسانية العامة إلا فيما بعد عام 1894م. إذ كان لنظريات " دوركايم" اثر قوي عليه .توفي دي سوسير سنة 1913م. (1)
ولقد كان مقلا فيما نشر , فإذا صرفنا النظر عن أول أعماله و أهمها {مذكرات في النظام البدائي للحركات في اللغات الهندية- الأوربية } حيث نشر 20 مقالا منها.
كما خلف بعض التعليقات و مقالات قصيرة عن مشكلات التأثيل الاشتقاقي و قليلا من المراجعات.
بالإضافة إلى كتابه { دروس في اللسانيات العامة } و الذي اتخذ الدرس اللساني منحى جديد على إثر نشره سنة 1916 م على يد كل من " شارل بالي " و " ألبير سيشهاي " , حيث نقل إلى اليابانية سنة 1928م , ثم إلى الألمانية سنة 1931م , وإلى الروسية سنة 1933م و الإسبانية سنة 1945م و إلى الإنجليزية سنة 1959م و البولونية سنة 1961م و الايطالية سنة 1967م . (2)
المبحث الثاني : الخلفية الفلسفية لـ دي سوسير
-*- العامل الاجتماعي :
كانت الأفكار التي جاء بها " دوركايم" مؤسس المدرسة الفرنسية لعم الاجتماع , والذي تتلمذ على يد أستاذه "كونت" والتي تتمثل في أهمية العامل الاجتماعي بمعنى أن الأفراد في المجتمع يعيشون ضمن إطار الضمير الجمعي أو ما يسمى بالشعور الجمعي أو الجماعي . وهذا إتباعا لما يشتركون فيه من اعتقادات و عواطف , وكل هذه الصفات سابقة لوجود الفرد وباقية بعده ومستقلة عنه كما أنها في الآن نفسه تمارس ضغطا عليه حيث ربط هذا المفكر مأساة الأفراد بالعامل الاجتماعي في كتابه "الانتحار" سنة 1897م.
هذه الأفكار أثرت في الأوساط الفلسفية و اللغوية ومن بين أعمدة هذه الأخيرة (اللغة) آنذاك "أنطوان ميي" , الذي ساد في اعتقاده بأن « اللغة حدث اجتماعي مستقل عن كل فرد وليس لأي كان أن يغيرها » . كما دعا إلى استبدالها بمفاهيم أكثر نحوية وموضوعية ,أي أقرب إلى الدراسات العلمية .
-*- مذهب الإنضماميين :
تأسس هذا المذهب على يد كل من "جون لوك" (1632-1704), و"دافيد هيوم"(1711-1776) , وطور من طرف "ألكسندر بال" و "هربرت سبنسر" وبالأخص الوضعي الإنجليزي "جون ستيوارت ميل"(1806-1873), ويرى هذا الأخير أن الحياة النفسية تحكمها قوانين الانضمام , والأحاسيس هي بمثابة ذرات (الشعور و الوعي) ولهذا يجب أن تدرس على حدة ولا ينظر إليها أو إلى مجموعها وهو (الشعور) .
حيث أن إحساس واحد يأتي بأحاسيس أخرى والمساس به كذلك مساس بالأحاسيس الأخرى وهذا نظرا لارتباطها بصفة عضوية .وغلب على أصحاب هذا المذهب أن الأشياء ضمن الجماعة أو على حدة نفس الشيء ,رغم النقد الموجه لهم من طرف "هنري برغسون" كون أنهم اعتبروا النفس تحكمها قوانين ميكانيكية .
ويظل هذا المذهب رغم النقد الموجه له يشكل منطلقا لعديد الدراسات , كما كان منطلقا لنظريات كاملة كالمنعكس الشرطي لــ "بافلوف" ,و التحليل النفسي لــ "فرويد". (1)
-*- مفهوم الكــــــــل :
نشير في هذا المفهوم إلى الانتباه المهم لكل من "أوغست كونت" و "كارل ماكس" و "إيميل دوركايم" إلى مفهوم الكل , على أنه شيء زائد ومتجاوز لكل واحد من أجزائه .
ما أضافه فيردناند دي سوسير إلى هذا المفهوم هو جانب النظم , والذي يعني : « أن التأليف الذي يستلزم أن تكون لكل جزء في داخل المجموعة صفات خاصة تشاركه فيها يعرض الأجزاء وتغايره بها أجزاء أخرى , بإنصافه بتلك الصفات يكون له مع كل واحد من الأجزاء الأخرى علاقات ونسب ومجموع هذه النسب تسمى (في اصطلاح علماء هذا العصر) الصور أو الصيغة أو النظام وأطلق عليه فيما بعد لفض البنية,... ».
و"ميي" نفسه لم يلتفت إلى هذا الجانب بل الذي لفت نظره هو النظام كمجموعة أجزاء متناسقة لا التناسق في ذلك كعامل له كيان على حدة و بالأحرى تأثير في المجموعة وفي أجزائه .(1)
بمعنى آخر أن ميي لم يعر التناسق أهمية في حد ذاتها ككيان مهم في الجماعة.
مما سبق لنا من أفكار في هذا المبحث أن انطلاقة دي سوسير لم تكن من فراغ أو إبداع بل لها خلفيات مهمة يمثلها علماء علم الاجتماع واللغة وكذلك أن اللسانيات السوسيرية هي وليدة التراث الفكري و الفلسفي و البعد الاجتماعي .(1)
المبحث الثالث : دراســــات دي سوسيـــــر و آراؤه الشــهـــيــرة
يعتبر العالم الفرنسي دي سوسير من العلماء الذين خدموا اللسانيات التاريخية قبل أن يخدم اللسانيات الوصفية , ومن أهم الدراسات التي قدمها في اللسانيات التاريخية نذكر بعض من هذه الدراسات :
أ- دراسة حول النظام البدائي للصوائت في اللغات الهندو أوربية سنة 1878م .
ب- حالة الجر المطلق في اللغة السنسكريتية سنة 1881م .
وقد قام هذا البحث لنيل درجة الدكتوراه في جامعة " ليبسيغ " . وترجع أهمية هذه الدراسات إلى أمرين أساسيين :
*)- اعتماد المنهج البنيوي في البحث .
*)- إتباع مناهج البحث النظري المحض . (1)
بالإضافة إلى هذه الدراسات نذكر أهم الأفكار الشهيرة التي جاء بها العالم " فيرديناند دي سوسير"وهي:
أولا : إن العلامة اللغوية لا تقرن شيئا باسم و إنما تقرن مفهوما بصورة سمعية , والمقصود بالصورة السمعية ليس الصوت المسموع , أي الجانب المادي ,بل هو الأثر النفسي الذي يتركه الصوت فينا .
أو بعبارة أخرى التصور الذي تنقله لنا حواسنا للصوت . وبالتالي فالنسق بين التصور و الصورة السمعية هو علامة . فالعلامة اللغوية هي وحدة نفسية مزدوجة و العنصران (مفهوم- صورة سمعية) مرتبطان معا ارتباطا وثيقا ويتطلب وجود الواحد منهما وجود الثاني .لقد اعتدنا أن نسمي باسم "علامة" العلاقة الترابطية بين المفهوم والصورة السمعية , غير أن المصطلح "علامة" يشير عادة - في الاستعمال الشائع- إلى الصورة السمعية فقط.
لهذا نقترح - و الكلام عند دي سوسير دائما - الاحتفاظ بكلمة علامة للدالة على الكل وتبديل كلمتي : تصور وصورة سمعية بكلمتي : المدلول و الدال .أما الرابط الجامع بين الدال و المدلول فهو اعتباطي , فالعلامة الألسنية اعتباطية ,وذلك تعريفنا العلامة على أنها مجموع ما ينجم عن ترابط الدال بالمدلول . أما المبدأ الثاني فهو أن صفة الدال الخطية : و لكون الدال ذا طبيعة سمعية , فإنه يمتد في الزمن فحسب متمتعا بصفته :
1- إنه يمثل بعدا (اتساعا).
