salimmen1 salimmen1
عدد المساهمات : 898 تاريخ التسجيل : 05/07/2008 العمر : 42
| موضوع: التربية عند إيميل جان جاك روسو الأربعاء نوفمبر 12, 2008 11:30 pm | |
| إميل وكتب التربية : من الجيد التذكر أن كل كتب النظريات التربوية ينبغي أن تحقق عدداً من المبادئ : 1- اقتراح أهداف (لماذا التربية، وفي أي هدف). 2- اقتراح أسلوب (كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف، وأي ترتيب ينبغي أن يراعى) 3- دراسة الصعوبات واقتراح الحلول (ماذا ينبغي أن نفعل في حالة ما، كيف يمكن التصرف في حالة فشل ما).
أولاً : تختلف الأهداف من نظرية تربوية إلى أخرى، غير أن كلها ترتبط بالمجتمع الواقعي. مع أفلاطون كان الهدف تشكيل مجتمع منسجم، ومع أرسطو مواطنين قنوعين، أما إكسنوفون Xenophon و بلتارك Plutarque فإنهم قد وعدا بأسر سعيدة، وأما سانت بازيل Saint Bazile وفينلون Fenelon فإنهما كانا يريدان مسيحيين مثاليين، أما نظام رابله Rabelais أو بورت رويال Port Royal أو لوك Locke فهدف إلى تشكيل نخب متنورة. أما كوندياك Condillac وإلفيتيوس Helvetius فقد أرادا تكوين علماء مفيدين للتقدم. فيما يتعلق بإميل، فإنه لا يقترح أي غاية، هناك مسألة «صنع إنسان» ليس مسيحيا أو مسلماً أو تاجراً أو فارساً: مجرد إنسان. إن كلّ فلسفة تربية تهدف إلى إعطاء الإنسان صفات نوعية (شريف، تقي، عالم، وطني) وليس ما تم «صنعه» من قبل. وحين يلح روسو أيضاً: «العيش هي المهنة التي أريد له أن يتعلمها» لا يوجد هنا أي انشغال بأي إشكالية في الفكر التربوي، ولكن إعلان طلاق يضع إميل خارج هذا الفكر.
ثانياً : لننظر في الأساليب. ينظر الفكر التربوي حول الفائدة من فصل الأطفال عن عائلاتهم، استعمال السوط أو قطعة الحلوى، التعلم بجدية أو عن طريق اللعب، الحديث بالفرنسية أو باللاتينية، تعلم الهندسة بالاستبصار او عن طريق التلقين. حين أراد فينلون تعليم الثالوث الأقدس لبنت صغيرة، لم يتردد فينلون من تكريس عدة صفحات دون أن ينسى أي تفاصيل صغيرة، تماماً مثل تأملات لوك حول استعمال السوط. أين إميل من ذلك؟ إن روسو، كما قيل، كان مع فصل الطفل عن عائلته، رفض السوط مثلما رفض الثواب، واستبعد فكرة الحديث بعدة لغات، ولا سيما اللاتينية، الخ. غير أن إميل يجيب عن هذه الأسئلة دون أن يطرحها بنفسه. إن إيجاد مثل هذه "الإجابات" مشروع، فمن الممكن دائماً تناول أفكار من نص ما لإغناء إشكاليات مختلفة. يمكن لقطعة الشمع عند ديكارت وصنع الأداة عند سبينوزا وجنون النحوي حسب إراسم Erasme ومملوك أفلاطون إلهام الكثير من المربين بشكل سليم. ويمكن أن يكون هناك التلاقح ما بين نظريات التربية. إن كل فلسفة كبرى تجيب على أسئلة التربية دون أن تكون فلسفة تربية.
هل يوجد في إميل أسلوب حقيقي؟ تكثر في الكتاب الثاني والثالث أمثلة قوية بحيث يمكن أخذها كأمثلة متعاقبة لتطبيقها. حكاية الجنائني روبرت: كيف يمكن تعليم طفل ذو ثمان سنوات لا يعرف القراءة والحساب مبادئ القانون التجاري والعقود القانونية. يجعله المشعوذ ذو صاحب البط الممغنط اكتشاف البوصلة، أما بطاقات الدعوة الصغيرة بالتأكيد ستكون أسلوباً قوياً لتعليم القراءة! أيمكن أن نغفر لهذه النبرة المستهزئة، أما هذه الاسكتشات غير قابلة للتطبيق حقيقة، ليس نتيجة غفلة أو أوهام الكاتب ولكن لأن مسألة تطبيقها لم تطرح، فإنها لا تشكل نماذج تربوية ولكن أدوات موجهة لاستعمال آخر. «إن تفصيل القواعد ليس موضوعي. أعطوا الطفل هذه الرغبة (القراءة).. سيكون كلّ أسلوب مناسباً له... أأتكلم الآن عن الكتابة. لا، أشعر بالعار لأنني أتلهى بهذه الترهات . لا يهمني إن نجح في أو لم ينجح في اللغات القديمة، في الآداب الجميلة أو الشعر... لا يراد كلّ هذا العبث في تربيته.» كتاب في نظرية التربية دون تفاصيل، أمثلته لا طائل منها، يعطي أسلوباً وحيداً للقراءة «رغبة» القراءة، يصف تعليم الكتابة بالترهات، والنجاح في البلاغة بالعبث، كل هذا سيدفع المربين إلى إدانة هذا الكتاب بالحرق. يعد روسو بتعليم الطفل « فن أن يكون جاهلاً »، بحيث أنه في عمر الثانية عشرة لا يعرف التمييز يده اليمنى من اليسرى، أن لا يكون له أي خيال في الخامسة عشرة، الخ. لا بد أن تُدهش العيون حين يعهد أحد الآباء ابنه لمثل هذا المربي! ثالثاً : تفرض عقبات مثل العصيان والكسل والغفلة تصنيفات متنوعة وحلول مختلفة (تتراوح ما بين العقاب والثواب)، ويكون الهدف دائماً تربية الطفل بالرغم من طبيعته. يوفر إميل في حالات واقعية عن أطفال غير محتملين مغرورين. يتم حبس هذا الطفل في خزانة، يجبر على البقاء في السرير، يهان من قبل عابرين متواطئين، ينام في غرفة باردة سيكسر نوافذها، الخ. غير أن إميل، يريد، أساساً، «تربية سلبية» ضد الأخطار التي تهدد الطفل. لا تصدر هذه الأخطار عن الطفل، من طبعه أو من عمره، ولكن من تأثير الآخرين الذين يهددون «القلب الإنساني». ليست الصعوبة في تربية الطفل رغم طبيعته، ولكن الصعوبة هي الحفاظ على طبيعته رغم التربية. هنا أيضاً يكون إميل عكس ما تمثله نظرية تربوية : لا أهداف، لا أسلوب، لا علاج.
أفكاره التربوية : كانت آراؤه تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة. يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة، وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما يخرج من يدي الله يكون خيرا ويد الإنسان تفسده. الفصل الأول لكتاب إميل (تحدث فيه عن تربية الطفل من الميلاد إلى خمس سنوات) انتقد روسو التربية التقليدية في كتابه إميل بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة وتعجب كيف نقيد الطفل منذ ولادته بلفافة، ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد، ثم نقيده بعد مماته بكفن فيولد الإنسان ويعيش ويموت مقيدا. التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية. يركز روسو على بناء جسم الطفل بناء سليما بالغذاء والألعاب الرياضية. يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة، وأن يردد ألفاظا لا يفهمها، إذ يرى أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير. الفصل الثاني (من ستة سنوات إلى اثنى عشرة سنة) يعتبرها روسو من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، لذا يترك الطفل يعيش في الطبيعة، يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن ملاحظاته، فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجودتها ودور الإنسان هو مساعدة الطفل على فهم دروس الطبيعة، دعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات، فيقول: "اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له ولا تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم كل شيء بنفسه." ويقول أيضا: "لا تقدم لتلميذك أي نوع من الدروس الكلامية، فعليه ألا يتلقى مثل هذه الدروس إلا من التجربة." الفصل الثالث (يتناول فيه الدروس ما بين اثنى عشرة سنة حتى الخامسة عشرة سنة) في هذه المرحلة يتعلم إميل ما هو عملي ومفيد له، لذا لابد من اختيار المواد بدقة وحذر، ويوصي روسو بتعلم العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفلك ثم الجغرافيا ولا يتعلمها الفتى من الكتب والخرائط بل من ملاحظة الطبيعة وعن طريق الأسفار، ورغم هذا ينصح بكتاب روبرسون كروزي (Robinson Crusee) فهو ينصح في الابتعاد عن الخطب الرنانة... تمثل هذه المرحلة النشأة العقلية عند الإنسان في الاستطلاع والقدرة على المناقشة والفهم والتحليل من أهم ما يميز هذه المرحلة، وتعلم حرفة يدوية أو مهنة منسجمة مع هذه المرحلة. الفصل الرابع (تناول فيه الحديث عن تربية الشباب من الخامسة عشرة سنة إلى العشرين سنة) وهو ما أسماه بالتربية الوجدانية والأخلاقية، ينصب الاهتمام على تنمية العواطف والأحاسيس والمشاعر وإيقاظ الضمير، و أن الأخلاق مكتوبة في أعماق كل إنسان بشكل طبيعي؛ ويعطي روسو قيمة كبيرة للضمير ويراه مبدأ الأساس للعدالة. الفصل الخامس (من عشرين سنة إلى خمسة وعشرين سنة) يتحدث فيه عن تربية الفتى والفتاة، في هذه يلتقي إميل ب "صوفي" التي تربت كما تربى إميل، مما جعلها أهلا للزواج منها لكنهما لا يتزوجا إلا بعد أن يقوم برحلة لمدة سنتين، ينتقلا خلالها في الدول ويتعرفا على أنظمتها الاجتماعية وعلى شعوبها وعاداتهم وتقاليدهم.
التربية في فكر روسو :
بالتأكيد، أن مسألة التربية لم تكن غريبة عن فكر روسو، فقد تناولها في إطار تفكيره السياسي: غايتها إنشاء مواطنين وطنيين صالحين. فقد تناولها في مقالته الاقتصاد السياسي التي حررت للموسوعة وفي مقالته حول حكومة بولونيا. كان فكره صارما، أراد أن تتم تربية الأطفال بعيداً عن عائلاتهم في إطار الدولة. وحين قال روسو أن كتاب الجمهورية لأفلاطون هو نظرية في التربية، كان ذلك بفهمه أن الدور الأول للدولة هو تعليم المواطنين. وأن التربية قضية هامة جداً لا يمكن تركها للمدرسين والآباء. «بالتأكيد، أن الشعوب، مع الوقت تكون مثلما أرادتها الحكومات .إنها لنقطة مهمة. إن التربية ينبغي أن تعطي النفوس القوة الوطنية، وتوجيه آرائها وأذواقها بحيث تكون وطنية بالرغبة والعاطفة والضرورة» إن التربية إدماج، تدمر «أنا» الفرد وتعوضها بـ «أنا» الجماعة بحيث يفكر كلّ فرد بالمصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية، وهذا ما يدعى« الفضيلة». وقد أعطي هذا المعنى في السطور الأولى لإميل. «إن المؤسسات الجيدة هي المؤسسات التي تعرف تغيير الإنسان.. نقل الأنا إلى الوحدة الجماعية . » بالتأكيد أن إميل يتناول التربية، حتى أنها كانت العنوان الفرعي للكتاب! ماذا يعني إذاً هذا المفهوم. تمثل الصفحات الأولى منظومة من التعاريف، تتناول الطبيعة، الإفساد، العادة، الإنسان والمواطن. بشكل عام فإن هذه المفاهيم تمثل فلسفة القرن الثامن عشر، هذه الفلسفة التي اتجهت نحو التمييز ما بين الطبيعي و المصطنع، والتي كانت مفتونة بسلطة العادة ومتركزة على العلاقة ما بين العواطف الطبيعية والعواطف السياسية. ومن ثم، أن كلّ هذه الأسئلة تتضح في مفهوم التربية. في المقام الأول، إن التربية في المفهوم الشائع ليست صالحة، إنها صناعة لشواذ، إنها تهذيب يخرق الطبيعة، إنها صالحة للسياسة، حيث إنها تكيف الفرد مع جماعته وتدمج أناه في الأنا الجماعية. بعد تربية الواقع، يحدد روسو التربية في ماهيتها حسب ثلاثية : التربية والطبيعة، تربية الأشياء، تربية الآخرين. ويعطي في بقية الكتاب مضموناً محدداً لهذه الثلاثية : تعزز الطبيعة الجسد وتحرر المواهب الإنسانية، وتطور الأشياء المحيطة بالإنسان والمتوفرة لسلوكه ذاكرته وعقله، ويتدخل الآخرون بدءاً من التنبه الجنسي عند نشوء المشاعر الترابطية (الصداقة، الشفقة، التقدير). بهذه الثلاثية «التربوية» يضع روسو انتربولوجيا اجتماعية ذات قاعدة طبيعية. فيستبعد اجتماعية طبيعية تجعل الإنسان في الدولة مثل النحلة في خليتها، وفكرة اجتماعية تعاقدية التي تجعل من الدولة قراراً ناتجاً عن الحساب الإنساني. ليست هناك حاجة لقلب الطبيعة ليصبح الإنسان اجتماعياً، إنها طبيعته التي تجعله كذلك، ولكن بالعودة، هذه الاجتماعية لا يمكن أن تستغني عن فعل الآخرين، إن الوحيد لا يمكن أن يكون اجتماعياً أبداً. إن فعل الآخرين على الإنسان ليس مصطنعاً، تفرضه الطبيعة، طبيعة تجعل الناس يعملون ما تريد أن يعملوه دون أن يكون لها قدرة على فعله بنفسها. إذاً ما يدعوه روسو «بالتربية» ليس سوى فلسفة السببية : بأي آليات، حسب سياق الزمن، تتطور الطبيعة الإنسانية في اتجاه المجتمع، وفي أي آليات تستطيع هذه الطبيعة أن تفسد وأن تهدم الصلات الحقيقية للإنسانية؟ إن مفهوم التربية يجيب على هذين السؤالين. إن تربية إميل هي تاريخ الإنسانية، كان ينبغي على الإنسانية أن تتربى بنفسها، أي أنه في كل إنسان مبادئ تربيته الذاتية ، وانتقاله من الطبيعة البرية (الوحشية) إلى الطبيعة الإنسانية. إن القلب الإنساني هو ذاته في النوع الإنساني وفي الفرد، ومهمة إميل هي وصفه، وهو، في هذا المعنى كتاب انتربولوجيا، تاريخ النوع الإنساني كما أرادته الطبيعة وكما كان ينبغي أن يظهر.
مبادئ التربية الطبيعية عند روسو: 1- الإيمان ببراءة الطفل، وهو تأكيد لاعتقاده بخيرية الطبيعة البشرية، إنه يذكر أن الإنسان ابن الخطيئة. 2 - الإعلاء من شأن الطبيعة: فالطبيعة يتعلم منها الإنسان ما يحتاج، والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها. 3 - مبدأ الحرية : ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف المفاهيم والحقائق، على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من المأزق، وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ. 4 - مبدأ التربية السلبية: أي ألا نعلم الطفل شيئا لا يطلب تعلمه، فترك له الحرية في الحركة والاحتكاك واكتشاف الخبرة العملية والابتعاد عن الدروس اللفظية فيقول: "لا ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية، فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى تعليمه وتأديبه. 5 - مبدأ الطفل هو محور التربية: أي معاملة الطفل كطفل لا كراشد، وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية لا رغبات وطموحات الكبار. إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم لا يتمثل في الإعداد للمستقبل حيث يقول روسو:" إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفالا قبل أن يصبحوا رجالا وعلى المربين أن لا يحملوا الطفل ما لا طاقة به، وإلا عاش تعيسا" ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في ملاحظة نمو الطفل نموا طبيعيا وتهيئة الفرص والظروف الملائمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله. أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل.. وتهيئة الظواهر لإدراكها وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا. وبالعودة إلى السياسات التعليمية في بلدنا نجد أنه من الناحية النظرية فإن القائمون على العملية التربوية يؤمنون بأن هذه النظريات السابقة بمجملها تكمل بعضا . أما من الناحية العملية فأعتقد أنهم لم يأخذوا بهذه النظريات.. وهذا يظهر ويتضح لنا بسرعة بالنظر إلى النتائج المخيبة التي وصل إليها واقع التعليم والتعلم. وإلا كان يمكن أن نشهد نفس النجاحات التي تحققها المدارس في فرنسا أو الولايات المتحدة.. أو أية دولة أخرى. إذا فنحن لم نشهد الكمال في مدارسنا .. ابتداء بإنشاء مبان مدرسية لائقة من حيث توافر الشروط الصحية ومراعاة توافر ساحات اللعب والمناشط المختلفة وانتهاء بموضوع الاستيعاب والصفوف المكتظة التي تحتم أن يصبح المدرس شرطيا لا مربيا. | |
|