أرسلت إلي ختي الحبيبة هبة رسالة تقول فيها أنها دخلت أحد المواقع فقرأت لشخص يحاول إثبات عدم وجود الله، وطلبت إلي أن أرد على مثل هؤلاء الذين يشككون الشباب المسلم في دينهم و في حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى. ويقول هذا الملحد أن نشر التفكير العقلاني هو هدفه الوحيد من وراء كل ما يفعله، من هنا أمسكت بقلمي لأرد هذه الفرية الكبرى بطريقة عقلية علمية شرعية ، وخاصة أنه استغرب كيف يؤمن المسلمون أن محمدا أنزل عليه ملك له جناح. نبدأ بالأدلة العقلية الدالة على وجود الله سبحانه وتعالى وأن للكون خالق مبدعا مدبرا عليما خبيراً.
عقليا الفعل يدل على الفاعل، فنحن نعلم أن هناك قدماء المصريين من آثارهم الموجودة في أماكن وجودهم فلا يعقل أن هذه الأهرامات الضخمة وهذه التماثيل العجيبة قد وجدت من دون موجد، فنحن لم نر قدماء المصريين ولكننا نستدل على وجودهم من آثارهم الباقية والماثلة بين أيدينا. وعندما ندرس آثارهم ونجد الإحكام والإتقان نتأكد أن هؤلاء القوم كان عندهم علم واستطاعوا إتقان آثارهم بهذا العلم، وكان لهم عقل، وعندهم علماء وأدوات وتقنية لإنشاء هذه الحضارة العظيمة. وهذا ما لخصه الأعرابي البسيط بقوله: (البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير، أسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، أما تدل على اللطيف الخبير).
وعندما ننظر للمخلوقات النباتية والحيوانية والكائنات الحية الدقيقة نتأكد أن هناك موجد أوجد هذه الكائنات , فلا يعقل أنها أوجدت نفسها بنفسها، فصاحب الموقع أتى إلى الوجود من تزاوج والدين، وحمل أمه، وولادته، ورعايته، ولم نر أحدا من البشر أوجد نفسه بنفسه، وإذا كان الإنسان صاحب العقل قادرا على إيجاد نفسه فمن أوجد النملة والفأر والقط والعصفور والدب وهذه الحيوانات غير العاقلة.
العقل يقول الموجود يدل على الموجد، فالسكن الذي يقطن فيه الملحد وجد بفعل فاعل، ولم نسمع أن عمارة أو شقة بنت نفسها بنفسها. وعندما ندرس خصائص الكائنات الحية كما درسنا خصائص الحضارة المصرية نجد الإحكام في الخلق فالأسنان وجدت لقضم وتقطيع وطحن الطعام، واللسان وجد لتحريك الطعام، واللعاب يبلل ويحلل الطعام، والمعدة وجدت لخزن الطعام وتحليله، والأحماض المعدية تقوم بذلك، وهناك الإنزيمات المتوافقة مع نوع الطعام، والغدد والأنسجة والخلايا المنتجة للإنزيم المتوافق مع نوع وتركيب الطعام، وعندما يختل إنتاج الإنزيم يختل أيض (هدم وبناء) الطعام، وإذا أردت أن تعرف الدقة والتدبير والإحكام في الخلق انظر إلى مريض السكر كيف يعاني من الخلل في إنتاج الإنسولين، هذا التدبير عقلا خلقه مدبر حكيم عليم خبير يعلم تركيب الطعام وتركيب الإنزيم وفعله وأهمية وجود التخصص الإنزيمي المفصل على نوع تركيب الطعام، وإذا تتبعنا هضم لقمة من الطعام المكون من الكربوهيدرات والدهون والبروتين والماء والفيتامين من وقت تناول الطعام إلى وقت خروجه لعلمنا أن خلف هذه العمليات الحيوية الدقيقة والمحكمة والمقدرة عليما خبيرا لطيفا، أنظر فقط إلى العضلات المحيطة بشرج الإنسان وكيف تعمل وتغلق وتفتح بإتقان، وأنظر إلى إنسان وقد فقدت تلك العضلات عملها واختل تركيبها وفعلها، وانظر إلى الفضلات تخرج منه من دون ضابط أو رابط، هذا كله يدل على وجود خالق عليم خبير لطيف بمخلوقاته.
الشكل يوضح كيفية تركيب الحامض النووي في داخل الخلية الحية
أما بخصوص الأدلة العلمية فعليك النظر إلى الدقة والترتيب في جزيئات الحامض النووي (DNA) وكيف حملت تلك المركبات الكيميائية الصفات الوراثية، وأنظر إلى الجينوم ( الخارطة الوراثية ) الخاص بكل كائن حي لترى بديع الصنع فيها، هل يعقل أن توجد صنعة بلا صانع وعلم من دون عليم وتدبير من دون مدبر؟
أنظر إلى الزهرة وتركيبها المعجز والبديع والمتقن، سبلات خارجية للحماية، وبتلات جميلة لجذب الحشرات ولمنفعة المخلوقات، وكرابل (ورقات تكاثرية) كونت المبيض الزهري العجيب والمهيأ لاستقبال حبوب اللقاح والتلقيح والإخصاب، والعجيب والمعجز أن آلاف حبوب اللقاح تسقط على ميسم الزهرة ولا ينجح في تخصيبها إلا حبة اللقاح الخاصة بنوعها، فحبوب لقاح المشمش لا تلقح بويضات نبات الخوخ رغم أنهما من عائلة نباتية واحدة والتشابه بينهما كبير، أنظر إلى البرتقال واليوسفي والترنج (جريب فروت) والليمون رغم التشابه الكبير بينهما فإن حبوب لقاح الليمون لا تخصب بويضات نبات البرتقال، هذا يتم منذ ملايين السنين فمن دبر هذا؟ ومن أحكم هذا؟ ومن خلق هذا؟ هل الطبيعة الصماء والعوامل البيئية الميتة الخرساء قادرة على فعل هذا الإحكام. أين العقل في إنكار كل هذا ؟! وأين احترام الإنسان لعقله وعلمه ؟! هل يعقل أن يوجد عاقل ينكر ذلك؟ الشاعر يقول: تأمل في رياض الأرض وأنظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصـــــــات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريــــك وأن محمد خير البرايـــــــــــــا إلى الثقلين أرسله المليك
أين العقل والعلم في من ينكر كل هذه الحقائق الكونية العلمية؟
أنظر إلى تركيب البلاستديات الخضراء المعجز وكيف تقتنص الطاقة الضوئية وتحولها إلى طاقة كيميائية، وكيف تحول ثاني أكسيد الكربون والماء والضوء إلى سكريات وإلى رحيق حلو الطعم وعسل وشهد. هذه العمليات العلمية الحيوية المعقدة والمعجزة لابد أن يكون خلفها عليم حكيم خبير لطيف فأين عقل الملحدين وعلم الكافرين؟
أصحاب الدعوات إلى العقلانية فقدوا أبسط العقلانية.
إذا كان هدفك الوحيد نشر التفكير العقلاني فهناك آلاف الأدلة العقلية والعلمية تدلك دلالة قاطعة على وجود الله سبحانه وتعالى الخالق المبدع العليم اللطيف الخبير القادر. هل هذه المجرات في السماوات وجدت من دون موجد؟ هل سمعت عن فأر تولد من حجر؟ هل سمعت عن طفل تكون من الهواء؟ هل سمعت عن مصنع بشري يحول ثاني أكسيد الكربون والماء والضوء إلى سكر كما يفعل النبات الأخضر في الصحراء؟
هناك آلاف الأدلة العقلية والعلمية الدالة على تعطيلك للعقل، وافتقارك للعلم فعجبا لمن يحاول ويدعي نشر العقلانية وهو يفتقد إلى أبسط دعائم العقلانية.
أما بالنسبة للأدلة الشرعية ففي القرآن الكريم آلاف الأدلة العلمية والعقلية الدالة على أنه منزل من عليم خبير لطيف. أنظر إلى قول الله تعالى
وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5} ) (الحج/5) وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{39}) (فصلت/39).
آيتان مختلفتان تتفقان في الحقائق العلمية أن الماء إذا نزل على الأرض الهامدة أو الخاشعة (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). أنظر إلى ترتيب كلمتي (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) هذه حقيقة علمية ولو قال القرآن (ربت واهتزت) لاختلت الحقيقة العلمية في الآية القرآنية، فالاهتزاز بعد نزول الماء يحدث أولا ثم يليه الربو, إذاً ترتيب الكلمات يدل دلالة علمية قاطعة أن هذا القرآن معجز وليس من عند البشر والله يتحدى به البشر. فالماء يؤدي إلى اهتزاز الأرض بالتأين لجزيئاتها وتشرب الماء بالمواد العضوية فيها وتحرك الكائنات الحية (بكتيري، فطريات، طحالب، أكتينوميسيتات، طلائعيات ، رخويات، حشرات، برمائيات) (في بياتها الصيفي الصحراوي) وغيرها، عندما ينزل عليها الماء تتحرك وتخرج من مكامنها كما قال تعالى في آية أخرى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام/99)، فكل شيء قابل للخروج والإنبات يخرج بنزول الماء ولذلك تهتز الأرض. وبعد الخروج يحدث النمو والزيادة في العدد والحجم والكتلة أي أن الأرض (تربو) كما قال تعالى: (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ).
صورة لبذرة تقوم بعملية الإنبات تأمل قدرة ا لله
فهل يعقل أن محمدا العربي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم قادر على وصف ذلك بتلك الدقة العلمية في ترتيب الكلمات والعمليات؟ وهناك آية تقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80}) (يس/80)، فالربط بين الشجر والاخضرار والنار معجزة علمية، فالشجر بما فيه من يخضور (كلوروفيل) في البلاستيدات الخضراء يثبت طاقة الشمس الضوئية والحرارية ليعطي بعد ذلك السكر والزيت والخشب والفحم والبترول الذي يأتينا بالنار والطاقة الحرارية في الكائنات الحية. وهناك آيات مراحل خلق الجنين من أمشاج (مذكرة ومؤنثة) فنطفة (بويضة مخصبة)، فعلقة (البويضة المخصبة عندما تعلق بجدار الرحم)، ثم المضغة (المرحلة التوتية) ثم العظام (الحبل الظهري) وهكذا يصف الله سبحانه وتعالى في كتابه المعجز مراحل نمو وتخليق الجنين في وصف علمي دقيق معجز، قال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنون/14) .
نحن نؤمن إيمانا عقليا علميا شرعيا بأن القرآن من عند الله.
ونحن نتحدى كل الملحدين أن يأتوا بما أتى به القرآن من إشارات علمية عقلية، وقد فصلنا الأدلة العلمية الدالة على إعجاز القرآن الكريم من مجال تخصصنا الدقيق في كتبنا: إعجاز النبات في القرآن الكريم (1986م) ، وآيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات (1996م)، ومعجزات حيوية علمية ميسرة (2009م)، وآيات معجزات من الشكل الظاهري للنبات (تحت الطبع)، وعبودية النبات لرب الكائنات (تحت الطبع) وأنا أدعو كل ملحد وكل علماني (بفتح العين) إلى أن يقرأ تلك الكتب وهي منشورة على موقعنا
www.nazme.net ويعلقوا عليها، ويردوا عليها علميا. وعلى شبابنا أن يقرأ أولا في الدين والتفسير والحديث النبوي الشريف الصحيح ثم بعد ذلك يقرأ للملاحدة بعدما تسلح بالعلم ولحظتها سيضحك استهزاءا من كل الأطروحات الإلحادية المنكرة لوجود العليم الخبير اللطيف سبحانه وتعالى خالق الخلق ومنزل الفرقان على سيد الخلق. لقد انبهر الشباب العربي في ستينيات القرن الميلادي الماضي بسارتر، وفرويد ودارون، وماركس ، ومالتوس، واليوم هذا الجيل هو الذي يقود الحملة ضد الإلحاد والعَلمانية (بفتح العين) والسارترية، والفرويدية والداروينية والشيوعية والإلحاد فالإسلام يتحدى، والمستقبل للإسلام دين العلم والعقل والوحي والحق والإيمان الصادق البعيد عن خرافات الديانات الوضعية والشرائع المحرفة والنظريات الفلسفية، إنه المعجزة العلمية التي ارتضاها الخالق سبحانه وتعالى معجزة دائمة للبشرية، وحفظها، وهيأ لها من يحفظها من المؤمنين ويؤمن بها من غير المسلمين والمستقبل للدين الإسلامي بإذن الله ولو كره الملحدون