2- يمكن قياسه في بعد واحد هو المنحى الخطي .
ثانيا : اللغة منظومة من العلامات تغبر عن فكرة ما . أما الكلام فهو عمل فردي للإرادة و العقل .
ثالثا : إن الدليل في تعريفه السوسيري – يقول أنور المرتجي – يجب أن يفهم داخل تصور عام ,هو النظام SYSTEME الذي يتضمن مفهوم الكل والعلامة ,حيث لا يمكن فهم وظيفة الأجزاء إلا في علاقتها الاختلافية مع الكل.فالأجزاء داخل النظام ليس لها معنى في حد ذاتها عندما ينظر إليها معزولة .وهو ما عبر عنه دي سوسير بالتعارضية . (2)
الفـــصـــــل الثّـــانـي :
أسـس السيميولـوجيـا الأوربية و أهـميتهــا
المبحث الأول : التصنيف الأكــاديـمي الفرنسـي
المبحث الثاني : المرتكزات الديسوسيرية في السيميولوجيا
المبحث الثالث : أهمية السيميولوجيا السوسيرية وما تفرع عنها
المبحث الأول : التصنيف الأكـــاديمي الفرنســي
حسب التصنيف الأكاديمي الذي أقامه " بايلون كريستيان" و "بول فابر" يمكن دراسة أنواع الدلائل في شكل ثنائيتين رئيسيتين: القرينة indice والإشارة signe من جهة و الدليل symbole من جهة أخرى .
*(القرينة و الإشارة )* بخلاف الإشارة (الاتصالية) ,فإن القرينة هي كل دليل لا يتضمن أي نية في التبليغ intention de communiquer .
أ)- القرينة : تتجسد القرينة في أربعة مجالات متميزة: اللغة , البلاغة , القانون و السيميولوجيا .
أ-1)- في اللغة العربية :
يراد بقرينة الكلام ما يصاحب الكلام و يدل على المراد به. وهي التي لا تحدد وظيفة و إنما هي مجرد أداة تساهم في إعطاء لفظة (من لفظات الجمل) مدلولا إضافيا. مثال: أدوات التعريف (في الرجل), التنوين (مثل مائدة), التسويف (س, سوف.في: سيسمع, سوف يسمع) و النفي (لا, في: لا يسمع) وكذلك الصفة(مستديرة التابعة لمائدة) ....إلخ.
أ-2)- في البلاغة العربية (المجاز اللغوي) :
القرينة, في حالة الاستعارة هي المانع من إرادة المعنى الحقيقي والتي تساهم في الدلالة على المعنى المجازي. وقد تكون القرينة لفظية أو حالية .
تتجسد القرينة اللفظية في المثالين الآتيين :
*المثال الأول: "إني شديد العطش إلى لقائك" :شبه الاشتياق بالعطش بجامع التطلع إلى الغاية. وقد حذف المشبه (الاشتياق) و ترك شيئا من لوازمه (أي قرينته) وهو: "إلى لقائك", على سبيل الاستعارة التصريحية( التي يذكر فيها المشبه به ).
*المثال الثاني: قال الشاعر: عضنا الدهر بنابه****** ليت ما حل بنا به
شبه الدهر بحيوان مفترس بجامع الإيذاء في الكل. ثم حذف المشبه به (الحيوان) و رمز إليه بشيء من لوازمه و هو فعل "عض" , على سبيل الاستعارة المكنية (التي لم يذكر فيها المشبه به).
و تكون القرينة حالية في الشطر الأول من هذا البيت للبحتري: هزبر مشى يبغي هزبرا و أغلب *** من القوم يغشى باسل الوجه أغلبا
تتمثل القرينة (الحالية) هنا في الحال المفهومة من سياق الكلام التي تدل على أن المقصود من كلمة "هزبر" الأولى ليس المعنى الحقيقي (الأسد الحقيقي الذي تدل عليه كلمة "هزبرا" الثانية) ولكن المعنى المجازي (أي الممدوح الشجاع) .
و يقوم المجاز (الذي يعتمد, بخلاف الاستعارة, علاقة ضرورية تكون لغير المشابهة) على قرينة (تكون دائما لفظية في حالة المجاز المرسل ) تمنع من إرادة المعنى الأصلي و تساهم في الدلالة على المعنى المجازي .
*مثال للمجاز المرسل : "أمطرت السماء نباتا" (أي أمطرت السماء الماء الذي به يوجد النبات ).
مثال آخر : قال الله تعالى : « واسأل القرية التي كنا فيها » (أي أهلها), فتعد الأفعال: "أمطرت" و "اسأل" قرائن لفظية.(1)
أ-3)- في القانون :
القرينة القضائية :هي الدلائل غير المباشرة التي يستخلص بواسطتها القاضي الحقيقة القانونية.
أ-4)- في السيميولوجيا :
حسب "لويس بريتو", القرينة هي: « واقعة يمكن إدراكها فورا و تعرفنا على شيء يتعلق بواقعة أخرى غير مذكورة » .
نستنتج من هذا التعريف أن القرينة لا تحمل أي نية في التبليغ .
مثال : السماء الغائمة أو السماء العاصفة اللتان تدلان على احتمال سقوط المطر. مثال أخر: أثر قدم إنسان ("أ") بالنسبة لإنسان آخر ("ب") .
ب)- الإشـــارة:
يمكن تقسيم الإشارات إلى نوعين رئيسيين: إشارات الدلالة signaux significatifs و إشارات الاتصال communicatifs signaux .
ب-1)- إشارات الدلالة :
على الرغم من أن هذه الإشارات يمكن أن تحمل رسالة و تدل على شيء إلا أن وظيفتها الأساسية لا تكمن في ذلك بل تكمن في الجانب النفعي الذي أنشئت من أجله .
لنأخذ مثلا من الهندسة المعمارية : إن المسجد قد بني بالدرجة الأولى من أجل إقامة الصلاة .إلا أنه غالبا ما تتجسد في هندسته المعمارية البصمات الفنية أو الثقافية أو الحضارية للشخص الذي أشرف على بنائه .
مثال آخر: لنستدل بموضة الملابس: إن التنورة jupe التي فصلت أساسا كي تلبس من قبل امرأة تعد في الوقت ذاته إشارة دلالية: لأن مصمم الموضة يكون قد فصلها وفق زي أو موضة معينة .
ب-2)- إشارات الاتصال :
هي الإشارات التي وضعت أساسا من أجل حمل أو نقل خبر: كإشارات قانون المرور و الدلائل اللسانية.
على خلاف القرينة, تتضمن الإشارة الاتصالية النية في التبليغ : إن السماء العاصفة ليس في نيتها الإعلان عن رداءة الطقس ولكن بفضل هذه القرينة يشرع مسؤول الحماية المدنية على مستوى الشاطئ بمباشرة تعليق العلم الأحمر.
إن هذا العلم هو إشارة اتصالية وضعت بغرض إعطاء تحذير للمصطافين.
نلاحظ بأن هذا العلم هو دليل غير لساني ,ومن ثم فإنه يندرج في مجال السيميولوجيا وليس من اختصاص علم اللسان.
نذكر كذلك من بين الإشارات الاتصالية شعار جهاز التلفزيون على واجهة مصلح أجهزة التلفزيون ومعظم إشارات قانون المرور (كإشارة قف).
