ذكر المؤرخون والباحثون تعاريف عديدة للموشح منهم :
1- أبن خلدون ( 808 هـ المصادف 1388م ) الذي عرف الموشح:
(… وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم ، وتهذبت مناحيه وفنونه ، وبلغ التنسيق الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا سموه الموشح ينظمونه أسماطا أسماطا ، أغصانا أغصانا ، يكثرون من اعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان .
2- أبن سناء الملك (550 هـ ) : الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص )
ومن المحدثين
3- حنا الفاخوري الذي يعرف الموشح ( قصيدة شعرية موضوعة للغناء )
4- الأديب المغربي محمد بن تاوبت ( هو فن مستحدث من فنون الشعر العربي في هيكل من القصيدة ، لا يسير في موسيقاه على النهج الشعري التقليدي الملتزم لوحدة الوزن ورتوب القافية وإنما يعتمد على منهج تجديدي متحرر فيه ثورة على الأساليب المرعية في النظم بحيث يتغير الوزن وتتعدد القافية
5- د. رضا محسن القريشي : ( الموشح ضرب من ضروب الشعر تتعدد قوافيه وأوزانه تبعا لرغبة ناظمه ، ويعد ثورة على الشعر المقفى التقليدي الذي يخضع لقيدي الوزن الواحد والقافية الواحدة .
نبذة تاريخية عن الموشحات :
أجمع مؤرخو الشعر العربي على أن فن الموشحات فن أندلسي خالص ، عرف به أبناء الأندلس ومنهم
انتقل متأخراً إلى المشرق ، وهو من أروع ما خلف الأندلسيون من تراث أدبي .
سبب التسمية :
الموشح مشتق من كلمة وشح أي زين ، وسميت بالموشحات لما فيها من تزيين وتنميق وتناظر وصنعة فكأنهم شبهوه بوشاح المرأة المرصع باللؤلؤ والجوهر .
بناء الموشح :
تختلف الموشحات عن القصائد العربية من حيث البناء ويتألف الموشح من أجزاء مختلفة يكوّن مجموعها بناء الموشح الكامل ، وقد اصطلح النقاد على تسمية هذه الأجزاء بمصطلحات ، وهذه الأجزاء هي :
1- المطلع
2- القفل
3- الدور
4- السمط
5- الغصن
6- البيت
7- الخرجة
من أشهر الوشاحين الأندلسيين :
( عبادة بن ماء السماء ، عبادة القزاز ، ابن بقي الأعمى التطيلي ، لسان الدين بن الخطيب ، ابن زمرك
ابن سناء الملك ، شهاب الدين العزازي ، ابن باجة ابن سهل ، ،ابن زهر ، محيي الدين بن العربي
أبو الحسن المريني ) .
ويتكون أغلب الموشح من القفل والبيت ، فمنه ما جاء على أوزان العرب كالمخمسات، فيؤتى بخمسة أقسام من وزن وقافية،ثم بخمسة أخرى من وزن وقافية أخرى، كقول ابن زهر في بحر الرمل:
أيها الساقي إليك المشتكى قد دعونا وإن لم تسمعِ
ومن الموشح ما يدعى باسم المسمطات ، كأن يبدأ ببيت مصرع ثم يأتي بأربعة أقسام أو أقل كقول القائل:
غزالٌ هاج بي شجناً
فبت مكابداً قرنا
عميد القلب مرتهنا
بذكر الهوى والطّربِ
وهناك أيضا المزدوجات من ذوات القافية المزدوجة في كل بيت،كقول أبي العتاهية:
حسبك ما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت
إن الشباب حجة التصابي روائح الجنة في الشباب
ومنها ما لا وزن فيها، فكل موشحة مكونة من عناصرها الأساسية المعهودة، كمطلع الموشح وهو البيت الأول لها، وقد يكون من قسمين أو أكثر وهو القفل الأول. ويليه باقي الأقفال المتفقة مع بعضها في وزنها وقوافيها وعدد أجزائها، ثم الغصن وهو كل قسم من أقسام المطلع والأقفال إذ تتساوى الأقفال مع المطلع في عدد الأغصان وترتيب قوافيها، أما الدّور وهو البيت، فقد يكون بسيطاً مؤلفاً من أجزاء مفردة، كما في الموشحة:
عَبِثَ الشوق بقلبي فاشتكى
ألم الوجد فلبت أدمُعي
أيها الناس فؤادي شَغِف
وهو في بَغيِ الهوى لا يُنصِف
كم أداريه ودمعي يكُف
أيها الشادق من علمكا
بسهام اللحظ قتل السبع
وقد يكون مركباً مؤلفاً من فقرتين أو أكثر، كما في هذه الأبيات لابن سناء الملك:
كذا يقتاد سَنَا الكوكب الوقّاد
إلى الجلاس مشعشعة الأكواس
أقم عذري فقد آن أن أعكف
على خمر يطوف بها أوطف
كما تدري هشيم الحشا مُخطَف
وآخر قفل في الموشحة يدعى الخرجة،فقد تكون عامية أو معربة أو أعجمية، وهكذا فإننا لا نجد في معاني الموشحات جِدّةً وعمقاً، فتبدو الموشحة كغادةٍ بالغت في الزينة واستعمال المساحيق فخسرت الكثير من جمالها ولكنها على الرغم من ذلك قد استطاعت أن تحافظ على رشاقتها ومشيتها المرقصة، ولَمّا كانت الموشحات قد اخترعت في سبيل الغناء كان من الطبيعي أن تنظم في الأغراض التي تناسب هذا الفن كالغزل ووصف الطبيعة،إلا أنها رغم ذلك خاضت ما تبقى من أنواع الشعر كالمدح والرثاء والهجو والمجون والزهد، ونظرا لطبيعة الأندلس المذهلة الأخاذة،كان كثير من الشعراء ينجحون في وصف الطبيعة، ووقع اختياري على موشح محمد بن عيسى اللخمي، المشهور بابن لبانة يقول :
في نرجس الأحداق ، وسوسن الأجياد ، نبت الهوى مغروس ، بين القنا المياد
وفي نقا الكافور ، والمَندلِ الرطب ، والهودج المزرور ، بالوشى والعَصبِ
قُضبٌ من البِلّور ، حُمين بالقُضبِ ، نادى بها المهجور ، من شدة الحُبِّ
أذابت الأشواق ، رُوحي على أجساد ، أعارها الطاووس ، من ريشه أَبراد
ونظرة خاطفة على موشحة لسان الدين بن الخطيب في الغزل وذكر الطبيعة ومدح السلطان الغني بالله:
في ليالٍ كتمت سر الهوى
بالدجى لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى
مستقيم السير سعدَ الأثرِ
باعتبار الموشحات فتحا جديدا في الأدب العربي فهي تغيير عن نمطٍ واحدٍ من أنماط الشعر،ولا يجب أن نطلب منها أن تكون غذاء الذهن والفكر، بل يكفينا ما تخلقه في نفوسنا من لذةٍ محببة،
وهذا مقطع لابن زمرك في ذكر الصبوح ومدح سلطانه ابن الأحمر:
مولاي يا نكتة الزمان دار بما ترتضي الفلك
جلَّلتَ باليُمن والأمان كلّ مليكٍ وما مَلَك
لم يدرِ وصفي ولا عيان أملِكٌ أنت أم مَلَك؟
يتبع ....[/QUOTE]
[QUOTE=الواثق;200413]الموشحات ... هل هي أندلسية المنشا أم سريانية شرقية ??
كثرت آراء القدامى والمحدثين حول تاريخ ومكان نشأت الموشحات فمنهم من يحدد تاريخها إلى أواخر القرن التاسع وآخرون في نهاية القرن العاشر وآخرون في أوائل القرن الحادي عشر . أما منشآه فهناك عدة نظريات نوجزها بما يلي :
أولا- إن اغلب الباحثين من المستشرقين ( مينيندز بيلينو ، ريبيرا ، جب ، بروكلمان ، بنكل ، وغيرهم ) والعرب ( يوسف اسعد ، بطرس البستاني ، د. عبد العزيز ألاهواني وحنا الفاخوري وغيرهم ...) بأن فن التوشح انتقل إلى الأدب العربي من خلال الأغاني الشعبية الأسبانية ( الفلامنكو) والبروفنسانية اللاتينية التي كانت تعرف بالرومانسية من خلال جماعة الرواة والمغنين المعروفين في فرنسا بالتروبادور وجنكلر من العصر الوسيط ( القرن السابع والثامن الميلادي )اشتهروا في غالية وأسبانيا إذ كانوا يطوفون البلاد متنقلين من قصر إلى قصر يقصدون الأمراء في المواسم والأعياد ، يتغنون بأناشيدهم الغرامية وقصص الفروسية في مقاطع غير محكمة الوزن ولا تلتزم فيها القوافي التزاما . أما الأساس الذي يستندون إليه في نظريتهم هو :
1- لان قصائدهم ( أسوة بالموشحات ) كانت مغناة
2- مواضيعها تدور في الغرام والفروسية
3-غير محكمة الوزن ومختلفة القافية
4- وجود جوانب مشتركة بين الموشحات والمنظومات التروبادورية حيث نجد في مقطوعة من المقطوعات التروبادورية جزء يقابل الغصن في الموشحة وجزء يقابل القفل .. ومن نقاط الالتقاء أيضا أن ما يقابل الغصن مع ما يقابل القفل يسمى عند جماعة التروبادور بيتا كما هو الحال عند جماعة الموشحات .
إلا إن هذا الرأي خلق عند البعض رأي معاكس آي دفع بالبعض أمثال المستشرق ( ليفي بروفنسال وبنكل وكراتشوفسكي) ومقداد رحيم ومجدي شمس الدين و... لا يستبعدوا أن يكون شعراء التروبادور هم الذين تاثروا بالموشحات ، حيث كانوا قبل أن يعرفوا فن التوشيح ينشدون منظومات شعرية تتجرد تماما من الوزن والقافية ولا تتضمن من الإيقاع إلا اتحاد الحروف الأخيرة ويدعمون نظريتهم بما يلي :
1- إن أول شاعر تروبادوري هو جيوم التاسع أمير بانييه الذي كتب أشعاره بين سنة 1100-1127م أي بعد أقدم الموشحات بأكثر من 200 سنة .
2- ما ذهبنا إليه من التقارب بين الموشحات وأغاني التروبادور كتقابل الأغصان والأقفال .
3- نجد إن هذه الظاهرة غريبة على الشعر الأوربي قبل جماعة التروبادور .
ثانيا : والبعض الآخر أمثال ابن بسام ، ابن خلدون ، احمد حسن الزيات ، طه حسين ، مارون عبود ، إبراهيم أنيس ...وغيرهم يعتقدون أن فن التوشح هو مشرقي المنشأ إي عربي وينسبونه إلى مقدم بن معافر الفريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني هو أول من كتب الموشح وكان ذلك في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي واخذ عنه أبو عبد الله احمد بن عبد ربة صاحب كتاب العقد الفريد ويوسف بن هارون وعبادة بن ماء السماء ، إلا أنهم لم يظهر لهم ذكر .. ومنهم من يعتقد أن الشاعر العراقي ابن المعتز المتوفي سنة ( 296هـ – 876م ) هو أول من انشأ هذا الفن بقوله:
أيها الساقي إليك المشتكي قد دعوناك وان لم تسمع
ونديم همت في غرته
وشربت الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
ثالثا . البعض منهم وخاصة د. عبد العزيز الاهواني يعتقد بان الموشحات أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية أي خرجات أعجمية وهذا ما سينقلنا إلى عدة احتمالات هل هي أندلسية أم فارسية أم سريانية .. من يدرس الموشحات سيجد أن كثير من الوشاحين (وحتى غير الوشاحين أمثال أبو نواس ) يخرجون قصائدهم بأبيات لأشهر الشعراء من العرب والأجانب أو ألفاظ دخيلة إلا أنها قد تكون مألوفة لديهم . حيث روى أبو فرج الاصفهاني (تولد 356هـ - 936م ) مقطعة من أربعة أبيات لإبراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الأتي
فقال ( إزل بشينا ) حين ودعني وقد لعمرك زلنا عنه بالشين
نجد أن الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة ( أزل بشينا ـ إزل بشينا ) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (اّزلنا . زِلنا ) بمعنى ذهبنا و(بشينا ـ بالشين) بمعنى بالسلامة .
رابعا : وآخرون يعتقدون أمثال الأستاذ مقداد رحيم إن الموشحات التي نسمعها اليوم مغناة بشكل جماعي ليست أندلسية في طريقة الغناء والألحان بل هي مشرقية . فهي مزيج من ألحان مشرقية وألحان أندلسية كنسية . ويعتقد الأستاذ مقداد إن الموشحات كانت في السابق يغنيها شخص واحد مع جوقة تردد بدلا من جوقتين ... كما يعتقد أن الموشحات مرت بثلاث ادوار وما وصلنا منها كانت بالدور الثالث إي متكاملة .
خامسا : هناك من يذهب أمثال المستشرق فيليكروسا بان الموشحات العربية قد تأثرت بالموشحات العبرية
سادسا : أما الأستاذ سلمان علي التكريتي يقول :
ولا نغالي إذا قلنا أن الموسيقى السريانية بواسطة الكنيسة الشرقية قد تمكنت من فرض فنية ترانيمها الشرقية على عموم أوربا عن طريق مدرسة الرها ونصيبين ، وان الموسيقى الأندلسية والموشحات الأندلسية هي موسيقى الكنيسة الشرقية التي انطلقت من وادي الرافدين وبلاد الكنعانيين والفينيقين وشبه الجزيرة العربية . ويعتقد الأستاذ سلمان علي بان الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ( سوريا ، عراق ، لبنان ، أردن ، مصر) قد تأثرت تأثيرا واضحا بإيقاعات الغناء الشعبي من ناحية وتأثيرات الموسيقى التركية من ناحية ثانية فافتقدت الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ميزتها التراثية الأصلية لكننا نجد العكس في المغرب العربي ( تونس ، مغرب ، جزائر) إذ أن الموشحات الاندلسية صارت هي الأساس الذي يستلهم منه الغناء الشعبي لان الموشحات في الأصل كانت هي الغناء الشعبي والتقليدي في أن واحد والدليل على هذه الاصالة والنقاء هو قربها ومشابهتها لأداء الغناء الكنسي المشرقي الذي ما زال يؤدي على شاكلته على مر القرون ومنذ ظهوره وخلال تطوره بأسلوب مار افرام .
سابعا : أنا اتفق مع الأستاذ سلمان علي التكريتي على إن الموشحات هــــي مشرقيـــة الأصل ذات جذور كنسية سريانية ، فهذا الفن وجد في الأدب السرياني قبل أن يوجد عند جماعة التروبادور والجنكر بقرون ويرجع السبب في ظهوره في الأندلس بدلا من العراق وبلاد الشام :
1- كون بغداد والشام هي مركز الخلافة الإسلامية وكان الأدب العربي لا يزال يشكل امتدادا لببيئته الصحراوية في الجزيرة وكان تمسك الخلفاء بتراثهم وانشغالهم في الفتوحات أدت إلى عدم تشجيعهم لأي قصيدة تخرج من إطارها التقليدي .
2- أما الأندلس فلبعدها عن المركز وانفتاحهم على مجتمع شاع فيه الترف واللهو والغناء شيوعا عظيما أضعفت سيطرتهم لا بل جذبتهم الطبيعة الأندلسية وجعلتهم ينسون طبيعتهم الصحراوية وأوزانها التقليدية الآمر الذي أدى بالأمراء في الأندلس إلى تشجيع هذا اللون من الشعر . فبدأت حركـــة التحرر في القـرن الحادي عشـــر فأخذ الشعراء العرب يمثلون بيئتهم الجديدة من غير أن يهملــــوا التقليـــد إهمالا تامــا ، أمثال الشاعر ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وغيرهم .
أما كيف انتقل هذا الفن من المدراش السرياني إلى الموشح العربي فيكون:
1- من خلال المدارس والجامعات السريانية في الكنائس والأديرة التي كان يتلقى فيها الكثير من الأدباء والمفكرين العرب علومهم فيها ومن بينها المداريش والسوغيتات ، ومن خلال ما نقله المترجمون السريان من الآداب والعلوم السريانية إلى العربية . فتشبعت الأذن العربية بهـــذه التراتيل التي كانت ترتل باستمرار في الكنائس والأديرة بألحان شتى . وكانت بغداد ودمشق زاخرة بشعر عربي أصيل يشكل امتدادا للشعر في الجزيرة ويتطرب بنغمات المدينة الحاضرة ، فليس من المستبعد أن تكون بغداد ودمشق قد شقت طريقها نحو التجدد الشعري ، وكان محقا من اعتبر بشار بن البرد وأبا نواس ومسلم بن الوليد أول دعاة التجدد ، في حين كان الشــعر في الأندلس لا يجـرؤ أن يـذرع مثـل هــذه الخطـوات لانشغال العرب هناك بالدفاع عن أنفسهم والتفكير بالتوســـع ، إلا في أواخر عهد الإمارة الأموية في القرن العاشر الميلادي. فليس مستبعدا أن تكون هناك عشرات الموشحات تغنى سرا أو علنا في العراق أو الشام واختفت لعدم تشجيعها من قبل الخلفاء
2- عندما دخلت الجيوش العربية الإسلامية بلاد الأندلس واستقرت هناك كان من بينهم أو من بين الذين توافدوا إليها لاحقا الكثير من الأدباء الذين تلقوا علومهم في المدارس السريانية في العراق أو بلاد الشام فنقلوا معهم أشعارهم وأفكارهم التجددية في الشعر ، فعندما سنحت لهم الفرصة أظهروها هناك .حيث كانت العلاقات وثيقة بين طرفي العالم العربي ، والرحالة الكثيرون يذهبون إلى الشرق للتزود بعلمه ويأتون إلى الأندلس طلبا للرزق أو الشهرة . فوفد زرياب ( تلميذ اسحق الموصلي )إلى الأندلس عام 822 م وكان له اثر بليغ في فن الغناء والموسيقى وجلبت المغنيات من الشرق فحملت معها إلى الأندلس فنها وأدبها ومن اشهر هؤلاء المغنيات القيان قمر البغدادية .
3- ومن المحتمل أن يكون هذا الفن قد انتقل أليهم من خلال اليهود القاطنين في بلاد الأندلس ( كما يقول المستشرق فيليكروسا ) الذي انتقل إليهم هذا الفن من الأدب السرياني حيث استمدوا (اليهود) الكثير من آدابهم وعلومهم من السريان كما يقول بذلك الباحث إسرائيل أبراهام . ومن الأسباب التي دعتني إلى ذلك :
1- أن الجيوش الإسلامية احتلت بلاد الأندلس سنة 711م ودامت الدولة الإسلامية هناك حتى سنة 1492 في حين أن أقدم الموشحات ظهرت فـــي القرن العاشر أو الحادي عشر . في حين كان احتكاك المفكرين والأدباء العرب في المشرق منذ القرن السابع الميلادي حين نزلوا إلى ساحات العمل في التأليف والترجمة جنبا إلى جنب إخوانهم السريان .
2- كانت باستطاعة الأذن العربية أن تتقبل اللغة السريانية وآدابها وألحانها بصورة أسهل بكثير من تقبلها للغة أعجمية بعيدة كل البعد عن لغتها وتراثها .
3-إن ما يجمع من صفات مشتركة بين المدراش السرياني (القرن الثالث الميلادي) والموشحات العربية (القرن الحادي عشر) يجعلنا نؤكد جازمين أن الموشح مشرقي الأصل سرياني المولد . فالمدراش الذي هو عبارة عن منظوم جدلي في قالب شعري يمثل النوع الغنائي من الوزن يمتاز والموشحات بـ :
1- أن أبياتها لاتكون على نمط واحد إي تتساوى عدد مقاطعه حينا وتختلف حينا أخر.
2- إن أبياتها تكون قائمة بذاتها ولا صلة لها بالبيت السابق ( إي تأتي مستقلة إي كل بيت في المدراش قائم بذاته ) وتفصل هذه الأبيات ( ويسمى في الموشحات الدور حيث يشتمل على أجزاء تسمى أغصانا تتعدد بتعدد الأغراض) ردة ( قفل بالعربية الذي هو عبارة عن بيت واحد أو عدة أبيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات وتتكرر ويشترط فيها التزام القافية والوزن والأجزاء وعدد الأبيات الشعرية وذات موسيقى واحدة ) ترتلها الجوقة بعد كل بيت أو أكثر يقوم فرد بترتيله ، إي أن :
* الجوقة الأولى ( الشماس في الغالب) ترتل الأبيات الطويلة
*الجوقة الثانية ترتل الأبيات القصيرة التي تؤلف الردة ( التي هي عبارة عن حمدلة أو صلاة ما ) . ومن شروط هذه الأبيات (باستثناء الردة /القفل) أن تكون متشابهة وزنا ونظاما وعدد أجزاء ، وباستطاعة الراوي تنويعها .
3- للمداريش أنغام شتى وكانت الألحان تتغير بموجب أنواع المداريش فالمونسنيور لامي أكد وجود 75 ضربا من الألحان في الأناشيد الصحيحة أو المنحولة لمار افرام . وتأتي على الأغلب على شكل حوار وكان ذلك سببا دفع البعض بتسمية المداريش بالموشحات ، وأول من صنفها هو برديصان (+154م) واسونا (القرن الرابع الميلادي) ومار افرام (+306) ومار اسحق وبالاي و.. . وقد دخلت عليها وعلى الموشحات بعض الفنون في كتابتها. وتفرع من المدراش السوغيت ، حيث يستعمل في صياغة الماسي الدينية ويكون على شكل حوار بين منشدين أو جماعتين . فبعد مقدمة مؤلفة من 5-10 أبيات ذات أربعة أشعار من الوزن السباعي ( الغالب ) تبدأ المحاورة بين شخصين أو جوقتين كما في أنشودة الميلاد (محاورة بين العذراء والمجوس ) وأنشودة البشارة ( محاورة بين الملاك جبرائيل والعذراء ) وهي من قصائد نرساي ( 399 -503 م) .
