أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما وأشار رسول الله بيده إلى فيه)) رواه مسلم . فماذا أعدننا لهذا اليوم العصيب الذي لا ظل فيه إلا من أظله الله، فتخيلوا أيها المؤمنون هذا الموقف الرهيب ونحن حفاةً عراةً غرلاً ليس معنا شيء يسترنا، وليس معنا شيء يحمينا من حر الشمس ووهجها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يتمنى الناس فيه أن يخرجوا منه إلى أي شيء ــ عياذاً بالله من أليم عقابه ،فالمسلم العاقل الذي يعلم حقيقة هذا الموقف حري به أن يأخذ بالأسباب التي تقيه من حر هذا اليوم وشدته، ويحرص على الأخذ بالأسباب التي تهون عليه هذا الموقف العظيم. وأن يقتدي بالسلف عند تقلب الأزمان ومسارعتهم إلى الخيرات سائر الأزمان فهم القدوة لمن يتدبر ويعتبر، روي أن أبا بكر كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، ووصى عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله فقال: "عليك بخصال الإيمان"، وسمى منها الصوم في شدة الحر في الصيف، وكان معاذ بن جبل يتأسف عند موته على ما يفوته من ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء، وكان أبو الدرداء يقول: "صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور".فنسأل الله العلي الكبير أن يجعل ما في الكون من مصائب وأكدار وتقلبات تذكيراً لنا بما في اليوم الآخر من الأحوال والأهوال، ونعوذ به من الغفلة عن الدار الآخرة.. إنه سميع مجيب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة :281 ] نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين وأجارني وإياكم من عذابه المهين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين
الحمد لله،ذي البطش الشديد،المبدئ المعيد ،الفعال لما يريد،توعد من عصاه ،وكفر به أو أشرك بنار قعرها بعيد ،حرها شديد ،ووعد من خافه واتقاه بدار النعيم ،لا يفنى نعيمها ولا يبيد ، ولهم فيها من كل خير مزيد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،قسم خلقه قسمين،وجعلهم فريقين ،فمنهم شقي وسعيد ،من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ،وما ربك بظلام للعبيد.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، حامل لواء الدعوة للعبادة والإخلاص والتوحيد ،فنصح أمته،وبلغ رسالته،وجاهد في الله حق جهاده ،ونصح القريب والبعيد،فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان،وترسم طريقتهم،لا يزيغ عنها ولا يحيد،وسلم تسليما .أما بعد ،فاتقوا الله أيها المسلمون،فتقوى الله تعالى تفرج الهم،وتكشف الغم،وتنجي من الكروب ، وتحت الخطايا والذنوب ،فيا بشرى المتقين يوم الوعيد 0
أيها المسلمون: لما كانت أكثر أجواء قريش أجواءً صيفية حارة امتن الله عليهم بأن أوجد لهم من الثياب ما يتقون به الحر فقال سبحانه وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل :81] فنعم الله علينا كثيرة علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .
عباد الله : وفي هذا الزمان عظمت نعم الله علينا فأصبحنا نتقي الحر بوسائل أكثر رفاهية وراحة عن طريق المكيفات وأجهزة التبريد المختلفة حتى صرنا في بعض الأحيان نشتكي من شدة البرد في شدة الحر ، من نعم الله علينا التي تحتاج منا إلى شكر المنعم سبحانه وتعالى الذي سخر لنا نعمة الكهرباء ، فأصبحت جزءاً من حياتنا وكثير من الناس عن هذه النعمة غافلون بل أصبح بعضهم يسخر هذه النعمة فيما حرّم الله من النظر المحرم أو الاستماع المحرّم أو الإسراف في الاستعمال ،وفي المقابل – عباد الله – يوجد من الناس من قد يُحرم هذه النعمة بين الفينة والأخرى من إخوانكم الفقراء حتى أصبحت الفواتير تلوح في أيديهم لا يعلمون كيف يسددون أجورها فاجتمع عليهم حرّان حر الجو وحر القلوب !! فما موقفنا منهم ؟ وأين شعور الجسد الواحد والأخوة الإسلامية ؟لقد وصف الله أصحاب محمد أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [ الفتح :29 ]،فليكن لنا فيهم أسوة وقدوة 0ولنعم – عباد الله –أن من أسباب النجاة من حر يوم القيامة ما يلي:
وأولـــها : تقوى الله تعالى؛ فالتقوى من أعظم الأسباب التي تقي العبد كربات يوم القيامة، قال تعالى وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61].
ثانـــــياً:إنظار المعسر أو الوضع عنه: فهنيئًا لمن أنظر معسراً أو وضع عنه شيئًا، ونقول له أبشر بخير عظيم من الله، فيكفيك شرفاً أن يعدك الله بأن يظلك في هذا اليوم العصيب، قال ((من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) رواه مسلم.
ثالــــــثا: أعمال لسبعة أصناف من الناس حازوا السبق وفازوا ونجوا تحت ظل ربهم والأعمال الصالحة من أعظم ما يتقى بها حرّ الآخرة يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ومنهم من ينعم بالاستظلال بظل الله يوم لا ظل إلا ظله قال : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :إني أخاف الله ،ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ،ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )) متفق عليه .
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا ووالدينا والمسلمين منهم 0
رابعــــــاً: صوم النافلة: وهو ما زاد عن الفريضة مما وردت به السنة؛ قال ((من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) متفق عليه 0 خامســــاً: الصدقة: وهي تشمل جميع أنواع الصدقات، من مال، أو شفاعة، أو قضاء حاجة، أو غير ذلك مما وردت به السنة؛ قال
(كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس)) رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يكثرون من الصدقة من أجل ذلك. . سادســــــاً: حفظ سورتي البقرة وآل عمران: قال ((يأتي القرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران يأتيان كأنهما غيابتان وبينهما شرق أو كأنهما غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلتان من طير صواف يجادلان عن صاحبهما)) رواه مسلم.
هذه يا عباد الله بعض الأعمال مما وردت به النصوص الشرعية فتمسكوا بها. وسارعوا إلى مرضاة الله وإلى الأعمال التي ستنجيكم من كُرب يوم القيامة؛ واجتهدوا في بذلها تنالوا خيري الدنيا والآخرة إنها لأعمال جليلة يستحق كل عمل منها وقفة بل خطبة كاملة. فحري بك أخي المستمع يا من تحرص على عدم التعرض للهيب الشمس المحرقة في الدنيا، وتوصي أبناءك بذلك؛ أن تحرص كل الحرص على أن تقي نفسك وأهلك حر هذه الشمس يوم القيامة؛ قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة، وأعمالهم تظللهم وتصحبهم).
فرسولنا لم يذكرْها لنا إلا رحمة بنا لعلنا نتشبث بها؛ فإن كل أمر، وكل عمل، أمرنا الله ورسوله به في الدنيا، فإنه فضل ومنجاة لنا من كرب يوم القيامة. إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:111].فاتقوا الله -عباد الله- وتذكروا قرب الرحيل من هذه الدار إلى دار القرار، ثم إلى جنة أو نار، فأعدوا لهذا اليوم عدته، واحسبوا له حسابه، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران:185]. فاللهم احشرنا في زمرة أوليائك، وارزقنا مرافقة أنبيائك،وأظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك يوم القيامة،هذا وصلوا وسلموا على وصاحب الحوض والشفاعة وأفضل من دعا إلى الخير أتباعه ، فالله سبحانه وتعالى وملائكته في أرضه وسمائه، يصَلّون على النبي الأمي إجلالاً لقدره،وتعظيماً لشأنه ،فما أحرانا نحن المؤمنين أن نُكثِر من الصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمر الله حيث أمر المؤمنين في كتابه ،صلى الله وسلم عليه،وعلى آله وأصحابه ،صلاة وسلاما دائمين إلى يوم قيام الساعة، وارض اللهم عن خلفائه ،اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين،واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.اللهم اجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم ولاة أمورنا ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم نوّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم،اللهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم. يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم أجرنا من النار،اللهم أجرنا من النار ،اللهم اجعلنا ممن يشهد ملائكته أنه قد غفر لهم ،اللهم يا من لا تراه العيون،ولا تخالطه الظنون،ولا يصفه الواصفون،يا من دبر الدهور،وقدر الأمور،وعلم هواجس الصدور،اللهم يا صاحب كل نجوى،ويا منتهى كل شكوى ،ويا رافع كل بلوى،يا منقذ الغرقى ،ويا منجي الهلكى،يا ربنا ،ويا سيدنا،ويا مولانا ،ويا غاية رغبتنا،لا رب لنا سواك فندعوه،ولا مالك لنا غيرك فنرجوه ،إلهنا من نقصد وأنت المقصود، ومن نتوجه إليك وأنت صاحب الكرم والجود ، ومن الذي نسأله وأنت الرب المعبود ،يا من عليه يتوكل المتوكلون،وإليه يلجأ الخائفون،وبكرمه وجميل عوائده،يتعلق الراجون،وبواسع عطائه وجزيل فضله تبسط الأيادي يسأل السائلون ،نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار،اللهم إنا نعوذ بك أن تطرحنا في النار برحمتك يا أرحم الراحمين ،يا آمان الخائفين،ويا رجاء المذنبين ،نسألك برحمتك أن لا تعذبنا بالنار ،وقد أسكنت توحيدك قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام،اللهم أعطنا ولا تحرمنا ،وكن لنا ولا تكن علينا،واختم بالصالحات أعمالنا،واشفي اللهم مرضانا، وارحم الله موتانا،وبلغ فيما يرضيك آمالنا،وارحم ضعفنا واجبر كسرنا،ولا تخيب اللهم فيك رجائنا ،واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله،وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان،اللهم اجعلنا ممن يبشر عند الموت بروح وريحان ورب راض غير غضبان،اللهم أدركنا هناك برحمتك يا ارحم الراحمين،اللهم ارحمنا تحت الأرض،واسترنا فوق الأرض،ولا تفضحنا يوم العرض،واجعلنا في موقف القيامة آمنين غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين ،رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .