نشر الفنان المحرقي رسما كاريكاتيريا يوم الاثنين 3/5/2010م في جريدة "أخبار الخليج" بين فيه مجموعتين من الناس: الأولى بلباس ديني ولحى وتحمل لافتة كتب عليها "الإسلام هو الحل"، والمجموعة الثانية ترتدي "البدلات" البِذَل الإفرنجية وتواجه المجموعة الأولى بلافتة كتب عليها "الإسلام هو المشكلة" وبين المجموعتين وقف المواطن العربي حائرا مذهولا أي الفريقين يتبع وأيهما أصح.
والحقيقة أن كلتا المجموعتين وكلا الشعارين خطأ والشعار الصحيح "فهم الإسلام وتطبيقه هو الحل"، و"عدم فهم الإسلام هو المشكلة".
فالمجموعة الأولى ترفع شعار "الإسلام هو الحل" وعندما تتطلع إلى تصورهم وفهمهم للإسلام تجدهم أبعد ما يكونون عن الإسلام. فهم يعرضون تصورهم للإسلام بعيدا عن الفهم المقاصدي للإسلام، فنراهم يستبعدون المرأة عن مجالات الحياة ويحبسونها في تصوراتهم الشخصية لدور المرأة في الحياة التي ضربوا عليها طوقا من التخلف الحضاري والثقافي، وقالوا هكذا يريد الإسلام للمرأة.
والحقيقة الإسلامية أن المرأة شاركت الرجل في الحياة الإسلامية مشاركة فاعلة وقوية ومتساوية، فذهبت امرأتان (أم عمارة وأم منيع) مع الرجال بعد ثلث الليل لمبايعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة الثانية، وأم سلمة أنقذت المسلمين من الهلاك في صلح الحديبية، والسيدة خديجة رضي الله عنها دعمت الإسلام بجاهها ومالها، واشتركت السيدة أسماء في تمويل موكب الهجرة، وأم عمارة قاتلت في أحد وفي حرب المرتدين، وأم سليم شاركت في فتح قبرص، والسيدة عائشة أم المؤمنين شاركت في مواقع حربية فاصلة في حياة المسلمين، والشفاء شاركت في تنظيم السوق في المدينة المنورة، وحفظ المسلمون المصحف الشريف في عهدة وأمانة السيدة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وهذه أعظم أمانة عند هذه المرأة الأمينة.
وحضرت النساء والرجال في ساحة واحدة في المسجد النبوي في عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وقامت المرأة بدور فاعل في بناء مسجد القرويين، حيث قامت السيدة فاطمة الفهرية بتشييد جامعة القرويين من مالها الخاص ووقفها وقامت الأميرة فاطمة الزهراء بتشييد الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) من وقفها الخاص وبذهبها ومالها، وأرسلت البعثات إلى الخارج، وكل هذا ينافي هذا الفهم الخاطئ للإسلام والمرأة عند المجموعة الأولى.
والمجموعة المتدينة نفسها تظن أنها الحامية للدين وتخدر الشعوب باسم الفهم الخاطئ للإسلام، ويفتونهم على غير ما جاء به الإسلام، ويعطلون فرائض الإسلام من الصلاة والصيام والزكاة والجهاد بفتواهم وتصوراتهم وفهمهم الفقهي الشخصي للإسلام وتخدير المسلمين بفتاويهم الباطلة .
وهكذا في النواحي التعليمية والتربوية حيث الحفظ والصم والاستظهار والفتاوى المكرورة البعيدة عن فهم الواقع وفقه الواقع والعمل للمستقبل، وكذلك في النواحي السياسية حيث يفهمون الدولة في الإسلام على غير ما نظم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة بصحيفة المدينة القائمة على أساس المواطنة والشراكة في الوطن والوطن للجميع، وبعضهم يقف بفهمه حجر عثرة أمام الانتخابات، ونسي هؤلاء أن المصطفى صلى الله عليه وسلم طلب إلى الحاضرين من الأوس والخزرج في بيعة العقبة الثانية اختيار ( انتخاب ) ممثلين عنهم (نقباء). وبدلا من جمع أموال الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية استحوذ البعض عليها كأنهم أحق بها، هذا هو الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ للإسلام عند بعض من يرفعون شعار الإسلام هو الحل، ومن يدخلون المعترك السياسي على أساس الحق الإلهي لهم في قيادة الجماهير، ونسي هؤلاء أن الدولة في الإسلام دولة مدنية بمرجعية إسلامية في الحلال والحرام، والمسلمون أعلم بتنظيم أمور حياتهم، وان علماء الدين يستفتون ويستشارون كما يستفتى باقي أهل الذكر والتخصص في الدولة ولا يحكمون أو يتحكمون.
أما الفريق الثاني الذي رفع شعار الإسلام هو المشكلة، فهو فريق من المستغربين ثقافة وفكرا وعقيدة، ولا يفهمون عن الإسلام سوى معاداته للمرأة، وضرب المرأة، وينادون بفصل السياسة عن الدين، ويرفعون شعار العَلمانية (بفتح العين) أو العالمانية (بمد العين) التي تقصد إلى عزل الدين في الزوايا، والموالد، وحلقات الرقص المسماة كذبا بحلقات الذكر، هؤلاء لا يفهمون عقيدة التوحيد، ولا يؤمنون بالغيب، ويحاولون تشويه صورة الإسلام، ويروجون ويقولون أن الإسلام هو المشكلة، وبدلا من محاولة فهم الإسلام الذي حرر العبيد والعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وحرر المرأة من قيود الجاهلية، وجعل الشورى أساس الحكم، وأمر بالعدل وعدم استعباد العباد، ودافع وقاتل عن حقوق الفقراء عندما منع المرتدون دفع حقوقهم بالزكاة، ونسي هؤلاء صحيفة المدينة المنظمة للدولة المدنية في الإسلام، وتجاهلوا الانتخابات التي أجريت في بيعة العقبة، وفصل القضاء عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية عندما أوقف القاضي شريح أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بجوار اليهودي الذي التقط درعه، وطلب القاضي إلى الحاكم الممثل للسلطة التنفيذية البينة ورفض شهادة ابن الحاكم مع والده الحاكم وحكم للمواطن على الحاكم.
وتجاهل هؤلاء أن الصديق رضي الله عنه قال للمواطنين: "إن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني".
وتجاهل هؤلاء أن المرأة راجعت الحاكم عندما حاول عمر تحديد المهور.
هؤلاء يخلطون بين الكنيسة ورجالها الذين حاربوا العلم الكوني والعلماء، وحاكموهم وبين الإسلام الذي دعا في أول كلمة للوحي إلى القراءة الإيمانية الكونية الواعية فقال تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} " (العلق/1-2). والعلق هو البويضة المخصبة عندما تعلق بجدار بالرحم. ورفع الله تعالى من شأن علماء العلوم الكونية فقال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (فاطر/28) وحدد في الآية نفسها والتي قبلها ماهية هؤلاء العلماء، وبين أنهم علماء الفلك والمياه والنبات والجيولوجيا والإنسانيات والحيوان، وكلها كونيات فقال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28} " (فاطر/27-28).
العَلمانية )بفتح العين) التي يرى أنصارها أن "الإسلام هو المشكلة" ولم يفهموا الإسلام وجاءوا ببضاعة مستوردة وأفكار غريبة علينا ليطبقوها على الإسلام والمسلمين، كما سبق لهم إحضار الشيوعية والدعوة لها، هؤلاء هم أتباع الاستغراب الذين يعادون الإسلام من دون أن يفهموه ولم يدرسوه.
من هنا كان الرافعون لشعار " الإسلام هو الحل " من اجل الاستيلاء الكهنوتي على السلطة خاطئين، والرافعون لشعار "الإسلام هو المشكلة" و"العَلمانية" (بفتح العين) أو العالمانية (برفع العين ومدها) خاطئين، والحيرة عند المواطن العربي تأتي من جهله بالإسلام، وجهله بحقيقة العَلمانية (بفتح العين) ومن طاعته العمياء للقيادات الدينية التي تخدره باسم الدين، والإسلام من هذا براء.
الإسلام جاء لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا بالاستعباد إلى سعتها بالعدل والحرية والشورى والزكاة للفقراء، وجعل طلب العلم فريضة على المسلمين، ومجلس علم خير من عبادة سبعين عاما تطوعا ونافلة، فمتى نفهم الإسلام ونفطن إلى خطورة التخدير باسم الدين أو محاولة فصل الإسلام عن السياسة وشئون الحياة؟
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى