القصيدة الأولى
الدمعة الخرساء
دنياك تزهو ولا تدري بما فيها ... إياك إيــاك لا تأمـــن عواديـــها
تحلــو الحياة لأجيال فتنعشهم ... ويدرك المـــوتُ أجيالاًَ فيُفنيـــها
عارية المال قد ردت لصاحبها ... وأكنف البيت قد عادت لبانيــها
والأينق العشر قد هضت أجنتها ... وثلة الورق قد ضجت بواكيها
يا رب نفسي كبت مما ألــــم بها ... فزكها يا كريــم أنت هاديـــها
هامت إلــيك فلما أجهــــدت تعباً ... رنت إليك فحنت قبل حاديـــها
إذا تشكت كلال السـيـــر أسعفها ... شوق اللقاء فتعدو في تدانيها
حتى إذا ما كبت خوفاً لخالقها ... ترقرق الدمـــع حزناً من مآقـيها
لا العذر يجدي ولا التأجيل ينفعها ... وكيف تبدي اعتذاراً عند باريها؟!
فإن عفوت فظني فيك يا أملي ... وإن سطوت فقد حلــت بجانيــها
إن لم تجرني برشد منك في سفري ... فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها
من ديوان لحن الخلود للشيخ عائض القرني
القصيدة الثانية
ليس الغريب
ليس الغريب غريب الشـام واليمن .... إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حـــق لغربته .... على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهرنَّ غريبا حال غربــته.... الدهر ينهره بالذل والمحن.
سفري بعيد وزادي لن يبلغني.... وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها.... الله يعلمها في السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني.... وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمرُّ ساعات أيامي بلا ندم.... ولا بكاء ولا خوفٍ ولا حَزَنِ
أنا الذي أُغلق الأبواب مجتهداً ... على المعاصي وعين الله تنظرني
يا زلةً كُتبت في غفلة ذهبت... يا حسرةً بقيت في القلب تُحرقني
دعني أنوح على نفسي وأندبها.... وأقطع الدهر بالتذكير والحزَنِ
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني... لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أسحُّ دموعا لا انقطاع لها... فهل عسى عبرةٌ منها تُخلصني
كأنني بين جلِّ الأهل منطرحٌ .... على الفراش وأيديهم تُقلبني
وقد تجمَّع حولي مَن ينوح ومن.... يبكي عليَّ وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يُعالجني.... ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها.... من كل عِرقٍ بلا رفق ولا هونِ
واستخرج الروح مني في تغرغرها.... وصار ريقي مريرا حين غرغرني
وقام من كان حِبَّ الناس في عجَلٍ....... نحو المغسل يأتيني يُغسلني.
وقال يا قوم نبعي غاسلا حذِقا... حرا أديبا عارفا فطِنِ
فجاءني رجلٌ منهم فجرَّدني .... من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحا.... وصار فوقي خرير الماء ينظفني .
وأسكب الماء من فوقي وغسَّلني.. غَسلا ثلاثا ونادى القوم بالكفنِ
وألبسوني ثيابا لا كِمام لها.... وصار زادي حنوطي حين حنَّطني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا... على رحيلي بلا زاد يُبلغني
وحمَّلوني على الأكتاف أربعةٌ ... من الرجال وخلفي منْ يشيعني
وقدَّموني إلى المحراب وانصرفوا ... خلف الإمام فصلى ثم ودعني.
صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها... ولا سجود لعل الله يرحمني
وكشَّف الثوب عن وجهي لينظرني.... وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام مُحترما بالعزم مُشتملا... وصفف اللبْن من فوقي وفارقني
وقال هُلواعليه الترب واغتنموا .... حسن الثواب من الرحمن ذي المنن.
في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا .... أبٌ شفيق ولا أخٌ يُؤنسني
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت...... من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر ونكير ما أقول لهم...... قد هالني أمرهم جدا فأفزعني.
وأقعدوني وجدوا في سؤالهمُ ... ما لي سواك إلهي منْ يُخلصني
فامنن عليَّ بعفوٍ منك يا أملي.... فإنني موثقٌ بالذنب مرتَهَنِ
تقامم الأهل مالي بعدما انصرفوا...... وصار وزري على ظهري فأثقلني
واستبدلت زوجتي بعلا لها بدلي... وحكَّمته على الأموال والسكن
وصيَّرت ولدي عبدا ليخدمها.... وصار مالي لهم حلا بلا ثمنِ
فلا تغرنك الدنيا وزينتها..... وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها.... هل راح منها بغير الحنظ والكفن
خذ القناعة من دنياك وارضَ بها.... لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يا نفس كفي عن العصيان... واكتسبي فعلا جميلا لعل الله يرحمني
يانفسُ ويحكِ توبي واعملي حسنا... عسى تُجازين بعد الموت بالحسنِ
ثم الصلاة على المختار سيدنا ما .... وضأ البرق في شام وفي يمن
والحمد لله ممسينا ومصبحنا ... بالخير والعفو والإحسان والمنن
لزين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهم جميعا
القصيدة الثالثة
فرســــــــــان أمتـنــــــــــــــــــا
باريس تعرفني ولندن لم تزل
ترنو إلى جيبي وحسن هباتي
وعيون مانيلا تراقب مقدمي
فلكم غرست في أرضها شهواتي
كم حانة ذوبت فيها همتي
وعقدت فيها خير مؤتمراتي
وشربت فيها الكأس حتى خلتني
أدمي فؤاد الكأس في الرشفاتي
وجعلت فيها الليل يكرهُ نفسهُ
من سوء ما أجنيه في سهراتي
وجمعت للتّذكار ألفي صورةٍ
أفنيت في تصويرها عدساتي
ودعوت أصحابي أذيب عقولهم
بمغامرات اللهو في رحلاتي
لا تسألوني عني ولا تتعجبوا مني
و لا تبكوا على سقطاتي
أنا .. فارسٌ يغزو ميادين الهوى
فسلو بقاع اللهو عن غزواتي
ولكم عثرتُ على الطريق ولم أجد
من بالحنان يقيلني عثراتي
أنا لست وحدي في طريق متاهتي
أبناؤكم في الغرب بالعشراتي
أبناؤكم بالغرب مصدرُ رزقِهِم
يتصدقون عليه بالنفقاتي
سلمتموهم للعدو غنيمةً
فلتغسلوا الأعيان بالعباراتي
سر الهزيمةِ أننا من جهل
نانرمي إلى الأعداء بالفلذاتي
دعوة للتأمل
لله فـي الآفـاق آيـات لـعـل أقلهـا هـو مـا إليـه هــداك
ولعل ما في النفـس مـن آياتـه عجب عجاب لو تـرى عينـاك
والكـون مشحـون بأسـرار إذا حاولْـتَ تفسيـرًا لهـا أعيـاك
قل للطبيب تخطَّفته يـد الـردى مـن يـا طبيـب بطبِّـه أرْدَاك؟
قل للمريض نجا وعُوفـيَ بعد مـاعجزت فنون الطب من عافـاك؟
قل للصحيح يموت لا مـن علـة من بالمنايا يا صحيـح دهـاك؟
قل للبصير وكان يحـذر حفـرة فهَوَى بها من ذا الـذي أهـواك؟
بل سائل الأعمى خَطَا بين الزحام بلا اصطدام من يقـود خطـاك؟
قل للجنين يعيـش معـزولا بـلا راعٍ ومرعى ما الـذي يرعـاك؟
قل للوليد بكى وأجهـش بالبكـاء لدى الولادة مـا الـذي أبكـاك؟
وإذا ترى الثعبـان ينفـث سمَّـهُ فاسأله من ذا بالسمـوم حَشَـاكَ؟
واسأله كيف تعيـش يـا ثعبـان أو تحيى وهذا السمُّ يمـلأ فَـاكَ؟
واسأل بطون النَّحل كيف تقاطرت شهدًا وقل للشهـد مـن حـلاَّك؟
بل سائل اللبـن المُصَفَّـى كـان بين دم وفرث ما الـذي صفَّـاك؟
وإذا رأيت الحـي يخـرج مـن حَنَايا ميتٍ فاسأله مـن أحيـاك؟
قل للهواء تحثُّه الأيـدي ويخفـى عن عيون الناس مـن أخفـاك؟
قل للنبـات يجـفُّ بعـد تعهُّـدٍ ورعاية مـن بالجفـاف رَمَـاك؟
وإذا رأيت النَّبت فـي الصحـراء يربو وحده فاسأله مـن أَرْبَـاكَ؟
وإذا رأيت البدر يسـري ناشـرًا أنـواره فاسألـه مـن أسْـرَاك؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهـي أبعد كل شيء ما الـذي أدنـاك؟
قل للمرير من الثمار مـن الـذي بالمرِّ من دون الثمـار غـذاك؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى من يا نخل شـقَّ نـواك؟
وإذا رأيت النـار شـبَّ لهيبهـا فاسأل لهيب النـار مـن أوراك؟
وإذا ترى الجبل الأشَـمَّ مناطحًـا قِمَمَ السَّحاب فسَلْه مـن أرسـاك؟
وإذا ترى صخرًا تفجـر بالميـاه فسله من بالمـاء شـقَّ صَفَـاك؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الـزُّلال جرى فسَلْه من الـذي أجـراك؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأُجـاج طغى فسَلْه مـن الـذي أطغـاك؟
وإذا رأيت الليـل يغشـى داجيًـا فاسأله من يا ليل حـاك دُجـاك؟
وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًـا فاسأله من يا صبح صاغ ضُحَاك؟
ستجيب ما في الكون مـن آياتـه عجب عجاب لو تـرى عينـاك
ربي لك الحمـد العظيـم لذاتـك حمـدًا ولـيـس لـواحـد إلاَّك
يا مـدرك الأبصـار والأبصـارلا تـدري لـه ولِكُنْهِـهِ إدراكًـا
إن لم تكن عينـي تـراك فإننـي في كل شـيء أستبيـن عُـلاك
يا منبت الأزهار عاطرة الشذى ما خاب يوما من دعا ورجاك
يا مجرى الأنهار عاذبة الندى ما خاب يوما من دعا ورجاك
يا أيها الانسان مهلا ما الذى بالله جل جلاله أغراك ؟