الذكاء العاطفى
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الذكاء العاطفى عامل مؤثر فى علاقات الانسان المختلفة سواء كانت علاقته بنفسه او علاقاته بغيره كعلاقات الصداقة او علاقات العمل او غيرها و لكنى اعتقد تماما ان النجاح الحقيقى فى بناء العلاقات الاجتماعية يبدأ من البيت و السعادة الحقيقية للانسان تبدا من سعادته فى بيته
لماذا ؟
لان شخصية الانسان الحقيقية تظهر فى بيته فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (خيركم خيركم لاهله و انا خيركم لاهلى ) .لاننا يمكن ان نتجمل خارج البيت و لكننا نبدو على حقيقتنا داخل البيت
و لذلك فالخيرية الحقيقية للانسان و اخلاقه الحقيقية و مهاراته فى التعامل مع الناس تظهر بين اهله اولا
و يقول صلى الله عليه و سلم (لقد طاف بآل محمد نساء يشكون ازواجهن ليس اولئك بخياركم )و لا يعنى ان الامر يتعلق بالرجال فقط بل بالنساء ايضا
و لذلك فانك عندما تجد خللا ما فى علاقاتك الاسرية فاعلم تماما ان لديك بعض القصور فى مهاراتك العاطفية و الاجتماعية
و لا يحتج أحد فيقول :امى قاسية و آخر يقول :ابى يكرهنى و زوجة تقول :زوجى سئ الطباع و اخرى تقول :ولدى عنيد و أخر يقول زوجتى بشعة
فعندما نتعلم مهارات الذكاء العاطفى سنكون اكثر قدرة على قراءة الآخرين والتعامل و التعاطف و تفهم و تقبل مختلف الشخصيات بجميلها و قبيحها ....فلكل انسان مميزاته و عيوبه
ومع استمرار التدريب سنكون اكثر قدرة ليس على التعاطف والتعامل مع الاخرين فحسب بل على التأثير فيهم وتغييرهم نحو الافضل ...فانك بتفهمك و تقبلك لهم ستكون اكثر قدرة على معرفة نقاط الضعف لديهم و ستمتلك مفاتيح التغيير فى شخصياتهم
وبداية فاننا سنكون اكثر قدرة على تفهم انفسنا التى بين جنبينا ثم تحمل المسؤولية فى اصلاح مثل هذه العلاقات المضطربة و بالتالى سنكون اكثر قدرة على اصلاحها بتغيير انفسنا اولا بدلا من انتظار ان يتغير الآخر
نعم اخوانى اننا كثيرا ما نجهل ماذا نريد ؟ أو نفقد القدرة على التعبير عما نريد ثم نشكو ان الاخرين لا يفهموننا ...لاننا فى الواقع لا نفهم انفسنا و لا نعبر عنها فكيف يفهمنا الآخرون ؟
و عندما نتعلم مهارات الذكاء العاطفى سنكون اكثر قدرة ليس على معرفة ذواتنا فقط بل على اصلاحها و تحسين الخلل فيها ايا كان هذا الخلل و عندما نستطيع التحكم فى ذواتنا فمن المؤكد ستنصلح الكثير من علاقاتنا حسب القانون الالهى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم )
و لذلك فان امتلكت القدرة على تغيير نفسك فانت مؤهل بعون الله بامتلاك القدرة على تغيير الآخرين
و هكذا نتدرج سويا فى درجات الذكاء العاطفى حتى نصل الى القمم حيث يتربع الانبياء و المصلحون و العلماء و الدعاة المغيرون وجه التاريخ و حياة الامم عسى الله ان يجمعنا بهم جميعا فى الفردوس الاعلى
(اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا )
اللهم آمين
و لذلك فان ما اهدف اليه خلال هذه الدورة ثلاثة امور :
اولا : التعرف على مفهوم الذكاء العاطفى ومهاراته و التاكيد على اهميته وعلى انه ليس بالمفهوم الجديد بل ان منه الكثير من الاصول فى ثقافتنا الاسلامية
ثانيا : التعرف على علاقاتنا الاسرية و مدى نجاحها و تحليل اسباب القصور فيها و تحمل المسئولية تجاهها و الارتقاء بهذه العلاقة بما يحقق السعادة لك و لاسرتك
ثالثا : ربط مهارات الذكاء العاطفى بواقعنا الاسرى ليسهل التدرب على هذه المهارات بشكل يومى
نظرة تاريخية حول مفهوم الذكاء العاطفى
قسم علماء النفس نشاطات الإنسان إلى ثلاثة أقسام في شكل ثلاث دوائر متشابكة هي المعرفة والوجدان والسلوك
إلى وقت قريب كانت دائرة المعرفة تحظى بتقدير أعلى وتعتبر هي المحرك الأساسي والرئيسي للسلوك وأن دائرتي الوجدان والسلوك هما دائرتين تابعتين لدائرة المعرفة ، وكان ينظر إلى الوجدانيات والمشاعر والعواطف على أنها نقاط ضعف في الإنسان عليه أن يتخلص منها أو يقلل منها في شخصيته كلما استطاع ذلك وكان الإنسان يقيم من حيث ذكائه العقلي وتوضع درجات لتميز البشر بناءاً على ذلك .فكان معامل الذكاء IQ و كانت مقاييس المهارات الدراسية SAT و اختبارات الثانوية العامة و غيرها
و على الرغم من شعبية هذه الاختبارات و لكن ثبت فشلها في التنبؤ عمن سيحالفه النجاح في حياته المستقبلية
و ظلت المحاولات مستمرة في معرفة مفهوم الذكاء و علاقته بالنجاح في الحياة و كانت دراسة جادنر و التى قسم فيها الذكاء الى انواع سبعة ليس لها اى علاقة بمقياس الذكاء IQ و توسع جادنر نفسه في تحليل هذه الانواع السبع الى نحو عشرين نوعا من الذكاء
وكانت الطفرة الهائلة في المعرفة الإنسانية الحديثة هي التعرف على الذكاء العاطفي الوجداني حيث تبين أن هذا النوع من الذكاء أكثر تأثيراً في نجاح الإنسان ونموه وتطوره وتألقه مقارنة بالذكاء العقلي التقليدي القديم
و قد أوضحت العديد من الدراسات ان نجاح الإنسان وسعادته يتوقف على مهارات لا علاقة لها بالشهادات. الكثير هم الذين حصلوا على تقديرات امتياز في اختباراتهم الأكاديمية لكنهم لم ينجحوا في الحياة الأسرية والمهنية والعكس صحيح. وهذا لا يعني عدم أهمية العلم، ولكن لمواجهة الحياة يحتاج الناس إلى الفطنة وهي أعلى من الذكاء
فنحن نمتلك نوعان مختلفان من الذكاء عاطفي وعقلي أما كيف نتصرف في هذه الحياة فهذا أمر يقرره الطرفان وليس مجرد معامل الذكاء وحده .
أهمية الذكاء العاطفى :
- الذكاء العاطفى ينمى علاقة الانسان بربه حيث يتعرف على نفسه و عن مواطن الضعف فيها فى علاقته بربه و كيف يسيطر على انفعالاته و مشاعره التى تقوده الى المعصية او كيف يطور انفعالاته الايجابية و يسخرها فى طاعة الله جل و علا
- كما ثبت ان هناك علاقة وثيقة بين الذكاء العاطفى و الصحة النفسية فالاذكياء عاطفيا اكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة و مشكلاتها بشكل اكثر تفاؤلا و اكثر اصرار و مثابرة و اقل تعرضا للتوتر و القلق و الاكتئاب
- و يلعب الذكاء الوجداني دوراً هاماً في تنمية علاقات ناجحة مع الآخرين على كافة المستويات :
فهو يحدد توافق الطفل مع والديه وإخوته وأقرانه وبيئته بحيث ينمو سوياً ومنسجماً مع الحياة ، كما أنه يؤدي إلى تحسين ورفع كفاءة التحصيل الدراسي .
كما يعتبر الذكاء الوجداني عاملاً مهماً في استقرار الحياة الزوجية فالتعبير الجيد عن المشاعر وتفهم مشاعر الطرف الآخر ورعايتها بشكل ناضج ، كل ذلك يضمن توافقاً زواجياً رائعاً .
