تعريف الشعوبية
جائت تسمية الشعوبية نسبة للشعوب
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
قال عنها القرطبي هي حركة «تبغض العرب وتفضل العجم»[1] وقال الزمخشري في أساس البلاغة: «وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم». كان الشعوبيون يسمون حركتهم "حركة التسوية" (التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب). يرى المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي أن الحركة الشعوبية تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة[1].
يقول د. علي شريعتي عن الحركة الصفوية متطرقا إلى استنادها إلى مبدأ "الشعوبية": «وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية، مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص» [1].
اختلاف مفهوم الشعوبية
بعد إنتشار الإسلام يتسع على يد العرب ، ومجئ العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه، وظهر التمييز بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غيرالعرب، وأحسّ العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر العرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب،واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه، وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم ، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.
وبدأوا بحاضرهم وماضيهم يَعّدُون أنفسهم أسمى من العرب، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحطُّ من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادهم، ورقى حضارتهم، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربى، وكان العرب حملة لوائه عندما نزل. [1]
انتشار الشعوبية
في بداية الأمر انتشرت الشعوبية بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون هنود ثم أتراك ثم مولدي الأندلس (الإسبان المستعربون) [1].
كانت النزعة الشعوبية واسعة وقوية بين الفرس لعدة أسباب منها: أنه في عصر الفتوحات الإسلامية، كان الفرس أكثر تحضراً من العرب، وأكثر مدنية، فنمى لديهم شعور بالاستعلاء يعمق نزعة التعصب لديهم بعد أن قام المسلمون ممثلون بالعرب بالسيطرة على بلادهم، كما أن الفرس قد دخلوا الإسلام بأعداد هائلة فتشكلت منهم أكثرية عددية بين الموالي الذين اضطهدهم الأمويون.
يقول الباحث الفارسي ناصر بوربيرار: «كل الحركة الشعوبية هي من صنع اليهود. وقد صنعتها بقايا الساسانيين الذين هربوا إلى خراسان بعد هزيمتهم أمام جيوش المسلمين. فالشعوبية لم تظهر من كل انحاء إيران بل من منطقة واحدة هي خراسان، وهو المكان الذي يظهر فيه بني العباس لمحاربة بني أمية». حيث يشير إلى أن للمستوطنات اليهودية في تلك المنطقة نفوذاً قوياً، حيث كان لليهود دوراً كبيراً في تحريض الفرس ضد العرب عن طريق الشعوبية. ولذلك اختار العباسيون منقطة خراسان الكبرى لتكون بداية ثورتهم (بقيادة أبي مسلم الخراساني) رغم أن هناك مسافة أكثر من ألفين كيلومتر تفصل خراسان من الشام[1].
مظاهر الشعوبية
الشعوبية في الأدب والشعر
اتخذت الحركة الشعوبية من الآداب وسيلة لزرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس أبناء أمتها تجاه العرب خاصة والإسلام عامة وكان الشعر أحد أهم أفروع الآداب المستخدمة في هذا الإطار لكونه الأكثر التصاقا في عقول القراء والمستمعين والأسهل حفظا في الذاكرة. من أعمدة الأدب الشعوبي، الفردوسي والخيام وأبومسلم الخراساني وابابكرألخرمي والرودكي ومحمود الغزنوي.
قام محمود الغزنوي في القرن الثالث الهجري بتكليف الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها ويشتم فيها العرب وحضارتهم الإسلامية ويحط من شأنهم، وقد تعهد له بأن يعطيه وزن ما يكتبه ذهبا وعلى هذا الأساس وضع الفردوسي ملحمته وأسماها الشاهنامه (ملك الكتب) ووضع جلها في شتم العرب وتحقيرهم وتمجيد الفرس وملوكهم[1]. ومما يقوله الفردوسي في "الشاهنامة": «من شرب لبن الابل وأكل الضب؟ بلغ العرب مبلغا أن يطمحوا في تاج الملك؟ فتبا لك أيها الزمان وسحقا».
التصفية والإغتيالات والدسائس
بعض المؤرخين يعتبرون أولى أعمال الشعوبية هو إغتيال أبو لؤلؤة الفيروزي للخليفة عمر بن الخطاب إنتقاما للدولة الساسانية التي قهرت في عهده. كما تدخلوا في الصراع بين الاخوين الامين والمأمون، حين استعان بهم المأمون ضد أخيه، و جعل منهم قادة الجيش. وكان للشعوبية دور في إنشاء الفرق الباطنية كالقرامطة والنصيرية وغيرهم