توجد بين هذين النوعين من الإشارات حالات وسطية تأتي في مقدمتها الكلمات المحاكية onomatopées التي تقوم على تقليد أصوات طبيعية . مثال: أف, بوم boum, كراك crac...إلخ. وهي الكلمات التي لا يمكن التعرف عليها جيدا إلا من خلال دراسات لسانية وسيميولوجية جدية. (1)
*( الرمــز و الدليـــل )* تكون الإشارة الاتصالية التي نخصها بتسمية الدليل (بخلاف الإشارة الدلالية) إما رمزا أم دليلا .
1- الرمـــــز : هو إشارة اتصالية تقوم على ركائز طبيعية .مثل : الدخان الذي يعني وجود نار, بخلاف الدليل الذي لا يتمتع بأي علاقة طبيعية من شأنها أن تربط بين سلسلة الأصوات (المكونة للدال signifiant اللساني ) وما تمثله أو بين شكل الضوء الأحمر (بوصفه دالا سيميولوجيا يثبت في ملتقى الطرق الخطيرة) والمعنى الذي يدل عليه.
يدل الرمز(z) الذي تتضمنه لافتة المرور (المنعطف الخطير) على وجود خطر محتمل. وهكذا توجد بين العنصر "أ" (شكل اللافتة) والعنصر "ب" (منعرج الطريق) علاقة طبيعية أو فيزيائية وطيدة( أي : العلاقة التشابهية rapport analogique ) . وفي هذا المثال يعد (z) هذا رمزا.
إذن الرمز هو الإشارة الاتصالية التي تسجل علاقة تشابهية داخل ثقافة معينة, مع العنصر الذي نمثله.
2- الــدلــيــل : عندما لا تكون هناك علاقة طبيعية بين العنصر"أ" و العنصر"ب": أي بين العلم الأحمر و الاستحمام الخطير, في مثال العلم الأحمر المعلق في الشاطئ ,نقول عن هذه الإشارة بأنها دليل سيميولوجي. أمثلة أخرى للدليل السيميولوجي: لافتة الريح الجانبية, اللافتة التي تدل على وجود أشغال.(1)
المبحث الثاني : المرتكزات الديسوسيرية حول السيميولوجيا
1 )- الدليل اللساني : تكلم عنه في مرحلتين
أ- أكد أن الدليل اللساني لا يجمع بين شيء واسم بل بين متصور ذهني وصورة سمعية (أوكوستيكية) .
ب – تخلى عن الاصطلاحين وعوضهما بالمدلول و الدال حيث يصفهما بوجهي الورقة وجه جلي يمكن إدراكه هو الدال والآخر خفي لا يمكن إدراكه (المدلول) الذي يمثل الفكرة أو المفهوم اللذان يصلان إلى المتلقي عن طريق الدال .
وهنا يتشكل الدليل اللساني ويكون اعتباطي أي عدم وجود علاقة طبيعية بين الدال و المدلول و العلاقة غير مبررة مثال: السيارة مع إشارة الضوء الأحمر للتوقف ← الدال و المدلول المرور ممنوع .
فئة1← تخص سيارات تواصل طريقها بدون دوران , فئة2 ←تخص سيارات تقوم بدوران معين في ذلك المنعطف.
2 )- اللسان و الكلام عند دي سوسير : دي سوسير أول من طالب بوصف اللغة لأنه يميز بين اللسان و الكلام فالمهم في نظره في اللغة هو اللسان حيث اعتبر اللغة موضوع خاص غير أن داخلها هناك قوانين اللسان حيث أن اللغة المنطوقة :
- ظاهرة واسعة إلى أقصى حد شديد الثراء .
- ظاهرة تحمل مظاهر فيزيائية ,مظهر فردي و مظهر اجتماعي .
- عبارة عن مجموعة وقائع متنوعة ومتسعة بحيث يعجز التحليل والسيطرة عليها وهذا يجعل دراستها ترتبط بعدة فروع ’ وليتم كشفها يتطلب إقامة عدة انساق .
يقول "دي سوسير" : إذا كنا ندرس اللغة من عدة جوانب يظهر لنا أن موضوع اللسانيات هو ركام غامض من الأشياء غير المتجانسة التي لا توجد علاقة بينها وليس هناك سوى حل واحد لجميع هذه المصاعب , إنه لابد من التموضع في حقل اللسان و اتخاذه كمقياس لجميع المظاهر الأخرى , و اللسان عند دي سوسير : نتاج للملكية اللغوية ومجموعة من المواصفات يتبناها الكيان الإجتماعي ليمكن الأفراد من ممارسة هذه الملكية . واللسان هو كنظام نحوي يوجد في كل دماغ على نحو أدق في أدمغة مجموعة من الأفراد .
الكلام : يمثل الممارسة الفردية القائمة على الاختيار و التحقيق .وهو فعل فردي نابع من الإرادة والذكاء , كذلك هو عبارة عن تأليفات من خلالها يستخدم المتكلم قواعد اللسان بغرض التعبير عن فكره الشخصي وتكون باختيار ألفاظ ضرورية ومحددة لإنشاء جملة . (1)
-*- البنية و البنيوية :
-1-البنية: تعني structure مشتقة من الكلمة اللاتينية structura من الفعل strure بمعنى construire
+ فلسفيا: مجموعة منظمة ومستقلة من عناصر مترابطة تقيم العلاقات بين بعضها والآخر حسب قوانين محددة
+ في علم النفس الاجتماعي: البنية تفسر سلوك أي جماعة وتسمى البنيات الكلية التي تصف المعطيات الظاهرة لذلك السلوك ,ويتم كشف البيانات الحقيقية بإجراء اختبار يخضع إليه كل أفراد الجماعة بطرح أسئلة مغلقة (نعم/لا) .
-2- البنيوية:structuralisme وهي إبراز أهمية الكل بالنسبة إلى الفرد وآنية الوقائع بدلا من تطورها ,فضلا عن العلاقات التي توجد فيما بين هذه الوقائع لأن الفكر البنيوي لا يهتم بدرس الوقائع نفسها في طابعها المجزأ .
**اللسانيات البنيوية: المنهجية النظرية التي تعد اللسان بنية أي مجموعة من العناصر التي تقيم علاقات شكلية فيما بينها .
**البنية عند دي سوسير : هي التي لا يمكن تعريفها إلا بالرجوع إليها بوصفها بناء أو نظاما , أي بالرجوع إلى علاقاتها الداخلية (الدال و المدلول) بدلا من علاقاتها الخارجية (سياق اجتماعي ,تاريخي) لأنها توظف حسب تناقضاتها الداخلية . (1)
المبحث الثالث:أهمية السيميولوجيا السوسيرية وما تفرع عنها
الحديث عن أهمية السيميولوجيا ونحن نورد بوادر قيامها و أهم روادها ,يبرز بشكل ملفت علاقتها و اللغة إذ أعطتها بعدا دلاليا هاما و أكسبتها طابعا علميا أكثر دقة .
ولعل أهم شيء أو دليل يربطنا بالسيميولوجيا هو العلاقات الوثيقة بينها وبين علوم الإعلام و الاتصال , فالحديث عن اللغة الإعلامية ومعانيها و الأفكار و حواشيها و المحتويات الإعلامية و قراءة ما بين السطور , وفك رموز التشفير وجعل الاتصال الاجتماعي أكثر وضوحا .
والسيميولوجيا كعلم قائم بذاته لم ينطلق من فراغ كما سبق ذكرنا في الخلفية الفلسفية السوسيرية ,فقد استندت السيميولوجيا الأوربية لدى قيامها إلى علوم مختلفة لعلم الجمال والمنطق والرياضيات واللغة ...إلخ, لتصبح علم اللسانيات أو الدلائل اللغوية وبدورها استندت إليها علوم أخرى كالأدب والترجمة واللغات..... وتسلسل منها علم الموسيقى و الأنثروبولوجيا و التحليل النفسي ....وتفرع عنها دراسات مهمة في علوم الإعلام و الاتصال .
وفيما يلي مخططين يبرزان الحقل العقلاني للسيميولوجيا و كذا ما تفرع عنها , وهما مخططان استوحاهما الدكتور محمد الرغيني في كتابه محاضرات في السيميولوجيا.
----الحقل العقلاني للألسنية----
علم الاجتماع الأسلوبية النقد الأدبي
الأدب
علم الإحصاء
علم نفس اللغة
الاضطرابات اللغوية
نظرية الإخبار
تعليم اللغات
المنطق و الرياضيات
الترجمة الفورية
السيبيرنتيقا
الأنثروبولوجيا
التحليل النفسي
علم الجمال
علم الموسيقى
التوثيــــــــق
التطبيق:
التسلسل:
الاستعارة:
ما تفرع عن كتاب (سوسير) : *دروس في الألسنية العامة*
البنيوية السيميولوجيا تحليل الخطاب
الوظيفية
مارتيني
التوزيعية
بلومفيلد في الألسنية في الأدب البلاغة الدلالة ه.هاريس
بينفينيست
مارتيني بارث
مونان
برييتو
ح.كوبنهاجن الشعر الرواية
جاكوبسون ج.جينيت
هيالمسليف مولينو سينما مسرح شعر رواية
ميتر هيلبو كريستيفا تودو وروف
التحويلية
شومسكي
خــــــاتــمـــة
إن المتمعن في خطوات بحثنا هذا يلاحظ أننا كشفنا و لو بالشيء اليسير بعض خبايا و مزايا السيميولوجيا ضمن المدرسة الأوربية انطلاقا من خلفيات فلسفية لتسيغ على آرائها ثوب العلمين , حول علم الدلائل و الرموز اللفظية التي يعايشها الإنسان وسط محيطه الاجتماعي ,وفي ظل الحقائق التاريخية التي تترجم مكانة هذا العلم سواء في ميدانه الخاص أو في العلوم الأخرى , لنا أن نشير إلى الولايات المتحدة ما كان لها أن تهزم سلاح الجو الألماني في الحرب العالمية الثانية لولا فك رموز اتصالاته العسكرية, ولما كان العراق وقع بسهولة في يد الاحتلال لولا فك أحجية أسوار بغداد , ولما تمكن تنظيم القاعدة من نسف برجي التجارة العالميين حسب التقارير الأمريكية .... إلا أن هذا لا ينسينا شيئا اسمه علم السيميوطيقا , والذي يعد بمثابة الشقيق للسيميولوجيا ولا ننسى كذلك هرما مهما في علم الدلائل بصفة عامة "شارل ساندرس بيرس " .فكيف كان سيكون الحال بدون سيميولوجيا أو سيميوطيقا ؟.
قائمة المراجع :
- أحمد مومن : اللسانيات النشأة و التطور ,بن عكنون, الجزائر, ديوان المطبوعات الجامعية , ط2 ,2005م .
- حنون مبارك : مدخل للسانيات سوسير , الدار البيضاء, المغرب , دار توبقال للنشر , ط1 , 1987م .
- محمد الرغيني : محاضرات في السيميولوجيا ,الدار البيضاء, المغرب , دار الثقافة للنشر و التوزيع , ط1 , 1987م .
- محمد براقن : مدخل إلى سيميولوجيا الاتصال , محاضرات السنة الثالثة إعلام و اتصال .
- ميلكا ايفيتش : اتجاهات البحث اللساني , ترجمة: سعد عبد العزيز مصلوح ووفاء كمال فايد, المجلس الأعلى للثقافة , 2000م .
- ميشال أريفه و آخرون : السيميائية أصولها و قواعدها , ترجمة: رشيد بن مالك , تلمسان , منشورات الاختلاف , 1995م .
- دليلة مرسلي و آخرون : مدخل إلى السيميولوجيا , ترجمة: عبد الحميد بورايو , بن عكنون الجزائر , ديوان المطبوعات الجزائرية ,