يتبع .... تقسيم ابن سناء الملك للموشحات[/QUOTE]
[QUOTE=الواثق;200808]قسم ابن سناء الملك الموشحات إلى قسمين :
1- ما جاء على أوزان العرب وهي تشبه المدراش السرياني ذو الوزن المتساوي
2- الخالية من العروض كما يقول : ( أردت أن أقيم لها عروضا يكون دفترا لحسابها وميزانا لأوتارها وأسبابها فعز ذلك وأعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكلف ... وأكثرها مبني على تأليف الأرغن ...) يقصد بها ابن سناء العروض الخليلي لانها كما يقول هو نفسه مبنيــة على الإيقاع. وهي نفسها في المداريش الموزنة على الوزن المركب كأن تكــــون منظومة على البحر الخامس والسابع أو السابع والثامن أو ... وهذا ما نلاحظه في الموشحات أيضا ، فهي مبنية ( ومـن ضمنها الموزونــة على أوزان العـرب ) على الإيقاع أكثر من بنائها على التفعيلة الخليلية .
الوزن: من حيث الوزن نجد أن الموشحات تستخدم نفس أسلوب الوزن السرياني وهذا الوزن يختلف عن أوزان الشعر العربي الخليلي ذات التفعيلة الواحدة ، كما أن الشعر العربي لا يحتوي على دعامات متساوية كما سنجدها في الموشحات ، وذلك لتدوير الإيقاع بين التفعيلات في أوزان الخليل وهذا لا يجوز في الشعر السرياني وما لا نجده في الموشحات الأصلية . فعلى سبيل المثال نجد أن قصيدة صفي الدين الحلي(750هـ) والتي مطلعها:
شق جيب الليل عن فجر الصباح أيها السامون
وزنها ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلان فاعلن فاعلن)
هذا الوزن سوف لن تجده في أوزان الخليل الصافية . كونها موزونة على أساس الإيقاع الموسيقي كما الحال في المدراش وهي على الشكل الأتي:
6حركات + 5 حركات 5 حركات
أي الشطر 11 حركة والعجز 5 حركات
وهكذا في القصيدة الغنائية ( سكن الليل) لجبران خليل جبران التي يقول فيها :
سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الأحلام
وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الأيام
نجدها موزونة على وزن ( فعلاتن فعلاتن فاعلان فاعلن فعلان ) هذا الوزن أيضا لا تجده في الأوزان الصحيحة عند الخليل بل تجدها موزنة وبشكل صحيح كما في المدراش فوزنها( 5 حركات +6 حركات في الشطر و5 حركات في العجز ) . وهكذا الحال في قصيدة ابن بقي (المولود سنة 1145م ) والتي مطلعها :
إنما يحيى سليل الكرام واجد الدنيا ومعنى الأنام
نجده يستخدم الدعامة الخماسية أي 5+5+5+5 وعلى مدار القصيدة .
وكذا الحال لدى شاعر آخر:
ليل طويل وما معين يا قلب بعض الناس أما تلين
يستعمل أربع دعامات (4+4+6+4)
وهي تشبه قصيدة بالاي (توفي سنة 432م) :
محدا دنشقه
شِنيت نوشه
فقدلا مريا
فقدلا لصِفرا
فقدلا ليونا
وهناك قصيدة تنسب لسلم الخاسر (180هـ) تتكون من مجموعة دعامات (سلم موسيقي) على وزن مستفعلن ، يتكون البيت الواحد من أربع دعامات وكل دعامة من أربع حركات كما في قوله:
موسى المطر. غيث بكر. ثم انهمر.الوى المرر
كم اعتسر. ثم ابتسر. وكم قدر . ثم غفر
عدل اليسر. باقي الأثر. خير وشر . نفع وضر
خير البشر. فرع مضر . بدر بدر . والمفتخر
وهذا اللون لا نجده إلا في الموروث السرياني الذي اشتهر فيه كل من نرساي (+399م) ويعقوب السروجي (+451م) .وكما في المدراش الذي نيشه ( بيلدى دمارن ـ ميلاد المسيح ) أو كقول أو كقول نرساي (399م) :