معلقة عبيد بن الأبرص
أَقـفَـرَ مِـن أَهلِـهِ مَلحـوبُ
---------------- فَالقُـطَـبِـيّـاتُ فَالـذُّنـوبُ
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ
---------------- فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ
فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ
---------------- لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ
إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً
---------------- وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ
أَرضٌ تَـوارَثَـهـا الـجُـدودُ
---------------- فَكُـلُّ مَـن حَلَّهـا مَحـروبُ
إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً
---------------- وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ
عَيـنـاكَ دَمعُهُـمـا سَـروبُ
---------------- كَـأَنَّ شَـأنَيهِمـا شَـعـيـبُ
واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ
---------------- أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ
أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ
---------------- لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ
أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ
---------------- لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ
تَصبـو وَأَنَّـى لَـكَ التَّصابِـي
---------------- أَنّـى وَقَـد راعَـكَ الـمَشيبُ
إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها
---------------- فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ
أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها
---------------- وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ
فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ
---------------- وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ
وَكُـلُّ ذي إِبِــلٍ مَــوروثٌ
---------------- وَكُـلُّ ذي سَلَـبٍ مَسـلـوبُ
وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ
---------------- وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ
أَعـاقِـرٌ مِـثـلُ ذاتِ رِحــمٍ
---------------- أَم غَانِـمٌ مِثـلُ مَـن يَخـيـبُ
أَفلِـحْ بِمَا شِئـتَ قَـد يُبلَـغُ
---------------- بالضَّعـفِ وَقَد يُخدَعُ الأَرِيـبُ
لاَ يَعِـظُ النَّـاسُ مَـن لاَ يَعِـظِ
---------------- الـدَّهـرُ وَلا يَنـفَـعُ التَلبيـبُ
إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ
---------------- وَكَم يَصيرَنَّ شانِئاً حَبيبُ
سَاعِـد بِـأَرضٍ تَكُـونُ فِيـهَا
---------------- وَلا تَـقُـل إِنَّـنِـي غَـريـبُ
قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد
---------------- يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ
مَن يَسـلِ النَّـاسَ يَحـرِمـوهُ
---------------- وَسـائِـلُ اللهِ لا يَـخـيـبُ
وَالمَـرءُ مَا عَـاشَ فِي تَكذِيـبٍ
---------------- طـولُ الحَيـاةِ لَـهُ تَعـذيـبُ
بَل رُبَّ ماءٍ وَرَدتُ آجِنٍ
---------------- سَبيلُهُ خائِفٌ جَديبُ
ريشُ الحَمامِ عَلى أَرجائِهِ
---------------- لِلقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ
قَطَعتُهُ غُدوَةً مُشيحاً
---------------- وَصاحِبي بادِنٌ خَبوبُ
عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقارُها
---------------- كَأَنَّ حارِكَها كَثيبُ
أَخلَفَ ما بازِلاً سَديسُها
---------------- لا حِقَّةٌ هِي وَلا نَيوبُ
كَأَنَّها مِن حَميرِ غابٍ
---------------- جَونٌ بِصَفحَتِهِ نُدوبُ
أَو شَبَبٌ يَحفِرُ الرُخامى
---------------- تَلُفُّهُ شَمأَلٌ هُبوبُ
فَذاكَ عَصرٌ وَقَد أَراني
---------------- تَحمِلُني نَهدَةٌ سُرحوبُ
مُضَبَّرٌ خَلقُها تَضبيراً
---------------- يَنشَقُّ عَن وَجهِها السَبيبُ
زَيتِيَّةٌ ناعِمٌ عُروقُها
---------------- وَلَيِّنٌ أَسرُها رَطيبُ
كَأَنَّها لِقوَةٌ طَلوبُ
---------------- تُخزَنُ في وَكرِها القُلوبُ
باتَت عَلى إِرَمٍ عَذوباً
---------------- كَأَنَّها شَيخَةٌ رَقوبُ
فَأَصبَحَت في غَداةِ قِرَّةٍ
---------------- يَسقُطُ عَن ريشِها الضَريبُ
فَأَبصَرَت ثَعلَباً مِن ساعَةٍ
---------------- وَدونَهُ سَبسَبٌ جَديبُ
فَنَفَضَت ريشَها وَاِنتَفَضَت
---------------- وَهيَ مِن نَهضَةٍ قَريبُ
يَدِبُّ مِن حِسِّها دَبيباً
---------------- وَالعَينُ حِملاقُها مَقلوبُ
فَنَهَضَت نَحوَهُ حَثيثَةً
---------------- وَحَرَدَت حَردَةً تَسيبُ
فَاِشتالَ وَاِرتاعَ مِن حَسيسِها
---------------- وَفِعلَهُ يَفعَلُ المَذؤوبُ
فَأَدرَكَتهُ فَطَرَّحَتهُ
---------------- وَالصَيدُ مِن تَحتِها مَكروبُ
فَجَدَّلَتهُ فَطَرَّحَتهُ
---------------- فَكَدَّحَت وَجهَهُ الجَبوبُ
يَضغو وَمِخلَبُها في دَفِّهِ
---------------- لا بُدَّ حَيزومُهُ مَنقوبُ