كما إن استخدام مبادئ الذكاء العاطفي يساعد الوالدين على إنشاء علاقات قوية مع أبنائهم كما يساهم في تنمية الذكاء العاطفي عند الأبناء
- والذكاء الوجداني وراء النجاح في العمل والحياة ،
فالأكثر ذكاءاً وجدانياً محبوبون ومثابرون ، ومتألقون وقادرون على التواصل والقيادة ومصرون على النجاح .
- كذلك هناك علاقة وطيدة بين الذكاء العاطفى و الصحية الجسمانية فالاذكياء عاطفيا اقل عرضة لامراض الضغط و القلب و امراض المناعة و سائر الامراض الجسدية التى تنتج عن التوتر و القلق و الضغوط النفسية
و هنا ياتى السؤال :هل الذكاء العاطفي موروث أم مكتسب؟
كسائر انواع الذكاء فان هناك عوامل وراثية و عوامل مكتسبة فى التركيبة العاطفية للإنسان
إن الذكاء العاطفي مثل أي صفة أخرى منه جزء موروث ومنه جزء مكتسب ومن نعم الله على الإنسان أن الجزء المكتسب يمكن تنميته وتطويره (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)
فما هو تعريف الذكاء العاطفي:
ان اول ما يتبادر الى الذهن عند الحديث عن العاطفة هو قصص الحب و الغرام التى نشاهدها و نسمع عنها او نقرأها ...و عندما تشير الى كلمة الذكاء العاطفى فى اى تجمع يعتقد الكثيرون انها تعبر عن هذه المشاعر فقط
و لكن الذكاء العاطفى بمعناه البسيط هو الاستخدام الذكي للعواطف. فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في البيت أو في المدرسة أو في العمل و فى سائر حياته بصورة عامة
فهو عملية ترشيد للمشاعر الايجابية و تقييد للمشاعر السلبية
فالحب و ان كان عاطفة ايجابية و لكن لابد من ترشيدها و التحكم فى سيرها حتى لا تنقلب نتائجها الى نتائج سلبية
و الكره عاطفة سلبية و لذلك لابد من تقييدها و التحكم فيها حتى لا تتحول الى بركان لا يعلم الا الله نتائجه
و العاطفة ليست هى الحب و الكره فقط فهناك قائمة طويلة من المشاعر السلبية و الايجابية التى تنتاب الانسان :
الإحباط .......................التحفز
التشاؤم ...................... التفاؤل
الاهانة .......................الاحترام
الخوف .........................الأمان
التوتر .........................السكينة
الملل .........................الحماس
الضعف ......................القوة
الظلم .........................العدل
الخزى .....................الفخر
الحزن ........................الفرح
الوحدة .......................التواصل
التجاهل .....................الاهتمام
الغلظة.. ......................التفهم
الخجل.........................الثقة
و غيرها كثير
فالتعامل مع المشاعر بذكاء هو لب الذكاء العاطفى ...او هو التوسط و الاعتدال فى استخدام المشاعر و التى دعا اليها ديننا الوسط (و كذلك جعلناكم امة وسطا )
و الذكاء العاطفى ايضا هو ذلك المزيج الرائع بين العاطفة و العقل ....فالعقل يتحكم فى العواطف و العاطفة تساعد العقل فى الوصول الى القرارات و الى حل المشكلات
- وهو كعلم جديد عبارة عن مجموعة من الصفات الشخصية والمهارات الاجتماعية والوجدانية التي تمكن الشخص من تفهم مشاعره و تفهم مشاعر الآخرين والتعامل معها بشكل ايجابى
- او هو قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه(مشاعره و عواطفه ) ومع الآخرين بحيث يحقق أكبر قدر من السعادة لنفسه ولمن حوله
و بعد ان تعرفنا بشكل موجز عن ماهية الذكاء العاطفى سنبدا باذن الله فى دروس الدورة و التى تنقسم الى اربع دروس :
اولا : اعرف نفسك
ثانيا : تحكم فى ذاتك
ثالثا : تفهم الآخرين
رابعا : كيف تؤثر فى الآخرين