ولد الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح بمدينة وهران بالجزائر في يوم 8 من يوليه 1927م، وهو من عائلة معروفة نزح أسلافها من قلعة بني راشد المشهورة إلى وهران في بداية القرن التاسع عشر. درس في المدارس الحكومية، وفي الوقت نفسه كان يتلقى دروسًا بالعربية مساء في إحدى المدارس الحرة التي أنشأتها جمعية العلماء الجزائريين والتحق وهو ابن خمس عشرة سنة بحزب الشعب الجزائري.
وفي سنة 1947م بعد حملة واسعة حملتها الشرطة الفرنسية على المناضلين والوطنيين رحل إلى مصر والتحق طالبًا بكلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية، وهناك اكتشف أهمية التراث العلمي اللغوي العربي من خلال ما اطلع عليه من كتاب سيبويه خاصة، واتضح له الفرق الكبير الذي لاحظه بين وجهات النظر الخاصة بالنحاة العرب الأقدمين وما يقوله المتأخرون منهم، وكان هذا دافعًا مهمًّا في حياته العلمية. ولم يستطع أن يكمل دراسته في مصر فالتحق بجامعة بوردو BORDEAUX بفرنسا بعد أن ساهم في ثورة أول نوفمبر لمدة سنوات، ثم نزل بالمملكة المغربية والتحق بثانوية "مولاي يوسف" في الرباط كأستاذ اللغة العربية، واغتنم الفرصة لمواصلة دراسة الرياضيات في كلية العلوم. وهذا أيضًا حادث أثَّر في حياته الثقافية، وقرَّبَه أكثر من اللغوي العبقري الخليل بن أحمد. وبعد حصوله على التبريز في اللغة العربية تكرّم عليه الإخوة في المغرب فأوكلوا إليه تدريس اللسانيات في كلية الآداب بالرباط باللغة العربية في 1960م (لأول مرة في المغرب العربي).
في حياة الدكتور الحاج صالح حدثان هامان شكَّلا منعرجًا كبيرًا في حياته العلمية، أولهما: دراسته في المدرسة الحرة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وهران، هذه الدراسة التي مكنت تعلقه باللغة العربية، ثم إقامته في الأزهر الشريف التي تزود في أثنائها بالتراث العلمي العربي. وثانيهما: دراسته للِّسـانيات الحديثة والرياضيات وهذا ما أداه إلى التعمّق في المفاهيم المنطقية القديمة والحديثة، ومفاهيم علم اللسان العربي وحينها اكتشف أن الخليل بن أحمد سبق أوانه 1000 سنة.
أما الشطر الثاني من حياته فهو الذي قضاه أستاذًا وباحثًا في جامعة الجزائر بعد الاستقلال. وعيّن في سنة 1964م رئيسًا لقسم اللغة العربية وقسم اللسانيات، ثم انتخب عميدًا لكلية الآداب، وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية 1968م. وتفرغ في ذلك الوقت للدراسة والبحث في علوم اللسان حيث استطاع بمساعدة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي (وزير التربية آنذاك) أن ينشئ معهدًا كبيرًا للعلوم اللسانية والصوتية وجهزه بأحدث الأجهزة وأسس أيضًا مجلة اللسانيات المشهورة. وفي هذا المعهد واصل الأستاذ بحوثه بفضل المختبرات المتطورة الموجودة فيه وأخرج تلك النظرية التي لقبت في الخارج "بالنظرية الخليلية الحديثة" (وهي مطروحة في الرسالة التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من جامعة السوربون في سنة 1979م). وفي عام 1980م أنشأ ماجستير علوم اللسان وهو نسيج وحده لأنه متعدد التخصصات، وقد نوقشت أكثر من 70 رسالة منذ أن أنشئ. والمعهد (معهد اللسانيات والصوتيات سابقًا) بقي صامدًا يؤدي مهامه بفضل سهر الأستاذ على النوعية العلمية التي كان يهتم بتخريجها.
وجدير بالذكر أن هذه الأعمال الجماعية في الجزائر تعطلت عندما قرر مسؤولو التعليم العالي أن يعيدوا تنظيم الجامعات، فاغتنم بعض الأشخاص هذه الفرصة لإلغاء معهد العلوم اللسانية، وذلك في 1984م. وقد سبّب هذا الحادث المؤلم الخطير إلغاء الكثير من المشاريع المهمّة ذات المصلحة العامة وتعطيل مجلة اللسانيات.
وفي سنة 1991م عادت الأمور إلى مجاريها إلى حد مّا برحمة من الله تعالى وإلهام منه لبعض العقلاء حيث أنشئ مركز البحوث العلمية في هذا الميدان، والأستاذ ورفاقه يعملون فيه والحمد لله.
وفي سنة 1988م عُيِّن الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عضوًا مراسلاً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم انتخب عضوًا عاملاً به سنة 2003م في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي، وسبق ذلك أن عُيِّن عضوًا في مجمع دمشق (في 1978م) ومجمع بغداد (1980م) ومجمع عمّان (1984م). وهو عضو في عدة مجالس علمية دولية وعضو أيضًا في لجنة تحرير المجلة الألمانية التي تصدر ببرلين بعنوان:
Z. fuir Phonetik Sprachwissenfaft und Kummunikation forshung.