الخطبة الأولى :
الحمد لله.. الحمد لله ذي الحول والطول والملكوت.. له الكبرياء في السموات والأرض وله العزة فيهما والقهر والجبروت، أليم العذاب شديد العقاب وهو دائمٌ حيٌّ لا يموت.. سبحانك اللهم مَن الذي أمِن مكرك فما خسر ؟! ومن الذي استهان بحرماتك فما ندم ؟! ومن الذي تعرض لوعيدك فسلم ؟!
وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك، صلى الله عليه فما كان أخشاه لله وأخشعه ! وصلى الله عليه ما كان أتقاه وأورعه ! وصلى الله عليه فكم سح لله أدمعه ! وصلى على الآل والصحب الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد.. فاتقوا الله - تعالى - حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وتأهبوا للقاء الله واحذروا عقابه؛ فإن أجسادكم على حر النار لا تقدر ولا تقوى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18 سورة الحشر)
عباد الله : لقد كان من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعاهد أصحابه بالموعظة وربط أحوالهم بالآخرة، وفي الصحيحين : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضا ؛ فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ؛ فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد من تجدون من الزمهرير ".. وفي الصحيحين أيضاً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ".
أيها المسلمون : مصيرٌ أرق عيون الصالحين ومنقلبٌ أوجف قلوب المتقين ونهايةٌ أظمأ توقيها نهار العابدين وأطال في الليل قيام المتألهين وخاتمةٌ أدامت الحزن في محيا المتأوهين{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } (16 سوة السجدة).. إنها أيها المسلمون النار.. النار خلقٌ عظيم من خلق الله، وهي الدار التي أعدها الله للكافرين ؛ فهي مأوى الظالمين وسجن الكافرين وعقوبة العصاة والمخالفين، وهي الخزي الأكبر والخسران المبين.. هي الشر الذي لا خير فيه والورد الذي لا بد منه، قديمة النشأة سالفة الوجود { وَاتْقَوُا النَّارَ التَيِ أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ } (131 سورة آل عمران ) ؛ فهي معدةٌ ومخلوقة، وقد رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث المخرج في الصحيحين في صلاة الكسوف.
أيها المسلمون : الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق.. فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب.. فيها دركاتٌ ومنازل، وهي سوداء مظلمة.. قاتمةٌ معتمة.. لها صوتٌ يسمع من بعيد.. تشهق وتزبر تمور موراً، و :{ تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ لِلْمُكَذِبِين } (32-33 سورة المرسلات).. الحزن فيها دائمٌ وطويل، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل.. قلوب أهلها ملئت قنوطًا ويأساً، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام، وفيها من الأهوال والأحزان ما تتقاصر دون تصوره الأذهان : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } ( 66 سورة الفرقان)، خوف الله بها ملائكته المقربين : { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } (29 سورة الأنبياء).. وقال لرسوله الكريم : لاَ تَجْعَلََْ مَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ... (22 سورة الإسراء ).
وخوف الرسول بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال : " أنذرتكم النار. أنذرتكم النار ".. أفبعد هذا يأمن بقية العالمين، بلها المقصرين ؟!.. يقول الحسن البصري – رحمه الله - : " والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } (14-16سورة الليل ).. وفي التنزيل العزيز :{ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } (71 سورة مريم).. فأين الخوف من ذلك المورد.. إن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، وتالله ما نجا إلا المؤمنون :{ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } (26-28 سورة الطور ).. عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام.. مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها " رواه مسلم، لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج :{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } ( 12الفرقان) .. وفي سورة الملك :{ تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ } ( 8 سورة الملك ).. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزءٌ من سبعين جزء من نار جهنم، قالوا : والله إن كانت لكافية، قال : فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها " رواه البخاري ومسلم..{ هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ } (43 سورة الرحمن ) يدخلونها بأشد خطاب ثم توصد عليهم الأبواب : { نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ } (6-9 سورة الهمزة).. وقودها الناس والحجارة.. { لا تنطفي نارها مع تطاول الزمان ولا يخبو أوارها مع مر الأيام ...كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } ( 97 سورة الإسراء).. وهم مع ذلك مقيدون :{ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً } . (4 سورة الإنسان) ... { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } (71-72 سورة غافر)، وفوق ذلك يضربون ويهانون { وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } (22-23 سورة الحج).. يلبسون من النار ويُصهرون : { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ }(49-50 سورة إبراهيم). وفي سورة الحج :{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } ( 19- 21 سورة الحج ).. أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار.. فهكذا في جهنم حال الكفار{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا } ( سورة الأحزاب،{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } (104 المؤمنون).. أما طعامهم فعذاب وشرابهم فعذاب : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } ( 6سورة الغاشية)، والضريع : شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لائط بالأرض :{ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } (43-46 سورة الدخان) والزقوم : شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.. أما شرابهم فالغسلين والغساق، وهو عصارة أهل النار :{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ }( 29 سورة الكهف)..{ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }( 15 سورة محمد)، وفي الآية الأخرى : {... وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }( 16-17 سورة إبراهيم).. هذه بعض صور العذاب.. فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا ؟
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغةً ثم يُقال : ياابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيماً قط ؟ فيقول : لا والله يارب " رواه مسلم.. إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها :{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى }(11-17سورة المعارج)
عباد الله : وإذا طال البلاء على أهل النار وبلغ منهم العذاب كل مبلغ وكثرت حسراتهم وندامتهم طلبوا الخروج والمثاب : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } ( 37 سورة فاطر) ويعترفون بذنوبهم :{ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }(106- 107 سورة المؤمنون) ؛ فيجابون بعد زمان :{ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108سورة المؤمنون)، ثم يطلبون من خازن النار أن يشفع عند الله ليهلكهم وليميتهم حتى يتخلصوا من العذاب :{ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }( 77 سورة الزخرف).. إنه الرفض لكل ما يطلبون.. ويؤتى بالموت ليذبح، ويقال لأهل الجنة : خلود فلا موت، ويقال لأهل النار : خلود فلا موت.. الحديث في صحيح البخاري ؛ هنالك يشتد نحيب أهل النار ويعظم حزنهم ويطول بكاؤهم ؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من البكاء.
أيها المسلمون : إن من كمال عدل الله - عز وجل - أن لا يساوي بين المطيع والعاصي والمصلح والمفسد :{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ( 35-36 سورة القلم).. وإن الله - تعالى - وصف لنا عقابه ؛ فليس للعاصي على الله حجة.. فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار :{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } ( 68سورة التوبة ) ومن انتصر برأيه معارضا أمر الله وشرعه فليسمع قول الله - عز وجل - :{ ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالدًا فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم }(63 سورة التوبة)
وويلٌ ثم ويلٌ لتارك الصلاة حين يسأل :{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِبُ بِيَوْمِ الدِينِ *حَتَى آَتَانَا اليَقِين * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }( 42- 48سورة المدثر).. وأكل الربا موجبٌ لدخول النار، وأكل أموال اليتامى ظلمًا :{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } (10 سورة النساء)، وفي صحيح مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : يقول الله - تعالى - : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري.. فمن نازعني واحدة منهما أدخلته النار ".. وفي القرآن العظيم : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (93 سورة النساء) .. وأكل أموال الناس بالباطل والانتحار مقرونان في آيةٍ واحدة.. قال الله - عز وجل - { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إًنَّ اللّهَ كَانَ بًكُمْ رَحًيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلًكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلًيهً نَاراً وَكَانَ ذَلًكَ عَلَى اللّهً يَسًيراً } ( 29-30 سورة النساء).. واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار ؛ لذا سميت يمينًا غموسا، والركون إلى الظَّلَمة والميل معهم : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ... } ( 113 سورة هود ).. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صنفان من أهل النار لم أرهما : قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلات روؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم.. وعند عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " يامعشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأةٌ منهن : وما لنا يارسول الله أكثر أهل النار ؟ قال : تكثرن اللعن وتكفرن العشير" رواه البخاري ومسلم.. وأما المراءون فهم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما في الصحيحين ,, وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب.. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ".. النار موعودٌ بهم مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام ومن اقتطع مال أخيه بيمينٍ فاجرة فليتبوأ مقعده من النار.
أيها المسلمون : وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صورا من عذاب أهل النار.. كما في حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا مضجعًا وآخر قائمًا يهوي بصخرةٍ على رأسه فيثلغ صدره ويتدحرج الحجر، ثم يصح رأسه فيثلغه بالحجر على رأسه مرة أخرى.. وقال في الحديث : هذا هو الرجل الذي يأخذ الرجل فيأخذه وينام عن الصلاة المكتوبة.. كما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا مستقليا لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ويكرر ذلك.. وقال في الحديث : هذا الرجل الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.. ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل التنور فيه لغطٌ وأصوات وفيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم فيصيحون.. وقال : هؤلاء هم الزناة والزواني.. ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهرا أحمر كالدم وفيه رجلٌ يسبح، وعلى شط النهر رجلٌ معه حجارةٌ كبيرة ؛ فيفرغ السابح فاه ثم يلقمه الرجل حجرًا في فيه ويكرر ذلك.. وقال : هذا آكل الربا.. ورأى رجلًا كريه المنظر كأكره ما أنت راء، وقال : هذا مالك خازن جهنم، الحديث رواه البخاري.. فهل بعد هذا الوعيد من وعيد.. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }( 37 سورة ق).
اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار.. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنبونا وقنا عذاب النار.. نفعنا الله بهدي كتابه وأجرنا من خزيه وعذابه.. أقول قولي هذا وأستغفر الله - تعالى - لي ولكم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، الحمد لله معز من أعطاه ومذل من عصاه.. مجير من استجاره ومجيب من ناداه، أحمده - تعالى - وأشكره وأثني عليه وأستغفره، وأسأله النجاة لي ولكم.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.. فكلام الله الحق :{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } ( 185 سورة آل عمران )..والإيمان والعمل الصالح هو - والله - طريق الفوز والفلاح، ووعد الله ووعد رسوله صدق.. فلن يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، وعينان لن تمسهما النار / عينٌ بكت من خشية الله وعينٌ باتت تحرس في سيبيل الله.. وللتقوى منزلة عظيمة : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }(46 سورة الرحمن ).. والدعاء والاستعاذة بالله بابٌ عظيمٌ للنجاة.. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ما سأل أحدٌ الله الجنة ثلاثًا إلا قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة، وما استجار مسلم من النار ثلاثًا إلا قالت النار : اللهم أجره مني " رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح.
اللهم ياحي ياقيوم ياذا الجلال.. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.. نسألك اللهم أن تدخلنا الجنة وأن تجيرنا من عذاب النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إيراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا..اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره.. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين.
ربنا آتنا في الدينا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم يارب العالمين.. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا..