اتخذ قوم شجرة صاروا يعبدونها , فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله, فحمل فأساً ,وذهب إلى الشجرة ليقطعها فلم يكد يقترب منها حتى ظهر له إبليس حائلا بينه وبين الشجرة وهو يصيح به :
- مكانك أيها الرجل! لماذا تريد قطعها ؟
= لأنها تضل الناس .
- وما شأنك بهم ؟ دعهم في ضلالهم !
= كيف أدعهم ؟ من واجبي أن أهديهم .
- من واجبك أن تترك الناس أحراراً يفعلون ما يحبّون .
= إنهم ليسوا أحرارا إنهم يصغون إلى وسوسة الشيطان .
- أوتريد أن يصغوا إلى صوتك أنت؟
= أريد أن يصغوا إلى صوت الله .
- لن أدعك تقطع هذه الشجرة .
= لابد لي من أن أقطعها .
(فأمسك إبليس بخنّاق الناسك, وقبض الناسك على قرن إبليس , وتصارعا طويلا , إلى أن انجلت المعركة بانتصار الناسك , فقد طرح الشيطان على الأرض وجلس على صدره وقال له )
= هل رأيت قوتي ؟
فقال إبليس بصوت مخنوق :
- ما كنت أحسبك بهذه القوة , دعني وافعل ما شئت .
(فأخلى الناسك سبيل إبليس وكان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه فرجع إلى صومعته واستراح ليلته. فلما كان اليوم التالي, حمل فأسه وذهب يريد قطع الشجرة , وإذ بإبليس يخرج له صائحا):
- أعدت اليوم أيضا لقطعها؟
= قلت لك لابد لي من أن أقطعها
- أوتظنك قادراً على أن تغلبني اليوم أيضا؟
= سأظل أقاتلك حتى أعلي كلمة الحق .
- أرني إذا قدرتك!!.
(وأمسك بخناقه, فأمسك الناسك بقرنه وتقاتلا وتصارعا إلى أن أسفرت الموقعة عن سقوط الشيطان تحت قدمي الناسك فجلس على صدره وقال له):
= ما قولك الآن في قوتي؟
- حقاً إنّ قوتك لعجيبة دعني وافعل ما تريد .
(لفظها الشيطان بصوته المخنوق فأطلق الناسك سراحه , وذهب إلى صومعته واستلقى من التعب والإعياء حتى مضى الليل وطلع الصبح فحمل الفأس وذهب إلى الشجرة فبرز له إبليس صائحا فيه):
- ألن ترجع عن عزمك أيها الرجل؟
= أبدا لابد لي من قطع دابر هذا الشر.
- أتحسب أني أتركك تفعل ؟
= إن نازلتني فإني سأغلبك .
(فتفكّر إبليس لحظة ورأى أن النزال والقتال والمصارعة مع هذا الرجل لن يتيح له النصر عليه, فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة. ما من باب يستطيع إبليس أن ينفذ منه إلى حصن هذا الرجل غير باب واحد ! الحيلة , فتلطف إبليس , وقال له بلهجة الناصح المشفق ):
- أتعرف لماذا أعارضك في قطع هذه الشجرة ؟ إني لا أعارض إلا خشية عليك ورحمة بك فإنك بقطعها ستعرض نفسك لغضب الناس من عبّادها , ما لك وهذه المتاعب تجلبها على نفسك ؟ أترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك
= دينارين!؟
- نعم في كل يوم تجدهما تحت وسادتك
= ومن يضمن لي قيامك بالشرط؟
- أعاهدك على ذلك وستعرف صدق عهدي
= اتفقنا .
(ووضع إبليس يده بيد الناسك وتعاهدا , وانصرف الناسك إلى صومعته وصار يستيقظ كل صباح ويدس يده تحت وسادته فتخرج بدينارين حتى انصرم الشهر .
وذات صباح دسّ يده تحت الوسادة فخرجت فارغة …..لقد قُطع عنه فيض الذهب , فغضب الناسك ونهض فأخذ فأسه وذهب ليقطع الشجرة فاعترضه إبليس في الطريق وصاح به):
- مكانك ! إلى أين؟
= إلى الشجرة أقطعها .
فقهقه الشيطان ساخرا :
- تقطعها لأني قطعت عنك الثمن !؟
= بل لأزيل الغواية وأضيء مشعل الهداية.
- أنت !؟
= أتهزأ بي أيها اللعين ؟
-لا تؤاخذني . منظرك يثير الضحك .
= أنت الذي يقول هذا أيها الكاذب ؟
(وانقضّ الناسك على إبليس وقبض على قرنه وتصارعا لحظة وإذ بالمعركة تنجلي عن سقوط الناسك تحت حافر إبليس فقد انتصر وجلس على صدر الناسك مزهواً يقول له):
- أين قوتك الآن أيها الرجل؟
(فخرج من صدر الناسك المقهور صوت كالحشرجة يقول ):
= أخبرني كيف تغلبت علي أيها الشيطان.
- عندما غضبت لله غلبتني , ولما غضبت لنفسك غلبتُك ,عندما قاتلت من أجل عقيدتك صرعتني , ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك .